أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سمير الزغبي - سيميولوجيا الصورة الإشهارية















المزيد.....



سيميولوجيا الصورة الإشهارية


سمير الزغبي
كاتب و ناقد سينمائي

(Samir Zoghbi)


الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 21:50
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


مقدمة
تحوز الصورة الإشهارية مكانة هامّة في مجال السيميوطيقا إلى جانب الصورة السينمائية ، والصورة المسرحية، والصورة الفوتوغرافية، والصورة التشكيلية؛ وذلك لما لهذه الصورة الإعلانية من قيمة وأهمية في مجال التسويق والاستهلاك، وترويج البضائع، وتقديم الخدمات. ومن هذا المنطلق، أصبح للصورة الإشهارية دور هام في جذب المتلقي ذهنيا ووجدانيا وحركيا، والتأثير عليه شعوريا ولاشعوريا، لغرض إقناعه ودفعه لممارسة مجموعة من الأفعال السلوكية المشروطة كالاقتناء والشراء والاستهلاك.فما هي الصورة الإشهارية؟ وماهي أهم الدراسات التي انكبت على مبحث الإشهار تنظيرا وتطبيقا؟ وماهي أهم مرتكزات الصورة الإشهارية؟ وكيف يمكن مقاربة هذه الصورة سيميائيا؟
مفهـــوم الصــورة الإشهارية
تمثل بالصورة الإشهارية الصورة الإعلامية والإخبارية التي تستعمل لإثارة المتلقي ذهنيا ووجدانيا، والتأثير عليه حسيا وحركيا، لدفعه قصد اقتناء بضاعة أو منتوج تجاري ما. ويعني هذا أن الإشهار بمثابة بث وإعلان وإخبار وتبليغ بمنتوج أو خدمة ما، وذلك بغية إيصالها إلى المتلقي. وكلّ إشهار حسب رولان بارت R.Barthes رسالة:” إنه يتضمن بالفعل، مصدر بث، هو الشركة التجارية التي ينتمي إليها المنتوج المشهر، ومتلقيا هو الجمهور، وقناة إبلاغ، وهي ما يسمى تحديدا ركن الإشهار. و هكذا فالإشهار سلوك اجتماعي واقتصادي وإعلامي يراد منه تبليغ رسالة استهلاكية معينة، ويستعين بكلّ الوسائل المستخدمة في الفنون التعبيرية الأخرى كالسينما والمسرح والتشكيل والتصوير والموسيقى. وبالتالي، يترك الإشهار أثرا حاسما اجتماعيا ونفسيا، و” يطرح عددا كبيرا من العلاقات العاطفية والثقافية المرغوبة أو المكبوتة: أصبح الإشهار الفن الشعبي الأكبر في زماننا هذا، هو مهد الميثولوجيات المعاصرة، ومجال ثقافي يومي، ومرجع أبدي لبعض أنماط الثقافة الشعبية. إنّ الهدف الأساسي من الإشهار بصفة عامة والصورة الإشهارية بصفة خاصة هو أن :” يتجه أساسا نحو بيع المرجع(منتوج للبيع) بواسطة رؤية تواصلية تقليدية( بث إرسالية ما نحو المستقبل) ، تكون قريبة جدا من الخطاطات اللسانية لنظرية التواصل، حيث تشتغل بكيفية فعالة بالمفاهيم السيميولوجية التقليدية .ومن هنا، فالإشهار بمثابة قناة إعلانية وإعلامية وإخبارية.


