أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - جحا وساميل : (5) ، حلقة جديدة















المزيد.....


جحا وساميل : (5) ، حلقة جديدة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3623 - 2012 / 1 / 30 - 08:15
المحور: الادب والفن
    



رياض خليل في :
الحلقة القصصية الخامسة من : " جحا وساميلا "
متابعة البحث عن زهير والحمار
في القصة السابقة رقم 4 لم يتمكن جحا وساميلا من البحث عن زهير ، وفوجئا بالحمار مفقودا ، وفكرا بالبحث عنهما معا ، عبر توزيع الأدوار بينهما ، وتعترضهما مشكلة طارئة مع الجارة أم غريب ، تنتهي بجحا إلى التوقيف في المخفر:
ساميلا عند أم غريب ، تسوح وتنوح على جحا ، وهي تشرب القهوة ، وأم غريب تهدئ من روعها ، وتطيب خاطرها ، وتصبّرها على حبس جحا ، وتقول :
أم غريب : ياساميلا ، أنت مثل أختي وأعزّ ، هذه ليست أول مرة يذهب فيها جحا إلى المخفر ، إنه زبون مداوم درجة أولى ، جحا والشرطة صاروا عائلة واحدة ، اطمئني ، لن تطول غيبته ، كلها سنة زمان ويخلون سبيله .. ماخربت الدنيا ، طولي بالك .
- ماذا ؟ .. سنة زمان ؟ لا .. هذا كثير .. كثير جدأ ، لو أنه قتل قتيلا لما حبس سنة . جحا بريء . ولابد أن يخرج بسرعة .. بسرعة ..
- حسنا ، أنا أستطيع أن أساعدك ، لكن أخبريني ، لماذا كان جحا يريد أن يستعير القرش
- يريد أن يجري قرعة : طرّة وللا نقش
- لماذا ؟ على ماذا؟
- على من منا يذهب للبحث عن الحمار ، ومن منا سيذهب للبحث عن زهير
- زهير .. زهير .. زهير .. الآن تذكرت
- أرجوك .. بسرعة .. ماذا تذكرت ؟ هل تعرفين زهيرا ؟ أين هو ؟ أريد أن أقبض عليه
- أظن أنني سمعت بهذا الاسم من قبل .. أين ؟ أين ؟
وحثتها ساميلا على التذكر ، وراحت ترجوها أن تعصر ذاكرتها جيدا ، وفاجأتها أم غريب
- هاه .. تذكرت .. سمعت جارة جارتنا تلفظ هذا الاسم لجارة جارتها
- همممم .. وماذا بعد ؟
- أخبرتها أنها وجدته عند باب الجامع في الصباح الباكر جدا ...
- إذن هو زهير بذاته ، إنه طيّوب ، حبوب ، مؤمن ، هو تماما كما بدا لنا في تلك الليلة ، لقد أخطأنا في حقه ، أظنه مبروك وبهلول .. المسكين ، ظلمناه ، كان .... كان ..
وفكرت ساميلا : " لايجب أن أفشي السر لإم غريب ، لايجوز أن تعرف الأمر الخطير الذي كان زهير سيخبرنا به ، ويخصنا به نحن .. أنا وجحا فقط ، لابد أنه يحمل لنا بركة وحظا ، وسيفتحها الله في وجهنا بفضله . يجب أن أجده بأسرع وقت ، يجب أن أقبض عليه بشدة ، وأجره من تلابيبه ، ليرى جحا ، ويخبره بالأمر الخطير جدا ، ليتفاهما على كل شيء ، يجب أن أكتم السر عن أم غريب " .
ولاحظت أم غريب شرود ساميلا ، وسألتها ؟
- أراك شاردة الذهن ، ألهذه الدرجة تحبين زهيرا ؟
- وأكثر .. وأكثر .. أخبريني أرجوك .. أي شيء عنه أو يخصه
- لاأدري ماذا حصل بعد ذلك ؟
- تذكري .. أرجوك ..
