|
الصلاة
أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .
(Ahmad Hamdy Sabbah)
الحوار المتمدن-العدد: 3621 - 2012 / 1 / 28 - 17:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
{يا أَيُّهَا الَّذينَ أَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرجُلَكُمْ إِلى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُمْ مَّرضَى أَو عَلَى سَفرٍ أَو جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَليْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكنِ يُرِيدُ لِيُطهِّركُمْ وَلِيُتمَّ نِعْمتَهُ عَليْكُمْ لَعلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . الآية (6) سورة المائدة .
{وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } .الآية (43) سورة النساء .
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} . الآية (222) سورة البقرة .
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَاتَصْنَعُونَ} . الآية (45) سورة العنكبوت .
تعتبر الصلاة في كل الأديان ركنآ أساسيآ من أركان الدين ولا يصح ولا يكتمل الدين الا بها ، والدين الاسلامي ليس استثناءً من ذلك ، وعليه فان الصلاة والتي لا تكون الا لله تعالى قام الله بايضاح أهميتها وضروريتها للعباد من باب أنها تطهرهم وتجعلهم يبتعدون عن اتيان الفواحش والمنكرات والبغي والجور على الناس حتى تقبل صلاتهم فالصلاة ان لم تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فلا طائل ولا مردود منها .
فمسألة الوضوء والصلاة كما أوضح الله تعالى هي مسألة تطهير وطهارة ولا يقف أمام الله تعالى الا القوم الطاهرون المتطهرون (يُرِيدُ لِيُطهِّركُمْ) (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) لا من نجاسات الجسد فقط وانما من نجاسات الروح والسلوك أيضآ وهي أهم من سابقاتها ذلك أن نجاسة الجسد (مع الأمر بتطهيرها) انما تمس الفرد الواحد نفسه ولكن نجاسة الروح فبلائها لا ينجس بل تدمر الناس وتشوه ضمائرهم وتهين كرامتهم ، وبالتالي فان صلاة الانسان سئ الخلق والظالم انما تعد دعاية سيئة للدين أو ظنآ منه أن صلاته لرب العباد تكفيه ما يفعله في العباد وهو ما يشي بالمتاجرة بالدين أو اشاعة قيم لا تمت للدين بصلة من قبيل أن الصلاة وبعض من الزكاة والصوم والحج والعمرة يكفلون الانعتاق من النار جزاء ما يرتكبه المرء من موبقات وكبائر وظلم للناس ونهب استيلاء على حقوق الغير .
مع تبيان أننا لا نتحدث هنا عن صغائر الذنوب واللمم التي تضر صاحبها فقط ، فقد خلق الانسان ضعيفآ ولكن الله يحب التوابين والمتطهرين من ذنوبهم وعاقدي العزم على ألا يعودوا اليها ولا تقبل التوبة الا بعد أن تعود الحقوق الى أصحابها فهذا هو الشرط الأساسي في التوبة من الكبائر .
في هذه الآيات الكريمة يوضح الله سبحانه وتعالى النواقض الجسدية للوضوء للصلاة وهي الجنابة (ما يخرج من السبيلين ويوجب الغسل أو الاستحمام وتغيير الثياب وغسلها ) ، أو الاتيان من الغائط (منخفض من الأرض منزويآ عن التجمعات السكانية وكان الأقدمون يتخذونه كنفآ أو كخلاء لقضاء الحاجة ) ، أو لامستم النساء ( وهي تعني الاتيان بشهوة والمضاجعة وليست مجرد التسليم على النساء أو حتى ملامسة الزوجة من غير شهوة تتسبب في انزال المذئ ، لذلك قال الله تعالى لامس ولم يقل أتيتم زوجاتكم أو قضيتم وطركم لأن من المعروف أن انزال المذئ يأتي قبل المضاجعة الكاملة وبالتالي قال الله تعالى لامستم النساء لأن المذئ ناقض للوضوء ويكتفى معه بغسل العضو والثياب الملاصقة له.
فلا مس غير لمس فالفعل ينقسم الى قسمين مجرد ومزيد ، والفعل المجرد هو الذي لا يقبل نقصان حرف من حروفه ، أما المزيد فان فيه حرف يزيد عن المجرد ليعطي دلالة جديدة ، مثل قتل وقاتل وذلك على وزن فعل وفاعل فالأولى تعني اتيان الفعل من قبل طرف واحد في مواجهة طرف آخر مفعول به أو اتيان الفعل دون مبالغة أما الثانية فتعني فعلآ ورد فعل ومشاركة في الفعل واتيانه بهمة وقوة وتشارك من قبل اثنين أو أكثر ) ، وأخيرآ بالنسبة للنساء فان الحيض يبطل الوضوء لأنه ووفقآ للآية الواردة في سورة البقرة يجعل النساء غير طاهرات لمستوى أداء الصلاة ، فالطهارة هي الشرط الأساسي لاقامة الصلاة .
وبالتالي فانه بالقاء نظرة فاحصة على ما سبق من النواقض الجسدية للوضوء نجدها أمورآ توجب تغيير الثياب ان هي أتت على الثياب ، بل ان المرء نفسه لا يطيق أن تكون ثيابه متسخة بمثل هذه الأمور ، أما موضوع خروج الريح (وهو لا ينجس الثياب) واعتباره من مبطلات الوضوء فانه لا يوجد له ذكر في القرآن الكريم وانما سند الذين ذهبوا الى بطلان الوضوء بخروج الريح انما مرجعهم الى مرويات وأحاديث من أحاديث الآحاد قيل أنها ذكرت على لسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الرسول نفسه وفقآ لهذه الأحاديث لم يذكر خروج الريح صراحة وانما هي تفسيرات الذين قالوا بهذه الأحاديث أو من قاموا بتفسيرها .
على شاكلة حديث أبو هريرة : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ). وقال رجل من حضرموت: ما المحدث يا أبا هريرة؟ قال فساء أو ضراط ". ( والفساء خروج الريح من غير صوت، والضراط خروج الريح بصوت ) وهذا الحديث ] ان كان قيل على لسان الرسول الكريم على الرغم من وروده في كثير من كتب الحديث [ فتفسير الحدث كما هو واضح من الحديث انما هو اجتهاد شخصي من أبو هريرة أو كما قال الامام محمد الشوكاني في مصنفه (نيل الأوطار): أنه استدلال بتفسير أبي هريرة وليس بحجة .
عن عباد بن تميم عن عمه شُكِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) رواه الجماعة إلا الترمذي .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) رواه مسلم والترمذي.
