أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحيى محمد - الإتجاهات الحديثة وتوظيف الواقع للفهم الديني















المزيد.....



الإتجاهات الحديثة وتوظيف الواقع للفهم الديني


يحيى محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3614 - 2012 / 1 / 21 - 02:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ظهرت إتجاهات عديدة خلال القرنين الماضيين تدعو للإفادة من الواقع وتوظيفه لفهم النص الديني وتفسيره. ورغم تعدد هذه الإتجاهات فإن بعضها قد لا يتقاطع مع البعض الآخر، وأن الحدود بينها يمكن أن تكون مفتوحة، على الأقل فيما دعى إليه المفكرون من الرواد المسلمين، فقد تجد للمفكر الواحد أكثر من إتجاه في توظيفه للواقع. وما يعنينا منها ليس التلونات التي قد يتلون بها المفكر الحديث بقدر ما يهمنا طبيعة الإتجاهات وتمايزها. وعليه سنركز على المناهج البارزة مع إغفال ما قد يتبناه المفكرون من خطوط ضمن عناوين أخرى مختلفة. ويمكن إجمال هذه الإتجاهات كما يلي:

1ـ الواقع والتوظيف العلمي

ظهر الإتجاه العلمي للفهم الديني وهو يحاول جعل الخطاب المعياري خطاباً وجودياً كونياً ينطوي على مختلف العلوم الطبيعية، ساعياً إلى فرض المقررات العلمية على النص الإلهي لأدنى مناسبة، ومن ثم تحويل الوظيفة المعيارية للنص إلى وظيفة كونية. فقد اتصف هذا الإتجاه بافتقاره إلى الضبط، فهو بقدر ما يبدي من تفاصيل علمية بقدر ما كان يعاني من فقر مدقع للتوصل إلى فهم منضبط للنص كما هو ‹‹في ذاته››. إذ عمل على إسقاط النظريات والحقائق العلمية على نص الخطاب دون مراعاة السياق وظواهر النص الخاصة، كما هو واضح مما جاء في كتاب (الجواهر في تفسير القرآن الكريم) للشيخ طنطاوي جوهري (المتوفى سنة 1940م). فقد ولع الشيخ جوهري بهذا النوع من التفسير كولع الفخر الرازي بالجدل الكلامي في تفسيره الكبير، فكلاهما لم يترك للنص حيّزاً من البحث والتداول كما هو في ذاته. وقد وصف إبن حيان الفخر الرازي في (البحر) بأنه جمع كل شيء إلا التفسير، وكذلك إتّهم البعض طنطاوي جوهري بأنه قام بإلصاق كل شيء بالدين حتى كاد يجعل القرآن كله علوماً طبيعية، مثلما كاد الفقيه يجعل من القرآن فقهاً فحسب، كالذي فعله القرطبي في (جامع أحكام القرآن)[1].

لقد قام الشيخ طنطاوي جوهري بتقسيم الدين إلى علمين: أحدهما علم الآفاق والأنفس، أي معرفة العوالم العلوية والسفلية، والآخر علم الشريعة. وزعم أن ديننا يأمرنا بذلك، وإلا ما الفرق بين قوله تعالى: ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ))[2]، وقوله: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ))[3]؟ فكلاهما أمر، والأمر دال على الوجوب، فإذا كنّا قد قرأنا الأحكام الشرعية وقضينا بها؛ فلنقرأ - أيضاً - العجائب الكونية ولنعمل بها[4]. سيما أن القرآن - برأيه - يتضمن ما يربو على سبعمائة وخمسين آية كلها في عجائب الكون ومنافعه وغرائبه، وهي أكثر مما يتضمنه من الأحكام الشرعية، حيث أن آيات الفقه والأحكام الصريحة لا تزيد على مائة وخمسين آية[5]. وبالتالي حسِب أن علوم الطبيعة والكائنات أفضل من علوم الفقه وأحق بالرعاية؛ لكونها دالة على الله والتوحيد ولأن فيها نظام الأمم وحياتها[6]. لذلك نقد المسلمين لإهمالهم العلوم الأولى وحصر اهتمامهم في الفقه وأصوله[7]، ورأى أنهم وإن حافظوا على الكتاب الكريم لكنهم خالفوا نهجه في الحض على النظر في الكون والتعقّل والتفكّر، وناموا على الوضوء والنجاسات والبيع والفرائض[8].