نشأة الصورة الإشهارية
ارتبطت الصورة الإشهارية بالمنظومة الرأسمالية ارتباطا وثيقا منذ القرن التاسع عشر، فازدهرت بعد ذلك في القرن العشرين وسنوات الألفية الثالثة وذلك مع تطور وسائل البث والإعلان ورقيا ورقميا، كما اقترنت بمقتضيات الصحافة من جرائد ومجلات ومطويات إخبارية، فضلا عن ارتباطها بالإعلام الاستهلاكي، بما فيه الوسائل السمعية والبصرية من راديو، وتلفزة، وسينما، ومسرح، وحاسوب، وقنوات فضائية، بالإضافة إلى وسائل أخرى كالبريد، واللافتات الإعلانية، و الملصقات، و اللوحات الرقمية والإلكترونية …و قد ظهرت الصورة الإشهارية أيضا استجابة لمستلزمات اقتصاد السوق الذي يعتمد على الفلاحة والصناعة والتجارة، وعرض السلع والبضائع والخدمات إنتاجا وتسويقا وترويجا وادخارا . بل يمكن الذهاب بعيدا إلى أن الصورة الإشهارية قد ارتبطت بالمطبعة منذ اختراعها سنة 1436، حيث برزت الصورة الإشهارية في شكل إعلانات ونصائح وإرشادات. هذا، وقد أصبح للإعلان أو الإشهار اليوم مؤسسات وشركات ومقاولات خاصة تعتمد على سياسية الاحتكار، والتفنن في أساليب الإعلان، ودراسة السوق الاستهلاكية، والترويج للمنتوجات والبضائع. كما أصبح الإشهار مادة دراسية في المعاهد والمؤسسات التعليمية العامة والخاصة، ومقررا دراسيا في الكليات والجامعات ، وخاصة كليات التجارة والاقتصاد والآداب…
مقاربات مختلفة للصورة الإشهارية
خضعت الصورة الإشهارية لدراسات وأبحاث علمية وفنية نظرية وتطبيقية متنوعة، كالنظرية السيكولوجية، والنظرية الاقتصادية، والنظرية الاجتماعية، والنظرية الإعلامية، والنظرية التداولية، والنظرية السلوكية، والنظرية القانونية، والنظرية الجمالية، والنظرية السيميائية…وهكذا، تستند نظرية القيمة إلى قيمة المنتوج أو نوع الخدمة في حد ذاتها، مع التعريف بمزايا البضاعة وخصائصها. وهنا، يكون الوسيط الفني والجمالي ثانويا أو عنصرا تزينيا مكملا. لأن البضاعة قادرة بمفردها أن تقنع المتلقي بمكوناتها الذاتية القائمة على الجودة . أما النظرية السلوكية ، فتربط الإشهار بالإشراط الفعلي القائم على ثلاثة عناصر ، ألا وهي: الحافز، والاستجابة، والسلوك. ويعني هذا أن النظرية تدرس طرائق التحفيز والتطويع، وتعويد المتلقي على الاقتناء، والشراء، والاستجابة الفورية . وهناك النظرية النفسية التي تهتم بإثارة المشاعر والغرائز الشعورية واللاشعورية، وذلك من أجل جذب المتلقي للتعود على سلوك الاستهلاك والاقتناء . ومن جهة أخرى، يمكن الحديث عن النظرية الاجتماعية التي تقرن المنتوج بعادات المجتمع وأعرافه وتقاليده.


