نبيل جعفر عبد الرضا
الحوار المتمدن-العدد: 3626 - 2012 / 2 / 2 - 21:07
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الآثار الاقتصادية لتحرير التجارة الخارجية في العراق
الدكتور نبيل جعفر عبد الرضا و باسمة كزار حسن
الملخص
لاشك إن تحرير التجارة الخارجية في العراق يعد حدثاً اقتصادياً هاماً يدفع العراق بتقويم سياسته التجارية في ضوء توقعاتهِ للمزايا والخسائر الناجمة عن التحرير.استهدف العراق من تحرير تجارته الإفادة من المزايا التي يمكن أن يُحققها من تحرير التجارة ,ولربط اقتصاده بالسوق العالمية,ولما كان العراق من بين الدول النامية, فأن خسائره من التحرير قد تكون أكثر من فوائدة في الأجل القصير,لكن العراق سيجد من التحرير دافعاً قوياً لمزيد من الإصلاح الحقيقي الشامل, والى إعادة النظر في وضع هياكله الإنتاجية وفي تحسين استخدام موارده.
يسعى هذا البحث إلى تحليل الآثار التي تحققت في الاقتصاد العراقي,استناداً إلى واقع الاقتصاد العراقي,والآثار التي ستُلحق بالاقتصاد العراقي في أطار تحرير التجارة ومتضمنات الاتفاقيات الرئيسية لمُنظمة التجارة العالمية. وختم البحث بعدد من الاستنتاجات من خلال المباحث أعلاه مع وضع عدد من المقترحات التي تسهم في التقليل من مخاطر هذه الآثار والتي أخذت مسبباتها تعكس تأثيراتها على العراق
المقدمة:
لاشك إن تحرير التجارة الخارجية في العراق يعد حدثاً اقتصادياً هاماً يدفع العراق بتقويم سياسته التجارية في ضوء توقعاتهِ للمزايا والخسائر الناجمة عن التحرير.استهدف العراق من تحرير تجارته الإفادة من المزايا التي يمكن أن يُحققها من تحرير التجارة ,ولربط اقتصاده بالسوق العالمية,ولما كان العراق من بين الدول النامية, فأن خسائره من التحرير قد تكون أكثر من فوائدة في الأجل القصير,لكن العراق سيجد من التحرير دافعاً قوياً لمزيد من الإصلاح الحقيقي الشامل, والى إعادة النظر في وضع هياكله الإنتاجية وفي تحسين استخدام موارده.
أهمية البحث: تكمن أهمية البحث بأنه يتناول موضوع مهم ومعاصر وذات تأثير اقتصادي واجتماعي وسياسي يتمثل بتحرير تجارة العراق الخارجية وما ينتج عنها من أثار متحققة ومستقبلية.
مشكلة البحث: إن تحرير التجارة الخارجية في العراق,لم يأت في سياق عمل منهجي مُنظم لإصلاح الاقتصاد العراقي,وضمن حُزمة من الإجراءات الهادفة إلى التحويل التدريجي للاقتصاد العراقي من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد السوق.إنما جاء بصورة مجتزئة من دون أن تسبقهُ أو ترافقهُ الإجراءات الأخُرى التي من شانها أن تحد من الآثار السَلبية لتحرير التجارة وتوسع المنافع الايجابية لها في الاقتصاد العراقي.
فرضية البحث:"ترتب على تحرير التجارة الخارجية في العراق انعكاسات بالغة السوء على القَطاعات السلعية وعلى طبيعة الأداء الاقتصادي في العراق".
لذا يسعى هذا البحث إلى تحليل الآثار التي تحققت في الاقتصاد العراقي,استناداً إلى واقع الاقتصاد العراقي,والآثار التي ستُلحق بالاقتصاد العراقي في أطار تحرير التجارة ومتضمنات الاتفاقيات الرئيسية لمُنظمة التجارة العالمية. وختم البحث بعدد من الاستنتاجات من خلال المباحث أعلاه مع وضع عدد من المقترحات التي تسهم في التقليل من مخاطر هذه الآثار والتي أخذت مسبباتها تعكس تأثيراتها على العراق
االمبحث الأول
الآثار الاقتصادية المتحققة من تحرير التجارة الخارجية في العراق
أولاً:قطاعات الإنتاج السلعية.
1- أثر تحرير التجارة على القطاع الزراعي.
يعد قَطاع الزراعة من أكثر القَطاعات الاقتصادية تأثراً بتحرير التجارة الخارجية ويعود السبب في ذلك إلى كونهُ أكثر القَطاعات تعرضاً للاختلالات الحادة نتيجة للتشوهات الناجمة عن السياسات الحمائية التي طبقتها العديد من الدول.
ومازالت الزراعة في العراق ضعيفة الإنتاجية لإعتمادها أساليب عمل تقليدية وقصورها على استخدام الموارد الكافية الطبيعية والبشرية وهذا ما اضعف من نسبة مُساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي واضعف مُساهمتها في التنمية الاقتصادية,إذ انخفضت نسبة مُساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من8,7% عام 2002,إلى5,1% عام 2007.ويعود ذلك التراجُع في نسبة مُساهمة الناتج الزراعي في GDPإلى انخفاض إنتاجية الدونم الواحد خصوصاً للمناطق المحيطة بالعاصمة بغداد التي كانت توفر نسبة كبيرة من الفواكه والخضروات للسوق المحلية إلى جانب تخلُف عوامل الإنتاج وتدني مستوى الإدارة الزراعية للفلاحين وإرتفاع تكاليف الإنتاج بالشكل الذي انعكس على عدم قدرة المنتوج المحلي على مُنافسة المستورد فضلاً عن مشاكل تتعلق بالأسمدة والوَقود والكهرباء وشحه المياه فضلاً عن ذلك فان الإنتاج النباتي كان ومازال يُعاني من التخلُف الشديد الذي انعكس مُباشرة في إنتاجية هذا القَطاع .
وتبعاً لذلك ما يزال متوسط نصيب الفرد من الناتج الزراعي منخفضاً,إذ بلغ نصيب الفرد من الناتج الزراعي نحو 108 دولار و155 دولار للعامين 2002و2007 على التوالي والجدير بالذكر إن الارتفاع الحاصل في الناتج الزراعي لعام 2007 يعود إلى التحسن النسبي الحاصل في الوضع الأمني والاقتصادي للبلد .
وعند مُقارنة تجارة العراق الزراعية نجد إن الصادرات الزراعية في العراق تُشكل 0,2%عام 2007, من إجمالي الصادرات في حين تُشكل الواردات الزراعية ما يُقارب 4,7% من إجمالي الواردات للعام 2007 ,يتضح من ذلك ضعف هيكل الصادرات الزراعية مقارنة بهيكل الواردات الزراعية لنفس السلع وهذا يعني إن العراق يعاني ازدياد الفجوة الغذائية التي بلغت عام 2002,(494) مليون دولار أرتفعت إلى(925) مليون دولار عام 2007.ولذلك تغدو الصادرات الزراعية العراقية عاجزة عن مُنافسة الأسواق العالمية في ظل الانِفتاح التجاري المنشود.
.
والجدير بالذكر إن الفجوة الغذائية لازالت كبيرة وتغلب عليها التذبذُب من سنة لأخُرى نظراً للتقصير في الإنتاج النباتي والحيواني وزيادة حجم الاستهلاك فضلاً عن تقلُبات الأسعار العالمية لسلع الغذائية.
مما سبق يمكن القول إن سياسات التحرير قد أدت إلى تقليل نَمو القطاع الزراعي وانخفاض نصيب هذا القَطاع من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في البلاد,وبالتالي تدني درجة الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية المحلية,مما أدى إلى إغراق السوق العراقية بالسلع الزراعية – الغذائية المستوردة ,ومن ثَمَّ أدى ذلك إلى إعاقة عملية الإنتاج في العراق لما عاناهُ العراق من إرتفاع في الفجوة الغذائية مما سبق يتضح مدى خطورة تحرير التجارة على الزراعة خاصة في ظل السياسات الراهنة التي توثر في التركيب المحصولي والأمن الغذائي,وهي بذلك تتأثر بعاملين مترافقين جراء تحرير التجارة هما:
أ- انخفاض إنتاجية القَطاع الزراعي بسبب تقليص الدعم للقَطاع وفي ذات الوقت لا توجد معالجة واقعية لهذه المعضلة,الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التدهور للقَطاع الزراعي, ويلقي بأعباء إضافية على عملية التنمية ويوسع معدلات البطالة والفقر ويزيد من حجم المديونية .