وأما زيادة النفخ في المقعدة ويخيل إليه إلى آخره، فهذه رواها البزار وفي إسنادها ضعف، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي أحدكم الشيطان في الصلاة فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا.) أخرجه البزار ولمسلم عن أبي هريرة نحوه، وللحاكم عن أبي سعيد مرفوعا: (إذا جاء أحدكم الشيطان فقال إنك قد أحدثت فليقل إنك كذبت). أخرجه ابن حبان بلفظ فليقل في نفسه.
هاتان الروايتان فيهما غموض وإشكالات كثيرة كحديث أبي هريرة السابق، أما الغموض المشترك بين الروايتين هو ذلك الشيء الذي لم يسمه والذي يجده أحدكم مرة في الصلاة ومرة في بطنه، فلم تذكر أي من الروايتين ما هو ذلك الشيء؟؟، هل هو (البراز) أم (الريح)، والغموض الثاني يكمن في النهي عن الخروج أو الانصراف مرة من الصلاة ومرة من المسجد إلا عند سماع صوت أو وجود ريح، والغموض الثالث هو هل المقصود بالصوت أو الريح صوت وريح البراز أم صوت ورائحة الريح الخارج من البطن؟؟، فالبراز له صوت وله ريح، وخروج الريح يكون بصوت ويكون بريح كذلك، ولكن قد يخرج من الإنسان ريح ليس له صوت وليست له رائحة، فهل خروج الريح من دون صوت أو رائحة لا ينقض الوضوء؟؟.
أما عن الإشكالات الدلالية في الروايتين فكثيرة، منها: لم يأت في الحديث أي ذكر للوضوء أو إعادة الوضوء، وإنما ذكر الانصراف من الصلاة وعدم الخروج من المسجد عند سماع صوت أو وجود ريح، وهل قصد بالانصراف من الصلاة أو الخروج من المسجد التأكد من خروج شيء من البراز؟؟، أم الانصراف والخروج من أجل خروج الريح وحسب؟؟، وهل وجود ريح أو سماع صوت يقتضي الانصراف من الصلاة وإعادتها مرة أخرى بدون وضوء أم لتجديد الوضوء؟؟، فالروايتان لم تأتيان على ذكر الوضوء ولا إعادته مما يزيد الأمر غموضا، أما ما أرجحه من دلالة في هاتين الروايتين هو أن الانصراف من الصلاة والخروج من المسجد يكون للتأكد من خروج شيء من الغائط (البراز) لأن خروج شيء من البراز لابد من أن يصحبه صوت أو رائحة، على خلاف الريح الذي قد يخرج من دون صوت أو رائحة .
والبرهان على ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام في رواية أبي هريرة: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا) ومما هو معلوم للجميع أن الإنسان لا يجد في بطنه شيء يُشْكِل عليه سوى (المغص_ التقلصات_ الإسهال) وغيرها من الآلام التي يجدها الإنسان في بطنه فتجعله لا يتحكم في خروج شيء منه، ويؤكد هذا أن الريح في البطن لا يشكل على الإنسان إذا خرج منه شيء أو لم يخرج، فالريح يخرج من الإنسان من دون وجود شيء في البطن ومن دون آلام أو غيرها، لأن الإنسان يشعر ويعلم ويتحقق من خروج الريح بدون الحاجة إلى سماع صوت أو شم رائحة، لأن الريح يخرج أحيانا من دون صوت وأحيانا أخرى يخرج من دون رائحة مع علم الإنسان وتحققه من خروجه، وقد يخرج مع الريح شيء من البراز في حالات آلام البطن كالإسهال والدوسنتاريا وغيرها وهذا هو المقصود من الرواية.
فالرواية لا تنص على شيء سوى على خروج شيء من البراز أثناء الصلاة أو التواجد في المسجد لوجود آلام في البطن تمنع المرء من التحكم في خروج شيء منه، أما خروج الريح بصوت أو برائحة أو بغيرهما فلا وجود لنص صريح في كلام الرسول ولا في الكتاب على نقضه للوضوء، وبالتالي فخروج الريح وحسب لا ينقض الوضوء .(1)
وقد ورد حديث منسوب للامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ ، وكذلك حديث معاوية بن أبي سفيان " الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ "، فكلا الحديثين اعتبرا من الأحاديث الضعيفة من قبل المحدثين .
وقد ورد على لسان أبو هريرة كثير من أحاديث الضراط ووتعلق بضراط الشيطان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل ، حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا وكذا ، ما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى ، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ، ثلاثا أو أربعا ، فليسجد سجدتين وهو جالس . الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: [صحيح] - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته ، فإذا سكت رجع فوسوس ، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته ، فإذا سكت رجع فوسوس الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح
وبالطبع هذه الأحاديث الغريبة الخاصة بضراط الشيطان المدعى نسبتها الى أبي هريرة لا يمكن أن تكون قد وردت على لسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن أمرآ لا تقبل الصلاة بسببه كيف ينفرد أبوهريرة فقط (وهو من أواخر من أسلموا والصلاة مفروضة منذ ما قبل الهجرة) أو حتى جمع قليل جدآ بايراده ليصبح هذا الأمر مدرج في حديث مصنف ضمن أحاديث الآحاد لا الأحاديث المتواترة (والتي هي نفسها لا تحمل قوة القرآن وحجيته ) ، مع استمرار تحفظنا وتأكيدنا على أنه لو كان من الدين في شئ لا يقبل معه أهم ركن من أركان الدين لأورده الله سبحانه وتعالى في متن كتابه الكريم طالما وقد شرع في بيان موجبات الوضوء والغسل .
فالقرآن الكريم مقدم على الأحاديث الظنية الثبوت والدلالة وكل الأحاديث ، ولا يوجد حديث واحد أجمعت الأمة بكل تأكيد على أن الرسول قد قاله الا حديث .. من كذب علي متعمدآ فليتبوأ مقعده من النار ، وبقية الأحاديث مهما كانت تظل هناك نسبة من الظن في صدقيتها وحقيقة ورودها على لسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد صدرت فتوى من الأزهر ـ بتارخ أول فبراير 1990 ـ جاء بها :" إن الإيجاب "الوجوب" والتحريم لايثبتان إلا بالدليل اليقينى القطعى الثبوت والدلالة. وهذا بالنسبة للسنة " الأحاديث" لايتحقق إلا بالأحاديث المتواترة وحيث إنها " هذه الأحاديث المتواترة" تكاد تكون غير معلومة لعدم اتفاق العلماء عليها فإن السنة " الأحاديث لاتستقل بإثبات الإيجاب " الوجوب " والتحريم إلا أن تكون فعلية " وهى المتواترة كالصلاة والحج والعمرة " أو تضاف إلى القرآن الكريم " أى يقوم عليها دليل مستقل من القرآن تنضم إليه". [ نشر نص الفتوى فى جريدة الأحرار المصرية بتاريخ 5 /8/1993 ].