المقاربة السيميولوجية
تعنى النظرية السيميولوجية بالعلامات والأيقونات والرموز والمؤشرات البصرية واللغوية الموظفة في الصورة الإشهارية ، والتي تستعمل من أجل إقناع المتلقي، والتأثير عليه ذهنيا ووجدانيا وحركيا. ومن جهة أخرى، يستعين الإشهار بلسانيات الخطاب تلفظا ودلالة وتداولا لتحقيق التواصل، وتحصيل المنافع.
من المعروف أنه ثمة دراسات متعددة في مجال الإشهار، والتي قد تناولته من زوايا متعددة، وتعاملت معه بنية ودلالة ووظيفة، وذلك انطلاقا من مقاربات مختلفة. فهناك من يصدر عن مقاربة اقتصادية، أو مقاربة مهنية، أو مقاربة قانونية، أو مقاربة اجتماعية، أو مقاربة إعلامية. بيد أن الأدب كان بعيدا جدا عن مجال الإشهار، إلى أن جاءت اللسانيات والسيميائيات لتهتم بالخطابات بصفة عامة، وتدرس الدوال اللغوية والبصرية بصفة خاصة. ثم، تعنى بتصنيف الأنواع والأجناس الكلامية والمرئية من جهة، ثم تنكب على مختلف العلامات الموجودة في مجتمعنا بالدرس والتحليل والتأويل من جهة أخرى
من أهم الدارسين للصورة الإشهارية على المستوى السيميائي، لابد من استحضار: رولان بارت R.Barthes الذي اهتم كثيرا بـ” بلاغة الصورة الإشهارية” ، وارتأى أن دراسة الصورة تستوجب التركيز على دراسة الرسالة اللغوية، والصورة التقريرية، وبلاغة الصورة. وقد خصص للإشهار دراسات قيمة كما في كتابه: ” عناصر السيميولوجيا” ، وكتاب:” المغامرة السيميولوجية” ، ونستحضر كذلك جاك دورانJacques Durand ، وجورج بينينو G.Peninou كما في كتابه:” ذكاء الإشهار: دراسة سيميوطيقية” سنة 1972م، وجوردان Jourdan،ولابروز la Prose، وبرنار توسان Bernard Toussaint في كتابه:” ماهي السيميولوجيا؟”،وكلود ليفي شتراوس Claude Lévi Strauss…
مكوّنات الصورة الإشهارية:
من المعلوم أن الصورة الإشهارية خطاب استهوائي وإيحائي وإقناعي يتألف من ثلاثة خطابات أساسية: الخطاب اللغوي اللساني، والخطاب البصري الأيقوني، والخطاب الموسيقي الإيقاعي. ويتضمن أيضا ثنائية: الدال والمدلول، ويتكون كذلك من ثلاثة عناصر تواصلية: العنصر الأول وهو المرسل، والعنصر الثاني هو الرسالة الإشهارية، والتي تتكون بدورها من الدال والمدلول، والعنصر الثالث هو المتلقي.زيادة على ذلك، تتضمن الرسالة الإشهارية ثنائية التعيين والتضمين، أو ثنائية التقرير والإيحاء. أي إن هناك رسالتين متداخلتين ومتقاطعتين: رسالة تقريرية حرفية إخبارية في مقابل رسالة تضمينية وإيحائية. ويعني هذا أن هناك رسالة مدركة سطحيا ورسالة مقصدية مبطنة.
وهكذا، نجد أنّ الصورة الإشهارية تستعين بسمات وصيغ أسلوبية عديدة ومتنوعة كالتشبيه، والاستعارة، والتشخيص، والأيقون، والمجاز، والكناية،والرمز، والأسطورة، والتورية، والجناس، والطباق، والمقابلة، والتكرار، والتوازي، بالإضافة إلى تقطيع الجمل نبرا وتصويتا وإيقاعا وتنغيما ولحنا… كما يظهر لنا أن الرسالة الأولى في الصورة الإشهارية بكاملها :” تكون دال الرسالة الثانية. لذلك، يقال: إن الرسالة الثانية توحي بالأولى. نكون، في هذه الحالة، إذاً، بصدد بنية رسائل : إن الرسالة الأولى، والمكونة من اجتماع دوال ومدلولات، تغدو مجرّد دال للرسالة الثانية، وفق عملية تقليص؛ بما أن عنصرا واحدا من الرسالة الثانية (دالها) يسع الرسالة الأولى بكاملها.”هذا، وإذا كانت رسالة الإشهار الأولى صريحة، فإنّ رسالته الثانية إيحائية. ومن ثم، تتسم الصورة الإشهارية بعدة سمات ومكونات كالنفعية، والمجانية، والحدة الإلزامية، والتأرجح بين التصريح والإيحاء، وتشغيل بلاغة اللسان والصورة، والتركيز على المقصدية الإقناعية والتأثيرية، علاوة على خاصية الدعاية والإعلان، وخاصية التحفيز، والتشديد المضاعف على الرسالة… وكل هذا من أجل تحقيق تواصل بين القارئ والموضوعات البشرية الكبرى، بغية تحقيق المتعة واللذة، وبناء عوالم حلمية ممكنة على أساس التحفيز والتملك والاقتناء والاستهلاك.