- هاه تذكرت ، أظن أنها قالت : إن جارتها قالت : إن زوج جارة جارتها ، رفض الاحتفاظ بزهير
- لماذا ؟ الجاهل ؟ تافه ؟ لماذا يرفض ؟
- لاأعرف ، رفض أن يبقى زهير عنده ، لأنه .. لأنه .. أستحي أن أقول
- بل قولي .. أرجوك ، لن أخبر أحدا .. أنا جارتك ساميلا .. ألا تثقين بي ياأم غريب ؟
- الحكي بسرك ..قال : إنه يغار من زهير على زوجته
- معقول ؟
- زوجها غيور جدا ، ولايحتمل أن يكون في بيته ذكر مثله .. لاضيف ولا غيره ..
- وماذا بعد .. ؟ ثم ؟
- ماأتذكره أنهما أخذاه إلى المخفر ،
- إلى المخفر ؟
- سلماه إلى المخفر ، ولاأدري أكثر من ذلك أي شيء
- يعني إن ذهبت الآن إلى المخفر ، أجده ؟ أجد زهيرا ؟
- العلم عند الله ، حاولي ، وطمنيني ....
- حسنا .. سأحاول ، سأذهب إلى المخفر ، وأرى ماذا يفعل زهير هناك ؟ المهم أن لا يكون قد ارتكب جريمة مثل جريمة زوجي جحا
- صحيح ذكرتني .. ماذا عن جحا ؟ ألن تسألي عنه في المخفر ؟ ألن تأخذي له زوادة ، حرام ، قد يكون جائعا ، وعطشانا . وخذي معك لجحا حراما لأنه قد يكون بردانا ، مسكين ياجحا .. مسكين .. مظلوم .. طول عمرك مظلوم ، ومالك حظ .
وهرعت ساميلا إلى المخفر ، للبحث عن زهير .
في تلك الأثناء كان جحا في المخفر يتفاوض مع رئيس المخفر أبو عصا ، في محاولة للتوصل إلى إخلاء سبيله ، وكان يقول له :
جحا : ياسيدي .. يا فخامة الرئيس ...
وهجم رئيس المخفر عليه ، وسد فم جحا بكامل كفه ، وهو يوبخه :
- يامجنون .. أتريد أن تورطني ؟
وهز جحا رأسه إشارة إلى أنه يعتذر ، ولن يعيدها مرة ثانية ، فتركه رئيس المخفر وهو يبتسم في سره ويحلم :
- فخامة الرئيس ، لم لا .. ماأحد أحسن من أحد ، لماذا لا أكون فخامة الرئيس ؟ وحينئذ لن يكون بمقدور أحد أن يراقبني ويسألني ويحاسبني . أنا الرئيس ، يعني أنا كل شيء ، يعني أنا القانون والشرطة والقضاء . أنا الرئيس ، يعني أنا البلد والحاضر والتلد ووالد وما ولد ، وأنا المستقبل والأبد ، أنا الشعب والخزينة أو بيت المال ، أنا من يحدد المعايير والأوزان والمكاييل والأسعار ، والأقوال والأفعال ، والانتقال من حال إلى حال ، وأنا من سأعين الشيطان حاجبا لي ، ورئيس وزرائي الأنجاس . ولمن يقدر علينا لا الإنس ولا الجان . لي وحدي السلطان في الزمان والمكان .
وحين رآه جحا يبتسم ويتمتم ويتنقل حالما شاردا ، اعترته الدهشة ، وأحس أن رئيس المخفر قد انشرح وسر من مقولته ووصفه لولا ....... فاغتنم الفرصة وصاح
جحا : سيدي ، صاحب الجلالة ، مولاي
وهب رئيس المخفر مكمما فاه بكامل كفه ، وهو يوبخه ويعاتبه وينهاه عن التفوه بمثل تلك العبارات التي قد تودي به إلى حبل المشنقة ، وراح يتلمس رقبته ، ويعلق بأدب جم :
- ياجحا .. يا حبيبي .. أحقا تتمنى أن أكون .. أن أكون .. أظنك فهمت قصدر
وابتسم جحا ، وبدا كمن فهم مراده .. وراح يبشره همسا :
- يا سيدي .. يا أبو عصا .. أتدري ؟
واقترب أبو عصا منه ، وأعطاه أذنا صاغية متلهفة : هاه .. ماذا ؟ قل ، ولكن لاترفع صوتك ، ليكن الكلام بيني وبينك فقط ، لأن .. لأن للحيطان آذان ، والدرك كلهم جواسيس على بعضهم البعض ، كلهم كتّيبو تقارير ، لايوفرون أحدا ، حتى ولو كان من أقرب المقربين من عائلاتهم .. تصور بعضهم وشى بأمه وأبيه وزوجته وابنه ، بل وبنفسه ، شيء غريب ، لم يعد هناك أمان في هذا الزمان الذي لايرحم ، ولايحتمل سرا .