ب- زيادة أسعار بعض المنتجات الزراعية نتيجة تقليص الدعم لهذا القَطاع,فضلاً عن زيادة الطلب العالمي أثر إلغاء القيود على الاستيراد وتخفيض الرسوم الكمركية على الواردات الزراعية.
2- أثر تحرير التجارة على القَطاع الصناعي.
تتضح مدى آثار تحرير التجارة على القَطاع الصناعي من خلال مجموعة من العوامل الآتية:
أ-هيكل الصادرات ...أي مدى اعتماد العراق على عدد من المنتجات المحددة في تشكيلة صادراته,إذ يُشكل النِفط نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات لذا يجب أن يكون هناك تطور في بُنية الصادرات العراقية حتى يمكن من تحقيق مكاسب من تحرير التجارة.
ب- القدرة التنافُسية للمصنوعات...من خلال تحقيق مستويات التصنيع العالمي,إذ مازالت المنتجات العراقية تتميز بانخفاض كفاءتها وارتفاع أسعارها وبُعدها عن تطبيق أنظمة إدارة الجودة العالمية 9000(ISO)()لذا ينبغي أن تكون المنتجات العراقية تمتلك قدرة تنافُسية وقادرة على تطبيق معايير الجودة العالمية(ISO).
ث -نمط التصنيع المعتمد... إذ اعتمد العراق أساساً على إستراتيجية تعويض الواردات وراء حماية كُمركية عالية وسيطرة للدولة على قَطاع التجارة الخارجية.
وعلى أساس ذلك سنتناول موضوع آثار تحرير التجارة على الصناعة بوصف الصناعة في العراق غير قادرة على المُنافسة دولياً نظراً لما تُعانيه من صعوبات حقيقية إذ تُعاني من ضعف قدرتها التنافُسية فمازال العراق بعيداً عن التنمية الصناعية بمفهومها الحديث,وهُناك نقاط خلل تُعاني منها منشآتنا الصناعية إذ انخفض عدد المنشآت الكبيرة من 418 مُنشأة عام 2002,إلى 411 مُنشأة عام 2006.أما المنشآت المتوسطة فقد إنخفض عددها من 80 منشأة عام 2002,إلى 52 مُنشأة عام 2006,بينما انخفض عدد المنشآت الصناعية الصغيرة من 17929مُنشأة عام 2002,إلى 11620 مُنشأة عام 2006 .وسبب انخفاض عدد هذه المُنشآت يعود إلى تطبيق سياسات تحرير التجارة وما نتج عنها من سياسة الإغراق التي أدت إلى توقف هذه الصناعات التي كانت تنتج ما مقداره 70-80% من الإنتاج الوطني.ومع ذلك فان صادرات العراق من السلع الصناعية قد ارتفعت من 2 مليون دولار عام 2002, إلى 81 مليون دولار عام 2007, بسبب رفع الحصار الاقتصادي عن العراق وبالمقابل أرتفعت الواردات العراقية من السلع الصناعية من 7476 مليون دولار عام 2002 إلى 9352 مليون دولار عام 2007,وهذا يعني إن العراق يُعاني من فجوة بين الحاجة الفعلية والإنتاج الفعلي العراقي من السلع الصناعية.
إن برنامج تحرير التجارة يرمي من خلال إلغاء نظام الحصص وتخفيض رسوم الحماية الكُمركية إلى جعل الصناعة المحلية أكثر قدرة على المُنافسة.لكن عملية التحرير تلك أدت إلى انهيار الصناعات المحلية في العراق والتي هي ألان شبه مُدمرة نتيجة الظروف التي مَّر بها العراق بعد عام 2003,كما عززت هذه التدابير تدفق السلع الترفيهية في حين قل عبء الضرائب على مجموعات الدخل المرتفع نتيجة تخفيض رسوم الاستيراد على السيارات والسلع المعمرة ولا تحل السلع المستوردة محل الإنتاج المحلي فحسب بل تسهم بالنهاية في رفع مستويات التضخُم وزيادة وتفاقُم مُشكلة البِطالة.
ثانياً:البطالة.
تعد البِطالة من أهم العقبات التي تؤثر على برامج تحرير التجارة,فهذا العامل يُقلق الحكومات باعتبارها أكثر المواضيع التي قد تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
إن لتحرير التجارة من خلال فلسفة السوق الحُر والخصخصة عَلاقة وتأثير قوي بمستوى التشغيل في الدول النامية ويمكن أن نُحلل هذه العَلاقة و التأثير من خلال الآتي:
إن فلسفة السوق الحُر وتحرير التجارة تعني في أهم مضامينها عدم تدخل الدولة واضمحلال دورها الاقتصادي والاجتماعي,ومن ثَمَّ تقليص الإنفاق العام للدولة سواء الموجه للأغراض الاستثمارية أم الاستهلاكية,وهذا يعني انسحاب الدولة من الاستثمار العام وعدم التوسع في مشاريع جديدة وهذا يؤدي إلى تقليص الطلب على العمالة ومن ثَمَّ يُساهم مساهمة كبيرة في تعميق مُشكلة البِطالة وكذلك تخفيض الاستخدام في المؤسسات الحكومية وانسحاب الحكومة من التزاماتها باتجاه توفير وضمان العمالة (التوظيف) ولاسيما للخريجين وهذا يسُاهم كذلك في زيادة البِطالة .
وبالرغُم من إن السياسة الاقتصادية في العراق بعد عام 2003,استهدفت في أحد جوانبها المحافظة على معدل عالِ من الاستخدام إلا إن الأرقام المُعلنة عن حجم البِطالة ومعدلاتها تتزايد باستمراروذلك بالرغُم ما توعد به سياسات تحرير التجارة من إنها ستتمكن من القضاء أو التقليل من البِطالة.إلا إن حقيقة الأمور تُشير إلى إن برامج تحرير التجارة كان لها دور كبير في تزايُد معدلات البِطالة في العراق, ففي عام 2002 كان معدل البِطالة للسكان بعمر 15 سنة فأكثر نحو19% وفي عام 2006 وفي ظل تحرير التجارة أرتفع معدل البِطالة ليصل إلى27,6% .
أما إذا أخذنا معدل البِطالة بعد تعديلها لتشمل البِطالة الناقصة(*)(أي البِطالة الكاملة والجزئية) فإنها سترتفع بالتأكيد,فمثلاً إذ ما أضيفت مؤشرات البِطالة الناقصة( فأن معدل البِطالة يصبح 35%عام 2002,و65,7% عام 2006,وهذا ما يبعث إلى القول بان حوالي 66% تقريباً من النشطين اقتصادياً(**)يعانون من البِطالة.
إن ظاهرة البِطالة في العراق لم تقتصر على العاطلين عن العمل إنما امتدت لتعكس شيوع حالة العمالة الناقصة بين المشتغلين أنفسهم فقد أرتفع معدل البِطالة الناقصة بسبب قلة ساعات العمل من 16% عام 2002,الى38,10% عام 2006.
إن ارتفاع البِطالة في السنوات الأولى بعد تطبيق سياسات تحرير التجارة يعد أمراً لابد منهُ, ومن المرجح تفاقُم هذه المُشكلة في الأجل القصير ربما المتوسط وذلك للطبيعة الانكماشية لهذه السياسات ولكن قد تنخفض معدلات البِطالة في الأجل الطويل بعد زيادة الإنتاج وإيجاد فُرص العمل الجديدة.على المدى المتوسط والطويل,يُراهن مروجي تحرير التجارة على قدرة الخصخصة والتحرير التجاري على خلق فُرص عمل جديدة وذلك من خلال قدرة الخصخصة على أطلاق عملية النَمو في الإنتاج والاستثمار وخلق فُرص عمل جديدة لان البِطالة تزيد مع انخفاض الإنتاج في قَطاع سلع الاستيراد,فإذ كان إصلاح التعريفات مؤكداً فسوف تكون البطالة قصيرة الأجل بطبيعتها,إذ سيُعاد توجيه رأس المال في هذه الحالة من قَطاع سلع الاستيراد إلى قَطاع سلع التصدير بحيث تميل البِطالة إلى الاختفاء في الأمد الطويل.