يقول رولان بارت:” إن الرسالة التقريرية … هي التي تتحمل، إذا جاز لي القول، المسؤولية الإنسانية عن الإشهار: إن كانت جيدة نجح الإشهار، وإن كانت رديئة فشل. ولكن ما معنى أن تكون رسالة إشهارية ما جيدة أو رديئة؟ إن القول بفعالية شعار ما، ليس معناه تقديم جواب، لأن سبل هذه الفعالية تبقى غير أكيدة: يمكن لشعار ما أن يغري دون أن يقنع، هذه هي أهم المكونات الأساسية التي تنبني عليها الصورة الإشهارية سيميائيا، فضلا عن مكونات تداولية كالمرسل، والرسالة، والمتلقي،والقناة ، واللغة ، والمرجع، والأيقون. ولكل عنصر وظيفة معينة كالوظيفة التعبيرية، والوظيفة الجمالية، والوظيفة التأثيرية، والوظيفة الحفاظية، والوظيفة الوصفية، والوظيفة المرجعية، والوظيفة الأيقونية.
كيــف نقارب الصورة الإشهارية؟
من المعروف أنه عند دراسة الصورة الإشهارية لابد من التركيز على العلامات البصرية التشكيلية، والعلامات الأيقونية، والعلامات اللسانية، بالإضافة إلى الانتباه لثنائية التعيين والتضمين، وثنائية الاستبدال والتأليف، وثنائية الدال والمدلول، وثنائية التزامن والتعاقب، والبحث في معمار الصورة الإشهارية ( الاستهلال، والعرض، والخرجة) ، ورصد وظائف هذه الصورة (الوظيفة الجمالية، والوظيفة التوجيهية، والوظيفة التمثيلية، والوظيفة الدلالية، والوظيفة الإعلامية، والوظيفة الإخبارية، والوظيفة الإيديولوجية، والوظيفة التأثيرية، والوظيفة الاقتصادية، والوظيفة التربوية التعليمية، والوظيفة السياسية.
هذا، وتستعمل الصورة الإشهارية مجموعة من الآليات البلاغية والبصرية ، وذلك قصد التأثير ، والإمتاع، والإقناع ، وتمويه المتلقي كالتكرار، والتشبيه، والكناية، والمجاز المرسل، والاستبدال، والتقابل، والتضاد، والجناس، والاستعارة، والمبالغة، والمفارقة، والسخرية، والحذف ، والإضمار، والإيجاز، والتوكيد، والالتفات، والتورية، والتعليق، والتكتم، والقلب، والتماثل، والتشكيل البصري…
هذا، وحينما نريد تحليل الصورة الإشهارية، فلابد من وصف الرسالة على مستوى الإطار والمنظور والعتبات، ومقاربتها إيكونولوجيا Iconologie، ودراستها سيميولوجيا تحليلا وتأويلا، والتركيز على العلامات التشكيلية البصرية، واستقراء العلامات اللغوية، واستكناه العلامات الأيقونية، دون نسيان البحث في المقاصد المباشرة وغير المباشرة، وتشغيل آليات التأويل(استدعاء المؤول الدينامي)، وذلك بتتبع عمليات السيميوزيس (التدلال)، والانتقال من التعيين إلى التضمين، و الانتقال كذلك من القيم الأكسيولوجية المجردة المحايدة إلى القيم الإيديولوجية بالمفهوم السيميائي.وهكذا، تستوجب المقاربة السيميوطيقية التعامل مع الصورة الإشهارية ، وذلك من خلال التركيز على مستويات معينة كالمستوى اللساني، والذي يتمثل في دراسة مجموعة من البنيات: البنية الصوتية والإيقاعية، و البنية الصرفية والتركيبية، والبنية البلاغية. وبعد ذلك، الانتقال إلى المستوى السيميائي ، والذي يتمثل في دراسة العلامات البصرية والأيقونية، والانتهاء بالمستوى التداولي الذي يهتم بدراسة المقاصد المباشرة وغير المباشرة للرسالة الإشهارية.


