تداعيات الكارثة ( يسقط حكم النازى ).

محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3628 - 2012 / 2 / 4 - 22:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

((عندما استدعي رئيس الجمهورية الالمانية العجوز هندنبرج في 30 يناير 1933 الهر أدولف هتلر ليعينه مستشارا لألمانيا كان بذلك ينهي تلك المرحلة الطويلة من نضال الحزب (الوطني الاشتراكي ) النازى للوصول الي السلطة ... حقا لم يكن هذا الحدث يمثل الانتصار الكامل للحزب فلقد كان يشاركه الحكم آخرون ، ولكن سرعان ما استطاع هتلر بالأمر أن يجعل هذه اللحظة هي لحظة الانتصار النهائي له ولحزبه ))من كتاب وليم شيرر صعود وسقوط الرايخ الثالث.
ان قصة فوهرر ألمانيا قصة مكررة في التاريخ يمثل فيها حلقة وسطية بين طغيان أباطرة الامس في مصر وبلاد ما بين النهرين واليونان وروما .. وبين طغيان اليوم الذين عانينا منه منذ ان بدأ القوميون العسكر الحكم .. وحتي ما نكاد نلمسه بأيدينا أينما وجهنا انظارنا في منطقتنا المبتلاة بصعود التيارات الاسلامية السياسية .. فلنتعلم من دروس التاريخ ان لم نكن قد فقدنا عقولنا بعد أما اذا كان الهطل والخبل قد غزا الرؤوس بحيث أصبحت لا تعي .. فلتجرع الكأس الي آخرة و تنعم بغباء الاختيار .
((في 17 فبراير حرق مجنون هولندى ( كما ادعي هتلر ) مبني الرايشستاخ وتولت مليشيات الحزب (جيش العاصفة ) بعد ذلك اعتقال جميع العناصر المناوئة أو اغتيالها بحجة أنه تدبير شيوعي ورغم أنه ظهر بعد ذلك أن أعضاء من الحزب بقيادة وتخطيط جورنج الرجل الثاني هم الذين حرقوا المبني الا أن ذلك لم يمنع استمرار سيطرة النازى علي الحكم وتصفية الحياة السياسية في البلد وحل جميع الاحزاب وحظر نشاطها والاستيلاء علي مقارها وميزانيتها ومطاردة زعمائها حتي لم يبق في النهاية الا الحزب النازى ))
هذا هو المثال المحلول الذى اتبعته جميع الانقلابات العسكرية والاحزاب القومية .. و تسعي الاحزاب الدينية اليوم علي هدية لفرض سيطرتها علي المنطقة من ايران حتي موريتانيا شرقا وغربا ومن تركيا حتي الصومال شمالا وجنوبا .
(( وكان الحزب منظما بطريقة تشبه الجيش له جهاز حزبي دقيق ومعقد وعلي رأسه الزعيم الاعلي للحزب والقائد الاعلي لجيش العاصفة ورئيس منظمة العمال الالمان ( كالمرشد الاخواني ) وبعد الزعيم الاعلي مجلس مديرى الرايخ علي اتصال مباشر به ، يليهم القائد الاقليمي لكل مقاطعه و الذى يتم تعيينة بشكل مباشر ثم تنقسم المقاطعات الي حلقات يرأس كل حلقة قائد ثم تنقسم هذة الحلقات الي وحدات أصغر تدعي فئات محلية تنضم كل فئة الي خلايا الشوارع والابنية او القرى )).
تنظيم عنقودى يصلح للأحزاب السرية المطاردة والتي اذا سقط فرع منها لا ينهار بجواره التنظيم وهو ما فعله الاخوان المسلمين والسلفيين خلال النصف قرن الماضي وحافظ علي تشكيلاتهم من التشتيت الذى حدث للتنظيمات الشيوعية .
((وكانت هناك دوائر مركزية للشئون الخارجية والنقابات العمالية والصحافة وتسميPO1 ومهمتها الاساسية مهاجمة القوى السياسية الاخرى وأعمال التخريب وأخرى تسمي PO2 للزراعة ، العدل ، الاقتصاد الوطني ، الداخلية ، العمل ، الثقافة ، الهندسة ، ومهمتها تنطيم الانشطة والسيطرة عليها .. أما الاعلام والدعاية فدائرته مستقلة بذاتها .. كذلك هناك منظمات نسائية وللشباب والاطفال )) .
