|
في امريكا والعالم العربي، التغيير لا نبتا أخرج ولا زرعا حصد
بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب
(Bahrouz Al-jaff)
الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 00:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أنبأنا التاريخ بانه كلما طفح الكيل بواقع مجتمع ما، بسبب كهولته أوترهله أوجموده أوعدم فاعليته في ادامة ديناميكية المجتمع، انبرت اصوات تطالب بالتغيير وقد تكون هذه الاصوات متناثرة متباعدة لا رابط بينها او منتظمة في حركات سياسية او اجتماعية او اقتصادية او عسكرية او ثقافية او...أو دينية او حتى بصورة اديان، كما أنبأنا التاريخ ايضا بان بعضا من الحركات قد تبنت اهدافا اجتازت بها حدود الدول السياسية و اثبتت جدواها وتجذرت، وشاعت حتى اصبحت ظواهر استحقت لها مكانا في كنف التأريخ، كما انجبتنا الحداثة بعضا من هذه الحركات التي تباينت في غاياتها ووسائلها كالماسونية والاشتراكية واحزاب البيئة، وانتهجت جميعها افكارا هدفت بشكل أو بآخر الى سعادة الانسان وديمومة نوعه على الارض. واليوم نشهد حركة اخرى بمستوى يقترب من الظاهرة يمكن اصطلاحها جدلا بحركة (التغيير)، ولايمكننا اليوم بطبيعة الحال ان ندعي بان هذه الحركة قد اصبحت ظاهرة اقليمية او عالمية كما لايمكننا ان نتصور مدى انتشارها وبلوغها المرام ان كان مرامها عالميا. ولأن الواقع يدفع بالحال دوما الى التغيير، وهو ناموس الطبيعة الذي نستشعره في تأثير المحيط في طبيعة الاشياء والاحياء التي تغايرت وتكيفت وتطورت لكي تبقى و تكابد الطبيعة القاسية، فان حاجة البشر الى التغيير تمليها التغيرات التي تطرأ في حياتهم، فحياة البشر ليست سَواء في شكل التغير الذي تكتسبه مثلما لايوجد مجتمع مستقر الى مالانهاية طالما كانت هنالك دوافع تختلج صدور الناس لبلوغ الاصلح (مع تحفظنا لمصطلح الاصلح فيما بين البشر) في صراعهم مع بني جنسهم او مع الطبيعة، فتكون عندها ادوات التغيير مختلفة بين المجتمعات المختلفة وهو التغاير الذي يفرق بينها درجات. وبناء على هذا يرد التسائل الذي مفاده: هل ان مايجري من (تغيير) في بعض البلدان، وخصوصا العربية منها، هو ماأملاه الواقع ام انه انعكاس لحال اريد به ان يكون؟ ولكي نصل الى اجابة مرضية، علينا ان نعي بان مايحدث في بعض من بلدان العالم العربي ليس قياسا يستدل به على تغيير على مستوى العالم، ولو انه انتشر كما النار في الهشيم فذلك لان الحال في بلاد العرب صار كما الهشيم تلتهمه النار بقوة لاتدع مجالا لتدارك بعضه كي يصبح مادة للتغيير، وقد تكون النار قد أتت على الاخضر واليابس، فلا نبتا أخرج ولا زرعا حُصِد. ان ماسمي بالتغيير، سلميا كان ام دمويا، مما لاشك فيه، قد بدأ باهداف الحملة الدعائية لمرشح الحزب الديمقراطي الامريكي في عام 1988 باراك اوباما الذي ادعى انتهاج التغيير، ولكونه زنجيا فقد راجت بضاعته وانتصر في (معركته) وصار رئيسا للولايات المتحدة بتغيير واحد واضح وهو تسنم رئاسة البيت الابيض ولاول مرة من قبل رجل ذي اصول افريقية، ولو كانت وصلت السيدة هيلاري كلنتون (كانت مرشحة الحزب الديمقراطي ايضا) الى كرسي البيت الابيض لكان ذلك تغييرا من نوع آخر على الرغم من ان (التغيير) بحد ذاته لم يكن شعارا رئيسيا لكلنتون، ولعلنا نشهد اليوم الذي تكون فيه امرأة رئيسة للولايات المتحدة، فهو قريب لشعب يعشق التقليعة ويستلهم حصيلة ثقافات مختلفة قد لاتبلغ غايتها في الوصول الى ثقافة مستقرة تميز المجتمع الامريكي لكي تكون الاساس في تطور (الحضارة الامريكية) التي لانعرف على اي مذهب كان قد صنفها هنتنغتون (مؤلف كتاب صدام الحضارات) حين وصفها بالحضارة الغربية (اي اوربية وامريكية). ولان الولايات المتحدة فيها من المفارقات الكثير فانها الوحيدة التي استبدلت لون اليسارالاحمر باللون الازرق (الحزب الديمقراطي) ولون اليمين الازرق باللون الاحمر (الحزب الجمهوري)، لابل فان الحزب الديمقراطي يضم يمينيين مثلما يضم الحزب الجمهوري يساريين، وكل ذلك محاكاة لواقع المجتمع الامريكي وعوامل ساعدت في استقرار الحزبين وتداولهما السلطة ضمن نظام يعتمد رأس المال اداة لبقاءه وديمومته. وبعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على تطبيقه منهج التغيير لم يغير الرئيس اوباما شيئا، بل ساءت الامور اكثر وازدادت مديونية الولايات المتحدة وبعدت الشقة بين الاقلية الغنية، والاغلبية الساحقة الفقيرة في المجتمع الامريكي وانقلب السحر على الساحر فانبرت ثلة من الامريكيين الى المطالبة ب (تغيير) من نوع آخر، برؤية اشمل وبنهج اوضح، انضوت تحت حركة سلمية يسارية عرفت ب (احتلوا وول ستريت) تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، بل وتستهدف النظام الرأسمالي برمته، وهي حركة قوية مازال يعتصم مريدوها في حدائق بورصة وول ستريت واصغت الى صداها شعوب العالم الرأسمالي المختلفة فاضحت حركة عالمية يشار اليها بالبنان. وقبل ان يختبر الامريكان مدى قدرة رئيسهم على التغيير لكي يقولوا كلمتهم فيه عن طريق الانتخابات او عن طريق التزامهم منهجا يدعوا الى انهاء النظام الرأسمالي، اجزم العرب على انتصاره وهو الذي منح جائزة نوبل للسلام، مقابل لاشئ، فرفعوا الرايات الزرق واسسوا احزابا باسم (التغيير) واستوردوا عرابين للتغيير من امريكا ووعدوهم بالنصر، وغيرت القنوات الفضائية (الفاعلة) عندهم الوان نشراتها التحتية (السبتايتل)، بل ولون شعاراتها ايضا، من الاحمر الى الازرق وتعدى ذلك العربَ الى من جاورهم من الكرد والعجم. ولان الواقع هنا ليس فيما ابتغاه اوباما، فان ادوات التغيير كانت شبابا انفتح على العالم من دون قيود عبر الشبكة العنكبوتية لغايات طالما حلمت بها هذه الشعوب وهي الحرية والخبز والعدالة الاجتماعية، ولأن المطالب اكبر من ان يتناولها شباب هائج غير ذي خبرة، ضاعت آمالهم بين ايدي من كانوا اعداء للتغيير فيما قعد اوباما خائبا مرة اخرى فلا هو نبتا أَخرج ولا زرعا حصَد ، فلم ينجز تغييرا في الولايات المتحدة بقدر ملموس، ووضع مصيره بين كماشة اليساريين الجدد (احتلوا وول ستريت) والتطرف اليميني (منهج المرشح عن الحزب الجمهوري ميت رومني) ولم يستمسك ايضا بعروة المبادرة في الشرق الاوسط الذي صار (التغيير) فيه وبالا عليه وعلى امريكا.
#بهروز_الجاف (هاشتاغ)
Bahrouz_Al-jaff#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فليكن ما يكون، ولكن ماذا سنكون عليه نحن؟
-
ديانة (النسخية) الجديدة وثورات جيل الانترنت
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|