ثالثاً:التضخم
يتأثر التضخُم بسياسات تحرير التجارة من خلال العديد من الاتجاهات التي تؤدي إلى تدهور أوضاع هذا القَطاع ولاسيما عندما تصل معدلات التضخُم فيه إلى مستويات مرتفعة,فتسارع هذه الظاهرة يؤدي إلى تدني القوة الشرائية لأفراد المجتمع ولاسيما فئات الدخل المنخفض مما يُقلل من مقدرتهم في الحصول على القدر المناسب من السلع الضَرورية,ويترتب على ذلك ارتفاع الأهمية النسبية للفُقر في الإقتصادات التي تتزايد فيها معدلات التضخُم.
وقد شهد الاقتصاد العراقي إنِفتاحاً على العالم الخارجي منذ تطبيق برامج تحرير التجارة,إذ أدى الانخفاض في الأسعار النسبية للسلع المستوردة مقارنة بالسلع المحلية إلى رفع المستوى العام للأسعار فيها وزيادة عامة في معدلات التضخُم,إذ أرتفع من معدل سنوي يتراوح بين 19,3% عام 2002,إلى نحو 53,2% عام 2006,قبل أن ينخفض إلى 30,8% بحلول عام 2007,.
لذلك فسياسات تحرير التجارة لم تنجح في القضاء على مشكلة التضخُم في العراق بل على العكس فان التضخُم قد أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المنتجة محلياً وانخفاض تنافُسيتها في أسواقها الخارجية ,مما يعني تراجع حجم الصادرات في البلاد, كما أدى انخفاض أسعار السلع المستوردة نسبة إلى نظيراتها المحلية التي ارتفعت أسعارها إلى زيادة حجم الاستيراد,مما يعني زيادة الاعتماد على الخارج واختلال بالميزان التجاري للبلاد,وأصبحت محصلة ذلك النزوع نحو الاستيراد والإحجام عن السلع المحلية وتراجع حجم الإنتاج المحلي وتعطيل جزء كبير من الطاقة الإنتاجية وقوة العمل في البلاد وظهور البِطالة بشكل سافر.
ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع والخدمات بعد تطبيق برامج تحرير التجارة في المدى الطويل لزيادة درجة المُنافسة في الاقتصاد الوطني ولكن هذه النتيجة لا تتحقق بالضَرورة وإنما يرتبط تحققها بمدى وجود وفورات الحجم ومدى تحسن أسعار المواد الخام المحلية والمستوردة للصناعة ومدى التدخل الحكومي في الأسعار ومدى انضباط الأسعار ومدى وجود شركات تبيع السلعة نفسها ووجود تشريعات تمنع الاحتكار
رابعاً: الفقر
هُناك ترابط وثيق بين سياسات تحرير التجارة الخارجية ومشكلة الفُقر,لان هذه السياسات تقتضي
إحداث تطورات رئيسة في مسيرة السياسات الاقتصادية,ولسياسات التحرير بعض الآثار غير المرغوبة خاصة على الأفراد والعوائل ذوي الدخل المنخفض أو الفُقراء.إذ تشمل هذه الآثار بعض المتغيرات المتعلقة بارتفاع معدل البِطالة و إرتفاع الرقم القياسي للأسعار وهو ما ينعكس سَلباً على الأوضاع المعيشية للفُقراء.
إذن هُنالك رابحون وخاسرون من عمليات تحرير التجارة ,فمن بين المخاوف الخاصة بالنسبة لسياسات تحرير التجارة وأثرها المُحتمل على مستوى معيشة الفُقراء, فمن شان أي تغيير في أسعار المواد الغذائية الأساسية أن يُسفر عن رابحين وخاسرين بين الفُقراء, فتحرير التجارة يرفع أسعار المواد الغذائية وبالنظر إلى التباين في متوسط الدخل بين فئات المجتمع المختلفة,فأن العرض من السلع والخَدمات في إطار مفاهيم تحرير التجارة يستجيب إلى القوة الشرائية المرتفعة التي يتمتع بها الإفراد مرتفعي الدخل (الأغنياء),الأمر الذي يخفض من قدرة (الفقراء) من الحصول على السلع المرتبطة بالتنمية البشرية المستدامة والحاجات الأساسية وهو الأمر الذي ترفضهُ مفاهيم العدالة الاجتماعية.
ويؤدي انكماش وانخفاض الأجور نتيجة تحرير التجارة إلى معاناة الفُقراء ويضطر أفراد هذه الفئة إلى إعادة توزيع مواردهم المحدودة كي يتكيفوا مع مجموعة جديدة من الأوليات ولذلك يتأثرون مُباشرة من إلغاء إعانات الموارد الغذائية وتخفيض الخدمات الحكومية وعليه فان شبكات الأمان وتحديد الأهداف من مقومات أي سياسة تهدف إلى تخفيف حدة معاناة الفُقراء.
وقد اتسع تفاوت الدخل في العراق خلال عملية التحرير التجاري بل إن اتساع هذا التفاوت,أدى إلى ركود الدخول لدى أكثر الأسر فُقراً بالرغُم من حصول زيادات ملموسة ومحسوسة في معدل الدخول لدى الأسر.
والجدير بالذكر إن العراق تراجع للمرتبة الأخيرة عربياً والى المرتبة 110 عالمياً من أصل 111 دولة من حيث المستوى المعيشي للفرد عام 2002,على وفق بيانات تقرير التنمية البشرية العربية(1),وقد ترتب على سياسات تحرير التجارة الخارجية التي لجأت إليها الدولة بعد عام 2003,انخفاض في معدلات الفُقر فقد وصلت نسبة الفُقر المُطلق(*) في العراق نحو 43,75% عام 2005, بعد أن كانت تُشكل ما نسبته 65,35 % عام 2002,أما نسبة الفُقر المُدقع(**)في العراق فقد كانت اقل من نسبة الفُقر المُطلق حيث بلغت نحو 44,66 %و30,66%عامي2002و2005 على التوالي.
خامساً: الاستهلاك والادخار
إن إجراءات تحرير تجارة السلع ولاسيما من خلال فتح باب الاستيراد بحرية مُطلقة أدى إلى زيادة الميل للاستهلاك من السلع المستوردة ودخول سلع كمالية وثانوية,لم تكن من السلع التي يستهلكها الأفراد وذلك بسبب المحاكاة وتقليد ما تستهلكه المجتمعات الغربية .
يمكن أبراز الدور السَلبي الذي يؤديه الاستهلاك,من خلال تتبع معدلاته والنسبة التي يستقطعها من الدخل القومي المتاح,فضلاً عن نسبتهُ إلى الناتج المحلي الإجمالي.
إن الاستهلاك في العراق بشقيه الاستهلاك النهائي العام والاستهلاك النهائي الخاص قد استحوذ على الجزء الأكبر من الدخل المُتاح,وقد اتجه الاستهلاك نحو الارتفاع, فبعد أن كان 17876 مليار دينار عام 2002,ارتفع إلى 53514 مليار دينار عام 2006,ويرجع ذلك إلى زيادة الاستهلاك الخاص (العائلي) والذي تزايد من 9956 مليار دينار عام 2002,إلى 30377 مليار دينار عام 2006,وكذلك زيادة الاستهلاك العام من 7919 مليار دينار عام 2002,إلى 23136 مليار دينار عام 2006,وبلغت نسبة الاستهلاك الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 24,3% و39,3% خلال العامين 2002و2006, على التوالي .
فبينما بلغت نسبة الاستهلاك العام إلىGDP نحو 19,3% عام 2002,إرتفعت لتصل إلى 29,9% عام 2006,أي إن الزيادة في الاستهلاك العام لم تتجاوز ذلك في الاستهلاك الخاص لذلك فان الإنفاق الاستهلاكي الخاص هو الذي يتحمل الجزء الكبير من الاستهلاك القومي.
ولقد كان وراء هذا التزايد في الإنفاق الخاص,الإرتفاع الحاصل في دخول بعض الفئات الاجتماعية وعدم وجود مناخ استثماري مُلائم يخفض هذه الفوائض القابلة للادخار,فضلاً عن تزايد الأنفاق الاستهلاكي الكُلي على أنواع عديدة من السلع والخدمات ونظراً لان الجهاز الإنتاجي في العراق يتمتع بدرجة ضئيلة من المَرونة في إنتاج هذه السلع والخَدمات فلا يزيد المعروض منها بما يتكافأ مع هذه الزيادة في الإنفاق.