جحا : نعم .. نعم .. الكل يتكلمون عن حقارتك ورشاواك ونذالتك ودناءتك .......
أبو عصا : حسبك .. كفى .. كفى ....
واقترب جحا من أذن أبي عصا ، وراح يهمس في إذنه كلاما كالرصاص ، واتسعت أذن أبي عصا .. اتسعت حتى كادت تستوعب فم جحا وشفتاه اللتان بدتا تتحركان كآلة لاتتوقف ، واتسعت أذن رئيس المخفر ، والتهمت رأس جحا كله ، لتعتصر كل مافيه من أسرار وإشاعات وتقولات حول أبي عصا .. وراح صوت جحا يئز كالنحلة :
جحا : يقولون إنك ستترقى ، وتستلم منصبا عاليا .. عاليا .. منصبا .. لايوجد أعلى منه ، ولايطاله غيرك ، سبحان الله ، إذا وهب ، لاتسألن عن السبب ، أنت رغم كل مايقال عنك ، أنت إنسان طيب ، وتعمل لوجه الله ، أقصد : لاتعمل لوجه الله ، بل طمعا بالجنة ، صحيح هل تستطيع أن ترتشي وأنت في الجنة ؟ هل سيكون لك الملك والمال والسلطة والنفوذ والنسوة والحوريات وأنهار العسل والحليب والزبدة ؟ هل ستكون في الجنة رئيس مخفر ؟
رئيس المخفر يبتسم ، ويحلم ، ويعلق :
- في الجنة ياغبي لن أكون لارئيسا ولامرؤوسا
- معقول ؟ ومن يكون رئيس مخفر هناك ؟
- لاأحد
- إذن ستدب الفوضى في الجنة ، وسيتقاتل الناس والمؤمنون ، من سيحل المشاكل بينهم ؟
- مشاكل ؟ لا وجود للمشاكل في الجنة ، كل شيء هناك محلول ، وكل الحاجات مؤمنة
- ولكن .. ولكن .. هل الجنة تشبه الحياة الدنيا يا ....
- تشبهها .. يعني .. قليلا ..
- وهل سيكون فيها كائنا ت غير الإنسان ؟
- لاأدري .. ربما .. ولكن مثل ماذا ؟
- يعني .. مثلا .. نباتات .. أشجار .. فراشات .. نحل .. خيول .. حقول ..
- تماما .. تماما ..