وهناك عدد كبير ممن عوّلوا على التفسير العلمي؛ منهم: الشيخ محمد بن أحمد الاسكندراني، وهو من علماء القرن التاسع عشر، كما في كتابه (كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية)، ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي، كما في (تنبيه العقول الإنسانية لما في آيات القرآن من العلوم الكونية والعمرانية)، وحنفي أحمد، كما في (التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن)، ومصطفى صادق الرافعي، كما في (إعجاز القران)، ومحمد أحمد الغمراوي، كما في (سنن الله الكونية) و(الإسلام في عصر العلم)، ومحمد أحمد العدوي، كما في (آيات الله في الآفاق)، وعبد الله فكري، كما في (مقارنة بعض مباحث الهيئة بالوارد في النصوص الشرعية) و(القرآن ينبوع العلوم والعرفان)، وعبد العزيز اسماعيل، كما في (الإسلام والطب الحديث). كذلك هو الحال مع عبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده وأحمد خان وهبة الدين الشهرستاني ومصطفى محمود وزغلول النجار وعبد الرزاق نوفل، وغيرهم الكثير الكثير.

لقد أخذت هذه التفاسير على عاتقها تحويل الخطاب الإلهي من خطاب معياري يفيد الهداية والإرشاد إلى معاني ‹‹وجودية›› ضمن علوم الطبيعة، كالفيزياء والطب والفلك وغيرها، كما أخذت تغالي فتفسّر حتى الكائنات الغيبية تبعاً لعلاقات الطبيعة. ففسّرت الملائكة ‹‹بالقوى الطبيعية››، والجن بـ ‹‹الميكروب الخفي الذي يسبب كثيراً من الأمراض››، والنور في آية النور وغيرها بالكهارب. كما فسّرت (الأزواج) في مثل قوله تعالى: ((سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون))[9]؛ بأنها تشمل الكهارب وغيرها، وأيضاً فسّرت الآية القائلة: ((ثم استوى إلى السماء وهي دخان))[10]؛ بأنها الأثير في الإصطلاح العلمي الذي افترضه العلماء واختلفوا حوله[11]. كذلك فسّرت آية الرحمن ((يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان))[12]؛ بأنها دالة على إمكانية النفوذ في الأقطار الكونية، وأن معنى كلمة (سلطان) هو ‹‹العلم››، خلافاً لما رآه القدماء من ان المعنى هو من خصائص يوم القيامة كما يدلّ عليه سياق النص، حتى جاء في تفسير إبن كثير بأن معنى الآية هو أنكم يا معشر الجن والإنس: ‹‹لا تستطيعون هرباً من أمر الله وقدره، بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم، أينما ذهبتم أُحيط بكم، وهذا في مقام الحشر، الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب إلا بسلطان، أي بأمر الله››[13]. وقد رفض الكثير من المعاصرين التوظيف العلمي لهذه الآية، كما هو حال الطباطبائي الذي عدّ السياق لا يلائمه[14].

ونشير إلى أن للتفسير العلمي ارهاصات قديمة، لكنه لم يستطع أن ينفذ إلى التيار العام للعلماء، بل بقي شاذاً غير معوّل عليه بإستثناء عدد قليل لا يتجاوزون أصابع اليد؛ إذا ما إستثنينا العرفاء الذين يرون في القرآن ما يدل على كل شيء خارجي، ومنهم الغزالي كما في (جواهر القرآن)، إذ اعتبر أن القرآن ميدان لا ينضب في حمله لعلم الأولين والآخرين. فجميع العلوم مغترفة من بحر واحد، وأن أوائلها ليست خارجة عن القرآن[15]. وقد بسط العرفاء هذا الأمر حتى على حروف اللغة العربية، فرأوا وجود تناظر وتسانخ بين مظاهر الوجود من جهة، وبين اللغة والحروف - ومنها لغة النص الديني وحروفه - من جهة ثانية، فلكل حرف دلالة على كائن وجودي، وكذا كل كلمة، وهي مركبة من الحروف، لها دلالة على التركيب الوجودي بين الأشياء[16].

أما ما عدا العرفاء فننقل ما ذكره عالم اللغة والقراءات ابن الفضل المرسي (المتوفى سنة 655هـ) في تفسيره من أن القرآن جمع علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم بها، ثم رسول الله خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى، ومن هذه العلوم علم الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغيرها، لكنه اكتفى بنقل عدد من الإشارات القرآنية، ولو على نحو ذكر الصنعة أو اسم الشيء أو الفعل أو الأمر بالفعل مما لا دلالة له على العلم وأصول الصنائع بالمعنى الخاص أو الحديث[17].

كما نقل الشاطبي بأن هناك جماعة كانوا يعتمدون على تفسير الآيات طبقاً لمقررات علوم الطبيعة في ذلك الوقت، إذ أضافوا الى القرآن كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وما إليها[18]. فبعض استدل على علم الهيئة بقوله تعالى: ((أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا))[19]. وبعض آخر استدل على علم الحساب والعدد بقوله: ((فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ))[20]، وعلى علم الهندسة بقوله: ((نْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا))[21]، وعلى علم النجوم بقوله: ((الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ))[22]، وكذا على علم المنطق وخط الرمل وما إليها. وقد نقدها الشاطبي معتبراً الشريعة أمية نزلت على العرب الذين لا عهد لهم بمثل تلك العلوم. لكن خالفه المرحوم عبد الله دراز في تعليقه على (الموافقات)[23].

