|
تحقيق الذات في إزالة العورات ... أو ؟
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 3615 - 2012 / 1 / 22 - 02:19
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
السلفيون على إختلاف مشاربهم ومواقعهم مساكين فعلاً ، إذ انهم مصابون بمرض مزمن لا يمكنهم ان ينجوا منه ، كما في كل الأمراض المزمنة الأخرى التي لم ينفع معها الدواء ولا امل يرجى في الشفاء ، إلا بإحدى طريقتين : فأما ان يقضي المرض على هذا المريض فيستريح إلى الأبد من عذاباته . أو يستعمل المريض آخر المبتكرات لديه والخاصة به للتخلص من هذا المرض باقتلاعه من جذوره والقضاء عليه نهائياً وليكن بعد ذلك ما يكن ، إذ تحقق للمريض في هذه الحالة راحة البال وعدم التفكير بهذا المرض بعدئذ أو بأسبابه ونتائجه . المرض الخطير هذا الذي يلازم السلفيين ويهد عليهم مضاجعهم ويعكر عليهم صفو حياتهم هو كثرة العورات في المجتمعات التي يعيشون فيها . والعورة ، كما هو معروف في قواميس اللغة ، " هي كل أمر يُستحيا منه ، ويستره الإنسان أنفةً وحياءً" (حسب قاموس المنجد ) . ففي حالة المجتمع الذي تشكل نصفه ، وفي كثير من الأحيان اكثر من نصفه عورات ، فإن المطلوب في مثل هذه الحالات ان يخفي النصف اللاعورة هذا النصف العورة الذي يسبب الخجل والإستحياء ويجعل النصف أللاعورة يعيش حالة البؤس والهوان والتفكير ليل نهار في كيفية معالجة هذه الظاهرة المُخجلة في مجتمعه الذي يريده ان يكون نظيفاً نقياً يتباهى به ولا يخجل منه او من إنتماءه إليه . المجتمع الذي يجب ان يكون في الصدارة دوماً ، مجتمع خير أمة أخرجت للناس . فكيف يمكن ان تكون الأمة خير أمة ونصفها عورات مُخجلة ، يجب إخفاءها بكل الطرق والوسائل المتاحة . فالنتصور ان إنساناً يعيش بنصف جسمه ، بعد ان إضطر إلى إخفاء النصف الآخر عن المجتمع خجلاً واستحياءً . فنصف الوجه عورة، وإحدى الساقين عورة ، واليد اليمنى عورة ، ونصف رأسه عورة ، وإحدى رئتيه بالرغم من انها مخفية ولا يراها أحد إلا انها تكدر عليه حياته ليل نهار بسبب ما يجول بداخلها من حركات لا يستطيع العيش معها براحة بال ، وهكذا يصبح نصف الجسم الظاهر منه والمستور كله عورة في عورة في عورة . مسكين أيها الورع الساجد العابد المُبسلم المحوقل الذي لا يسمح له دينه ولا تسمح له عباداته والتزاماته الأخلاقية ان يعيش في مجتمع نصفه أو اكثر عورة ، وهو القوي والمليئ بكل هذه القيم التي تطلب منه إتخاذ القرار الحاسم والتخلص من هذه العورات ، فتحقيق الذات لا ينسجم ووجود العورات . ولكن كيف يقضي المرء على نصف المجتمع العورة هذا ؟ هناك مَن فكر بالمثل القائل " آخر الدواء الكي " والكي هنا يعني القضاء على العورة شكلاً ومضموناً فافتى بالعودة للوأد الذي مارسه الأجداد وإن كانوا قد تذرعوا بالفقر والعوز ، إلا انهم كانوا يفكرون ابعد من ذلك في مثل هذه العورات . وفعلاً مارس البعض هذا النوع من الدواء بعد ان إبتكر له اسماءً جديدة وبعد ان نفذه في غير الوقت الذي سار عليه الأجداد وبذلك إنتفت عن هذا الفعل المسؤولية التي يسمونها شرعية ، لأن هذا الفعل لم يكن وأداً ، بل غسلاً أو ما شابه ذلك من الأسماء التي تتناسب ومدنية العصر الجاهلي الحديث . إلا ان هذه الفكرة لم تشف الغليل تماماً المتلهف للمزيد والمزيد للتخلص من هذه العورات . وهنا تفتقت الأذهان عن سلوك الطريق الطبيعي بإخفاء مثل هذه العورات