من ناحية أخرى قد يذهب البعض الى أن آية .. جاء أحد منكم من الغائط .. انما تعني أنه في اطار (من) التبعيضية ]أي بعض من كل [ انما تعني الريح أيضآ كجزء من الغائط اذا ما فهم الغائط هنا على أنه البراز نفسه فقد سلف العرب من قبل على تسمية البراز نفسه أيضآ بالغائط ، ولكن لو أن الأمر كذلك لكان الله تعالى قال .. (جائكم من الغائط) على اعتبار أن الانسان لا يتغوط ولا يصدر ريحآ بارادته وبرغبته كاملين واستعداد مستقبلي وانما يفاجئه ذلك و يكون على غير تدبير وترتيب منه ، أو حتى أن يقول الله تعالى (جاء أحد منكم من غائط) بدون اللا التعريفية والتوضيحية والمحددة لمكان أو أمر ما واحد ومحدد .
فلا يمكن فهم هذه الجملة بشكل مجازي تغلب عليه التورية لأنه ليس هناك من داع موضوعي دلالي لنقل هذا المعنى إلى المعنى المجازي، وذلك لأن نقل اللفظ من معناه ودلالته الحقيقية إلى المعني المجازي ليس هكذا دون ضوابط، فقد اجمع علماء اللسانيات واللغات أن المعني لا ينتقل من الحقيقة إلى المجاز إلا إذا استحال تطبيق معنى اللفظ أو العبارة في الحقيقة، فمثلا قوله تعالى: (واسأل العير التي أقبلنا فيها) والعير هي الجمال، فليس من الواقع أن يسأل الجمال وإنما يحمل على المجاز ويسأل من كان في العير من الناس وليس العير الجمال، أما قوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) فليس هناك من أي ضرورة تمنع من إطلاق هذا المعنى على حقيقته وصرفه إلى المجاز، فالغائط هو المكان المنخفض من الأرض والذي اتخذه الناس خصيصا لقضاء حوائجهم كالتبول والتبرز وهذا ما ذهب اليه المفسرون ، وبالتالي قوله تعالى (جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ ) بهذا الشكل التفصيلي انما توضح الفعل الارادي للانسان وذهابه وقدومه بشكل ارادي من مكان ما.(2)
كذلك لم يقل الله سبحانه وتعالى (لو أتيتم الغائط) ولم يقل (ذهبتم إلى الغائط) لأن مجرد إتيان الغائط أو مجرد الذهاب إليه ليس بالضرورة يعني أن من أتى الغائط أو ذهب إليه يكون قد تبول أو تبرز، فقد يذهب البعض لإلقاء القاذورات أو الجيف أو اصطحاب زوجته أو ابنه أو للاغتسال أو لأي غرض كان سوى التبول أو التبرز كما كان يحدث قديما، أما المجيء من الغائط فيدل بوضوح على أن المجيء من الغائط لا يعني سوى العودة منه بعد قضاء حاجته في هذا المكان المعد خصيصا لهذا الغرض .(3)
(1) ، (2) ، (3) من دراسة ومحاورات قيمة للباحث والمفكر الاسلامي نهرو طنطاوي بعنوان خروج الريح لاينقض الوضوء .
و خطاب الله تعالى هنا في هذه النقطة تحديدآ جاء بصيغة المفرد (جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم) لا بصيغة الجمع كما سبقها (وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُمْ مَّرضَى أَو عَلَى سَفرٍ) ولحقها (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) ، فكثيرون من الرجال والنساء قد يكونون جنبآ لسبب أو لآخر ، وكثيرون قد يتعاشرون مع زوجاتهم ولكن من غير المتوقع أن يذهب الناس جماعات الى الغائط في ذات الوقت اذن فالمقصود هنا هو فعل الذهاب ذاته الى الغائط والعودة منه ، كما أنه يفهم كنوع من أدب ورقي الحديث لعدم اضطلاع الناس على عورات بعضهم البعض والحفاظ على الخصوصية في هذا الشأن . وفي نهاية الآية قوله تعالى }مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَليْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكنِ يُرِيدُ لِيُطهِّركُمْ وَلِيُتمَّ نِعْمتَهُ عَليْكُمْ لَعلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . الآية (6) سورة المائدة ، ومن المعروف أنه لا طهارة الا من نجاسة والنجاسة لا يتم التطهر منها الا بغسل العضو والاغتسال أو الوضوء وتطهير الثياب ، وبالطبع فانه لو فهمنا أن الريح من موجبات التطهر فلكان يجب على المرء تغيير ثيابه وتطهيرها قبل أن يشرع في الوضوء ، بالاضافة الى مايمثله اعادة الوضوء بسبب حدوث الريح من حرج ومشقة على الناس وبالتالي نبتعد عن مكنون ومعنى الآية الكريمة {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَليْكُم مِّنْ حَرَجٍ} والتي ذكرها المولى تعالى في نهاية الآية التي وضح فيها موجبات الوضوء والتيمم في حالة عدم وجود الماء .
يجب أن نعلم أن الريح اما أن تخرج من الدبر أو من الفم فيما يعرف باسم التجشؤ وهذا الأخير لا ينقض الوضوء عند الفقهاء لأنه كما يقولون لا يخرج من محل نجس !! ، على الرغم أن منهم من يقول أن الدم ينقض الوضوء ومن الممكن أن يصاب المرء في جسده أو فمه أو أنفه ويخرج منه دم كثير من فمه أو أنفه (فيما يعرف بالرعاف) وهو عندهم من نواقض الوضوء !.
وكذلك عندهم فان الريح التي تخرج من مهبل المرأة لاتنقض الوضوء لأنها لا تخرج من محل نجس !! وهذا تناقض عليهم لأن دم الحيض لايخرج الا من المهبل وقد قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}الآية 222 ، سورة البقرة .
وبالتالي فالأمور التي أمرنا الله سبحانه وتعالى من التطهر منها للصلاة يلزم معها تطهير الثياب ان أصابها شئ منها ، وريح الدبر أو المهبل ليس فيها أذى أو نجاسة والا لزم معها التطهر وتطهير الثياب ، ولمس النجاسة لا ينقض الوضوء ولكن يوجب غسل مكان اللمس سواء أكان من البدن أو من الملبس .