كأننا نتكلم عن الأحزاب التي حكمتنا خلال النصف قرن الماضي والتي تحل الاخوان المسلمين محلها تدريجيا بحيث تستبدل الوجوه فقط ولكن يبقي الحال علي ما هو عليه .. ولقد شاهدنا كيف ان الكتاتني صورة من سرور شكلا وموضوعا .
(( ولقد أولي الحزب اهتماما خاصا بالشباب فكون لهم منظمة شبيبة هتلر للفتيان من 15 – 18عام كانت مهمتها الاهتمام بثقافتهم والاشراف علي مدارسهم وصحافتهم ودعايتهم ورياضة الدفاع عن النفس ))
في حالتنا تنتشر كتاتيب تحفيظ القرآن والمدرسين الخصوصين في الجوامع لتعويض عجز المدارس الحكومية وفي نفس الوقت ربط الفتيان بالجماعة .
((وكان للفتيات أيضا اتحاد والنساء منظمة كذلك كانت هناك اتحادات الطلاب والمعلمين والموظفين والاطباء والمحامين والقضاة ورابطة الثقافة النازية التي تضم المثقفين والفنانين)) وهو ما يفسر اهتمام الاخوان في السيطرة علي النقابات والاتحادات التي كان يسيطر عليها الحزب الوطني او الاتحاد الاشتراكي من قبل.
((في نفس الوقت كان هناك الجناح العسكرى للحزب وهو قوة تضم مئات الالوف من رجال جيش العاصفة الذى كانت مهمته في البداية حراسة اجتماعات الحزب وتخريب اجتماعات الاحزاب المعارضة ثم تحول ليصبح الوسيلة الاساسية لنشر الارهاب النازى)).
مليشيات جيش العاصفة الاخواني ستراهم يكونون الكردونات لحماية البرلمان المزور ومقاومة المتظاهرين بالعصي الكهربائية ولجان الاقتراع لضمان حصولهم علي الاغلبية .. انه جيش عاصفة استعرض في يوم ما في احتفالات الجامعة الازهرية بالملابس السوداء والاقنعة التي تميز عاصفة (بديع) لتماثل عاصفة (هتلر) ولكننا لا نقرأ ولا نتعلم ونتركهم في غيهم يعمهون.
((لقد كانت فرق العاصفة بملابسهم البنية التي يرتديها اعضاؤها لهم مكتب سياسي خاص في الحزب يسمي مكتب الجيش الشعبي يديره الزعيم الأوحد يصدر التعليمات لمجموعة من الزعماء الاصغر الذين يتولون نقلها للقيادات التالية وكانت هذه التعليمات بذلك مقدسة لا تقبل اى مناقشة او تعديل فيما يسمي بالتوجيهات الحزبية ))
والان اعجب كيف لم يفهم من يؤيدون صعود الاسلام السياسي اننا في مواجهة من تنظيم فاشيستي نازى يصدر تعليمات مقدسة بنسف النفس فيدمر المغفل نفسه متوقعا انه ذاهب لكباريه الحور المنتظرات وصول سعادته لإمتاعه.
والحزب النازى له ايضا كتابه المقدس (كفاحي ) الذى لا يقبل المناقشة او النقد او الاعتراض والذى كان يوضع علي مذابح الكنائس بجوار الكتب المقدسة .. لنقرأ ماذا كتب فيه هتلر.
((عندما تختفي جميع السلطات لا يكون في وسع احد ( الا اذا كان منبثقا من الشعب ) أن يعيد تركيز السلطة ، وكلما كانت جذوره أعمق فطريا في القاعدة الشعبية كان اكثر صلاحا لفهم معاملتها نفسيا وزادت ثقة العمال به واكتسب عددا ضخما من الانصار بين صفوف الشعب من ذوى الحماس والحيوية ، وقد لا يشترك هذا الرجل مع الجماهير في اى خصلة اذ يكون مثل العظماء متفردا ذو شخصية مستقلة بذاتها ولكن عندما يتطلب الامر لا ينكمش امام سفك الماء وكثيرا ما تقرر القضايا العظيمة بالدم والحديد وهو علي استعداد ليدوس علي اقرب اصدقائه ليتمكن من الوصول لهدفه واذا اقتضت الحالة ففي وسعه ان يخطو علي الشعب بحذاء الجندى القاذف للقنابل اليدوية )).