وعدم تحمل كل عواقب الخجل التي تحملها معها . إنصرف الكثير من مؤيدي هذا الرأي للتفتيش عن الوسائل الناجعة لهذا الإخفاء وكيفية تحقيقه . ومن خلال دراساتهم وابحاثهم هذه إكتشفوا كثيراً من الحِكم والأقوال والفتاوى التي وضعتهم في حيرة من امرهم . وسبب الحيرة هذه هو إلتصاق العورة بما ينتج عنها إستناداً إلى " كل ما قام على باطل فهو باطل " او " كل ما يخرج من العورة فهو عورة " إلى غير ذلك من الأقوال التي إعتبرها هذا البعض قد لا تفي بالغرض المطلوب لإزالة او إخفاء العورات من المجتمع لأنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى إزالة أو إخفاء ما له علاقة مباشرة بهذه العورات والذي يشكل بالتالي منتجاتها التي لا يمكن الشك فيها باي شكل من الأشكال . فالقاصي والداني يعلم ان هذه العورات هي التي ساهمت بتكوين المجتمع وهي التي عاصرت وتفاعلت مع جميع مراحل التطور فيه منذ ان وُجد على الأرض وحتى بعد ان بدأ يزحف عليها ثم نهض ليقف على اسرارها ومشى يفتش عن خفاياها ثم عاش عليها سوية مع هذه العورات التي لم تفارق حياته في يوم من الأيام . وهنا حلَّت الطامة الكبرى والنتيجة المرعبة التي توصل إليها هذا البعض ، إلا انه ظل يكتمها حتى لا يشذ عن بني قومه فينطبق بعدئذ عليه القول " مَن فارق الجماعة فأقتلوه ". هذه النتيجة التي تقول : القضاء على العورات في المجتمع أو إخفاءها يعني القضاء على المجتمع برمته . فالمجتمع الذي نشأ من العورة وتربى بين أحضانها وشرب وأكل معها ومنها وظل يعيش معها طيلة عمره ، راغباً او مُكرهاً ، لابد ان يكون هو عورة ايضاً ، إستناداً إلى القاعدة الفقهية " الباطل لا ينتج إلا الباطل ، والعورة لا ىتنتج إلا العورة " . أو أن هناك مَن يعطي تعريفاً آخر للمجتمع ، أي مجتمع ...؟ الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا سامعين الصوت ... صلوا عالنبي
-
حذاري ... حذاري من الدولة الدينية ، فإنها دكتاتورية بامتياز
-
هل فشل المشروع الأمريكي في العراق ؟
-
خُذ الشور من هذا البروفيسور
-
الصراع على ملئ فراغ إنسحاب الأمريكان من العراق
-
الحوار المتمدن ... عقد من النضال ألثقافي والإعلامي الهادف
-
أردوغان ذو المنطق المفلوج
-
ما أوضحه الخاقاني لما إختلفوا فيه من المعاني
-
لو فرضنا ...
-
فَتِّش عن الإسلام السياسي
-
الملف السوري بين الواقع والطموح
-
الحقد على الشيوعيين يعمي القلوب قبل الأبصار
-
هشام لا تغضب ...
-
متسولو القذافي بالأمس ... اين هم منه اليوم ؟
-
لا بديل عن التفاوض مع المناضل الأممي عبد الله أوجالان
-
دولة بلاد الرافدين الجديدة إسمها - خان إجخان -
-
لماذا تصمت المرجعية الشيعية أمام هذا التهريج ؟
-
هدنة رمضان
-
رحيم الغالبي ... عاشق المنبعين ، الوطن والشطرة
-
البعثفاشية والإسلام السياسي في العراق يغتالان ثورة الرابع عش
...
المزيد.....
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
-
اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
المزيد.....
-
العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا
/ وسام جلاحج
-
المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما
...
/ محمد كريزم
-
العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا
...
/ فاطمة الفلاحي
-
نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟
/ مصطفى حقي
المزيد.....
|