ان من أسباب الاطالة في هذه الجزئية والتي قد يراها البعض غير هامة على الرغم من أنها تمثل نهجآ مغايرآ عما اعتاد عليه الكثيرون ، الا أن هذه النقطة وهذا الاجتهاد يحمل دلالات هامة قد لا يتوقعها الكثيرون وذلك على النحو التالي :
1- يجب أن ندرك بل ونعترف أن كثيرآ قد أصابهم ما يعرف بالوسواس القهري فيما يتعلق باعادة الوضوء والصلاة نتيجة اعتقادهم في موضوع خروج الريح وابطاله للصلاة ، وهو أمر تسبب في ابتعاد الكثيرين عن أداء الصلاة أو المواظبة عليها لما في ذلك من مشقة عليهم ، ولايقف الأمر عند هذا الحد بل ان الاصابة بمثل هذا الوسواس يفتح الباب على مصراعيه أمام تناوب هذا الوسواس على عقول هؤلاء فيما يتعلق بمختلف شؤون حياتهم وهو ما ينعكس على علاقاتهم مع الآخرين بل ومع ذواتهم .
2- ومن ناحية أخرى كم كثير من المسلمين يمكن أن يلتزموا بأداء الصلاة حين يدركون أن موضوع اخراج الريح لا ينقض وضوئهم وبالتالي فان الالتزام بما قاله الله سبحانه وتعالى في متن قرآنه الكريم سيعيد كثيرآ من المسلمين الى الالتزام بأداء الصلاة بدون مشقة وحرج خاصة في ظل مشاغل الحياة وصعوباتها ووتيرتها السريعة جدآ ، وما يتأتى مع الالتزام بأداء الصلاة من سعي الى الخير وابتعاد عن الفحشاء والمنكر والبغي كما أمرنا الله تعالى حتى يقبل صلاتنا .
3- كثير من الناس يلجأون الى حبس الريح منعآ لتكرار الوضوء لما في ذلك من مشقة عليهم خاصة اذا كانوا خارج المنزل ، ومن المعروف طبيآ أن حبس الريح بشكل متكرر يتسبب في متاعب صحية جدية للمعدة والقولون والأمعاء وهذا ما لايرضاه الله تعالى ، كما أن الانسان المشغول بمغالبة خروج الريح لا يكون في صلاته على تمام الصلة بربه ولا يكون ملتزمآ بالخشوع والتركيز الواجبين عند أداء الصلاة .
4- لو علمنا أن عدد المسلمين في العالم يفوق المليار والستمائة مليون ويزيدون يوميآ فاننا ان اعتبرنا أن نصف هذا العدد ( فهناك للأسف كثيرون من المسلمين لايلتزمون بأداء الصلاة ) فقط يلتزم بأداء الصلاة ويصلون بانتظام فاننا لو اعتبرنا أن هؤلاء المصلون حين يتوضؤون فانه في كل وضوء يستهلكون في المتوسط لترآ واحدآ ونصف من المياه ، واذا اعتبرنا أنهم يعيدون وضوئهم مرتين على الأقل يوميآ من أجل موضوع الريح هذا ، فاننا هنا نكون ازاء اهدار 2 مليار وأربعمائة مليون لتر مياه يوميآ أي قرابة 876 مليار لتر مياه سنويآ وهو هدر يزداد سنويآ مع ازدياد أعداد المسلمين الذين يعتقدون أن الريح تنقض الوضوء .
فلنا أن نتخيل أننا لو فرنا هذه الكمية من المياه (بل ولوضاعفنا هذا التوفير الهائل من خلال الاكتفاء بفرائض الوضوء والتي أوضحها الله سبحانه وتعالى في متن كتابه الكريم من خلال قوله عز وجل فَاغْسلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرجُلَكُمْ إِلى الْكَعْبَينِ ) فكيف سنساهم بذلك ولو بقدر معقول في حل أزمة المياه التي تتوقع الدرسات الاستراتيجية أن تكون سببآ رئيسآ في الحروب خلال السنين المقبلة خاصة في عالمنا الاسلامي الذي تعاني أجزاء منه من قلة المياه الصالحة للشرب بل وستزداد الأزمة حدة وفقآ للدراسات الانمائية والاستراتيجية مع زيادة السكان ونمو النشاط الصناعي والعمراني .
صحيح بالطبع أننا لن نحل أزمة الغذاء والماء فقط بذلك ، ولكنه بيان لكم الهدر في المياه الذي نعانيه وخطوة في الطريق فيكون ذلك أحد الوسائل التي نستخدمها من أجل توفير المياه واستخدامها لما فيه صالح الأمة من توفير المياه الصالحة للشرب في عالمنا الاسلامي الذي يقل فيه نصيب الانسان عن الحد العالمي لنصيب الفرد من المياه النظيفة ، وكذلك المساهمة في وقف التصحر الشديد الذي نعانيه في عالمنا الاسلامي الذي يقع في سواده الأعظم في الحزام الصحراوي بوسائل الري الحديثة كالتنقيط والهندسة الوراثية .
ومن ناحية أخرى فان الله سبحانه وتعالى قد أمرنا وبشكل محدد وواضح بأن نغسل أرجلنا حتى الكعبين حين نقوم الى الصلاة ، دون أن يعطي رخصة خاصة في متن كتابه الكريم بمجرد أن نمسح على مقدمة الخفين أو الجوارب فكان الله تعالى واضحآ في قوله بدون مواربة أو استثناء بمسح الأرجل بل وحددها بشكل تفصيلي ألا وهو المسح على الخفين وليس كما يفعل كثيرون الآن ، امتثالآ ل :
حديث جرير بن عبد الله حيث أخرج مسلم عن الاعمش عن ابراهيم عن همام قال : بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه ، فقيل تفعل هذا ، قال نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه .
وحديث الامام علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه . أخرجه أبو داود والدارقطني بإسناد حسن .
وقال أيضآ الامام علي كرم الله وجهه ً: جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه . وكذلك حديث صفوان بن عسال قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن الا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم . أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي واللفظ له وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والنووي وابن حجر .
أما حديث جرير فقد قال الأعمش قال ابراهيم كان يعجبهم هذا لأن اسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة ، وهذا الحديث من أحاديث الآحاد شأنه شأن بقية الأحاديث التي ذهبت مذهبه وعلى الرغم من ذلك فأن بعض الأخبار تذهب الى التأكيد على أن اسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة فان أخبارآ أخرى تشير الى عكس ذلك بأن اسلامه كان قبل نزول سورة المائدة وخاصة آية الوضوء التي كانت من أواخر ما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد جزم الواقدي بأن جرير قد وفد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشرة ، وأن بعثه الى ذي الخلصة كان بعد ذلك ، وأنه وافى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من عامه . وقد قال الجاحظ أن شريكآ حدث الشيباني عن الشعبي عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أخاكم النجاشي قد مات (الحديث أخرجه الطبراني) فهذا يدل على ان اسلام جرير كان قبل سنة عشر لأن النجاشي كان قد مات قبل ذلك في سنة تسع للهجرة .