ومن الجدير بالذكر إن أهم مظاهر الاختلال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية المُعاصرة هو الارتفاع الكبير في نسبة ما تنفقهُ الأسرة العراقية على المواد الغذائية إلى أجمالي الإنفاق العائلي,فقد وصلت تلك النسبة إلى 46,9 %عام 2005,بينما يحتل الإنفاق على التسلية والترفيه النسبة الأقل فهي لا تتجاوز 2,4% في عام 2005 في عموم العراق(1) والسبب في زيادة الإنفاق العائلي انهُ بعد تطبيق إجراءات تحرير التجارة وفتح أبواب الاستيراد على مصراعيها حدث تحسن كبير في دخول الأفراد,مما رفع من مستوى القدرة الشرائية لديهم,الأمر الذي أثر على مستوى الاستهلاك واتجاهه نحو الارتفاع سواء كان استهلاك السلع الأساسية أم سلع الاستهلاك غير الأساسية نتيجة للتأثير المُتبادل بين تحرير التجارة والاستهلاك.
كما إن الآثار السَلبية لتنامي مستويات الاستهلاك تتضح من خلال ما يُمثله الاستهلاك إلىGDP فبعد أن كانت هذه النسبة 43,6% عام 2002,أرتفعت إلى 69,2% عام 2006, وهذا يعني استنزاف الاستهلاك للكثير من الموارد التي كان بالإمكان استغلالها في تنمية قَطاعات إنتاجية تُساهم في عملية التنمية التي تحتاجها البلاد,في ظل تنامي الاستهلاك بما فيها الاستهلاك القومي, في ظل قصور الجهاز الإنتاجي المحلي أرتفعت حدة الاستيراد من المواد والسلع التي تُلبي النَمو الاستهلاكي ليفقد العراق بذلك جانباً مُهماً من الأموال التي كان بالإمكان استثمارها وإيجاد قاعدة إنتاجية تُساعد في تحقيق دخل منتظم,ليُشكل هذا الوضع لاحقاً عبئاً على الاقتصاد الوطني بسبب عدم وجود بُنية إنتاجية قوية واعتماده على الخارج لسد حاجاته الضَرورية.
ومما تجدُر الإشارة إليه إلى إن زيادة معدل نَمو الاستهلاك في العراق يترتب علية انخفاض نسبة الادخار ومن ثَمَّ انخفاض معدل نَمو الاستثمار.
فالعراق شانهُ شان باقي الدول النامية يستهلك أكثر مما يدخر,ومن المعلوم إن النظرية الاقتصادية تُشير إلى انهُ عندما تخطط الدولة حجماًً للاستهلاك يفوق المُتحقق من الادخار(المحلي +الأجنبي)فهذا ينعكس بصيغة فائض طلب يضغط على أسعار السلع والخدمات لكي ترتفع باستمرار ويتم التعادل بعد فترة ولكن عند مستوى أعلى للأسعار,وهذا هو الاختلال.
إن ارتفاع الاستهلاك بشكل عام في العراق قد عكس نفسه سَلباً على مستوى الادخار نتيجة للعَلاقة العكسية بين الاستهلاك والادخار,فبينما كانت نسبة الادخار إلى الدخل 48,4% عام 2002,انخفضت النسبة لتصل إلى 20,7% عام 2006من إجمالي الدخل المتاح.
يتضح مما سبق إن مستوى الادخار في العراق قد شهد تدهوراً واضحاً مُنذ عام 2003,انسجاماً مع اتجاه العراق نحو تحرير التجارة الخارجية,ففي الوقت الذي نجد إن الاستهلاك مرتفع خلال مُدة الدراسة,الأمر الذي جعل الادخار منخفضاً,إذ انخفض من 16801 مليار دينار عام 2002,إلى 13956 مليار دينار عام 2006,وبلغت نسبة الادخار إلى GDP41% عام 2002,انخفضت إلى 18% عام 2006, ويرجع سبب ذلك الانخفاض بالدرجة الأساس إلى ارتفاع الدخول الفردية وارتفاع الميل للاستهلاك,فضلاً عن ارتفاع معدل زيادة السكان الذي يضغط باستمرار على مستوى الدخل الفردي,كما إن حب التقليد والمحاكاة يعوق عمليات الادخار في القَطاع العائلي وبذلك تتعثر عملية التكوين المحلي لرأس المال,من خلال الآثار الضارة على الفئات منخفضة الدخل التي تعمل على محاكاة الفئات مرتفعة الدخل في مستويات الاستهلاك ويؤدي ذلك إلى إن اغلب الزيادة التي تحصل في الدخل تذهب إلى الاستهلاك بدل من الادخار.
سادساً:الاستثمار الأجنبي والمحلي:
إن التحرير الناجح للتجارة ممكن فقط إذا ما ترافق مع تحرير تدفقات رؤوس الأموال الإنتاجية المولدة للمصادر الجديدة ومزيد من انتقال التكنولوجيا وإدارة جيدة للوظائف .إذ يعد برنامج تحرير التجارة محركاً أساسياً لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية إذ إن الاستجابة المتوقعة للاستثمار الأجنبي قد تعتمد على درجة انِفتاح البلد المضيف على التجارة الخارجية,وهو أمر قد يؤثر على الإنتاجية والمُنافسة من خلال اقتصادات الحجم..إذ يُشكل الاستثمار المحلي (العام والخاص) والأجنبي(المُباشر وغير المُباشر)عنصراً رئيساً في تحريك العجلة الاقتصادية ونقل التكنولوجيا وتحفيز المُنافسة والكفاءة الاقتصادية.
أمضى العراق عقوداً من الزمن في وضع الحواجز والعقبات أمام الاستثمار الأجنبي المباشر وقد اشتملت تلك الحواجز على قيود الحصة المسموح للمستثمر الأجنبي امتلاكها في مؤسسة ما.وبعد انتهاج العراق السياسة الجديدة في إصلاح التجارة الخارجية قام بتخفيض القيود المفروضة على المعاملات بالنقد الأجنبي وتحديد سعر الصرف,وفتح المجال واسعاً أمام الاهتمام الجدي بالاستثمار الأجنبي,وهو ما تمخض عنهُ إصدار قانون الاستثمار الأجنبي رقم39 لعام 2003,وقانون الاستثمار رقم 13 لعام 2006,مع تهيئة بعض المناخات الإضافية مثل إعادة تأهيل بورصة بغداد للأوراق المالية وفتح العمل المصرفي أمام المصارف الأجنبية والإقرار على خصخصة 192 شركة حكومية.
وبالرغُم من انتهاج العراق سياسة استثمارية خلال المُدة 2002-2007معتمدة في ركيزتيهما الأساسيتين السياسة المالية والسياسة النقدية المناسبة مع مقتضيات الواقع من اجل تمويل الاستثمارات المُهمة لتمشية عجلة النشاط الاقتصادي لكنهُ لم يُحقق تقدماً كبيراً في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر(FDI) فعند مُقارنة تدفُقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى العراق قبل وبعد تطبيق إجراءات تحرير التجارة نُلاحظ إن تدفُقات (FDI)قد ازدادت من 5 مليون دولار عام 2002,إلى 272 مليون دولار عام 2006,بسبب سياسات الانِفتاح وتحرير التجارة.
وبالرغُم من إن العراق قد صمم إستراتيجية وطنية لتشجيع الاستثمار وإعادة الهيكلة وتحرير التجارة والانِفتاح,لكنهُ مازال يُعاني من انخفاض نصيبهُ من التدفق العالمي للاستثمار الأجنبي المُباشر,فمن ناحية الكمية لازال نصيب العراق من الاستثمار لا يتناسب مع إمكانياته الاقتصادية والبشرية ,إذ نُلاحظ إن نصيب الاستثمارات الأجنبية المباشرة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي مُنخفضة جداً بالمُقارنة مع باقي الدول العربية ,إذ لا تتجاوز هذه النسبة عن 0,3 عام 2003.
وفي سياق موازٍ يمكن الإشارة إلى الأهمية النسبية للاستثمار الأجنبي المباشر بالنظر إليه كنسبة من تكوين رأس المال الثابت أو مؤشر نسبة الرصيد المتراكم من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي يعد من المؤشرات الاقتصادية المُهمة الذي يعكس ما يتم إضافتهِ سنوياً من خلال الأنشطة التي تكون الناتج المحلي الإجمالي(1)وفي العراق مازالت نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر(FDI)/إجمالي تكوين رأس المال الثابت مُتدنية جداً كما يوضحها الجدول(7) وهذا الانخفاض يدل على انهُ من الناحية المالية لم يستطع الاستثمار الأجنبي المباشر أن يُساهم في تكوين رأس المال الثابت وبالتالي لم يؤد دوراً مهماً في النَمو الاقتصادي .