يبقى أن نقول بأن الإتجاه القديم للتفسير العلمي ينقصه التفصيل من جهة، وهو بالإضافة إلى ذلك ضيّق النطاق، خلافاً للإتجاه الحديث الآخذ بالإتساع والنمو، ويمتاز بالتطفل لأدنى مناسبة، وأحياناً لم ينجُ منه حتى الداعين إلى رفضه، كما هو حال شيخ الأزهر المراغي، فرغم أنه رفض التفسير العلمي للقرآن ونهى عن تحميل الآيات القرآنية على النظريات العلمية واعتبارها هي المقصودة، لكنه لم يستطع الإنعتاق عن موجة الإنشداد نحو هذا التفسير في عدد من القضايا، الأمر الذي عرّضه الآخرون للنقد. فمثلاً أنه بمناسبة قوله تعالى: ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ))[24]؛ اعتبر مراتب النجوم وغيرها من الأشياء بأنها ‹‹في مكانها المقدر لها بالناموس الإلهي ونظام الجاذبية››، مؤكداً بأن القرآن الكريم قرر بأن ‹‹الأرض كانت جزءاً من السماوات وانفصلت عنها، وقرر الكتاب الكريم أن الله استوى إلى السماء وهي دخان، وهذا الذي قرره الكتاب الكريم هو الذي دلّ عليه العلم››[25]. لذلك ردّ عليه الشيخ محمد الصادق عرجون في كتابه (القرآن العظيم هدايته وإعجازه).

هكذا فإن الإغراق في الممارسة التي زاولها أصحاب التفسير العلمي، إلى حد الإسفاف والإبتذال، يؤكد الحالة الإنفعالية التي انتابت العقل المسلم الحديث إزاء التطورات الباهرة في الغرب، والتي عبّر عنها البعض بقوله: هذه بضاعتنا ردّت إلينا[26].



2ـ الواقع كقرين

يعد خير الدين التونسي أبرز رواد الإصلاح المعبرين عن هذا المعنى من المزاوجة بالأخذ عن الإسلام والحضارة الغربية معاً. فقد اعتبر ‹‹إن السبيل الوحيد في العصر الحاضر لتقوية الدول الإسلامية إنما هو في اقتباس الأفكار والمؤسسات عن اوروبا وإقناع المسلمين المحافظين بأن ذلك ليس مخالفاً للشريعة بل منسجماً مع روحها››[27]. وهو من منطق الربط بين الدين والواقع اعتبر أن عوائق التقدم منحصرة في فئتين؛ رجال الدين ورجال السياسة. ولتلافي هذه العوائق دعا كلا الطرفين إلى التعرف على ما يهتم به الآخر، وبالنتيجة أنه دعا إلى إقامة جسر بين كل من الدين والواقع. وقد كان محمد عبده يحث طلابه على تعلم العلوم الحديثة بجنب العلوم الدينية، حتى أُتهم على ذلك بأنه يدعو إلى هدم الدين في الأزهر[28]. بل ظهر في هذه الفترة من العلماء مَن يحرّم العلوم الحديثة، ومن ذلك ما قاله الشيخ طنطاوي جوهري: ‹‹لقد زارني منذ عشر سنين أمير يقال له جمال الدين من مدينة (مدراس) ومعه تراجمته فقال: جئت لأسألك عن علم الجغرافيا والتاريخ فإني فتحت هناك مدرسة وقد حرّم علماء الإسلام – هناك - أن يدرس هذان العلمان››. فأبدى الشيخ جوهري تعجبه كل العجب[29].

وحالياً هناك من نظّر لهذا المنحى من المزاوجة، كالذي عليه الإتجاه المسمى بإسلامية المعرفة، فقد اعتبر الواقع مصدراً آخر للمعرفة يضاف إلى النص، وأخذ يستدل على ذلك من النص نفسه ولو بالتأويل، وعاب على التراث المعرفي كيف أنه غيّب الواقع من هذا التوازي المطروح[30].