ثم اذا كان موضوع المسح على الخفين متواترآ وبديهيآ ومعلومآ بالضرورة فكيف يسألون بشكل اندهاشي واستغرابي استنكاري ما قام به جرير بن عبد الله ، ومن ناحية أخرى على الرغم من ورود حديث مسح الخفين على لسان سيدنا علي بن أبي طالب (كما قيل على لسانه) الا أن أهل البيت والشيعة الامامية والزيدية والأباضيون يرفضون موضوع المسح على الخفين ولايقرون بمشروعيته .
اننا بهذا التصرف بالمسح على الخفين نكون قد جنبنا التنفيذ بشكل كلي لهذه الآية يا أَيُّهَا الَّذينَ أَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرجُلَكُمْ إِلى الْكَعْبَينِ مع استطاعتنا تنفيذها بشكل تام بخلع الجوارب والغسل ثم اعادة ارتدائها مرة أخرى وذلك نكون قد أعلينا فقه الرواية على فقه الآية ، ونحينا اليقين جانبآ لصالح ما هو ظني ، أي نكون قد قدمنا الحديث على حساب القرآن الكريم خاصة وأنه من المعلوم أن حال السفر ومشقته في ذلك الوقت والغزوات التي كان يقوم بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لربما كان في ذلك رخصة وقتية للرسول وأصحابه هذا اذا سلمنا بورود الرسول لذلك أو أنها تكون قبل نزول سورة المائدة .
إن عائشة أم المؤمنين كانت تنكر المسح على الخفين أشد الإنكار وابن عباس - وهو حبر الأمة ووعاء الكتاب والسنة - كان من المنكرين أيضا وقد اشتد كل منهما في رده ودفعه فهذه عائشة تقول : " لئن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين " وهذا ابن عباس يقول : " لئن أمسح على جلد حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين " وقد نقل هاتين الروايتين الرازي - عند تفسير آية الوضوء - من ( التفسير الكبير) .
ومن زاوية أخرى حديث صفوان فيه أن النوم من مبطلات الوضوء وهو مالم يأتي به القرآن الكريم ويستشهد البعض على قلة عددهم وفي اطار التبرير لا التفسير بأن النوم ( لمظنة خروج الريح ) من موجبات الوضوء .. بالقول بأن }اذا قمتم الى الصلاة{ انما تعني أن النوم ناقض للوضوء ، وهذا مردود عليه بأن قوله تعالى اذا قمتم الى الصلاة انما يعني أن الطهارة الواجبة ( كما هو مشروح في بقية الآية) انما تكون حين اتيان الصلاة لا بمجرد دخول وقتها ، كما أن الاقامة الى الصلاة تعنى النهوض من الوضع الدنيوي أيآ كان حتى لو كان المرأ مستيقظآ واقفآ كان أو جالسآ لمقابلة الله سبحانه وتعالى واستحضار ملكوته وأوامره ونواهيه في ذات المؤمن ، كما أن الصلاة بالأساس تبدأ بالوضع وقوفآ وتأهبآ للقاء المولى عز وجل ، كما أن الله سبحانه وتعالى قد أفرد موجبات الوضوء والغسل والتيمم في متن الآية بشكل واضح وصريح ومتتابعة لاحاجة فيها الى تأويل أو تورية خاصة وأن المخاطبين بهذه الآية عموم المسلمين بقويهم وضعيفهم ، غنيهم وفقيرهم ، متعلمهم وغير متعلمهم .
ولكن من ناحية أخرى فان قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } النساء :43 ، انما تشير الى محرومية القيام بالصلاة والانسان لايعلم ما يقوله صحيح أن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر الذي اتخذ الله فيه المنهج التدريجي في التحريم لكثرة تعود الناس في ذاك العصر على معاقرة الخمر وشربه ، الا أنها لا يمكن فقط حصر فهمها ومجالها في عدم الصلاة لشرب الخمر ، وانما وكما وضح المولى سبحانه وتعالى بأنه لايجب أن نقرب الصلاة الا حين نستطيع أن نكون مدركين وعالمين بما نقوله في صلاتنا } حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ { ، فلا يصح بعد استيقاظنا من النوم ولازال فينا بقية من نعاس وعدم تركيز بأن نقوم الى الصلاة بدون وضوء يعيننا على أن نسترجع تركيزنا ونصبح معه متأهبين لا للصلاة فقط وانما حتى لممارسة أعمالنا اليومية الاعتيادية ، كما أنه من الممكن للانسان أن يستيقظ من نومه للذهاب الى الحمام ثم يعاود النوم مرة أخرى وبالتالي فانه سيكون بحاجة الى اعادة وضوئه عند الصلاة وقد لايتذكر ان كان قد استيقظ من نومه للذهاب الى الحمام أم لا أو احتلم وبالتالي فان اعادة الوضوء أو الاغتسال هنا تكون واجبة .
فحتى القوم الذين لايصلون أساسآ حين يستيقظون من النوم ولايقومون بغسل وجوههم ورؤوسهم لانقطاع المياه مثلآ تجدهم فاقدين للتركيز ومتأففين ويعانون من ضعف النشاط والحيوية ، أما نوم القيلولة أو النوم البسيط الذي يفاجئ الشخص المنهك في أثناء اليوم والذي لا يشعر به الشخص بعد الاستيقاظ منه بحالة من عدم التركيز وفقدان النشاط والخمول فانه يمكن أن يؤدي الصلاة دون وضوء طالما لم يأتي بأي ناقض من نواقض الوضوء المذكورة في القرآن الكريم .
وهناك أحاديث بأنَّ النَّوم ليس بناقضٍ مطلقاً وذلك لمن يهتمون بوجوب ورود الأمر في أحاديث منسوبة الى الرسول صلى الله عليه وسلم نورد التالي :
حديث أنس بن مالك أن الصَّحابة رضي الله عنهم ( كانوا ينتظرون العِشاء على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حتى تخفِقَ رؤوسهم ثم يُصلُّون ولا يتوضؤون ) رواه مسلم (376) . وهو نفس ما ذهب اليه كل من أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وسعيد بن المسيب .
حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ .(حتى ينفخ هو الصوت الذي يخرج من النائم) .