- يعني الجنة تشبه الأرض ،
- الأرض خلقلها الله مثلما خلق الجنة , الجنة أجمل من الأرض ، وفيها مساحات أوسع ، تتسع للجميع ، يمكنك أن تتملك ماشئت من الأرض والكائنات ، وأن تبني ماشئت من عمارات وقصور
- والبلدية ، ألن تمنعنا البلدية ؟
- في الجنة لاتوجد بلدية , ولا شرطة محافظة ,
- وما سعر الحديد والإسمنت هناك ؟
- بالمجان ، كل شيء بلا أي شيء أو ثمن .. خذ ماشئت من الإسمنت حتى تشبع
- والأجرة ؟ أقصد أجرة العامل .. هل هي كبيرة أم صغيرة ؟
- لا أدري ، لا تصعبها علي ياجحا ،
- طيب لو خيرت بين الجنة وبين أن تكون ... مثلا .. أقول مثلا .. وبشرط أن لاتغضب مني ، لوخيرت بين أن تكون هنا فخامة أو جلالة أو ... وبين أن تذهب إلى الجنة فماذا تختار ياسيدي أبو عصا ؟
- ماقصدك أيها اللعين ؟ أتريدني أن أموت ياواطي ..؟ ليخلو لك الجو ، وتتهرب من الدفع لي ، ياعيب الشوم عليك ياجحا ،
- ماقصدر ياسيدي ، حقيقة
- أنت تعرف إن للمخفر مصاريفه ، مصاريف المكتب السرية ، وما نحصل عليه من ال.. أنت تعرف من .. لاتكفي .. ثم الحكي بسرك ، نحن ندفع أيضا ثمن بقائنا هنا في هذا المنصب الوطني الشريف ، تصور لو استلمه غيري ، ماذا كان سيحل بك وبساميلا وبأهل البلدة الطيبين الكرماء ؟ والذي تعرفه وتعرف طعم كرباجه وعصايته وفلقته أفضل ممن لاتعرفه ، على الأقل نحن أهل ويدنا حنونة عليكم ، وعلى رقبتكم . المهم ، لم تقل لي : ماقصدك أنني سأستلم منصبا عاليا .. أقصد أعلى من رئيس المخفر ؟ ومن أين لك هذا الخبر ؟ ومن أخبرك بذلك ياجحا ؟
- حماري .. نعم ياأبو عصا
- حمارك ؟ يا لغبائي ! من منا أحمر من الآخر ؟
- أنت أحمر ياسيدي
- أنا .. أحمر مم ؟
- من حماري ؟ لأن حماري ليس حمارا ،
- ماهو إذن ؟
- إنه ذكي ومؤدب ومخلص وفهيم
- يعني أنا أحمر من حمارك ؟ ومنك ؟
- أنا آسف ، أقصد كلنا حمير يا سيدي . كلنا خلقة الله .. ولكن ..
- ولكن .. هنا حطنا الجمال ، ولكن ...
- لقد رايت مناما .. أنك ستكون .. ستكون ...
واقترب بفمه من إذنه ، وهمس له بالمنام ، ابتسم رئيس المخفر ، وربت على كتفه ، وأثنى عليه وهو يهز رأسه كالحردون ويبتسم كإبن آوى ، وتابع جحا :
- نعم ، البركة بالحمار ، هو من أوحى لي بذلك ، في المنام رأيته ينطق كالبشر ، مثلك تماما ، رأيته يجلس .. أرجوك .. لاتفشي السر .. وإلا ..
- تكلم .. سرك في بئر ، أنا أخوك ، أنا شريكك ، ولن أنساك من بعض الحلاوة ، سأعطيك سكّرة تملأ فمك الكبير الواسع ، وستغص بها ، وستجد صعوبه في ابتلاعها ولكن أعدك أنني سأحضر لك كوبا من الماء الزلال ، لتزلط اللقمة بسهولة .
- وماذا لو خنتني كعادتك يا صا .....
- لاتكمل ، اتفقنا أن نتحدث سرا ، لا لن أخونك ، والمهم أن لاتخونني أنت
- والحمار .. ألا تخشى أن يخوننا ، ويستتطعم بالكرسي والعرش ، ويطلعنا برا ، يعني آوت بالانكليزي ؟
- يعني أنت متأكد أن حمارك هو الملك ؟
- في المنام .. في المنام
- طيب أين الحمار الآن ؟
- هذا ما كنت سأسألك عنه ؟
- تسألني عنه ؟ عن حمارك ؟ هل هو حماري حتى تسألني عنه ياأحمر من الحمار ؟
- سيدي .. لاأعرف أين الحمار ، خرجت صباحا كالعادة لأتفقده ، ولم أجده ، كان مربوطا كالعادة بشجرة الجوز في حوش البيت ، ولم أجده
- هل أخبرك الحمار أين مضى ؟ أو أين يمكن أن يمضي في باكر الصباح ؟
- لا لم يخبرني ، ولم يطلب مني إذنا ؟ تصور ماأحقره ! أنه يستخف بي ولايخافني ولايحترمني ، كان عليه أن يسألني على الأقل لأطمئن عليه
- هل يمكن أن يكون قد لطشه لص ؟
- ربما
- طيب ، من هو ذلك اللص , أعتر ف وإلا سجنتك
- لاأعرف ، ومن أين لي أن أعرف
- أتتستر على اللص ياحرامي
- أنا ... أنا الحرامي يا ....
