فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 00:44
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كنت بالصدفة أطالع بعض مقالات الكاتب المقدسى عزام توفيق أبو السعود (مواليد القدس فى 4 يونيو 1948) على الإنترنت , فوجدت مقالا بعنوان "هل فلسطين هى حقا أرض الميعاد؟"نُشر بصحيفة المشرق العربى بتاريخ 24/7/2007, حاول الأستاذ/ عزام توفيق فى هذا المقال إثبات أن بنى إسرائيل لم يدخلوا فلسطين قط ولم يعيشوا بها إبدا مخالفا بذلك التاريح والجغرافيا وجميع الكتب السماوية التى ذكرت لنا قصة موسى والخروج. يقول:" إذا اقترضنا أن فرعون موسى كان يعيش في جنوب مصر, فان موسى وأتباعه اتجهوا في الهرب منه نحو البحر الأحمر في الشرق, وأنهم عندما عبروه من هناك فإنهم وصلوا إلى الجزيرة العربية في قسمها الأقرب إلى الجنوب, وبالتالي فإنهم يعودون كقبائل سامية إلى موطنهم الأصلي في جنوب الجزيرة العربية. فإذا افترضنا أن موسى هرب من مدينة فرعون في الجنوب, واتجه شرقا, وهو الاحتمال الأقرب منطقيا, فإن التيه لم يكن في صحراء سيناء على الإطلاق, وإنما كان في أطراف الربع الخالي, وهم في طريقهم إلى جنوب الجزيرة", مدللا على ذلك بقصة سليمان والهدهد الذى رأى قصر بلقيس وعرشها فى سبأ فى رحلة يوم أو أقل, يقول: "أنه من المعروف علميا أن الهدهد بطيئ الطيران ولا يستطيع الطيران ليلا، ولذلك فإن العقل والعلم والمنطق لا يمكنه تفسير أن يكون هيكل سليمان بالقدس, ويتمكن الهدهد من الطيران إلى اليمن ورؤية عرش الملكة بسبأ, والعودة إلى القدس في نهار واحد, وبالتالي فان المنطق يقول أن هيكل سليمان كان في جنوب الجزيرة العربية وليس بالقدس", وحتى يسبك نظريته يقول: " لم يتم التنقيب الفعلي عن آثار حضرموت, وهي بلاد حضارة قديمة, وبعض الاكتشافات الأثرية هناك أظهرت وجود معابد ضخمة هناك, ربما يكون هيكل سليمان أحدها, بينما لم تسفر أي اكتشافات أثرية في القدس عن أية إشارة واضحة وثابتة لوجود الهيكل في القدس أو أي من بقاياه. وأخيرا يتساءل: هل فلسطين هى أرض الميعاد, وهل هناك خطأ فى فراءة التاريخ وفهم الجغرافيا؟
بداية أنا أقدر للكاتب حبه لبلاده ومحاولاته إنكار أى وجود لإسرائيل بها فى أى فترة من فترات التاريخ, ولكن هذا الحب لا يجب أن يدفعنا للتزييف وإنكار ما جاء بالكتب المقدسة, فإذا كان كمسلم لا يؤمن بما جاء بالتوراة فليس منطقيا إنكاره ما جاء بالقرآن, أم هو لا يؤمن بكليهما؟. وللتوضيح أقول, يمكننا أن نستقرئ التاريخ ونتصور فترة تواجد العبرانيين فى مصر مواكبا لفترة غزو الهكسوس (رعاة الشمال) واستعمارهم لدلتا مصر, وإنشاء عاصمة لهم فى أفاريس ( صا الحجر- شرقية حاليا), جعل الهكسوس منهم الوزراء وأعطوهم أرفع المناصب فى البلاد حتى طغوا وتجبروا وساموا المصريين مر العذاب والهوان. وعندما ثار البطل المصرى أحموسى وطرد الهكسوس من مصر وطاردهم حتى آخر حدود لبنان، وعادت لمصر الفرعونية عزتها وكرامتها، ساءت أحوال العبرانيون فى مصر وصاروا خدما وعبيدا للمصريين. وعندما خرج موسى وأتباعه هربا من وجه فرعون, سلك الطريق البرى المعروف للمصرين آنذاك مرورا بأفاريس شرقا إلى القنطرة ومنها إلى شمال سيناء (وهو نفس الطريق الذى سلكته العائلة المقدسة إلى مصر والعودة), ولم يمروا فى طريقهم بالبحر الأحمر على الإطلاق. حتى الكتب السماوية لم تذكر البحر الأحمر فى أى منها, وكل ما ذكر أن موسى ألقى بعصاه فشق البحر وعندما تبعه جند فرعون أغرقهم البحر بين أمواجه. جاء فى التوراه (سفر الخروج:14: 21-22) وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ، فَأَجْرَى الرَّبُّ الْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ اللَّيْلِ، وَجَعَلَ الْبَحْرَ يَابِسَةً وَانْشَقَّ الْمَاءُ. فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الْيَابِسَةِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ.