حدثنا عباد بن العوام عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن ابن عباس قال زرت خالتي ميمونة فوافقت ليلة النبي صلى الله عليه وسلم فقام من الليل يصلي ثم نام فلقد سمعت صفيره قال ثم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ولم يمس ماء .حديث صحيح وروي عن غير واحد عن ابن عباس في البخاري ومسلم وأحمد .
حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن حجاج عن فضيل بن عمرو عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثق قام فصلى . سنن ابن ماجه .
ولايعتد هنا بقول البعض بأن هذا الأمر خاص بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فقط دون غيره وذلك على أساس تأويلهم لحديث آخر منسوب الى النبي محمد بقوله تنام عيني ولاينام قلبي ، لأن في ذلك لي وتحوير للمعاني وجبر للعقول أن تتخذ مسلكآ لايتوافق مع العقل السليم والمنطق المبين كما أن قوله تنام عيني ولاينام قلبي على فرض صحة قوله صلى الله عليه وسلم له وذلك في الحديث التالي : سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ ، " فَقَالَتْ : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةٍ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ ؟ قَالَ : يَا عَائِشَةُ تَنَامُ عَيْنِي وَلا يَنَامُ قَلْبِي ".، فانما كان في معرض رده على السيدة عائشة أم المؤمنين حين سألته كيف ينام قبل أن يوتر والقصد هنا أن الرسول لا يخشى اذا نام وأذن لصلاة الفجر فيفوته الوتر ، فيكون المعنى منصرف الى ادراك وقت صلاة الوتر قبل حلول الفجر ، بل ان كثيرآ جدآ من المسلمين الصالحين في وقتنا الحالي يستيقظون لصلاة الليل أوالفجر قبل أن يؤذن لها دون استعانة بجرس أو منبه ، ذلك أن قلوبهم عامرة بالايمان ومتعلقة بالصلاة وذكر الله سبحانه وتعالى دون أن يكونوا مدركين ان كانوا قد استطلقت منهم ريح أم لا . أو حتى حديث : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، نا خَالِدٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : وَلا أَدْرِي رَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَمْ لا ، " قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ : كَيْفَ نَوْمُكَ ؟ قَالَ : تَنَامُ عَيْنِي وَلا يَنَامُ قَلْبِي . قَالَ : كَذَلِكَ نَوْمُ الأَنْبِيَاءِ " . ويكون المعنى المنصرف كما هو واضح الى نوم الانبياء جميعآ فقلوبهم لا تغفل عن ذكر الله فهم والعباد الصالحون يذكرون الله سبحانه وتعالى قيامآ وقعودآ ومضجعين مصداقى لقوله تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. آل عمران : 191.
وكذلك فان قول البعض بوجوب الوضوء عند كل صلاة سواء أكان المرؤ محدثآ أو غير محدث فان ذلك لا يستقيم مع منطوق الآية ومفهومها في نهايتها بقوله عز وجل {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَليْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكنِ يُرِيدُ لِيُطهِّركُمْ وَلِيُتمَّ نِعْمتَهُ عَليْكُمْ لَعلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، فالوضوء شرع في النهاية من أجل الطهارة والتطهر فاذا كان المرؤ طاهرآ فلا حاجة عليه لكي يتوضأ مرة أخرى لما في ذلك من مشقة واهدار للماء من المؤكد والمنطقي أننا مأمورون بالاقتصاد فيه .
ونورد هنا مجموعة أخرى من الأحاديث :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونه حجاب فقد وجب عليه الوضوء " .
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم :أنه سمع عروة بن الزبير يقول : دخلت على مروان بن الحكم ، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء . فقال مروان : ومن مس الذكر الوضوء . فقال عروة : ما علمت هذا . فقال مروان بن الحكم : أخبرتني بسرة بنت صفوان ، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ ".
عن عتبة بن أبي سفيان ، عن أم حبيبة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مس ذكره فليتوضأ " .
وكذلك حديث أبي الدرداء : عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ . سنن الترمذي .
في حديث جابر بن سمرة ، أنه سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: " إنْ شئت " . فقال : أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : " نعم ". أخرجه الامام أحمد ومسلم .
وحديث البراء بن عازب أيضاً وهو حديث صحيح أن النبي - عليه الصلاة والسلام- قال : توضئوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم .
ولنا أن نقف برهة أمام هذا الحديث والتفسير : تلمس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الحكمة في كون أكل لحم الإبل ينقض الوضوء ، وغيره من اللحوم لا ينقض ، فقال: ثم إن الإمام أحمد وغيره من علماء الحديث زادوا في متابعة السنة على غيرهم ، بأن أمروا بما أمر الله به ورسوله مما يزيل ضرر بعض المباحات ، مثل لحوم الإبل ، فإنها حلال بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، ولكن فيها من القوة الشيطانية ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنها جن خلقت من جن" وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود: "الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" فأمر بالتوضؤ من الأمر العارض من الشيطان ، فأكل لحمها يورث قوة شيطانية ، تزول بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحمها ، كما صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه ، فمن توضأ من لحمها اندفع عنه ما يصيب المدمنين لأكلها من غير وضوء كالأعراب ، من الحقد ، وقسوة القلب ، التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "إن الغلظة وقسوة القلوب في الفدادين ، أصحاب الإبل ، والسكينة في أهل الغنم."
وهذا ماذهبت اليه عديد من المذاهب والآراء بوجوب الوضوء لمجرد لمس الفرج والقئ ، وماذهب اليه الحنابلة والشافعي القديم من وجوب الوضوء لمجرد أكل لحم الابل ، وتفسير ذلك كما أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوي ،وغيرها من الأمور التي لم ينزل بها الله من سلطان ولا تكفي الناس الا المشقة والحرج والابتعاد عن دين الله وتيسر في بعضها الطريق أمام معارضي الدين وأعدائه، وبالتالي فاننا لو تركنا كتاب الله ولم نلتزم لتنازعتنا الفرق والمذاهب فذاك ينقض وضوؤك وصلاتك وبالتالي يضعف من ايمانك ، وذاك يقرك على ما تفعل ، في هذا تكون قد أتيت أمرآ نكرا وفي ذاك تكون على صحيح دينك ، على الرغم أن الله سبحانه وتعالى يسر لنا الأمر وأظهره طالما شرع في بيانه وتوضيحه ولكن حق القول { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } النساء :82 ، ومحمد :24 .
وحديث لا يقبل الله صلاة أحدكم مسبلآ ، ففي صحيح البخاري عن عن أبي هريرة أن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - قال ( ما أسفل الكعبين من الازار ففي النار) ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، { إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج أو قال لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار ، ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة } رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه .
وهناك من فسر ذلك الحديث أنه المقصود منه المتكبرون والخيلاء ، وأنه لا يستوي على عصرنا اليوم وطبيعة الأمور وبعد تغير القيم والمفاهيم والأعراف ، بل أضحى طول الثوب دلالة على فقر الرجل حيث أن ذلك دليل على انه أخذه عن واحد من الناس كان أطول منه ، أو أنه لايملك ثمن تقصيره ، ولكن لنا أن ننظر الى تفسيرات سلفية أخرى لمجموعة من الأعلام على النحو التالي :
وقال ابن العربي في (عارضة الأحوذي) (7/238) : (لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول: لا أتكبر فيه ؛ لأن النهي تناوله لفظاً ، وتناول علته ، ولا يجوز أن يتناول اللفظ حكماً فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ ، فإنها مخالفة للشريعة ، ودعوى لا تسلم له ، بل مِن تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعًا .
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (3/234) : رداً على من يسبل إزاره ويقول لا أفعل ذلك خيلاء: (وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فَرَجِيَّة (ثوب واسع فضفاض كان ملبوس العلماء والقضاة) تحت كعبيه ، وقيل له : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) ، يقول : إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء ، وأنا لا أفعل خيلاء ؛ فتراه يكابر ويبرئ نفسه الحمقاء ، ويعمد إلى نص مستقل عام ، فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء، ويترخص بقول الصديق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري؛ فقال : ( لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء ) ! ، فقلنا : أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولاً ، بل كان يشده فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي ، وقد قال عليه السلام : ( إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين ) ، فمثل هذا في النهي من فصّل سراويل مغطيا لكعابه ، ومنه طول الأكمام زائدا، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس .
وبالتالي فان الانسان وفقآ لهذه الأحاديث الغريبة التي لا يمكن أن يقولها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، لن تقبل صلاته وسيتعذب تعذيبآ شديدآ حيث سيوضع كعبي رجليه في النار لأنه قام بتغطيتهما بثوبه ، مثله مثل من مشى في طريق المنكر والمعاصي وايذاء الناس وسلب حقوقهم !!.
أما بالنسبة لطلاء الأظافر أو ما يعرف بالمونيكير بالنسبة للنساء ورأي عدد من رجال الدين أنه لايصح معه الوضوء لأنه يمنع الماء من الوصول الى الأظافر ، ان المسألة عند الله تعالى تتعلق بالنية الصادقة والرغبة الحقيقية في التطهر والطهارة والعمل الصالح والسليم في مجمله وليس البحث عن وصول الماء الى كل مليمتر من جسم الانسان أو على الأقل كل مليمتر من أعضاء الوضوء ، وليس معنى ذلك عدم الاهتمام بالوضوء والطهارة فهذا الاهتمام واجب وفرض ولكن ليس الى درجة التشدد الذي لايربي الا الوسواس والوقوف على الشكليات بشكل مرضي ومبالغ فيه .
فغريب الأمر هنا أنهم يتحدثون عن عدم صلاحية الوضوء كلية لأن الماء لم يصل الى ما يمثل أقل بكثير من واحد بالمئة من مجمل العضو المأمورين بغسله ألا وهو اليد حتى المرفقين (الكوعين) فيما يتغاضون عن عدم وصول الماء (كما يقولون) الى ما يمثل مئة بالمئة من عضو آخر نحن مأمورون بغسله في الوضوء ألا وهو الشعر ، حيث تعمد النساء وكثير من الرجال الى صبغ شعورهم لسبب مداراة الشيب أو لسبب تجميلي ، فلم نسمع منهم أن ذلك من مبطلات الوضوء!!.
وعليه كذلك فان كل مواد الزينة تصبح مانعة وناقضة للوضوء كأحمر الشفاه ومساحيق التجميل والعدسات اللاصقة وكريمات الشعر والجلد بل وحتى الخواتم والأساور ان كانت ضيقة بل ومن وقع على يديه حبر أو دهان لسبب أو لآخر ، وعليه فان المرأة يجب أن تبتعد تمامآ عن فطرتها التي جبلها الله عليها في حب الزينة والتزين (لا التبرج وهو الزينة المبالغ فيها كنوع من التكبر والخيلاء) على الرغم أن الله سبحانه وتعالى أعطاها رخصة الظهور بالزينة الظاهرة وهي بالطبع التي تكون على الوجه واليدين في قوله تعالى } وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا { سورة النور :31 . (أنظر دراستنا بعنوان في الحجاب ) .
ان أقصى ما يمكن للمرأة التي تريد أن تضع هذا المونيكير أن تضعه على وضوء ، وتعيد وضوئها أي عدد من المرات عليه لحين زواله ، كما أنه أضحى اليوم بسبب ذلك الاجتهاد بمحرومية الوضوء على طلاء الأظافر أضحت المرأة التي تضعه مفضوحة بأنها تعاني من الدورة الشهرية فبالتالي هي لا تصلي مما مكنها من وضع طلاء الأظافر هذا ، وهو ما يسبب المشقة والحرج للمرأة .
ان الوقوف على الشكليات والتشدد فيها أوصل كثيرآ من الناس الى الايمان بأمور غريبة أو التخوف من أمور عجيبة ، تظهر المولى عز وجل وكأنه يريد تعذيبنا بشدة لمسائل لا يمكن أن تخطر على بال أحد وهو مايسئ لنظرة غير المسلمين الى الاسلام ، بل فيه بالغ السوء في نظرة غير المؤمنين الى الديانات التوحيدية الربانية ، كقيام البعض وخاصة الأباضية بالتشديد على مسألة تخليل الماء بين الأصابع امتثالآ لحديث : أبُو عُبَيْدَةَ ، عَنْ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَلِّلُوا بَيْنَ أَصَابِعِكُمْ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ أَنْ تُخَلَّلَ بِمَسَامِيرَ مِنْ نَار " . ، أي أن الله وفقآ لهذا الحديث يتوعد الذين لايتخلل الماء بين أصابعهم بمسامير من نار ، كيف يمكن أن نصدق أن الرحمن الرحيم يخصص هذا التعذيب الشديد جدآ لأناس كل ما قاموا به أنهم لم يتخلل الماء بين أصابعهم ، أو سؤال احدهم لأحد المشايخ متخوفآ من أن الله لن يقبل صلاته لأنه قام مرة في وضوئه بمسح خلف أذنه بسبابته !، هذا كله وأكثر نتيجة التشدد والوقوف على الشكل والمظهر لا المضمون والجوهر.