نستنتج مما سبق إن المناخ الاستثماري العام في العراق مازال من الناحية الفعلية غير مُشجع وضعيف في أحسن الأحوال ومثقل بالتشوهات المختلفة وهذا يعود بالدرجة الأساس إلى عدم الاستقرار السياسي وتذبذُب الوضع الأمني الذي يعد العامل الحاسم الأول خلف تردد رأس المال الوطني والأجنبي في الاستثمار في النشاط الاقتصادي,فضلاً عن عدم تطبيق بعض الإجراءات المالية والنقدية ذات الطابع الانكماشي في العراق المُتضمنة في سياسات تحرير التجارة الخارجية.
يمكن القول إن العراق لم يستطع أن يُحقق الكثير من المنجزات في ظل سياسات التحرير والانِفتاح,فلم تُكن للاستثمارات الأجنبية المُباشرة دور ايجابي كبير على الاقتصاد العراقي من خلال مُساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات وتوفير التكنولوجيا الحديثة والتقنيات المتطورة.
وفيما يتعلق بالاستثمار المحلي في العراق قد شهد تحولاً كبيراً مُنذ عام 2003,انسجاماً مع اتجاه الاقتصاد العراقي نحو آلية السوق,من خلال تطبيق الحكومة العراقية برامج تحرير التجارة, فقد أرتفع حجم الاستثمار المحلي من 146 مليون دينار عام 2002,إلى 1675 مليون دينار عام 2007,وتبعاً لذلك إرتفعت نسبته من GDPإلى 2,3% عام 2007,بعد أن كان 0,7% عام 2002, وهذا التغيُر الايجابي في زيادة الاستثمار المحلي بعد التحرير يعود إلى سياسات تحرير التجارة,فضلاً عن ارتفاع العوائد النِفطية بسبب ارتفاع أسعارها مما أدى إلى زيادة حجم الاستثمار المحلي الذي يعتمد على عوائد الصادرات.
وبما إن جلّ الاستثمار المحلي في العراق يعتمد على عائدات النِفط إذ يُمثل النِفط المورد المالي الأساسي للدولة لاسيما وإن العراق يمتلك ثاني اكبر احتياطي نِفطي في العالم,الأمر الذي يستدعي وضع خطة ناجحة لإعادة تأهيل البُنية الأساسية ورفع القدرة الإنتاجية لقطاع النِفط .
المبحث الثاني
الآثار الاقتصادية المحتملة لانضمام العراق إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)
إذا كان العراق قد طبق برنامج تحرير التجارة ونفذ تغييرات جذرية في مسارات السياسات الاقتصادية والتجارية الهدف منها بالدرجة الأساس تحرير الاقتصاد العراقي ودفعة نحو اقتصاد السوق,فإنه اتخذ أيضا العديد من الإجراءات والقرارات الهادفة إلى انضمامه إلىWTO))(*), لذا اتجه العراق شانهُ شان معظم الدول النامية للانضمام إلىWTO)),وتقدم بطلب الانضمام في عام2004,ويمكن معرفة أهم دوافع هذا الاتجاه بالنظر إلى التوزيع الجُغرافي لجانبي التجارة الخارجية والذي يُبين إن معظم عَلاقات العراق التجارية تقوم مع دول أعضاء في المنظمة أو تسعى للانضمام إليها,كما إن الانضمام يُتيح للعراق الاستفادة من الاستثناءات المتعددة من تطبيق أحكام الاتفاقات التجارية التي توفرها تلك الاتفاقات للدول الأقل نَمواً,فضلاً عن الحصول على التعويضات والإعانات التي تُقرر منحها تلك الدول.
إن انضمام العراق إلى(WTO),لابد أن يحمل في طياته الكثير من التداعيات والآثار الاقتصادية على العراق سواء أكان على المستوى الكُلي أم الجزئي,وعلى المدى القريب أم البعيد,وهذه الآثار تتراوح بين آثار ايجابية وسَلبية .
أولاً: الآثار الايجابية:
يمكن إيجاز أهم الآثار الايجابية التي ستعود على العراق بالنمو والازدهار كما يراها مؤيدو الانضمام إلىWTO)) بما يلي:
-من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع الزراعية المستوردة نتيجة لتطبيق أحكام اتفاقية الزراعة المتضمنة تخفيض دعم إنتاج وتصدير هذه السلع,وهذا الارتفاع في الأسعار يدفع بالبعض إلى توقع حدوث اثأر ايجابية على صعيد تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه السلع,القمح بصفة خاصة,وذلك إن إرتفاع الأسعار سوف يُشجع المنتجين العراقيين على زيادة المساحات الزراعية المخصصة للإنتاج الزراعي,فضلاً عن دخول منتجين جدد بهدف الاستفادة من ارتفاع الأسعار.وإن الارتفاع المُتوقع سوف يجعل إستيراداته أكثر كُلفة ومن ثَمَّ فأن الاستيرادات الزراعية ستنخفض إلى الحد الذي يمكن معهُ أن يعود الميزان التجاري للسلع الزراعية إلى وضع التوازن.
-تتعرض العديد من الصناعات الوطنية العراقية إلى مُنافسة شديدة في أسواقها المحلية من الصناعات الأجنبية المُماثلة ولاسيما التي تحصل على دعم من بُلدانها والتي تباع بأسعار تقل عن أسعارها في بلد المنشأ(عمليات إغراق).لذا فان رفع هذا الدعم ومكافحة الإغراق على وفق مبادئ((WTO سيؤدي إلى منح الصناعات الوطنية العراقية فُرصة للنهوض والمُنافسة داخلياً وخارجياً,وسيؤدي تحفيز الصناعات المحلية على رفع مستوى الإنتاج والجودة وتحسين الكفاءة في تخصيص الموارد ومن ثَمَّ ارتفاع مستويات المعيشة في العراق.
-إن نظام فض المنازعات الذي رسمتهُ المُنظمة سيجعل العراق أكثر قدرة داخل المُنظمة الدَولية للحفاظ على مصالحة وحقوقه التجارية,لاسيما وإن الدول داخل المُنظمة الدَولية كانت تفرض إجراءات من طرف واحد على التجارة العالمية وهو ما كان يضر بالآخرين دون وجود آلية فاعلة للفصل في النزاعات التي تنشا بين الأطراف المختلفة
-إن تحرير الخدمات وإجراءات الاستثمار الأجنبية من كثير من القيود يؤديان إلى تشجيع هذه الاستثمارات في العراق الذي اعتاد على وضع الكثير من هذه القيود على حرية الحركة على المستثمرين الأجانب,وهذا التدفُق الأكبر للاستثمارات الأجنبية سوف يكون لهُ مردود ايجابي مُهم على التنمية الاقتصادية والتقانية في العراق,بموجب اتفاقية إجراءات الاستثمار المرتبطة بالتجارة .
-يعتقد عدد من الباحثين إن التحرير يؤدي إلى زيادة النَمو الاقتصادي في الدول الصناعية المتقدمة,وهذا النَمو من شانه أن يؤدي إلى زيادة الطلب العالمي على النِفط الخام نتيجة لزيادة الطلب على المنتجات البتروكيمياوية بسبب تخفيض التعريفة الكمركية عليها بنسبة 30% مما يؤدي إلى ارتفاع سعر النِفط طبقاً لحالة العرض والطلب في الأسواق العالمية.
-وفي حالة بقاء العراق خارج إطار مُنظمة التجارة العالمية التي أصبحت تضُم أكثر من 135 دولة وتسيطر على ما يُزيد على90% من التجارة العالمية,فسيكون عرضة للإجراءات الانتقامية,وإن عضويته تُمكنه من حل منازعاته مع الدول بطريقة منصفة.
