|
فاضل حسن الكعبي ..غربة الموت أم موت الغربة
عادل علي عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 3629 - 2012 / 2 / 5 - 10:17
المحور:
الادب والفن
(الحسن البصري / الزهير / الشمرية او سيد احمد ) .. كل هذه الأسماء هي أسماء مقابر لطالما لهج بها لسان الفقيد الراحل فاضل حسن الكعبي ، الكاتب والشاعر والقاص والبطل الرياضي الذي فقدته الأوساط الأدبية والثقافية قبل أكثر من عشرة أيام . وأتذكر أن أول من قال لي إن مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف هي اكبر مقابر العالم هو الكعبي نفسه .. كما أن عقدة الحزن التي رافقته سببها الموت الذي لطالما تحدث عنه بتركيز استثنائي ، حتى انه قال لي وبعد تحوله من حالة سياسية اعتز بها يوما إلى حالة زاهدة أخرى تقل من انفتاحيتها وتحافظ على طقوسها : إن من لم يستحضر الموت ساعة جهل يومه . كان لموت أخويه خليل وإبراهيم أثرا كبيرا في نفسه تعزز أخيرا بهجرة وغربة جميع إخوته مجيد ورحيم وكريم وسلطان . كما أن تعرضه لحادث سير افقده شيء من رجاحة ذاكرته وتثبت تركيزه جعله يهيم بوحدته ولا يعتني بمظهره ، حتى عاش أيامه في دائرة من العبث والفوضى . وأتذكر أن قدمته يوما لشاعر بصري معروف فلم يقتنع به الأخير ، وقال له لا يمكن أن تكون شاعرا بهذه الروح الهائمة والتي ينوف هيامها على تركيزها . كان يقول لي : على الرغم من أنني استحضر الموت وهو لا يفارق مشهدي الآني إلا أنني سأعمد لأن ابتعد بعائلتي عن السكن قرب المقابر كيما احفز الأمل داخل بيتي ، ولكن المفارقة العجيبة أن الراحل سكن في دور مهندسي الري القريبة من مقبرة سيد احمد في الزبير حتى وافته المنية في خطوة الإمام علي (عليه السلام) وهو ساجد يصلي . أنجز الفقيد أكثر من ثمانية عشر مؤلفا في الشعر والسرد والمسرحية والدراسة والتخصص الهندسي العمراني ، كما أتقن ثلاثة لغات هي الانكليزية والبولندية ولغة أخرى لا أتذكرها . وحقق بطولات متقدمة في كرة اليد وتنس الطاولة ورمي الجلة ، بل كان من الأسماء المعروفة في رياضة تنس الطاولة على مستوى محافظة البصرة . ودرب منتخب البصرة لكرة اليد لسنتين ، وهو خير من كسر قاعدة الجسم الثقيل بمشاركته ببطولات تستحق الخفة في الحركة والرشاقة ، إذ تعدى وزنه المائة كيلوغرام وهو ما أذهل مدربين أجانب التقوا به وما ضمنه في قصته المنشورة (مذكرات عاشق مترهل ) . أسس الراحل مكتبة شخصية عامرة تعدت الخمس عشرة ألف كتابا في تصانيف معرفية شتى ، ولكنه ولظروف قاهرة عرضها للبيع ولم يتبق منها إلا بعض مئات . كما اشرف ونفذ العديد من المشاريع العمرانية ومشاريع الري وشغل مناصب هندسية معروفه كونه رئيس مهندسين ، وكاد أن يعتمد احد مؤلفاته في الصب الكونكريتي والخرسانة كمنهج تدريسي لكلية الهندسة بقسمها المدني . قدم مقترحا (لم يسمع في حينه) مفاده أن على الجهات المعنية بالثروة المائية أن تلتفت إلى الهدر الكبير للمياه التي يحملها شط البصرة والتي تصب في الخليج ، ولا بأس أن تعمد هذه الجهات باستحداث مشروع عملاق يعطف هذه الهكتارات المائية نحو غرب البصرة ليعود مجرى الشط ويحيي الصحراء الغربية لمدينة البصرة ويسهم بحزام اخضر يعود إيجابا على بيئة وجمال البصرة ويقلل من أطنان الملوثات الثابتة والمحمولة والتي تسهم في انتشار أمراضها الوبائية والسرطانية. كان الراحل مثقفا واعيا ، ومتابعا راصدا لكل المهرجانات والإصدارات والفعاليات الثقافية ، ومما أتذكره أننا كنا نقرأ كتابا واحد ونناقشه في جولة مسائية أسميناها جولة الترويج الفكري ، كنا نجوب شوارع محلتنا الجميلة (المربد) وهي محلة صغيرة يسكنها موظفو شركة نفط البصرة ، ولقد اعتنت إدارة شركة البي بي سي بتنسيقها وتوزيع خدماتها ، فكانت تضم ناد وسينما صيفية وشتوية ومسبح وساحة تنس وكرة قدم وألعاب ترفيهية ، ويتوزع بخريطتها أكثر من عشرين شارعا معبدا لكل شارع تسمية خاصة بهندسته ..كنت والفقيد نخوض معالم هذه الشوارع بعرض وتحليل لما قراناه من كتاب في الليلة الماضية ، وأتذكر أن اختلافنا يصل حد الصياح والزعيق ، فنتساجل ونتخاصم ونتفرق ولكن ذلك لم يتعد النصف ساعة إذ لا أفتأ أن يطرق الفقيد باب بيتنا لأجده مبتسما وهو يحثني على كتاب جديد آخر . او أننا نذهب إلى العشار حيث نجد أن (إقبال) موظفة الدار الوطنية قد أفردت لنا آخر ما وصل من كتب وإصدارات وكذلك الأستاذ غازي فيصل حمود او صاحب مكتبة فرجو او الجميع او المثنى وجميع هذه المكاتب منقرضة باستثناء مكتبة المرحوم فيصل حمود . اشعر أن تطرقي لموضوع الراحل الفقيد يضعني ضمن دائرة تخبط الذكرى لذا تلتبس عليّ الأحداث كخيوط شباك الصيد فلم اعرف أولها من آخرها .. رحم الله الفقيد المرحوم فاضل حسن الكعبي الإنسان والمثقف والنجم الرياضي والرجل الموسوعي الذي كسر طوق التخصص الأحادي ، وعاش غريبا يزاحم ضجيجه بوحدته المتألقة ويصرخ بغربته في عالمه الساكن
#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقائع الجلسة المفتوحة التي عقدها مركز معلمات وتطوير الأعمال
...
-
طفوف (6)
-
شهادة لآخر الجنود المنسحبين
-
طفوف (5)
-
اخيرا مات محمود واقفا
-
طفوف 4
-
طفوف (3)
-
طفوف (2)
-
طفوف (1)
-
كتاب الحوارات - لعبة التضاد
-
كتاب الحوارات ( بقايا الأثر)
-
كتاب الحوارات (اقتفاء الطيف)
-
100قصة من 6 كلمات
-
ادباء المزاح والضحك والسخرية
-
بقايا سخام
-
وطء على الجمر
-
هناك في القبر
-
الرصيف الثقافي
-
مرثية لابن الرومي
-
سرة ام مجيد
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|