ومن ناحية أخرى فان لمس الكلاب لاينقض الوضوء ، أما الحديث الذي يحتج به البعض بنجاسة الكلاب وأن لمسها موجب للوضوء فهو كالآتي إذا وَلَغَ الكَلْبُ في إِناءِ أحدِكُمْ فلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا"، وفي رواية: "إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابَ" ، ومن الواضح من منطوق الحديث ، ان الرسول يتحدث عن أمر يتعلق بالصحة العامة وهو أنه اذا سال لعاب كلب في اناء يأكل فيه صاحب فلابد عليه ان يغسل هذا الاناء سبعآ ومنهم مرة بالتراب لتمام نظافة هذا الاناء حتى لايصاب هذا الانسان بالمرض ، وهذا الأمر طبيعي ومعلوم بالضرورة سواء أكان اللعاب لعاب كلب أو أي حيوان آخر ، فليس من المعقول ان يأكل الانسان من وعاء سال فيه لعاب حيوان أيآ كان أو حتى انسان قد يكون مريضآ بمرض فيروسي معدي ، وبالطبع فانه في عالمنا اليوم فان هناك أطباق وأواني خاصة بطعام الكلاب ، ولاتوجد حاجة لكي ياكل الكلب وصاحبه من ذات الاناء .
وهنا نجد أن الأمر لايتعلق بانتقاض للوضوء أو تمامه وانما يتعلق بالصحة العامة فقط . {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا(101) ، وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا }(102) . سورة النساء ، الآيتين 101 ،102.
من الواضح جدآ في هاتين الآيتين الكريمتين طبيعة السبب الوحيد الذي شرع به الله تعالى ما يعرف بالقصر في الصلاة ، وهو الصلاة في حضرة العدو والاستعداد للحرب ، وليس لكل مسافر آمن على نفسه وعرضه وماله ، وليس كما هو حادث اليوم وذلك تنحية للعمل بكتاب الله تعالى وأوامره الواضحة الجلية لصالح حديث آخر مثل ما رواه مسلم عن يعلى بن منيه قال : قلت لعمر رضي الله عنه : مالنا نقصر وقد أمنا ؟قال :سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم ، فأقبلوا صدقاته . وحديث آخر عن ابن عمر قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان لايزيد في السفر عن ركعتين ،وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك (أخرجه البخاري في صحيحه) . وحديث أخبرنا محمد بن الصلت ، عن منصور بن أبي الأسود ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال :عبد الله و صلى مع عثمان بمنى أربع ركعات ـ لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان ركعتين ركعتين ، ومع أبي بكر ركعتين ركعتين ، ومع عمر ركعتين ركعتين ، ثم تفرقت بكم الطرق ، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان. (قيل أن عثمان أتم الصلاة في منى بعد ذلك على اختلاف تأويلات الأسباب التي دفعته الى ذلك) .
وغيرها من أحاديث الآحاد كذلك ووفقآ أيضآ للفتوى الصادرة عن الأزهر فانه لايصح العمل بحديث طالما لم يقم عليها دليل مستقل من القرآن تنضم إليه ، ثم أين الأمان الذي يتحدث عنه سائل سيدنا عمر رضي الله عنه (هذا ان كان هذا الحديث صحيحآ أصلآ) والمسلمون دومآ كانوا في حالة حرب ضد المشركين والأمم والقبائل المحيطة بهم أو في طرق السفر حيث كانوا عرضة لهجوم قطاع الطرق واللصوص ، وهي كلها الأمور الغير متحققة اليوم الا في حالة الحرب الفعلية فان القصر في الصلاة وجمعها لا يتحقق الا للمحاربين . أما جمع الصلاة جمع تقديم فتكون للمسافر الذي يخشى أن تفوته الصلاة لسبب أو لآخر ويؤديها كاملة بدون قصر فهو آمن من هجوم أو حرب أو ايذاء وجمع التقديم أفضل من جمع التأخير لأنه لاضمان لعمر الانسان ولا لظروفه خاصة وأنه على سفر فتكون الصلوات النهارية مع بعضها وصلاتي المغرب والعشاء مع بعضهما البعض . في النهاية فاننا لانجد مناصآ من ذكر الآتي ، أنه حتى بالنسبة لمن يولون الحديث بل ويقدمونه في فهم وتفسير كتاب الله عزل وجل فانه قد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:
أ- إذا روي لكم عني حديث فأعرضوه على كتاب اللّه، فإن وافقه فاقبلوه وإلاّ فردّوه .
ب- فأيما حديث بلغكم عني تعرفونه بكتاب الله فاقبلوه وأيما حديث بلغكم عني لا تجدون في القرآن موضعه ولا تعرفون موضعه فلا تقبلوه وأيما حديث بلغكم عني تقشعر منه جلودكم وتشمئز منه قلوبكم وتجدون في القرآن خلافه فردوه .
ت- إنها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث فاعرضوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فحدثوا به وما لم يوافق القرآن فلا تأخذوا به .
ث- إنه سيأتي ناس يحدثون عني حديثا فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته ومن حدثكم حديثا لا يضارع القرآن فلم أقله .
وحتى لو كانت هذه الأحاديث ضعيفة في اسنادها الا أن متنها تنضح بالمنطقية والصوابية والعقلانية الكاملة ، على الرغم أننا لسنا في حاجة الى هذه الأحاديث لنعلم أن القرآن الكريم كلام الله عز وجل الذي تعهد بحفظه مصداقآ لأقواله تعالى :
أ - {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر : 9 .
ب - {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } النحل : 89 .
ت - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} النحل : 44 .
ث - {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} النساء: 83 .
ج - {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت: 42 .
ح - {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} القمر:17 .
خ - { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } النساء :82 ، محمد :24 .
د - {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} الفرقان :30 .
#أحمد_حمدي_سبح (هاشتاغ)
Ahmad_Hamdy_Sabbah#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحج أشهر معلومات
-
ماهية الليبرالية والعلمانية
-
الى مرحلة انتقالية جديدة في مصر
-
الخلوة والتعذير
-
من قصص الظلام
-
دلالات الفيتو الروسي و الصيني
-
مصر ... لعبور المرحلة الانتقالية
-
ستة أيام في خلق الأرض
-
ما بعد اقتحام السفارة الاسرائيلية
-
حكومات فاشلة
-
التدخل العسكري في سوريا
-
خطر الاسلاميون
-
ثورات الحرية العربية وخريطة القوى الكبرى
-
في الحجاب
-
بين اسلام عصري وماضوي
-
خفايا تاريخ السلفيون والاخوان
-
التربية الأسرية بين القسوة والتدليل
-
بين الاتهامات ضد ايران ومبادرات الحل
-
دفاعآ عن الاسلام من اضطهاد الاسلامويون
-
المجتمع والزواج
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|