3ـ الواقع كقاعدة للفهم

لقد ظهر تيار بارز يستند إلى توظيف الواقع كأساس لفهم القضايا الإسلامية حتى ولو لم ينظّر له أو يُشر إليه صراحة. وبرز هذا التيار منذ بداية ما يسمى بالنهضة الحديثة وما زال يمارس دور التوظيف بأشكال شتى من الفهم. فقد مارسه رفاعة الطهطاوي والكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا وإن بدرجات متفاوتة. فمنذ البداية كان الطهطاوي يرى أن على العلماء أن يفسروا الشريعة على ضوء الحاجات الزمنية، وأن عليهم أن يتعرفوا على العالم المعاصر، وأن يدرسوا العلوم الحديثة[31]. وهو من هذا المنطلق أخذ يتأثر بالنظام الغربي، ويدعو إلى جملة من مبادئه المعروفة ساعياً إلى تقريبها وسط العالم الإسلامي، والمصري منه على وجه الخصوص.

وعلى نفس هذا المسار برز الشيخ محمد عبده كمتوّج للطموحات التي طمح إليها سابقوه. فقد أكد على ضرورة استبدال النظام القديم للتعليم بأساليب حديثة. وتطلع إلى معرفة ما في الأرض والكون والمجتمع لفهم تفاصيل وحقائق الإشارات الواردة في الخطاب الديني، كالذي أشار إليه وهو بصدد تفسيره لآية إختلاف الناس[32]. مع ما في هذا التوجه من المحاكاة للنتاج الغربي وتبرير الواقع.

كما ظهر معاصرون يدعون إلى ضرورة فهم القضايا الإسلامية طبقاً للواقع، كالسيد محمد حسين فضل الله الذي قال: ‹‹كلما كان المجتهد أرحب أُفقاً، وكلما كان أكثر معرفة بالواقع، وكلما كان أكثر إنفتاحاً على المسألة الفنية الذوقية في اللغة؛ كلما كان أقرب إلى استنباط الحكم الشرعي››[33]. وذهب على هذه الشاكلة الكثير من الفقهاء المعاصرين، وبعضهم طالب الفقهاء بالالمام بالعلوم الإنسانية الحديثة كعلم الإجتماع وعلم النفس والإقتصاد، فبدونها لا تكتمل للفقيه شروط انجاز مهمة تحديد الأحكام اللازمة، فما زالت الأحكام التي ينشئها الفقيه هي تلك التي تناسب المجتمع قبل ألف عام وليس عالمنا نحن[34].



4ـ الواقع والفهم الأعمق

يعد المفكر مرتضى مطهري أبرز من يمثل هذا الإتجاه، فقد اعتبر الدين الإسلامي جاء بحقائق تامة وكاملة، لكنها تحتاج إلى فهم عميق لا يتيسر إلا عبر التعرف على مضامين العقل والواقع. فهناك فارق بين الإنسان الساذج الذي يتعرف على موضوعات مثل التوحيد والمعارف الإلهية كما وردت في القرآن والحديث، وبين الإنسان الذي يمتلك حصيلة من العلم تجعله عارفاً بعمق ما تنطوي عليه تلك الموضوعات. وبذلك يكون العلم مفتاحاً للوحي، فما ينزل بلسان الوحي وإن اتصف بالبساطة وعموم الفائدة؛ إلا أنه يعبّر في الوقت ذاته عن عصارة الحقائق التي لا يمكن إدراكها إلا بالعلم. لذلك اعتبر التعاليم والأحكام الإسلامية، سواء ما يتعلق بالحقوق الإجتماعية والعلاقات بين الناس والحدود، أو ما يتعلق منها بأمور أخرى، كلها مبنية على مجموعة من الحقائق الموضوعية. فلو تمّ التعرف على هذه الحقائق طبق أصولها وموازينها العلمية، والتي أصبح الكثير منها معروفاً في العالم، لكان فهم التعاليم والأحكام الإسلامية التي جاءت على لسان الوحي أفضل وأعمق.

فمثلاً أن المرء ما لم يكن على معرفة تامة بالأسس العلمية والنفسية للحِكم الأخلاقية الواردة على لسان القرآن وأهل البيت؛ فإنه لن يكون قادراً على إدراك روح هذه الحِكم التي تبدو بسيطة للوهلة الأولى، إذ لا تتبين حقيقة هذه الحِكم ومنزلتها الرفيعة بوضوح وجلاء ما لم يكن المرء على معرفة بمختلف النظم الأخلاقية التي ظهرت عبر التاريخ.

وبعبارة أخرى، رأى هذا المفكر بأنه لو تعرفنا على الحقائق الموضوعية التي أصبحت بمرور الزمن علوماً مدونة ومن ثم درسناها عن قرب؛ لكُنّا أقدر على فهم المقاصد والمفاهيم التي نزل بها الوحي، ومنها تلك المتعلقة بالشؤون الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. فقد تبين اليوم بأن جميع التعاليم الإسلامية لهذه القضايا قاطعة ومسلّم بها، لكن كيف يمكن لأحد أن يدعي القدرة على إدراك مقاصد الإسلام لتلك التعاليم حق الإدراك وأن يقدمها للعالم بكونها أرفع التعاليم دون أن يطلع جيداً على الأصول والقواعد الموضوعية للعلوم الإنسانية[35]؟!