-إن انضمام العراق إلى(WTO),وتحرير التجارة الخارجية سيكون ذا تأثير ايجابي على مُجمل النشاط الاقتصادي في العراق,فتحرير المستوردات يؤدي إلى توسيع القاعدة الإنتاجية وتطويرها وتحديثها عن طريق توفير وسائل الإنتاج الضَرورية,الأمر الذي يؤدي إلى قبول التحدي الذي تُمثله المنتجات الأجنبية المنافسة لمنتجاتهم سواء أكان في السوق المحلية,أم في الأسواق الخارجية,ومن جهة أخُرى سيتعين على العراق أيضاً توضيح سياسة التجارة الخارجية العراقية,والتي ستعلن من خلال التزام العراق بمبادئ هذه المنظمة والاتفاقيات التي انبثقت عنها وسعيه لتطبيقها وفق الشروط التي سيتم التفاوض عليها,وهذا يعني التزام العراق بالسعي لتحرير تجارته الخارجية من العوائق والإجراءات التقييدية المختلفة,واستبدالها بتعريفة كُمركية مناسبة,وذلك على وفق برامج تجري مراجعتها دورياً بين (WTO) والجهات المعنية في العراق,وفي إطار مراجعة التصحيح الاقتصادي الهادفة إلى تحرير الاقتصاد الوطني من القيود والإجراءات غير الملائمة.
-كما إن التزام العراق بحماية حقوق الملكية الصناعية نتيجة انضمامه إلى((WTO ,سيؤدي إلى تحسين نقل التكنولوجيا إلى العراق نتيجة اطمئنان الشركات العالمية المتقدمة صناعياً, كما يؤدي هذا الالتزام إلى تخفيض تكُلفة المستوردات العراقية من الآلات والتجهيزات وطرق الإنتاج المتقدمة ,كما يؤدي هذا الالتزام إلى تحسين المناخ الاستثماري في العراق, وذلك بإعطاء إشارة واضحة لقَطاع الأعمال العراقي والعربي والعالمي مفادها إن العراق مُلتزم بقواعد ثابتة وشفافة,ويدفع هذا القَطاع إلى الاستثمار في العراق,وكلا الحالتين سيتأثر النشاط الاقتصادي العام في العراق بصورة ايجابية وملموسة.
-سيؤدي انضمام العراق إلى(WTO)إلى دفع الإنتاج الوطني إلى الأعلى,نتيجة توفير الأسواق الخارجية للمنتجات العراقية,وتمكينه من الاستفادة من مُعاملة الدولة الأكثر رعاية ومن ثَمَّ تحرير الصادرات العراقية من العوائق التقييدية والكُمركية,التي تفرضها الدول الأعضاء في المُنظمة على صادرات الدول غير الأعضاء.
ثانياً:الآثار السَلبية:
ثَمَّة جوانب سَلبية ينطوي عليها قرار انضمام العراق إلى WTO)) ومنها:-
-إن اتفاقيات التجارة العالمية لم تتضمن التجارة في النِفط(*)وذلك على أساس إن النِفط سلعة إستراتيجية تدخل في صناعة العديد من السلع الأخُرى,فضلاً عن تحديد سعر النِفط طبقاً لحالة العرض والطلب في الأسواق العالمية.إلا إن بعض الاقتصاديين يعتقدون إن السبب الحقيقي وراء ذلك هو إتاحة الفُرصة للدول الصناعية لفرض ضرائب واتخاذ أية إجراءات حماية للتحكُم في تدفق النِفط إلى أسواقها وفقاً لمصالحها الاقتصادية إذ تسعى الدول المستوردة لتحويل تلك السلعة من سوق بائعين تُسيطر على إنتاجه وتسعيره الدول المنتجة لهُ إلى سوق مشترين,إذ يسعى المستهلكون إلى السيطرة على زمام الطلب والأسعار وتعظيم منافعهم على حساب الدول المنتجة.وبهذا فأن استبعاد النِفط من صادرات العراق التي تُمثل 98%,لا يبقى سوى 2% فقط من إجمالي صادرات العراق المُتمثلة بالصادرات الصناعية والبتروكيمياوية والتعدين والسلع الأخُرى,وبذا يصبح الجزء الأكبر من صادرات العراق حالياً خارج WTO)) مما يحد من الآثار الايجابية المباشرة لانضمام العراق إلى(WTO) إذ تبقى الصادرات النِفطية خاضعة للإجراءات الحمائية التي تزيد من انتفاع الدول المستوردة على الرغُم من إن صناعة النفط ذات صلة وثيقة بانتعاش الاقتصاد العالمي ومصدر رئيس للطاقة.
تأسيساً على ما سبق فان انضمام العراق إلى(WTO) لن يترتب عليه زيادة في الصادرات النِفطية العراقية,وعلى الرغُم من إن هُنالك توقعات تُشير إلى زيادة الطلب العالمي على النِفط نتيجة للنَمو الاقتصادي المتوقع في الدول الصناعية والمقدر بنحو 3% سنوياً جراء تطبيق اتفاقيات التجارة العالمية,الأمر الذي سيترتب عليه زيادة في الصادرات النفطية.إلا إن هذه الزيادة لا تتوقف على الانضمام وإنما تتوقف على قدرة القَطاع النِفطي العراقي على تحقيق الزيادة في الإنتاج استجابة للزيادة المُتوقعة في الطلب على النِفط في الأسواق العالمية.
-المرجح أن تكون الآثار المباشرة لتخفيض الدعم الزراعي من قبل الدول الصناعية الكبرى مُتمثلة في ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية والمزيد من اختلال الميزان التجاري للسلع الزراعية في العراق لأنهُ وفقاً لاتفاق الزراعة المتضمن في جولة أورغواي فأن الدول النامية مطالبة بتخفيض الرسوم الكمركية أو حجم الدعم المقدم للصادرات وفتح الأسواق أمام الاستيراد,ولا يقتصر تحرير التجارة في هذه المنتجات على تخفيض التعريفات الكمركية بل يشمل أيضاً إزالة القيود الكمية والإدارية,هذا فضلاً عن خفض دعم التصدير بشكل تدريجي يتراوح بين 26% على مشتقات الحليب,وتكون الدول الأعضاء مُلزمة بفتح أسواقها أمام كميات تصل الى3% و5% من استهلاكها المحلي وتحويل الحواجز التعريفية كافة إلى حواجز تعريفية واضحة.ويعد العراق مستورداً كبيراً للسلع الزراعية,ويعاني من عجز دائم في ميزانه التجاري – الزراعي,إذ انهُ لا توجد صادرات يمكن لها المُنافسة في الأسواق سوى بعض السلع الزراعية الصناعية,إن ذلك يعني إلغاء أي أثر ايجابي للانضمام إلى(WTO) على الصادرات العراقية منها ,ومن ناحية أخُرى فان إزالة القيود الكمية يعني أن يتم تحويلها إلى تعريفات مكافئة توفر نفس القدر من الحماية للمنتجات الزراعية في الدول الصناعية,مما قد لا يكون له أثر ملموس على زيادة الصادرات العراقية إلى أسواق الدول المتقدمة حتى بعد خفض التعريفات حسب الاتفاقية الزراعية.
والواقع إن استثناء الأسماك ومنتجاتها من الاتفاقية الزراعية للغات,باعتبارها سلعاً صناعية يعني إنها لن تستفيد إلا من تخفيض التعريفة الكمركية بينما تبقى القيود الكمية وغيرها من القيود غير الكمركية,وهذا يأتي في غير مصلحة العراق,لان الأسماك تتصدر قائمة السلع القليلة ذات الفوائض التصديرية للعراق.
والمُلاحظ إن اتفاقية الجوانب التجارية المتعلقة بالملكية الفكرية ستحد من إمكانية تطوير الأساليب الإنتاجية الزراعية,ولاسيما في مجال استخدام الهندسة الوراثية,كذلك يمكننا أن نُشير إلى إن هُناك آثار سَلبية ستنجُم عن إلغاء الامتيازات التي كان يحصل عليها العراق في تعاملهُ مع دول الاتحاد الأوربي,وهو الشريك التجاري الأول للعراق.
-سيؤدي تنفيذ التزامات مُنظمة التجارة العالمية أيضاً إلى ارتفاع تكُلفة برامج التنمية بشكل عام,لاسيما ارتفاع تكُلفة استيراد التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع وحقوق الطبع والنشر واستخدام العلامات التجارية والامتيازات الصناعية.
-سيؤدي تحرير الأسواق المالية الدولية إلى مُنافسة شديدة للأسواق المالية والمؤسسات المصرفية العراقية مما يؤدي إلى احتمال استقطاب الادخارات الوطنية وتزايد تدفق رؤوس الأموال الوطنية العراقية على أسواق المال العالمية,وهذا ينعكس سَلباً على الاستثمارات الوطنية وعلى استقرار الأسواق المالية العراقية.