وفى سورة طه بالقرآن: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)
إنما البحر الذى عبروه ما هو إلا امتداد لبحيرة البردويل شاءت قدرة الله أن تغطى جزءا من الطريق البرى إلى سيناء، وحين ألقى موسى عصاه انشق هذا البحر ليعبروا, وعندما حاول جند فرعون اللحاق بهم جرفتهم المياه وأغرقتهم أمواجها الثائرة. بعدها اندفعوا جنوبا إلى وسط سيناء ليتوهوا هناك أرببعين عاما. أما حكاية الهدهد وعدم مقدرته الطير ليلا وبطئه فى الطيران لا تنفى مقدرة الله على جعله يطير ليأتى لسليمان بالخبر اليقين. تقول التوراة أن الفلسطينيين كانوا موجودين فى تلك البقعة من قديم الأزل ولكن الله عاقبهم لعدم طاعته وعبادتهم للأوثان وسلط عليهم إبراهيم الخليل ومن عبر معه نهر الفرات ليقيموا ملك الله فى أرض الميعاد لكونهم شعب الله المختار. وبعد احتلال العبرانيون أرض فلسطين لم تنقطع صلتهم بها، وتذكر التوراه فى جميع أسفارها الصراع الدائر بينهم وبين بنى إسرائيل. وبعد هزيمة نبوخذنصر لهم وهدم الهيكل وسبيهم عبيدا لبابل، عاش الفلسطينيون بجانب من تبقى من الإسرائيليين فى وطنهم فلسطين. وعندما جاء السيد المسيح فى عهد هيرودس البنطى برسالة السلام إلى العالم أجمع، إنتهت أسطورة شعب الله المختار، وأصبحت رسالة الله موجهة للعالم أجمع وبالتالى صار لا وجود لأرض الميعاد. وعاش الإسرائيليون والمسيحيون معا فى فلسطين تحت حكم الرومان حتى ظهور الإسلام. وحين غزى العرب بلاد المقدس كان يعيش فيها أغلبية مسيحية مع أقلية يهودية, وكعادة الغزاة العرب باستعمارهم الاستيطانى القمعى تحولت فلسطين إلى أغلبية إسلامية وأقلية مسيحية والقليل من اليهود. وعندما فرضت الوصاية البريطانية على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى والسماح بعودة اليهود للاستيطان بفلسطين. وعندما ثار العرب على تغلغل اليهود فى البلاد وقامت الحرب بين العرب واليهود ( 1948) وحدثت النكبة وتم التقسيم ليكون لإسرائيل أقل من 50% من البلاد رفض العرب قرارات التقسيم, وسرنا من رفض إلى رفض حتى صرنا اليوم نحلم بعودة أقل من 20% من البلاد لقيام الدولة الفلسطينية. ومن ذلك نرى أن حق الفلسطينيون واضح فى وطنهم وثابت تاريخيا وجغرافيا ومثبت فى الكتب السماوية أيضا، ولسنا فى حاجة لفبركة التاريخ ومخالفة ما أنزله الله فى كتبه لنثبت ذلك الحق.