وبخصوص علم الفقه، رغم أنه قائم على الإجتهاد، إلا أنه بنظر مفكرنا ما زال يعاني طرقاً مسدودة جعلته يصادم ما عليه الواقع والحياة، وهو يرى أن من الواجب التخلص من هذا التضاد الكائن بين الفقه وتكامل الحياة، وذلك عبر ‹‹إدراك سليم وقوي قادر على استخلاص هذا الرمز - رمز قوانين الإسلام الكبير - الذي يمكن أن نطلق عليه اسم (رمز الإجتهاد الكبير)›› . ويتمثل هذا الرمز الكبير طبقاً لكليات الكتاب والسنة من حيث أنها تكفي ‹‹جميع حاجات المسلمين الدينية في كل وقت، وأنه ليست ثمة حاجة إلى إعمال الرأي والقياس.. إنما المطلوب إدراك سليم وقوي..››[36]. وعموماً طالب هذا المفكر بفتح الطرق المسدودة التي لحقت بالفقه، عبر النظر لعلوم الواقع والحياة، فطرح العديد من التساؤلات والإشكالات التي رآها لا تُحل إلا من خلال الفحص العميق للواقع العلمي. وقد أسبغ على ذلك خاصية الإجتهاد المطلوبة؛ فرأى أن من حق العقل أن يمارس الإجتهاد عبر التعرف العلمي على قضايا لم تغفل عنها التعاليم الإسلامية في الأصل[37].

وينطلق مطهري في حل هذه الإشكالية من منطق التسليم بوجود تطابق تام بين عالمي التكوين والتدوين. فلو أن هناك شيئاً يؤكده عالم التكوين فسيكون ذلك مدعاة للإعتقاد بتوافقه مع عالم التدوين. فمثلاً اعتبر بأن النظرية الغربية القائلة بأن هناك حقوقاً طبيعية فطرية للإنسان تتصف بالثبات والدوام والكلية والعموم، وهو ما يجعلها مقدمة على جميع الحقوق المتواضع عليها، اعتبرها تستحق الفحص والإختبار لمعرفة ما إذا كانت صحيحة حقاً أم لا؟ وعلى رأيه أنها لو كانت صحيحة فسيستلزم الأمر إعتبارها مقبولة عند الإسلام بلا أدنى شك. ومن ذلك أنه تساءل: ‹‹هل صحيح أن الحرية الفردية والمساواة وحق التملك وحرية العقيدة وحرية التعبير وأمثالها تمتد جذورها في الفطرة وفي طبيعة الإنسان؟››[38].

ومن الناحية المبدئية إعترف مطهري بكون الواقع يشكل مصدراً مهماً للغاية، ورأى أنه الوحيد الذي يجدر الإعتماد عليه في التعريف بحقوق الإنسان، لذا أطلق عليه (كتاب الخلق الثمين)، فمن خلال ‹‹الرجوع إلى صفحات وسطور هذا الكتاب العظيم نطّلع على حقوق الإنسان الحقيقية وعلى حقوق المرأة والرجل تجاه بعضهما البعض››. وطبقاً لهذا المصدر أقرّ مطهري بأن للإنسان كرامة وشخصية ذاتية قابلة للإحترام، وأنه مُنح في أصل خلقته مجموعة من الحقوق والحريات لا تقبل السلب والإنتقال بأي حال من الأحوال، ورأى أن الإسلام يؤيد هذا التحقيق[39].



5ـ الواقع والتخصيص الظرفي

يعتبر محمد اقبال أبرز من يمثل هذا الخط، فقد رأى أن نصوص الأحكام جاءت وفقاً لما عليه طبيعة الظروف في شبه الجزيرة العربية، تأثراً بما أفرزه الواقع الحديث من تغايرات شديدة تختلف كثيراً عما كان عليه الأمر من قبل. وقد عزز هذه الفكرة بما لجأ إليه الشاه ولي الله دهلوي من ربط النصوص بما يلائم الوضع القديم، وما أفاده أبو حنيفة من مبدأ الإستحسان وعدم التقيد الحرفي بالنص العام.

