أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجد يونس أحمد - حسين عجيب في موسوعته الشعرية : نحن لانتبادل الكلام ( 2)















المزيد.....

حسين عجيب في موسوعته الشعرية : نحن لانتبادل الكلام ( 2)


مجد يونس أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1068 - 2005 / 1 / 4 - 10:54
المحور: الادب والفن
    


يأسف الطفل لاشعوريا على ولادته مُنتزعا من رحم أمه, وطن الأمان والإستقرار اللاشعوري , فنراه يصرخ احتجاجا على على اغتصاب أمنه واستقراره , ولمّا كان لايستطيع التعبير ككائن حي واعي . فإن اللاشعور يتولى هذه المهمة عبر الصرخة الأولى لحظة الولادة.
اذن لااستطيع قراءة ديوان حسين عجيب خارج فضاء الفلسفة , متضمنا الصور الشعرية والحالات الإنسانية بايجاز لغوي منطلقا من وضع راهن صوب الماضي السحيق , متدرجا الوغول في الماضي عبر منحدرات ومزالق الحاضر , فيبدأ من الطفولة وظروفها متيحا بذلك الفهم لـ ( الآن ) من الـ ( كان ), فها هي ولادته الأوى, واستطيع الإحساس به يؤنب أمه بذلك :

بلا حروب
لاشأن لها بمنتصر او مهزوم
تحضر في منتصف النوم
تنزل الأحمال الثقيلة
كأن لاعلم لها بالكارثة
أمام اعيننا
ارتفع قبرها
حتى غاب
الأم الصغيرة
ترضع الفقر والموت
على خدها شامة
وكلما ابتعد الزمن بها
ظهرت بعد هدوء العاصفة
ترتب الوليمة
حيث لاأحد


ينطلق حسين عجيب من فردانيته ليقدم نصوصه تحليلا لحياة وتاريخ بلد كامل من خلال تجربته الغنية مع بلد ولد وعاش ومازال فيه , حيث كل منّا وفي كل ثانية هو محصلة لِما كان من لحظة الولادة, وكل لحظة نعيشها هي نقطة انطلاق لملايين اللحظات الحياتية الفردية لشركاء نعيش معهم , هذا بالنسبة لثانية واحدة فكيف لعمر يبلغ / 44 / عام وهو على ما أتوقع عمر الشاعر حسين عجيب .

بعيدا عن تراتبية زمانية أو مكانية يضع حسين عجيب / 47 / نصا شعريا .. وكأنه يصف لنا عدد جلسات لمحلل نفسي يسبر أغوار شخصيات مرضاه دون ان يقدم الحلول .. مكتفيا بتقديم مفاتيح نفتح بها أبوابنا الذاتية لندخل ..

ذكريات .. وجوه .. أمكنة .. الضيعة ..الأم والأب.. ينبش ماطُمر.. ينفض الغبار .. يلمع .. ويخط نصوصا .. كيفما جاءت في تراتبية وإلحاح تداعيات الذاكرة :

اقتربت لأرى حكايتي
سلسلة طرية حول العنق
كلب نائم أمام الباب المفتوح
والبرودة تتقدم الأصابع
الحكاية حين نزل الجمع مع الصباح
ابصروا الصمت
في خواء المرآة
وما انتبهوا

مهووس بالفرد .. يستقرء طباعه , يطرق الأبواب الموصدة بإحكام في اللاشعور, كاشفا زيف الحياة ..و صعوبة أن يرى الإنسان نفسه وجها لوجه أمام ذاته الحقيقية عاريا اعزل من كل ما يحتاجه الى وسائل دفاعية ضد نفسه إلا من قوة كبيرة للمواجهة الذاتية .. فعبر أحداث واقعية خبرها الشاعر أكانت رمزية او صورية أو هذيانية يدخلنا في تيه البحث عبر أعماق اللاشعور :

كل الأسباب ظالمة

احتجت اربعين سنة لأعرف
انني أعيش في جهل تام
كنتُ مجنونك
وكنتِ عذابي
عبر الخطوط المتقاطعة على الكهف
عدت الى الغناء
وعادت طفولتي
ولكن أحدنا صار اعمى
والآخر أصم



ما اكثر مانعيش حيواتنا ُنسقط عواطفنا الخاصة ومآزقنا وغرائزنا وفشلنا على أصدقائنا.. أعدائنا .. رؤسائنا.. زوجاتنا.. أطفالنا ... وقد يُسقط المرء في المطلق فكرة ( الأب- السلطان ) ويعتقد بوجود إله ناقم.. معاقب.. نعزو اليه مزايا وعيوب العواطف الإنسانية .. فنرى حسين عجيب يتمرد في قرارة ذاته ضد كل صورة من صور السلطان متمردا ضد أبيه وكل ما يذكر بالأب ..