وبنفس المنطق يمكننا أن نستقرئ التاريخ مع بعض من الخيال للتعرف على فرعون موسى وقصة الخروج. كما ذكرت سابقا أن تواجد العبرانيين فى مصر قد تزامن مع الغزو الهكسوسى لدلتا مصر واحتلالها. وفى فترة حكم امنحتب الثالث" حفيد أحموسى" وكانت مصر فى أوج عظمتها، تقود إمباطورية واسعة تمتد من بلاد بنط جنوبا وبلاد ليبيا غربا إلى بلاد فينيقيا شمالا، إمبراطورية يسودها السلام والرفاهية والاستقرار. ذات يوم رأى امنحتب حلما اقض مضجعه، رأى أن هناك طفل وليد سيكون سببا فى تقويض دعائم امبراطوريته، فأمر بقتل كل وليد فى البلاد. كانت هناك إمرأة فقيرة (عبرانية) قد ولدت طفلا، خافت عليه من القتل فوضعته فى صندوق وألقته فى النيل عسى أن يهبه الله طريق النجاة. جرف التيار الصندوق ألى قرب قصر فرعون فالتقطته إحدى الأميرات وأعجبت به وتبنته، وأطلقت عليه إسم موسى ومعناه فى اللغة الهيروغليفية الوليد أو الولد أو الإبن, وهى مقطع مرادف للعديد من الآلهه مثل رع موسى أو تحوت موسى أى إبن رع الوليد أو إبن تحوت الوليد, كما يقول العبرانيون أيضا أن إسم موسى هو نفسه موشيه أى المنتشل باللغة العبرية. جاءت أم الغلام إلى القصر كمرضعة للوليد والإشراف على تربيته مع غلامين آخرين فى القصر, هما امنحتب الصغير ابن الفرعون وولى العهد, وحور محب ابن كبير قادة الفرعون. شب الغلمان الثلاث فى صداقة وأخوة وإن اختلفت طباعهم. كان امنحتب الصغير فتى حالم نحيل البدن يعشق الشعر والخيال ويجنح للتعبد والصلاة ودراسة الأديان, أما حور محب فقد كان قوى البنية مفتول العضلات يميل إلى الحياة العسكرية والحرب تشبها بوالده, أما موسى فقد كان شديد التعبد والحب لأخيه امنحتب. ولما مات الفرعون تولى المُلك بعده ولى العهد بإسم امنحتب الرابع كعاشر فراعنة الأسرة الثامنة عشر وحكم مع زوجته الرئيسية نفرتيتى لمدة 17 سنة,"منذ 1353 ق.م حتى توفى 1336 ق.م. اعتنق أمنحتب الرابع ديانة آتون الإله الواحد خالق الكون وغير إسمه إلى إخناتون أى المخلص لآتون, وألغى جميع الديانات فى مصر عدى عبادة آتون الذى رمز له بقرص الشمس تتدلى منه الأكف التى تحمل الخير وتمنح الحياة. وخوفا من كهنة العبادات الأخرى على الأخص آمون ورع أقوى الديانات، هاجر من طيبة مع زوجته نفرتيتى وأخويه موسى وحورمحب إلى شمال مصر منشئا مدينة جديدة أسماها أخيتاتون أى أفق آتون"تل العمارنة بالمنيا حاليا" وغنى فى معبده المكشوف لآتون أعزب وأرق الألحان التى غناها من بعده بمئات السنين داود فى مزاميره. اهتم اخناتون بنشر دعوته بمساعدة أخيه موسى, ولم يهتم بمقاليد الحكم والسياسة, فتدهورت أحوال الإمبراطورية وتفككت أوصالها, ولم يستمع لنصح حورمحب للخروج بحملة عسكرية لتأديب الإنفصاليين واكتفى بإرسال رسائل الحب والتبشير بدين آتون الداعى للسلام. استطاع كهنة آمون ورع تأليب جميع القوى الداخلية ضده وجندوا حور محب ليكون قائد الثورة ضده وتزويجه إحدى الأميرات كى يولونه حكم مصر بعد التخلص من إخناتون. استطاع الكهنة بقيادة حور محب من القضاء على الدين الجديد ومطاردة أتباعه, ففر جزء منهم شرقا إلى سيناء عبر أفاريس والقنطرة وكان معظمهم من العبرانيين المعتنقين لدين آتون بقيادة موسى, وفر الجزء الآخر إلى الشمال ليركبوا البحر العظيم عبر فاروس" الإسكندرية حاليا" ليصلوا فى النهاية إلى البحر الكاريبى بقيادة إخناتون.
المراجع:
1- تاريخ مصر – جيمس هنرى برستد
2- موسوعة مصر القديمة – دكتور سليم حسن
3- بعض المقالات – دكتور زاهى حواس
4- إخناتون – سيجموند فرويد
5- التوراة والقرآن
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