- قلها .. ماذا ؟ نعم ، أنت شيخ الحرامية .
- يا فخا.. عفوا .. ربما هرب بنفسه ، لحاجة ما ،ولسبب ما
- أنا سأحقق في الموضوع ، بطريقتي ، وحسب أصول ونظريات التحقيق الحديثة جدأ
- ومتى تعلمت التحقيق الحديث سيدي
- إنها نظريات مستوردة ، لاتخر الماء ، ألم تسمع بشارلوك هولمز
- لا ..
- طيب هل سمعت بأرسين لوبين ؟
- لا
- طيب ، بآجاسا كريستي ؟
- لا
- المهم ، لنبدأ التحقيق حالا .. مارأيك ؟
- أنا تحت أمرك سيدي ،ولكن ..
- لا لكن ولاشيء ، لن أسمح لك بالكلام قبل أن أنهي التحقيق :
وحاول جحا أن يفتح فمه بالكلام ، ولكن أبا عصا كم فمه بكامل يده الواسعة . ثم حرر فمه وسأله :
- قلت كان مربوطان بالشجرة ، مانوع الشجرة ؟
- جوز .شجرة جوز ؟
- قلت لك لاتتكلم قبل أن أنهي التحقيق .. ألا تفهم ؟
- حسنا سيدي ..
- أخرس
- ومن أين لك أن تعرف أنها شجرة جوز بالتحديد ؟ ولماذا أخفيت عني أن عندك شجرة جوز ؟ ولماذا لم تتذكرني بكم جوزة يابخيل ، ياهبيل ؟ حسنا ، لنفرض أنها شجرة جوز ، وماذا يعني ذلك ؟ ما لمفيد في الأمر ؟ لتكن شجرة بلوط أو سنديان أو دلب .. هذا ليس مهما ، المهم أنها شجرة ، ولكن الشجرة في حوش البيت كما قلت ، فهل مازالت الشجرة في مكانها ياجحا ؟ أحكي الصدق وإلا ..
- نعم .. صدقني ، بماذا أحلف لك ، لاتزال الشجرة في حوش البيت ، وإذا لم تصدقني فهلم معي لترى بنفسك وتتحقق من وجودها في حوش البيت .
- حسنا . سنتأكد ، تلك هي الخطوة الأولى ، ومن هناك سننتبع خيوط الجريمة ؟
- جريمة ؟ أية جريمة ؟
- جريمة خطف الحمار ؟
- حماري مخطوف .. يامسكين ياحماري المسكين ،
وراح جحا يسوح وينوح على مصير حماره المسكين الذي يحبه كثيرا .... وراح أبو عصا يبكي تعاطفا مع حمار جحا ، وتساءل :
أبو عصا : ياجحش .. عفوا .. أقصد يا جحا .. ياحبيبي ... ماذا سيحل بالمنام إن لم نجد حمارنا ؟ إنه حمار كنز .
جحا : نعم .. إنه حمار شبيك لبيك حمارك بين إيديك .. على كل دعني أبحث عنه بطريقتي
- وهل أنت متأكد أنك ستجده ؟
- نعم ، أنا واثق .. متأكد .
- كيف ؟
- ياسيدي الرئيس
- اخرس .. اخرس ...
- عفوا .. يا .. سأجده ، وأتعرف عليه أينما كان
- وماذا لو لم يتعرف حمارك عليك ؟
- كيف ؟
- ربما أنكرك ، وخانك مع شخص آخر أكرم وأدسم منك ؟
- حماري لا يفعلها ، أتظنه خائنا مثلك
- أنا .. خائن ..
- آسف .. زلة لسان .. وللأمانة .. حماري يثق بك ، لاأعرف لماذا يحبك ! كلما اقترب من المخفر ينهق احتفاء بك .
- إنه يلقي التحية الرسمية يا بغل . حمارك يعرف النظام والانضباط والرتب ، أنه حمار مثالي وسياسي وديبلوماسي ، ليس مثلك أنت الغليظ الفظ ، الغشيم الهمجي
- معك حق ، حماري مهذب بشهادتك ، مع أن شهادتك غير مقبولة ،
- يعني أنا شاهد زور
- أحيانا , ولكن ليس دائما ..