لقد تصور المحيطون به ان هذه مجرد كلمات ولكنه صفـّى (روهم ـ مساعده ـ في مذبحة 30 يونيو 1934 ) وانتهي ( بتجريد هملر وجورنج من كل مناصبهم في ابريل 1945 ) لقد كان يعني ما يقول فلا تهملوا ما قاله مرشد الاخوان بان طظ في مصر وأهل مصر .
استعرت هذا المقطع الطويل من كتاب وليم شيرر والذى اتمني ان يقرأ أجزاءه الأربعة كل مصرى وعربي وإيراني وتركي ليفهم ما الذى حدث وما سيجره عليه حكم الفاشيست الاسلامجية من خراب .. فجميع التنظيمات الاسلامية تزاول الارهاب ان لم يكن المادى و كلنا نعرف كوارثهم في مصر والعراق والجزائر وكيف تسببوا في موت وتعويق الالاف من المسلمين كذلك نعرف قصص الارهاب في اوروبا وامريكا وآسيا وآخرها افريقيا التي ابتليت بهم في نيجيريا .. وكلنا شاهدنا كيف كانوا يسوقون الابرياء ليفصلون رؤوسهم مع صيحات الله اكبر او يقذفونهم من اعلي مباني غزة واستاد بورسعيد .. ومع ذلك يذهب الجهلة المغيبين كالخراف الي المجزرة فينتخبونهم .الارهاب المعنوى اكثر حرفية وقسوة .. فالتيارات الاسلامجية تحترف سرد القصص المأخوذة عن تراث الشعوب عن عذابات الاخرة وتطرحها علي البسطاء كما لو كانت حقائق ، ثعابين وعقارب وزبانية وسادية مفرطه مقززة تجعل من يتم تعذيبه وافناؤه يعود له جسده ليكرر جولات التعذيب .. فكر قد يصلح لسذج ومحدودى العلم والثقافه منذ الاف السنين ولكن لا يقنع طفل صغير في القرن الحادى والعشرين .
الارهاب الفكرى ، الروحي والفعلي هو الوسيلة التي يتسلل بها الاخوان للسيطرة عليكم .. كارثة بورسعيد .. وحرب الشوارع مع الداخلية ، وضرب للشباب وهم فى نفس الوقت يعدلون من لوائح مجلس الشعب ومن الجهاز الادارى للعاملين به ليصبح مناسبا لهم .. نفس ما فعلوه في النقابات واتحادات الطلبة وأثناء انتخابات مجلس الشعب والشورى .. يشعلن الحرائق في مكان ويزحفون لاحتلال موقعا متقدما اثناء الفوضى نفس ما قام به البلطجية و تجار الموت عندما جرّفوا الارض الزراعية وبنوا عليها اثناء فوضي الانتفاضة .. حزب الاخوان النازى لا يبتكر لا يغير ان لديه المنهج الذى وضعه له الارهابي الاعظم مؤسس الجماعة والارهابي سيد قطب ولا تعديل .