-الأثر السَلبي في النشاط الاقتصادي بوجه عام وفي الإنتاج والتوظيف في بعض المجالات التي سوف تفتح فيها أسواق العراق كالخدمات وبعض المنتجات الصناعية من جراء المُنافسة غير المُتكافئة التي ستتعرض لها من المصادر الأجنبية.وكذلك الأثر السَلبي في النشاط الاقتصادي الذي قد ينتج من إساءة الدول الصناعية استخدام قواعد الإجراءات الوقائية ومواجهة الإغراق والقيود الفنية من اجل عرقلة دخول بعض صادرات العراق إلى أسواقها.
-ومع إن بالإمكان اتخاذ إجراءات حمائية بعد الانضمام إلى(WTO) ,ضد أي سلعة مصنعة إذا تسببت منها بحدوث ضرر بالغ أو هددت بحدوثه للصناعة الناشئة بحسب المادة 19 من اتفاقية الجات 1974,إلا إن اشتراط تعويض الدول المصدرة لتلك السلعة عن الآثار للحماية يحد من إمكانية استخدامها لحماية الصناعات المحلية.
- فالحقيقة انهُ لا يمكن للصناعات الوطنية الناشئة أن تقف في وجه صناعات نمت وترعرعت في ظل حماية ودعم كبيرين حتى رسخت أقدامها في الأسواق الدولية,ومن ثَمَّ فان المُنافسة التي ستتعرض لها الصناعات العراقية في حالة المُنافسة المفتوحة هي مُنافسة غير مُتكافئة ستؤدي إلى انخفاض الإنتاج المحلي ومن ثَمَّ الصادرات.
-من المُحتمل أن تؤدي الزيادة الكبيرة في مستوى النواحي والمتطلبات الفنية والقانونية والإجرائية والمعلوماتية للنظام الجديد للتجارة العالمية إلى بعض الخسارة للعراق,نتيجة لاضطراره إلى قبول التزامات أكثر أو لضياع بعض الفُرص التجارية التي تتيحها الاتفاقيات الجديدة (فُرص التصدير,أو فُرص حماية ودعم للصناعة المحلية) ويرجع ذلك أساساً إلى ضعف القدرات الإدارية والمؤسسية وندرة الكوادر الفنية المؤهلة ونظم المعلومات الجيدة في العراق.
-سينجُم عن تنفيذ اتفاقيات (WTO)ارتفاع تكاليف الخَدمات كخَدمات النقل والتامين وحيث إن العراق يتسم بارتفاع تجارته الخارجية (استيراداً وتصديراً) مع العالم فان ارتفاع تكاليف الخَدمات المتعلقة بالتجارة سيزيد أعبائه المالية لذلك فان الآثار ستكون سَلبية في العراق بعد تحرير تجارة الخَدمات,وذلك لان ما يحوزه العراق من ميزات نسبية في هذا القَطاع هو اقل بكثير مما تحوزه الدول المتقدمة والاستثناء الوحيد ذو الأهمية الخاصة للعراق,هو الخَدمات التي تتطلب انتقال العمالة من بلد إلى آخر ويحتاج القائمون بها إلى تصريحات بدخول الدول التي يريدون ممارسة النشاط فيها.
- سيترتب على انضمام العراق إلى(WTO),ممارسة الضغوط على العمالة من حيث تخفيض أجورها وتقليص الخدمات الاجتماعية الموجه لها مع إهمال العناية بالقوى العاملة تدريباً وتأهيلاً وذلك بهدف تخفيض تكاليف الإنتاج, وقد يصل الأمر في بعض القَطاعات للاستغناء عن أعداد كبيرة من العمال مما يتطلب معهُ إعادة تأهيلهم وتدريبهم لإعادة إدماجهم في سوق العمل مره أخُرى.
- يؤدي انضمام العراق إلى(WTO) إلى إضعاف قدرتهِ على استخدام السياسات الاقتصادية التي تتناسب مع ظروفه الواقعية وأهدافه التنموية لاضطراره تحت حجة مراعاة شروط وأحكام الاتفاقيات التجارية الناجمة عن المفاوضات متعددة الأطراف إلى قبول تحويل قدر من صلاحيات اتخاذ القرارات في عدد من المجالات إلى المنظمة الدولية الجديدة أو لتشاور معها قبل اتخاذ هذه القرارات مثل تحديد أنواع الدعم المسموح به والدعم المحظور,وعدم تقييد الاستثمارات الأجنبية بأهداف تتعلق بالتصدير أو الاستيراد أو استخدام المكون المحلي.وقد يصل الأمر إلى مستوى قبول الأشكال المؤسسية والتنظيمية التي ترى المنظمة إنها ملائمة للدولة المعنية لكي تدخل المجال التجاري وتحصل على المكاسب المرجوة.
- ستؤدي مسائل الاستثمار المتعلقة بالتجارة إلى فرض هيمنة أجنبية على الثروات العراقية واستغلال متزايد للدول الصناعية وشركاتها المتعددة الجنسية للموارد العراقية إذ من المتوقع أن تجري إزالة جميع جوانب الاستثمار التي تتعارض مع مبدأ سريان المعاملة الوطنية على المنتجات المستوردة على أن تصبح هذه المعاملة على الاستثمارات الصناعية الأجنبية. وعلى هذا فان الاستثمار الأجنبي سيؤدي دوراً كبيراً في العديد من الصناعات العراقية,على أساس الكفاءة الاقتصادية مما يحد من المبادرات المحلية في منتجات أو فروع معينة وعلى سبيل المثال ستتعرض منتجات الأخشاب والأثاث والمنتجات الخشبية الأخُرى لمُنافسة شديدة وستواجه الشركات العراقية التي تنتجها وضعاً اقتصادياً صعباً مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تصفيتها وهيمنة الاستثمارات الأجنبية المباشرة عليها .
-إن تخفيض التعريفة على السلع الصناعية في الدول المتقدمة سيؤدي إلى زيادة الاستيراد فيما بينها أكثر من السابق بعيداً عن الموارد الطبيعية والمنتجات التي تتصف بكثافتها لليد العاملة التي يكثر إنتاجها في الدول النامية ومنها العراق وهذا سيؤدي إلى انخفاض الصادرات العراقية إلى الدول المتقدمة.مما يشكل عاملاً سَلبياً يزيد من ضالة الصادرات العراقية.
- بموجب اتفاقات(WTO)ستحصل شركات الأدوية والمستحضرات الصيدلانية وشركات البذور الزراعية والكومبيوتر والكهربائيات وغيرها على المزيد من النفوذ لحفظ حق براءات الاختراع وحماية تراخيصها في دول العالم كافة,وهذا يرفع من أسعارها مما يُشكل عبئاً على موازين المدفوعات في البُلدان النامية ومنها العراق وخاصة فيما يتعلق بالمدخلات الزراعية والبذور المحسنة وسيؤثر ذلك على برامج التنمية الزراعية.
- قبول الاتفاقيات الجديدة للتجارة يعني فيما يعنيه فُقدان العراق لمصدر مهم من مصادر الإيرادات من التعريفات الكمركية التي ستعمل على خفضها بما يتلاءم وفلسفة تحرير المبادلات التجارية.وقد يعوض النقص في هذه الإيرادات حدوث زيادة في الاستيرادات نتيجة لخفض التعريفات الكمركية ولكنهُ سيؤدي في نفس الوقت إلى زيادة في عجز ميزان المدفوعات في العراق.
وبالرغُم من الآثار السَلبية المُتوقعة من اتفاقيات (WTO) إلا إن التقديرات تُشير إلى تعاظم هذه الآثار في المدى القريب وتمتد إلى المدى المتوسط إذا لم تتخذ الحكومة أية تدابير حيالها خاصة وإن العراق يمتلك مقومات زراعية عظيمة يمكن أن تجعل منهُ دولة مصدره للمواد الغذائية على نطاق واسع في حال استغلت ومن ابرز هذه المقومات الأراضي الصالحة للزراعة .
ويمكن القول بان لاتفاقية (WTO) آثار سَلبية في الأجل القصير ومن الممكن أن يكون لها آثار ايجابية في الأجل الطويل ولكن بشرطين أساسيين الأول هو الارتقاء بنوعية الإنتاج السلعي والخَدمي والثاني هو زيادة التنسيق والتنظيم الاقتصادي بين الدول العربية إذ إن شرط الاتفاقية تسمح بذلك,فضلاً عن دعمهُ للموقف التفاوضي للدول العربية.