فقد اعتبر اقبال بأن ما ذكره دهلوي هو مما أنار إليه الطـريق، ملخصاً مذهبه بالقول: إن ‹‹طريقة الأنبياء في التعليم، تنهج منهجاً من شأنه بصفة عامة أن القانون الذي يأتي به نبي يلاحظ ملاحظة خاصة العادات والأحوال والخصائص المميزة للناس الذين بعث اليهم على سبيل التخصيص. أما النبي الذي يستهدف مبادئ عامة شاملة فإنه لا يستطيع أن يبلغ مبادئ مختلفة إلى الشعوب المختلفة، ولا أن يترك لهذه الشعوب أن يضع كل منها قواعد السلوك الخاصة به. والطريقة التي يتبعها النبي هي أن يعلم أمة معينة ويتخذ منها نواة لبناء شريعة عالمية وهو في هذه الحالة يؤكد المبادئ التي تنهض عليها الحياة الإجتماعية للبشر جميعاً ويطبقها على حالات واقعية في ضوء العادات المميزة للأمة التي هو فيها. وأحكام الشريعة الناتجة عن هذا التطبيق (كالأحكام الخاصة بعقوبات الجرائم) هي أحكام يمكن أن يقال أنها تخص هذه الأمة. ولما كانت هذه الأحكام ليست مقصودة لذاتها فلا يمكن أن تفرض بحرفيتها على الاجيال المقبلة، ولعل هذا هو السبب في أن أبا حنيفة - وكان نافذ البصيرة بما للإسلام من صفته العالمية - لم يكد يعتمد على هذه الأحاديث. وإدخال أبي حنيفة لمبدأ (الإستحسان) في الفقه، والإستحسان يقتضي الدرس الدقيق للأحوال الواقعة، في التفكير القانوني ويلقي ضوءاً آخر على البواعث التي كيفت موقفه من مصادر التشريع المحمدي››[40].

كما اعتبر هذا المفكر بأن الإسلام قد شكّل مرحلة وسيطة لا غنى عنها في ربط العالم الحديث بالقديم. وبحسب هذه الوجهة من النظر يكون الإسلام قد مهّد لظهور النهضة الحديثة كما تجلت في الغرب. إذ جاء الإسلام بفكرة الإعتماد على كل من العقل والتجربة في تقييم القضايا المطروحة، في حين كان البشر قبل الديانة الأخيرة بحاجة ماسة للوحي في فهم القضايا؛ طالما لم ينضج العقل البشري بعد، الأمر الذي مهد لحضور الإسلام كخاتم للديانات الأخرى، حيث انتهى إلى جعل الأمور عائدة إلى النظر العقلي والتحقيق التجريبي.

وهو مع ذلك قد تجاهل الدور السابق للإسلام على العلم والمتمثل بفلسفة الإغريق ومن قبلهم الحضارات الأخرى، وعلى رأسها الحضارة المصرية، وأثر كل ذلك على العلماء المسلمين من خلال البحث العلمي والفلسفي للطبيعة، فهو أقرب للجانب العلمي من التأثير القرآني المعني – أساساً - بحالة التأمل في الآيات الكونية لمعرفة الخالق والتعلق به، أو أخذ العبرة من هلاك الأمم السابقة.

فهو بعد أن يورد جملة من الآيات القرآنية التي تحثّ على النظر في عالم الكون والطبيعة يصل إلى أن هناك إتجاهاً تجريبياً عاماً للقرآن يتبدى عبر استهدافه لتأمل الطبيعة، وقد انعكس هذا الأمر لدى أتباع القرآن فكوّن لديهم ‹‹شعوراً بتقدير الواقع وجعل منهم آخر الأمر واضعي أساس العلم الحديث››، معتبراً بأن القرآن قد أيقظ تلك الروح التجريبية في عصر كان يرفض عالم المرئيات لأن البحث فيه لا يثمر الكثير عما وراء الطبيعة[41]. وعليه اعتبر نبي الإسلام وسيطاً بين العالمين القديم والحديث ‹‹فهو من العالم القديم بإعتبار مصدر رسالته، وهو من العالم الحديث بإعتبار الروح التي انطوت عليها. فللحياة في نظره مصادر أخرى للمعرفة تلائم تجاهها الجديد››، مؤكداً بأن مولد الإسلام هو مولد العقل الاستدلالي. وبالتالي فإن ‹‹إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة الملك، ومنشدة القرآن للعقل والتجربة على الدوام، واصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الإنسانية؛ كل ذلك صور مختلفة لفكرة إنتهاء النبوة››. فالأنفس والآفاق هي من مصادر المعرفة بحسب القرآن الكريم[42].