الحكاية

في العالم القديم
أوديب قتل أباه
وخرج الأبناء من الحكاية
وفي عالم اليوم , الأب يكثر من الأبناء
ويخصيهم بيديه
من يفلت من العقاب
تحل عليه اللعنة, طاردا أو مطرودا
أبناء الأول يتباركون من الثاني
وأولاد الثاني مشغولون بالوليمة
الأب الحقيقي في القبر
والأبناء الكثيرون يمسحون جراحهم
بين هذا وذاك, كلام كثير
آخر الليل تطوي الحكايات
يأتي الصباح
تغرق المدينة بالفوضى
وبانتظار حكاية المساء
يكون قد مر يوم,عام,دهر...
مازالت كل شعوب الأرض تفتخر بقاتل يودي بحياة الألوف
وتدعوه بطلها القومي



نعود لمشكلة ذكريات الطفولة القابعة في جزيئات حياتنا اليومية فعلا وسلوكا وتفكيرا لا شعوريا متجها صوب الشعور الواعي ... ونرى ثنائية ( الوعي – اللاوعي ) حية في كل نصوص حسين عجيب متشابكة مع الـ ( كان – الآن ) .. وهو أمر يدرك الشاعر بعدم قدرتنا على الفرار منه وينبهنا لذلك مصمما على عبور حقل ألغام الماضي مفجرا لحظة الخطر ناقوسا يؤرجح تناقضاتنا الذاتية منطلقا بتأمل الذات الحقيقية المجردة :

الماضي هو صورة الحاضر
والحاضر هم الآخرون
الآخرون
هم الجحيم
الآخرون هم المعنى
الآخرون كلام في البداية دوما
الآخرون أنا في غيابي

كانت نصوصه مرآة للواقع حيث الشعر هو مرآة الإنسان حضورا وغيابا مخاطرا برسم ذاته مبددا أوهامه محاولا الفكاك من أسر الماضي والحاضر والمستقبل مفجرا سجون تبعيته ليسقط رهينة في يد الجحيم:


الجنس سجن المعرفة سجن البيت سجن
الكسل سجن الجهل سجن العمل سجن
الزواج سجن العزوبية سجن الطلاق سجن
الطفولة سجن الشباب سجن الكراهية سجن
الحب سجن الأخوة سجن الرغبة سجن
الحواس سجن الإقامة سجن
السفر سجن الإنتباه سجن
الجنون سجن
الموت سجن
يا الله
ألا يكفي هذا الجحيم


اين المفر اذن ؟؟
هل هو الجدار المائل الذي يسقط على رؤسنا عصابا نلهث في التخلص منه :

أحتاج 35 سنة أخرى
كي أتكلم بهدوء

أم العودة الى طفولة يائسة بانتظار كرّة أخرى من الزمن نعيد ترتيب مراحلها كما نشاء :

ما أشبه اليوم بالأمس

كم كنت متشوقا لأصل بأسرع مايمكن
وأراقب الآن بحسرة
طفل يتعثر على الضفة الأخرى
دون ان يدري
أن ما يسعى اليه بجنون
شرك منصوب منذ الأزل
وهو أقصى ما تهبه الأربعون


هي بناء حياتي فكري فلسفي يحمل ثنائيات التضاد .. هرب من الحياة – نزوع نحو الموت .. الأنا – الآخر .. الـ كان – الآن .. هناك – هنا , مشاعر انسانية تنطلق من ذاته الى خارجه,خارجا منها . يعيد تشكيلها في نسق فكري مكثف , أشبه بغابة حبلى بأشجار باسقة وأخرى واطئةوأخرى تفرعت أغصانها بكثافة مفزعة نازعة أوراقها عارية لنرى أحداثا .. مخاطر.. أمراض.. ثمرات .. خوف يقرض الروح .. انها ذهنية تحليلية سلكت طريقا محفوفا بالمخاطر والمصاعب , لكنها تجربة مشروعة .. انها تجربة مغامراتية يخوضها حسين عجيب ..

يحضرني الآن الشاعر ( خورخي لويس بورخيس ) في قصيدته :

العزلة :
نحن على يقين من دنو الأجل
لكثرة التأكيدات الصادقة للغبار,
نطيل البقاء ونخفض الصوت
بين صفوف المدافن البطيئة,
ذات الترهات من ظلّ ومن رخام.
نُعلِّل النفس أو نزين المبتغى
بسموّ الموت.
جميلة هي القبور ..
التمثال العاري والتواريخ المسجلة الحتمية,
التقاء المرمر مع الزهر,
والساحات الصغيرة ذات الفناء البارد
والبارحات الكثيرات من التاريخ
موقوفةٌاليوم ووحيدة .
نخطئ هذا السلام مع الموت
ونصدق التوق الى نهايتنا
ونصبو نحو الحلم واللامبالاة.
................................
ظلّ الأشجار لطيفٌ
ريحٌ تتنفس من رئاتٍ أُخريات,
معجزة واحدة, ذات مرةٍ, ابتعدت عن التحول
الى معجزة غامضة,
على الرغم من تكرارها التخيلي
فظيعة ومرعبة أيامنا .
هذه الأشياء فكرت بها في العزلة.
في المكان الذي فيه رمادي .

هديتي لك حسين عجيب .

مجد يونس أحمد

جبلة : 2 / 1 / 2005 س

يتبع



#مجد_يونس_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسين عجيب في موسوعته الشعرية : نحن لانتبادل الكلام
- بلا عنوان
- سيرحل يوما ما ؟
- في المساء
- عصر متخم بالثورات
- مفهوم البحث العلمي
- افتراس الذاكرة
- الرجل الغريب


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجد يونس أحمد - حسين عجيب في موسوعته الشعرية : نحن لانتبادل الكلام ( 2)