أي إن الآثار التي يمكن أن يتعرض لها الاقتصاد العراقي من جراء انضمامه إلى(WTO) تعتمد إلى حد كبير على مدى قدرته في تكييف سياساته الاقتصادية بحيث يتمكن من تحسين قدرته التصديرية باعتماد المواصفات النوعية العالمية للصناعة المحلية,وتبعاً لمبدأ الميزة النسبية يفترض أن يدخل العراق إلى(WTO) متمتعاً بإنتاج كبير وبمستويات كُلفة متدنية من سلعةِ التصدير في الأسواق العالمية.
مما سبق يمكن القول بان الانضمام لعضوية (WTO) إذا كان مكُلفا جداً بالنسبة لإقتصادات كثير من دول العالم النامي بالمدى القصير فان تلك التكُلفة ستكون اقل بالنسبة للعراق وذلك بسبب إن العراق يعد من أكثر الإقتصادات انِفتاحاً على التجارة الدولية وتطبيقاً لمبدأ الحُرية التجارية الذي تنادي به (WTO) وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار إن معدل التعريفة الكمركية بالعراق منخفضة جداً مقارنة بكثير من دول العالم خاصة بعد تطبيق العراق للرسوم الكُمركية الموحدة والتي تبلغ 5%.
لكن أمام العراق قبل الإنضمام رسمياً إلى (WTO) فترة محددة,وهذه الفترة تمثل تحدياً للاقتصاد العراقي للالتحاق بركب المتغيرات الاقتصادية في العالم,لاسيما في ظل بروز اقتصاد السوق وآلياته,لذلك يجب على العراق اختزال المراحل للوصول إلى الهدف المنشود,حيث لا تكفي الخطوات الإصلاحية التي تحققت على مستوى الاقتصاد العراقي لتجاوز هذه المراحل والتي تجسدت بمسيرة الإصلاح الاقتصادي التي ينتهجها العراق منذ أكثر من خمسة أعوام لاسيما الإصلاحات المتعلقة بالتجارة الخارجية,إذ لابد من تفعيل مسيرة الإصلاحات بكافة المجالات والقيام بالعديد من الخطوات في مجال الانضمام إلى(WTO)
استنتاجات
- إن القطاعات السلعية تأثرت سَلباً بسياسات تحرير التجارة,لأنه كان من المفروض أن تُساهم هذه السياسة في تنويع الاقتصاد العراقي من خلال تقليل اعتماده على النفط وزيادة مساهمة الأنشطة السلعية كالزراعة والصناعة فضلاً عن زيادة مساهمة خدمات النقل والتامين والمصارف .
-إن تحرير التجارة لم يأت بتنمية للإنتاج الزراعي,فان الواردات من المواد الغذائية لم يتم تقليصها بل زادت التبعية الغذائية اتجاه الخارج ومازال الإنتاج من الخضر والفواكه والسلع الأخُرى غير كاف لسد الحاجة المحلية.كما إن تحرير التجارة أمام المنتجات الأجنبية الأكثر قدرة على المنافسة حرم العراق الذي تخلو أسواقه من هذه الصناعات من فرصة أقامتها والى احتمال ضمور هذه الصناعات الوليدة نتيجة المنافسة الخارجية الحادة لها.
-لم تنجح سياسات تحرير التجارة في القضاء على البطالة بل إن حجم البطالة في العراق في ازدياد,وقد أدت هذه الظاهرة إلى ظهور مشاكل اجتماعية خطيرة بسبب عدم توفر الضمان الاجتماعي اللازم للعاطلين عن العمل,كان من نتائج تحرير التجارة أيضاً أن أصبحت معدلات التضخُم في العراق مرتفعة,وقد أدت معدلات البطالة والتضخُم وانخفاض مستوى الدخل,إلى زيادة الفُقر والعوز وفقدان العيش الكريم في مجتمع واقتصاد يفترض أن لا يكون مكان للحاجة والفُقر.
- إن إجراءات تحرير التجارة في العراق قد نتج عنها انخفاض في نسبتي كُل من الفُقر المُطلق والفُقر المُدقع,والسبب في ذلك يعود إلى تأثير برامج تحرير التجارة على توزيع الدخل والطبقات الفقيرة في العراق,كذلك بسبب تحسن الوضع المعيشي لأغلب أفراد المجتمع بعد عام 2003,مقارنة بالأعوام السابقة.
-لقد أدت سياسات تحرير التجارة إلى تطور حجم الاستهلاك للمُدة 2002-2006, وباتجاهاً تصاعدياً, كنتيجة لارتفاع متوسط دخل الفرد العراقي,مما انعكس ذلك سلباً على مستوى الادخار والاستثمار.
-يستنتج مما سبق نتيجة لإتباع العراق سياسات التحرير التجاري والانِفتاح فقد تدهورت مستويات الادخار في العراق,وإن هذا التدهور قد انعكس سَلبا على الاستثمار المحلي .
-إن انضمام العراق إلى(WTO),نتج عنه الكثير من التداعيات والآثار الاقتصادية على العراق سواء أكان على المستوى الكُلي أم الجزئي,وعلى المدى القريب أم البعيد,وهذه الآثار تتراوح بين آثار ايجابية وسَلبية
التوصيات:
-فان أهم ما يجب الالتفات إليه هو تطوير قدرة العرض المحلي والتنوع في الإنتاج الزراعي كخطوة لابد منها تسبق تحرير التجارة وذلك لتعزيز الصادرات وتثبيت قاعدة زراعية راسخة يكون الهدف الأساس منها تحقيق نسبة مهمة من الاكتفاء الذاتي للسلع الغذائية الرئيسية,وذلك من خلال الاستخدام الأمثل لمواردنا الزراعية المحدودة في العراق,ومن ثَمَّ تأتي الخطوة التالية لتنظيم عمليات الاستيراد من خلال تخفيض الضوابط على الاستيراد وفق جدول زمني والفتح الانتقائي للأسواق المحلية أمام المنتجات الزراعية المستوردة وإحلال التعريفه كبديل عن القيود الكمية على الواردات ولغرض تدعيم المزايا التنافسية لنَمو الصادرات الزراعية لابد من انتهاج واتخاذ بعض الإجراءات المهمة ومنها إعفاء المدخلات المستوردة والمستخدمة في إنتاج السلع الزراعية التصديرية.
- عدم رفع الحماية عن الصناعات العراقية الناشئة بحجة استكمال متطلبات الانضمام إلى(WTO) لان هذا الوضع خطر يهدد تلك الصناعات ويقف عائقاً في طريق تطورها مستقبلاً,لذا يجب حماية القطاعات الحيوية الأكثر تنوعاً ومنها الصناعة من التحرير المُطلق للتجارة,ولهذا الإجراء أهمية بالغة نظراً إلى ضعف القدرة التنافسية لقطاع الصناعة التحويلية في العراق.
- ضرورة وضع خطة لتوفير شبكات الضمان الاجتماعي للعراقيين الذين تدهورت مستويات معيشتهم إلى درجات متدنية جراء تحرير التجارة من خلال استحداث رصد المبالغ الكافية لدعم الفُقراء والمعوزين فلا ضمان من غير مبالغ تخصصها الدولة في ميزانيتها للمعوزين والمحتاجين.
- تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي,لما له من دور مهم في جلب الأموال والتقانه ووسائل الإنتاج والإدارة الحديثة وتوطينها في العراق,وتسهيل مهام المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال العراقيين والأجانب وفق قوانين وشروط تتلاءم وطبيعة العراق الاقتصادية والبيئية لإقامة مشاريع صناعية وزراعية وتجارية,يمكن أن تسهم أسهاماً فاعلاً في احتواء اكبر عدد من العمالة العراقية .
- إن قيام العراق بمفردة بتحرير تجارته الخارجية من جهة واحدة هو أمر غير مجدٍ,بل يلزم وجود أطراف أخُرى يقدمون تنازلات وتأتي تلك التنازلات من خلال تحرير التجارة المتعددة الأطراف في كُل من (WTO)أو خطط التكامل الإقليمي أو مفاوضات ثنائية مع دول صناعية.
- مما لاشك فيه إن استتباب الأمن مهم جداً لإتاحة الفُرص الملائمة لإجراءات تحرير التجارة الخارجية لكي تأخذ مداها الطبيعي في تأهيل الاقتصاد الوطني,وفي ظله يمكن انجاز أية عملية نهوض اقتصادي والعكس صحيح أيضاً,بمعنى آخر لا نتوقع إعادة إعمار العراق أو النهوض باقتصاده في ظل عدم الاستقرار الأمني.
#نبيل_جعفر_عبد_الرضا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