هكذا فإن هذا الإتجاه قد جعل من الواقع أصلاً معرفياً دعا إليه الإسلام بقوة، وأول تطبيق لذلك هو إعتبار النصوص الخاصة بالتشريع كانت ملائمة لظروف شبه الجزيرة العربية وبالتالي قد لا يكون أكثرها ملائماً للحياة الجديدة. ومثل ذلك ما ذهب إليه الطاهر الحداد في كتابه (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) وأحمد أمين في كتاب (يوم الإسلام)، إذ رأى الأول أن هناك فرقاً ‹‹بين ما أتى به الإسلام وما جاء من أجله، وهو جوهره ومعناه، فيبقى خالداً بخلوده، كعقيدة التوحيد ومكارم الأخلاق، وإقامة قسطاس العدل والمساواة بين الناس، والنفسيات الراسخة في الجاهلية قبله دون أن تكون غرضاً من أغراضه. فما يضع لها من الأحكام إقراراً لها وتعديلاً فيها باق ما بقيت هي، فإذا ما ذهب ذهبت أحكامها معه. وليس في ذهابها جميعاً ما يضير الإسلام، وذلك كمسائل العبيد، والإماءة، وتعدد الزوجات، ونحوها مما لا يمكن اعتباره حتى كجزء من الإسلام››[43]. أما أحمد أمين فقد اعتبر هو الآخر أن الأحكام المنزلة في القرآن والحديث كانت معرضة للنسخ رغم ضيق الفترة الزمنية للرسالة الإسلامية، وأن آيات الأحكام التشريعية المقصودة في القرآن لا تتجاوز المائة، في حين قد تغيرت الظروف كثيراً مما يستدعي أن تكون الأحكام مرنة وقابلة للتغيير[44].

وحالياً يشاطر هذا الإتجاه المفكر الفرنسي المسلم روجيه غارودي.



6ـ الواقع وتدرج الأحكام

وهو المبنى الذي التزم به عدد من العلماء المعاصرين، وأطلقوا عليه فقه الأولويات وفقه الواقع. وأبرز من نادى به كل من المرحوم محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي والدكتور حسن الترابي وغيرهم. فالغزالي رأى أن ظروفنا الحالية تقتضي التدرج في الأحكام شيئاً فشيئاً[45]. كما أن القرضاوي رأى أنه لا يصلح الفقه ما لم يكن في تماس من المعايشة مع الواقع والتدرج في ترتيب الأحكام بحسب ما تقتضيه الظروف. وقد طالب الفقيه بأن لا يعيش في دائرة ما ينبغي أن يكون؛ غافلاً عما هو كائن وواقع بالفعل[46]. وكذا اعترف الترابي بأثر الواقع في تغيير ما ينبغي تطبيقه من الأحكام الدينية، لهذا لجأ إلى مبدأ الأولويات، بحيث يؤخر الفقيه من الأحكام ما يراه متضارباً مع أحكام أخرى أولى وأهم منها، طالما تمّ التأكد بإستحالة تطبيق كافة الأحكام دفعة واحدة، الأمر الذي يجعل الأولوية للقضايا الأساسية والجوهرية، مؤكداً على أهمية إدخال الواقع في الحساب والتقدير عند التطبيق، فبغير هذا الحساب يكون من العبث المزاوجة بين الإنموذج الشرعي المثالي من جهة، وبين الواقع من جهة ثانية، وبالتالي فإن فقه الدين لا يتم إلا إذا تكامل العلمان: الشرع المنقول والواقع المعاش[47].



7ـ الواقع وثقافة التساؤل

ويعود هذا الإتجاه للمفكر محمد باقر الصدر، فمن وجهة نظره أن النصوص لم تعالج ‹‹بروح التطبيق على الواقع وإتخاذ قاعدة منه ولهذا سوغ الكثير لأنفسهم أن يجزّئوا الموضوع الواحد ويلتزموا بأحكام مختلفة له››[48]. لهذا دعا إلى الإفادة من الواقع كثقافة لطرح التساؤلات على النص مع الإحتفاظ بقيمومة هذا الأخير. فقد أطلق على طريقته في تفسير القرآن بالإتجاه الموضوعي أو التوحيدي، فهي من جهة تبدأ بالموضوع الخارجي كأساس لعملية التفسير، كما أنها من جهة ثانية توحد بين التجربة البشرية ونص الخطاب السماوي. فكما قال في (المدرسة القرآنية): ‹‹.. هنا يلتحم القرآن مع الواقع، يلتحم القرآن مع الحياة، لأن التفسير يبدأ من الواقع وينتهي إلى القرآن، لا أنه يبدأ من القرآن وينتهي بالقرآن فتكون عملية منعزلة عن الواقع منفصلة عن تراث التجربة البشرية، بل هذه العملية تبدأ من الواقع وتنتهي بالقرآن بوصفه القيّم والمصدر الذي يحدد على ضوئه الإتجاهات الربانية بالنسبة إلى ذلك الواقع››[49].

كما أنه وانطلاقاً من الواقع ذاته لم يتقبل الأساليب المألوفة القديمة التي تتعامل بها دوائر الحوزة العلمية، سواء مع الكتب الدراسية أو المجتمع، كما لو كانت تعيش قبل خمسمائة سنة، مؤكداً على ضرورة تغيير هذه الأساليب وإصلاح الأمور بما يتفق ومنطق الواقع وتغيراته. وهو أمر وإن بدا ليس ذا تأثير على أحكام النص، لكن الحقيقة ليست كذلك، لأن الأساليب القديمة كانت تعتمد على شروطها الزمانية والحضارية لفهم النصوص، ومن ذلك التعامل الحرفي مع النص دون تجاوزه في الغالب، أما وقد تغيرت الأمور بتجدد الواقع، فتحديث الأساليب وفقاً للشروط الحضارية الجديدة لا بد وأن يدفع إلى تغيير النظر للكثير من الأحكام التي كانت مناسبة لما عليه الوضع في السابق.