- أيها الأحمق ، سأضعك في النظارة ، ولن أفرج عنك ، حتى تتعلم كيف تقصّر لسانك الزفر هذا .
- سامحني أرجوك
وهمس جحا في أذن رئيس المخفر ، الذي ابتسم ، ثم ضحك ، ثم قهقه حتى استنفر عناصر الدرك ، واندفعوا لمعرفة ماذا يحصل ؟ فتوقف عن القهقة . وأمرهم بالانصراف ، وهو يرميهم بنظرات ملؤها الشك والرريبة والغضب . وانفضوا عنه ، و بعدها سمع أبو عصا صياحا من الخارج ، هو أشبه بشجار ، وفرح جحا ، ونظر أليه أبو عصا مستفسرا ، وصاح جحا :
- إنها ساميلا ، ساميلا يا ....
- هس .. لا تقلها ..
وخرجا معا لاستطلاع الأمر ، فوجدا ساميلا وهي تكيل الشتائم للشرطي ، وتجذبه وتطرحه أرضا ، وجحا يضحك للمنظر ، ثم أمر أبو عصا أن تدخل ساميلا إلى مكتبه ، ونفذ الأمر ، وجلست ساميلا ، وهي تمعن النظر بزوجها جحا الذي بقي واقفا ، ورئيس المخفر وراء مكتبه ، يسأل ساميلا :
- مالأمر ياساميلا ؟ هل وجدت الحمار ياساميلا ؟
- بل وجدت زهير ، هذا كان شرطنا : أنا أبحث عن زهير ، وجحا يبحث عن الحمار
ونهض جحا مبتهجا وهو يصيح :
- أحقا ؟ وجدت زهير ياساميلا ؟ أعترف أنك تساوين وزنك ذهبا
رئيس المخفر : زهير ؟
ساميلا : نعم زهير .. ألا تعرفه ؟
وهز أبو عصا ( رئيس المخفر ) رأسه مستغربا ومستفسرا . وأكملت ساميلا:
- نعم زهير ابن أمه وأبيه ، قالوا لي : إنه في المخفر .. عندك
- عندي ؟
ونادى أبو عصا الخفير ، الذي دخل ، وسأله :
- هل عندنا شخص اسمه زهير ؟
واقترب منه الخفير ، فخاف أبو عصام من اقترابه ، وحاول أن يبتعد بجسمه عن الخفير ، الذي طمأنه :
الخفير : لاتخف ، لن أعضك ، بل سأهمس في أذنك
وتلمس أبو عصا أذنه ، ثم وضع الخفير فمه في صيوان أذن رئيس المخفر ، الذي لم يحتمل أنفاس الخفير الكريهة ، ولا تلامس شفتيه بصيوان أذنه ، وغطى أذنه بكفه ، وهو يعلق :
- أراك ستأكل أذني ! أبعد فمك ولو سنتيمتر واحد عن صيوان أذني ، مالك تكاد تلتهمه ، كأنك لم تفطر من يومين .
وهمس الخفير في أذنه كلاما ، وأطال الهمس واللمس على خد رئيس المخفر ، وتضايق أبو عصا ، ولما انتهى الخفير وأفرغ ما في فمه في صيوان أذن أبي عصا ، وابتعد عنه ، تنفس أبو عصا الصعداء ، ولوح له بيده أن ينصرف ، فانصرف الخفير من حيث دخل ، وساميلا وجحا يراقبانهما ويتبادلان النظرات المتسائلة عما دار بينهما : أي بين الخفير وأبي عصا بفضول واضح . والتفت أبو عصا لساميلا التي تساءلت بهز رأسها عن الجواب ، فقال :
رئيس المخفر ( أبو عصا ) : أي .. قلت : إنك تبحثين عن زهير .. أليس كذلك ؟
جحا وساميلا معا : نعم ، عن زهير ، نريد زهير ا ، وأردفت ساميلا :
ساميلا : أرجو أن تفرج عنه كرمى لي أو لجحا أو لحمارنا
وغمز جحا رئيس المخفر بطرف عينه ، ملمحا إلى المنام ، والنبوءة بأنه سيتولى منصبا عاليا ، وأدرك أبو عصا المغزى ، وأردف :
أبو عصا : ولكن ... لا أستطيع أن أسلمه لكما ، إلا إذا وقعتم على تعهد
جحا وساميلا : نوقع ونمضي ، ونبصم ، نفعل أي شيء في سبيل زهير ، نحن بحاجة ماسة له ، نريده حيا يرزق ، هل عاملتموه معاملة قاسية ؟
رئيس المخفر : اطمئنا ، عاملناه معاملة راقية ، ودللناه .. ولكن ,, المهم
وأخرج رئيس المخفر ورقة من الدرج : وقال :
- هذا هو التعهد ، جهزه الخفير سابقا ، ولاينقصه سوى بصمتكم ، ولكن إياكم أن تعاملوه معاملة قاسية أو سيئة ، حرام ، عفوا ابن حرام ..