ما حدث في بورسعيد و اغتيال شباب في عمر الزهور هو صراع بين التنظيمات الفاشيستية المختلفة التي ابتليت بها مصر منذ نصف قرن كل منها تحاول ان تثبت قدرتها علي ارهاب الاخرين .. لدينا تنظيمات الحزب الوطني الذى تم تجريده من سلطاته لكن لازال يمتلك الاموال والرجال والقدرة التخطيطية علي إلحاق الضرر بالجميع وتعويق من همشوه .. كذلك لدينا تنظيمات الفاشيست السلفيين يحاولون ان يجدوا لانفسهم مكانا كما كانت تجربتهم في العراق وينفقون الملايين من أموال الافيون والبترول وهم حريصون علي ان تصبح مصر الحامي الاول للارهاب بعودة أيمن الظواهرى والانقلاب علي الديموقراطية لاعادة الخلافة الفاشيستية التي عندما يقفز أحدهم علي الكرسي لا يغادره الا بالاغتيال او السجن من الخليفة الذى يليه .. وهناك مليشيات الاخوان المدربين جيدا علي تأمين مقرات الحزب واجتماعاته ( أهمها اليوم البرلمان ) وهم يعرفون جيدا ما سيواجههم من التنظيمات الارهابية الاخرى لذلك يحاولون الاستيلاء علي ماكينة الادارة الحكومية وصبغها باللحي المقصوصة بعنايه علي نمط (البديع ) هذا التنظيم الفاشيستي ينعم برضاء امريكا واوروبا والسعودية واسرائيل .. و لا يهتم لو ان كل المصريون سبوه او لعنوه أو رفعوا الأحذية فى وجهه ، فهو يتقن سرقة المواقف والقفز في الوقت المناسب .. ولدينا تنظيمات رجال الاعمال الذين تاثرت ارباحهم اما بضرب الوطني او ضرب الاستقرار والسياحة.. وهم مستعدون لدفع الكثير لتنظيمات البلطجية الذين يسوقهم موردى الانفار من امن الدولة السابقين والحاليين وهم ينفقون ببذخ سواء في واقعة الجمل او حرب بورسعيد .. وأخيرا لدينا القيادة العليا للقوات المسلحة التي تم تدليلها طول نصف قرن بعد اكتوبر 73 وحتي اليوم بميزانية مفرطة الكرم لا يتم محاسبة إنفاقها ومشاريع مدنية و اسعه من زراعة وتربية حيوانات ودواجن ومحطات وقود وأندية ضباط تحفل بالافراح والليالي الملاح .. بيزنيس القوات المسلحة له عائد مرعب بالاضافة الي العلاقة الحميمة بالقوات المسلحة الامريكيه وتبادل التعاون والخبرات .. يجعل كبار الضباط طرف لابد من وضعه في الاعتبار اثناء حساب صراعات القوى .. خصوصا بعد ان ذاقوا طعم السلطة المطلقة .
بالونات الاختبار التي تطلق في الجو من أجهزة الاعلام التي تخدم علي كل الاطراف ، تستخدم لمعرفة ماذا ستفعل المافيات المواجهة .. بعض هذه البالونات هي جماعة المنكر والمعروف وكيف ستزود بآلاف العصى الكهربائية .. او الهجوم علي شباب الاهلي في بورسعيد .. او الهجوم الغير مبرر علي وزارة الداخلية .. او تهريب المساجين من قسم بوليس .. والقبض علي آخرين بعد ساعات من وقوع الجريمة.
في مصر صراع ضارى بين التنظيمات الفاشيستية المختلفة .. استغل طاقة الشباب ورغبتهم في أن يسطروا مستقبلا مناسبا للعصر فانفجرت جميع نقاط الضعف في المجتمع وانتهت الدولة المصرية لتحل محلها تنظيمات متفرقة عندما يكتمل نموها ستصبح مصر مثل الصومال.
هل هناك بصيص ضوء .. !! نعم هناك طاقة لازالت مفتوحة يضحي من اجلها الشباب بارواحهم .. مستقبلهم الذى تريد ان تصبغه مليشيات القرون الوسطي بصبغتها .. ان الوعي بما يحدث وتعليم الشباب وتبادل الخبرات عبر طرق الاتصال الجديدة هي القوة المضادة التي ستعوّق وتقضي علي العصابات التي استوطنت مصر .. أخطر هذه العصابات هي الاخوان المسلمين الذين يعرفون اين يضعون اقدامهم ويقضمون الكعكة قطعة قطعة .. وعندما سيكونون في السلطة سيلتف حولهم الوصوليون والمطبلون وحاملو البخور وكوديات الزار أملا ان يشوش الضجيج علي الواقع المؤلم .. ايها الشباب حافظوا علي حياتكم وتنبهوا لأعداء الوطن في الداخل قبل الخارج فأنتم الامل .

#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات