|
حكايات من شنكال 31
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 3619 - 2012 / 1 / 26 - 08:51
المحور:
كتابات ساخرة
في الموروث الأيزيدي (... الخير يتواجد في الغرب ...) ، وربمّا أخذها بني هلال كنصيحة يمكن الوثوق بفحواها وضمان نتائجها الطيبة فاتجهوا غربا في تغريبتهم المشهورة . ولكن قد ينقلب خير الغرب شرا لبعضنا وبدلا أن نتجه إليه يسرع هو بالمجيء إلينا على حين غرة كما حدث في ليلة الجمعة الموافق 19/1/2012 مع البرد الذي حلّ بيننا ضيفا ثقيلا غير متوقعا حيث عمّ السكون بمجيئه وانخفضت درجات الحرارة فلبس جبل شنكال إحتفاءا به قبعة بيضاء ناصعة البياض في تلك الليلة أما حوض جبل شنكال فأصيب بشلل رباعي نتيجة الصقيع فقد كان الأرض يعاني الجفاف أصلا نتيجة ندرة الأمطار فما أن لبس الجبل حلته البيضاء حتى تحرك الريح فجمّد كل شيء وبقي جامدا لعدم زيارة الغيوم الدافئة لنا ربمّا ظنا منها إننا نستمتع بكل لحظة داخل بيوتنا ويتوفر لدينا كل ما لذ وطاب وبالتالي لا يهمنا ما يدور في الخارج . وفي اليوم التالي بالتأكيد ذهب البعض إلى قمة الجبل لرؤية الثلج عن قرب ولمسه أو صنع كرات منه ورميها على من معه وحتى الدحرجة علية وتذوق طعمه ... فللثلج طعم خاص عند المجانين والأدباء فقط وطبعا قد يقوم البعض التقاط صور للذكرى ومن ثم يقوم صاحبها الرقيع بنشرها في الفيسبوك . خلال هذه الموجة تذكر أكثرنا نكتة الفقراء المفضلة أيام الزمهرير والتي تتلخص بصعود روح أحد الفقراء إلى الرفيق الأعلى وعندما أخذه الزبانية لجهنم أراد التأكد من وجود اسمه في سجلها وأخذ وقتا طويلا في تقليب الصفحات للبحث عن اسمه فقال له أحد المقيمين رجاءا إذا اسمك غير موجود أخرج وأغلق الباب عند خروجك فالجو بارد . ولكن يبدو إن أطفال جاري الثلاثة لم يتأثروا بالبرد كثيرا فقد كانوا حفاة ويتراكضون خلف أمهم وهي تحاول الوصول للتنور الترابي في نهاية الزقاق لتخبز عجينها المتحجر بحرق بعض الكارتون والعبوات الفارغة فالمسكينة لا تملك تنور غازي أو كهربائي كما إنها لا تجد شيئا من الخشب أو الجلة في هذا الوقت من السنة لتشعل به تنورها وتخبز لأطفالها الذين بدءوا يرقصون حولها رقصة الذئاب جوعا وبردا ... وفي وقت لاحق سمعت زوجها يقول أتمنى لو كانت عائلتي تسكن الجحيم في الشتاء ... وبالتأكيد يتمنى جاري العزيز لو كانت عائلته الكريمة تسكن الجنة في الصيف فلا يزال جهنم مكان دافئ شتاءا والجنة مكان بارد صيفا في مخيلة بعض الفقراء منا . هنا في بلد المليون بئر نفطي وفي فصل الشتاء لا يزال الكاز الأبيض هو سيد الأشياء فهو ليس مفيدا في انتحار الصبايا فقط وإنما في تدفئة من لا يريد أن ينتحر ببطء أجبارا من البرد أيضا ... هذا إذا توفر ( العزيز الأبيض ) ، فعادة الحصة تباع قبل وصولها إلى الوكيل لتوزيعها وإن وصلت حصة شهر معين كما حدث قبل أسبوع من موجة البرد المباركة فتوزيعها أصعب من التوافق الوطني للحكومة المركزية وشخصيا لم أحضر توزيع الحصة الأخيرة فقد تكفل شقيقي بإحضار حصتي للبيت مشكورا وأكاد أجزم لو ذهبت عروس إلى أحد الوكلاء بثوب زفافها الشبيه بلون الثلج على الجبل من أجل لتر كاز لتنهي به حياتها قبل أن تبدأ سيقال بحقها ... ( بطرانة ما تنتحر إلا بالكاز ) . إذا كان حرّ الصيف وسمومه يحصد أرواح كبار السن فالبرد يطيح بالرضّع فمن المعلوم إن الطفل الرضيع بحاجة إلى درجات حرارة معينة وثابتة ليعيش دون أن يصاب في أجهزته الحيوية مثل الرئتين مثلا ، ولكن في ظل ظروف معيشتنا الغريبة لا يمكن السيطرة على أي شيء فكيف يمكن السيطرة على حرارة المنزل بدون حرارة وخاصة إذا كان المنزل من طراز شرقي فما أن تفتح باب أحدى الغرف حتى تحضنك السماء بكل ما تحمله من برد وغضب فيصاب الطفل المسكين وإذا مات فهو القدر ولا يمكن الهرب منه بأي حال من الأحوال أما إذا عاش فهذا لأنه من ظهر والده القوي ... ودائما شر البلية ما يضحك . وفي ظلّ ظروف جوية استثنائية كهذه تكثر النزلات الشعبية كما لا يخفى فترى الناس زرافات ووحدانا يقصدون دكاكين المتطببين عندنا ليبيعوهم أردأ وأرخص الأدوية الآسيوية بأغلى الأثمان فينعش سوق أشباه المضمدين تجار الصحة وتنتفخ كروشهم أكثر وأكثر وتزداد نسبة الويسكي في دماءهم وواحدهم ... ( كالحوت لا يرويه شيء يلهمه ... يظلّ عطشان وفي البحر فمه ) ، وإذا ما طلبت أحدهم لحالة طارئة فلن يلبي نداءك إلا إذا نهرته زوجته وذكرته بأيام زمان وقيل قديما : ... حتى لو أمطرت حجارة فسيبني البعض بها بيوتا .
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكايات من شنكال 30
-
بتلات الورد 16
-
اسطورة الشهادة
-
بتلات الورد 15
-
حكايات من شنكال (29) سينو ...صديق الله .
-
البعض يذهب (لبحزانى) مرتين
-
بتلات الورد 14
-
بتلات الورد 13
-
حكايات من شنكال 28
-
بتلات الورد 12
-
بتلات الورد 11
-
حكاية من شنكال
-
بتلات الورد 10
-
حكايات من شنكال 26
-
الأنسان
-
حكايات من شنكال 25
-
بتلات الورد 9
-
حسن دربو / قصة قصيرة
-
بتلات الورد 8
-
سارق البقرة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|