واندهش كل من جحا وساميلا للعبارة الأخيرة ، وقطبا انزعاجا منه . ثم قدم لهما الورقة ، وبصمهما عليها كليهما . بعد ذلك نادى للخفير ، فدخل عليهم حاملا لفة ، وأشار أبو عصا للخفير أن يعطي اللفة لجحا وساميلا ، اللذان أصابتهما الصدمة ، حينما أدركا أن في اللفة طفل وليد . نظرا متعجبين إلى رئيس المخفر ، ومتسائلين عن المفاجأة ، وأخبرهما أبو عصا أن الذي في اللفة هو الطفل زهير اللذان يبحثان عنه ، وأخبرهما أن أناسا جاؤوا به إلى المخفر بعد أن التقطوه من أما م باب جامع البلدة ، وسأل أبو عصا ساميلا :
- ولكن مادام زهي طفلك .. فكيف مشى واستطاع الوصول إلى باب الجامع ؟ غريب !
وقهقه جحا وهو يعلق :
- مولاي .. كنت أظنك أذكى مني ؟ هل يعقل أن يمشي طفل مولود ؟ ولكن أنت قلتها .. غريب هو من اختطفه ، أقصد سرقه ، ووضعه عند باب الجامع
أبو عصا : غريب ؟ ومن هو غريب ؟ ثم أنني لم أقصد ؟
ساميلا : غريب ابن أم غريب ، إنه يكرهنا ، أقصد يكره جحا فقط ، لأنه يغار منه على أمه
جحا : أغلقي فمك ، ( لأبي عصا ) : أرجوك اذهب واعتقله ، غريب ولد شقي ومزعج ، ثم إن زهير ليس ابني ياسيدي المعظم
أبو عصا : ومن قال : إنه ابنك ؟ أنا قلت : إنه ابن ساميلا
ساميلا : لو كان زهير ابني ، لما أخفيت الحقيقة عن جحا ، ( لجحا ) لاتصدقه ، إنه لايفهم ، زهير ليس ابني
جحا : معقول ياساميلا .. أنا واثق بك ، لايمكن أن تنجبي دون أن تخبريني ،
أبو عصا : لو لم يكن ابنكما .. لما سألتما عنه ، وطلبتما مني ، على كل ، إن كنتما تنكرانه وتتبرآن منه ، فلن أعطيه لكما ، اذهبا
جحا : حسنا ، ولكن ليس هذا زهير الذي نبحث عنه ،
ساميلا : ولكن رئيس المخفر يؤكد أنه زهير بذاته ، فهل تكذبه ؟ الحكومة لاتكذب
وهنا انفجر جحا مقهقها .. ساخرا .. وأثار حفيظة أبي عصا ..
ساميلا : ولكن يا أبا عصا .. الذي أعرفه هو أن زهير كان رجلا كبيرا وراشدا
وتلتفت إلى جحا طالبة شهادته :
ساميلا : أليس كذلك ياجحا ؟
جحا : نعم وأيم الله ، إنني أشهد وأحلف أن زهير كان رجلا
أبو عصا : ولايزال رجلا ..
جحا : أقصد كما قالت ساميلا : كان كبيرا .. أكبر من حماري وأنضج منه
ساميلا : بل هو أصغر من حمارك ، أظن أنه مثل رئيس المخفر ،ولايعقل أن يتقلص ويصغر حجمه هكذا بدون سبب وبين عشية وضحاها ..