وظيفة الصورة في الخطاب الإشهاري
مما يسهم في تكوين العلامة الإشهارية الدالة في الخطاب الإشهاري الصورة والصوت واللون والحركة والموسيقى والديكور، وتهدف هذه العلامات السيميائية إلى إعادة صياغة المعنى اللساني المثبت باللفظ، وإضفاء الحياة و الدينامية عليه فيضحي حركة مشهدية نامية، ولعل أهم الوظائف التبليغية التي تحققها الصورة أنها تخرج القيم المجردة من حيز الكمون إلى حيز التجلي فتصبح واقعا ماديا محسوسا في ضوء ما ينتج من مشاهد إشهارية تتخلل أو توازي الخطاب اللساني، وربما حولت الصورة العوالم المجردة والمثالية إلى عوالم ممكنة إن القيمة الإقناعية للصورة في الخطاب الإشهاري لا تتحقق نجاعتها إلا في ضوء النسق اللغوي فأنظمة الحركة واللباس والموسيقى لا تكتسب صفة البنية الدالة إلا إذا مرت عبر محطة اللغة التي تقطع دوالها وتسمي مدلولاتها، وفي هذا السياق يذهب إيريك بويسنس(E.Bryssens) إلى أن الصورة نسق دلالي قائم بذاته، لها وظيفة أساسة في التواصل ، وليست حشوية فيه ،بالنسبة إلى العلامة اللسانية الطبيعية، بل إن اللغة في كثير من الأحيان تحتاج إلى مثل هذه النظم السيميولوجية لتحقق وظيفتها التبليغية فهي وإن كانت دالة دلالة رئيسة إلا أنها لا تستطيع احتكار الدلالة .
إن البلاغة لاتقف عند حدود النص اللغوي المكتوب أو المنطوق بل إن الصورة أيضا تتضمن أحداثا بلاغية على عكس ما هو سائد من أن البلاغة حكر على اللغة ، وأن الصورة نسق بدائي قياسا إلى اللغة ، ويرى البعض الآخر أن الدلالة تستنفذ ثراء الصورة الذي لايمكن وصفه، ومن ناحية ثانية يمكن النظر إلى العلامة اللغوية في الخطاب الإشهاري من زاوية وظيفية بحتة وذلك في مستوى كفاءتها التفسيرية المحققة للوظيفة المعجمية ( الميتالغوية ) فهي تحدد دلالة الصورة كي لايجمح الخيال الفني بالمتلقي فيبعد عن الأغراض الأساسية للصورة الإشهارية المنجزة في الخطاب .
3 ـ السيميائيات و تحليل الخطاب الإشهاري:

يمثل الخطاب الإشهاري ظاهرة لغوية ثقافية تواصلية تداولية، تتفاعل فيه أنظمة العلامات اللسانية وغير اللسانية، «وتتداخل فيه الخطابات. ولهذا تعد السيميائيات مدخلاً منهجياً ثرياً خصباً لتحليل هذا النوع من الخطابات، لأنها تجمع بين ما هو لساني وما هو أيقوني، ثم إن الخطاب الإشهاري يوفر لها الموضوع الأنسب للتحليل باعتباره فيلماً قصيراً جداً، كما ـ سبقت الإشارة ـ ثم إن السيميائيات ـ في رأيي ـ تشمل مداخل منهجية أخرى منها:
مكونات الصورة :الإشهارية
2-1- التنظيم المجمل للصورة :
يكون استقبال الصورة في المرحلة الأولى مجملا،فالعين تمسح الصورة،ولكن تتبثها على نفس الإطار(29)،ليس بالكيفية الخطية التي نتلقى/نقرأ بها النص،لكن هذه القراءة المجملة ما تلبث لتصبح في مرحلة ثانية قراءة خطية،لأن تركيز بصرنا على الصورة سوف لن يمدنا دفعة واحدة بكل الرسالات والدلالات الممكنة،لذا يقتضي أن تقوم العين بمجموعة من الحركات العمودية والأفقية والدائرية(30)،محددة بذلك مسار الصورة
2-2- المنظور :
يمكن التمييز بين معنيين للمنظورية، معنى واسع يراد به العلم الذي يمكن في تمثيل الموضوعات والأشياء على سطح ما بالكيفية نفسها التي نراها بالبصر،أخدا بعين الاعتبار عنصر المسافة(31)،ومعنى ضيق عرف منذ بداية عصر النهضة،بأنه العلم الذي يكمن في تمثيل عدة موضوعات مع تمثيل الجزء المكاني أيضا،الذي توجد فيه هذه الموضوعات بحيث تبدو هذه الأخيرة مشتتة في مستويات المكان،كما يبدوا المكان للعين التي تتموقع في موضع واحد(32)،ليصبح هناك عدة منظورات،منظور جوي،منظور معكوس،منظور خطي(33).
2-3- الإطار :نسمي إطارا كل تقرير للتناسب أوالإنسجام بين الموضوع المقدم وإطار الصورة،حيث يأتي في أنواع مختلفة منها(34):
- الإطار العام أوالمجمل،والذي يعانق مجمل الحقل المرئي.
- الإطار العرضي،والذي يقدم الديكور،بحيث نستطيع فصل الشخصيات أوالموضوعات.
- الرؤية من القدم حتى ملئ الإطار،وهي التي تقدم الشخص كاملا أوالموضوع الموجود
في الإطار.
- الإطار المتوسط،وهو يقدم صورة نصفية.
- الإطار الكبير،وهو الذي يركز على الوجه أوالموضوع.
- الإطار الأكبر،نجده يركز على تفصيل الموضوعات الموجودة.
2-4- زاوية النظر :
زوايا النظر تتواصل بربطنا بين العين والموضوع المنظور له/فيه(35)،فالقارئ- المشاهد ليس بالضرورة أن يركز على نفس زاوية النظر التي نركز عليها في الموضوع،ولا نفس الموقع الذي يتخذه المصور أوالفنان في حالة تصويره أورسمه،لهذا علينا أن نطرح سؤال من أي زاوية ننظر للموصوع ؟
فنجد أن الصورة الفوتوغرافية مثلا هي من وضع الفوتوغرافي الذي يختار موقعه ضمن عملية التصوير،ليحدد إطار الموضوع الذي سيلتقطه بضبط الإنارة وكميتها(36)،أما الصورة الإشهارية فالتركيز يكون على زاوية النظر الوجهية التي تقابلنا وجها لوجه وكأنها تخاطبنا.
2-5- الإضاءة والألوان :
5-1- الإضاءة :
هي من العناصر التي تثير الإنتباه في الصورة،فالهالة الضوئية تعمل على تقريب أو تبعيد الموضوع أوالشخصية،كما تمنحهما قيمة.
بحيث أن التيباين(contrast) يأخذ نجاعته الدرامية سواء كنا أمام صورة فنية أوصورة إشهارية(38)،فلابد علينا أن نأخذ بعين الإعتبار المعنى المقدم من طرف الإضاءة ونحن نقرأ الصورة،فلإذا كانت الإضاءة على الجانب الأيسر فالمنتوج المقدم يعد منتوجا مستقبليا أما إذا كانت الإضاءة مركزة على الجانب الأيمن فالمنتوج مرتبط بالماضي أي بالأصول والتقاليد،وكذلك المعرفة بالفعل.
لذا وجدنا عدة أنماط للإضاءة منها :
- الإضاءة الآتية من الأمام،أوإضاءة ثلاث أرباع الصورة،وهي تضيئ أحجام أوخطوط معينة مركزة عليها قصد إعطائها قيمة.
- الإضاءة الآتية من العمق،بحيث يكون الموضوع أوالشخصية أمام الناظر إليها.
- الإضاءة المعاكسة للنهار(contre-jour)،بحيث تتموقع الإضاءة وراء الشخصية تارة تاركة بعض أجزائها للظل،وهذا غالبا ما نجده في المنتوجات الإشهارية الخاصة بالتجميل والزينة وعروض الأزياء.
5-2- إختيار الألوان :
تعتبر الألوان شأن ثقافي،وهذا يعني أن لتربة المحلية الأثر الوازن في حمل المعاني والدلالات للألوان،فلا يمكن مقاربة لون إلا من وجهة نظر المجتمع والحضارة التي نشأ فيها،إن على صعيد التأويل الجمعي الذي يؤطره،وإن على صعيد المتخيل الإجتماعي والرمزي اللذين يمتح منهما
لهذا وجب علينا إختيار ألوان الصورة،بتفعيل مبدأين مهمين لإخيار الألوان هما مبدأ هارمنية الألوان،ومبدأ تباينية اللوان(40)،فهارمنية الألوان هي التي تعمل على تدرجه لتوليد لون من لون آخر،أما تبانية الألوان هي من تخطط وتنظم إدراكنا لعناصر الصورة،فنجد بأن هناك :
- الألوان الفاتحة والألوان الغامقة.
- الألوان الحارة(أحمر،برتقالي،أصفر…)،الألوان الباردة(أخضر،أزرق،بنفسجي…).
- دون أن ننسى اللونين الأبيض والأسود باعتبارهما قيمتين أكثر من لونين.
2- تأويل الصورة :
إن الصورة موجودة لأننا نقرأها(42)،فبعد هذه القراءة الوصفية لصورة- النص على
التعيين بتحديد طبيعتها ومكوناتها(المنظور،زاوية النظر،الإضاءة،إختيار الألوان…)، سيتخذ القارئ من هذه القراء الجماعية التي تواضعت عليها الجماعة المفسرة عونا تأويليا يعضد به قراءته الفردية لنص الصورة،الذي سيتقاطع فيه المستوى التعييني بالمستوى التضميني،ليشكلا قطبا الوظيفة السيميائية،ويحققا شكل مضمون الصورة،لأن التأويل الصورة مثل كل تأويل،يحتاج إلى بناء السياقات المفترضة من خلال ما يعطى بشكل مباشر،ولا يمكن لهذا التاويل أن يتم دون استعادة المعاني الأولية للعناصر المكونة للصورة،وضبط العلاقات التي تنسج بينها ضمن نص الصورة(43)،لنخلص إلى أن كل القراءات التي تناولت الأعمال الفنية والصور هي عبارة عن تأويلات يستحيل معها تطابق الصورة مع المرجع(44)،فالصورة في العود والبدء دائما في خلق قرائي وتأويلي جديد.


المراجع باللغة الفرنسية
: - Régis Debray : Vie et mort de l image, éd Folio, 1992
Ferdinand De Saussure, Cours de linguistique générale, éd Payot, 1972,
J M Flosch : Les langages planaires , in Sémiotique ,l école de Paris ; Hachette université, 1982,
- Umberto Eco : La structure absente, éd Mercure de France, 1972

Umberto Eco : La production des signes, éd, Le livre de poche, 1992,

11- Martine Joly : l image et les signes, éd Nathan, p. 34
12- انظر Wolfgang Iser : L acte de lecture, théorie de l effet esthétique, éd Mardaga, 1985, p 248
1314- Iouri Lotman : La structure du texte artistique, in Martine Joly : l image et les signes, éd Nathan,
- David Lebreton: Des visages, éd Metaillé, 1992, 1
21- E T Hall : La dimension cachée, éd Seuil, 1971 , p 15
20guy Guauthier : Vingt lessons sur le sens et l image, éd Médiathèque,1986, p . 90
23 - : d un regard à l autre , p 43 Fransesco Casetti
C . R . Haas : Pratique de la publicité, éd Bordas , 1988,
- Martine Joly : l image et les signes, éd Nathan

: Jean Chevalier , Alain Gheerbrant : dictionnaire des symboles, éd
Martine Joly : l image et les signes, Nathan,1994,
Michel Pastoureau : Dictionnaire des couleurs de notre temps, Symbolique et société, éd Bonneton
J. AUMONT, L Image, Paris, Nathan, 1991
R. BARTHES, “ Rhétorique de l image ”, Communicationsn° 4, 1964, pp. 40-51. repris in L Obvie et l obtus. Essais critiques III, Paris, Le Seuil, 1982.
R. BARTHES, “ Le message publicitaire, rêve et poésie ”,Les Cahiers de la publicité, n° 7, 1963,
B. COCULA, C. PEYROUTET, Sémantique de l image. Pour une approche méthodique des messages visuels, Paris, Delagrave, 1986
G. CORNU, Sémiologie de l’image dans la publicité, Paris, Les Editions d’Organisation, 1990,
A. DEFRANCE, "Reflets dans un œil d or : représentation de la réalité sociale dans le discours publicitaire", in La Communication publicitaire - Recherche et réalité , Paris, I.R.E.P., 1986,