جحا : وإذا استمر بالتقلص والصغر ، فسوف يصبح كالناموسة ، ثم يذوب ويمحي نهائيا
أبو عصا : هذا الذي عندي ، أعجبكما خذاه ، وإن لم يعجبكما فاتركاه واخرجا من هنا
ساميلا تفكر : ليكن .. سآخذه ولو كان ناموسة
ساميلا : ياجحا .. سنأخذه ونربيه ,
جحا : وبعد ؟
ساميلا : سنربيه حتى يكبر ، وحينها سيخبرنا عن الأمر الخطير جدا ، الذي كان سيخبرنا به يوما ما
جحا : ليت زهير أخبرنا عن الأمر الخطير قبل أن يصبح طفلا ، ولكن عجبا كيف يمكن أن يتحول رجل إلى طفل بين ليلة وضحاها
أبو عصا : مثلما يتحول الطفل إلى رجل ، يتحول الرجل إلى طفل ، ألم تسمع نابليون يقول : لاشيء مستحيل ، كله بقدرة القادر
جحا : نابليون ؟ هل تعرفه ؟
أبو عصا : هو يعرفني يا فهيم
جحا : وهل يعرفني أنا أيضا ؟
أبو عصا : أنت ؟ ومن أنت حتى يعرفك نابليون ؟ أنت بالكثير يعرفك حمارك
ساميلا : وأنا أيضا أعرفه يا سيدي أبا عصا ..
جحا : ياساميلا .. هاتي زهير ودعينا نعود إلى البيت ، جارتنا قلقة علينا ،
ساميلا : والحمار ؟
جحا : لاتقلقي .. إنه يعرف طريق العودة إلينا ، لايستطيع أن يستغني عنا
أبو عصا : سلم على الحمار يا جح... عفوا ياجحا ، ولاتنسى الملبسة ، أقصد كيس الملبس ، هذه المرة رخصت الإكرامية ،
وغمزه بعينه علامة التفاهم بينهما على المنام وضرورة حفظ السر
وهز جحا رأسه كالحرباء موافقة وتظاهرا بأنه فهم القصد وهو يقول بمل ء صوته :
جحا : قصدك أنك بدك تصير رئيس
وغضب منه أبو عصا ، وهو يضع سبابته على فمه ، ويأمره بالصمت وكتم الموضوع ، وضحك جحا .. ومضى هو وساميلا والطفل زهير خارجين من الخفر ، وينعتان رئيسه بصوت خفيض لم يتمكن ابو عصا من سماعه :
- طماع ، حرامي ، مرتشي ، غبي ....
وظلت الكلمات تتردد كالصدى وهما يتبادلان حمل الطفل زهير ، ويقطعان المسافة عائدين إلى بيتهما ..........
وفي الحلقة القادمة سيبحثان عن الحمار ليعيداه إلى البيت ، فإلى الحلقة السادسة ......



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءة على الحقبة الأسدية
- الأدب والثورة
- من قصائد الثورة (10)
- جحا وساميلا: الحلقة الرابعة :قصص قصيرة مسلسلة
- قصيدتان : ذاكرة للحب و نجوم الفرح : شعر نثري
- حيث يوجد الحب
- أنا ونعيمة والوحش : قصة قصيرة
- جحا وساميلا (3) : قصة قصيرة
- اليسار السوري: تاريخ فاشل ودعوة لإعادة البناء
- من خلف الغربة : شعر نثري
- تعقيبا على مكارم ابراهيم : حق تقرير المصير ......
- الأديب باسم عبدو: في
- جحا وساميلا وزائر الليل : قصة قصيرة (2)
- جحا وساميلا : قصة قصيرة
- سأعود إليك : شعر نثري
- أوكازيون: روسيا تبيع سوريا
- الإخوان المسلمين وفوبيا الإسلام السياسي في سوريا
- قصئد غزلية قصيرة : شعر نثري
- الصورة والاشتعال:شعر نثري
- قصائد غزلية قصيرة (3)


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - جحا وساميل : (5) ، حلقة جديدة