C.Metz ,au delà l analogie, l image, p.p 3-4
10- René La Borderie ,les images dans la société et l éducation,
ed.casterman,paris, 1972,p.p.1314.
Werner Burzlaff ,la lettre et l image ,les relations iconiques chez peirce ,in signe/texte/image,ed.césura

Lyon,1990



المراجع باللغة العربية



سعاد عالمي،مفهوم الصورة عند ريجيس دوبري،إفريقيا الشرق،سنة 2004،المغرب.
بطرس البستاني،موسوعة دائرة المعارف،دائرة المعارف،مج11،(د.ت)،بيروت،ص61.
شاكر عبد الحميد،عصر الصورة،الكويت،سلسلة عالم المعرفة العدد 311 يناير 2005 .
جان بودريار،المصطنع والإصطناع ترجمة عبد الله جوزيف،بيروث،مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الأولى 2008
رولان بارث،بلاغة الصورة،فيقراءةجديدةللبلاغةالقديمة،ترجمة،عمرأوكان، إفريقيا الشرق،سنة 1994،المغرب،

محمد العماري،الصورة واللغةا(مقاربةسيميوطيقية،مجلةفكرونقد،السنةالثانية, العدد 13،نوفمبر 1998،دار لنشر المغربية،الدار البيضاء..

رولان بارث،بلاغة الصورة،في قراءة جديدة للبلاغة القديمة،ترجمة،عمر أوكان،
17- إفريقيا الشرق،سنة 1994،المغرب،ص 9
– رولان بارت: المغامرة السيميولوجية، ترجمة: عبد الرحيم حزل، دار تينمل للطباعة والنشر،مراكش، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1993م، ص:29.
2- برنار توسان: ماهي السيميولوجيا؟، ترجمة: محمد نظيف، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2000م، ص:64.

3- برنار توسان: ماهي السيميولوجيا؟، ص:64-65؛
4- د. حميد لحمداني: (مدخل لدراسة الإشهار)، مجلة علامات، مكناس، المغرب، العدد 18، السنة 1998م، ص:75 .
د. حميد لحمداني: (مدخل لدراسة الإشهار)، مجلة علامات
قدور عبد الله ثاني: سيميائية الصورة، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى سنة 2007.
ذرولان بارت: مبادئ في علم الأدلة، ترجمة: محمد البكري، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م
حميد لحمداني: ( مدخل لدراسة الإشهار)، مجلة علامات، المغرب، العدد: 18، 1998م، ص:75 وما بعدها؛
15- عبد المجيد العابد: مباحث في السيميائيات، دار القرويين، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2008م،
16 – محمد خلاف: (الخطاب الإقناعي: الإشهار نموذجا)، مجلة دراسات أدبية ولسانية، عدد خاص بتحليل الخطاب، المغرب،العدد:5 ، السنة1986،
– د. عبد المجيد نوسي:( الإقناع في الصورة الإشهارية)، مجلة المناهل، المغرب، العدد:62-63، ماي 2001م؛
– جعفر عاقيل: (غواية الفوتوغرافيا الإشهارية)، مجلة علامات، المغرب، العدد: 33، السنة 2010م، صص:105-109؛
- قدور عبد الله ثاني: سيميائية الصورة، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى سنة 2007م؛
-فيصل الأحمر: معجم السيميائيات، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، ومنشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة الأولى 2010.



#سمير_الزغبي (هاشتاغ)       Samir_Zoghbi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل إلى تقنيات السينما-السينما ذاته
- إشكالية الهوية و الاختلاف في السينما العربية
- بداية النهاية و دكتاتور جديد يحذف من التاريخ نهاية القذافي
- ساحة للشهيد محمد البوعزيزي في باريس.كيف نفهم هذا الحدث؟
- الإستهلاك و إستراتيجية الهيمنة الليبرالية
- الثورة التونسية : صعود البروليتاريا الجديدة و تأزم البورجواز ...
- مشهد الثورة و إيتيقا الصورة


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سمير الزغبي - سيميولوجيا الصورة الإشهارية