وعموماً لقد تنامت النزعة الواقعية في كتابات المفكر الصدر، خاصة في سنيه العشر الأخيرة، وتجلت في مواضيع عديدة؛ كالعقيدة مثل إثبات المرسل والرسول والرسالة، والتفسير، ومحاولته إصلاح الحوزة طبقاً للظروف الحديثة ومتطلباتها الملحة، وكذا سعيه لإصلاح المرجعية بما يتفق مع التحولات الحديثة للواقع، وكذلك قبوله لمبدأ الشورى في النظام السياسي، وهو من المبادئ المستجدة الحديثة لدى الفكر الإمامي... إلخ[50].



8ـ الواقع كمنتج للنص

وهو ما يتبناه الدكتور نصر حامد أبو زيد كما في كتابه (مفهوم النص)، فمن وجهة نظره أن جوهر النص القرآني وحقيقته لا يتعدى كونه منتجاً ثقافياً؛ باعتباره لغة يحال عليها أن تكون مفارقة للثقافة والواقع، وقد تشكّلَ في ظرف يزيد على عشرين عاماً. ومع ذلك فإن هذا المفكر لا ينكر إلوهية مصدر النص القرآني، ويرى أن هذه الإلوهية لا تنفي واقعية محتواه، ومن ثم لا تنفي إنتماءه إلى ثقافة البشر. كما أن النص في هذه الحالة لا يعكس الثقافة والواقع عكساً آلياً، بل أنه يعيد بناء معطياتهما في نسق جديد. الأمر الذي يعني وجود علاقة جدلية بين النص والواقع أو الثقافة.

على ذلك اعتبر أبو زيد أن اختيار منهج التحليل اللغوي في فهم النص هو الوحيد الذي يلائم موضوع البحث ومادته، فإذا كان النص حاملاً للثقافة التي ظهر فيها دون أن يكون هناك ما يفارق الواقع؛ فلا بد حينئذ من أن يكون التحليل اللغوي هو الوحيد الذي يلبي – فعلاً - حاجة الفهم الخاصة بالنص. وهنا يصبح الأخير كاشفاً عن واقع الثقافة التي ظهر فيها، كما يكون هذا الواقع مساعداً على فهم النص. لهذا كان لا بد من البدء بدراسة ذلك الواقع، إذ لا يمكن فهم النص من غير البدء بدراسة طبيعة الواقع القائم بتشكيل النص، أي دراسة الأبنية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية، كذلك دراسة المتلقي الأول للنص والمخاطبين به.

ومن تطبيقات هذا المنهج الإنعكاسي والانثروبي اعتبر أبو زيد أن ارتباط ظاهرتي الشعر والكهانة بالجن في العقل العربي، وما ارتبط بهما من اعتقاد العربي بإمكانية الإتصال بين البشر والجن، هو الأساس الثقافي لظاهرة الوحي الديني ذاتها. وعلى رأيه انه لو تصورنا خلو الثقافة العربية قبل الإسلام من هذه التصورات لكان استيعاب ظاهرة الوحي أمراً مستحيلاً من الوجهة الثقافية، فكيف كان يمكن للعربي أن يتقبل فكرة نزول ملَك من السماء على بشر مثله ما لم يكن لهذا التصور جذور في تكوينه العقلي والفكري. وبالتالي فظاهرة الوحي أو القرآن كانت جزءاً من مفاهيم الثقافة العربية آنذاك، فالعربي كان يدرك أن الجني يخاطب الشاعر ويلهمه شعره، ويدرك أن العراف والكاهن يستمدان نبوءاتهما من الجن، لذلك فإنه لا يستحيل عليه أن يصدّق بملك ينزل بكلام على بشر. وعليه نفى أبو زيد أن يكون للعرب المعاصرين لنزول القرآن اعتراض على ظاهرة الوحي ذاتها، وإنما انصب الاعتراض إما على مضمون كلام الوحي أو على شخص الموحى إليه. ولذلك أيضاً يمكن أن نفهم حرص أهل مكة على رد النص الجديد – القرآن – إلى آفاق النصوص المألوفة في الثقافة سواء كانت شعراً أم كهانة[51].

ومع أن اللغة تستبطن الثقافة، وأن النص بالتالي هو تعبير عن هذه الثقافة، لكن قابلية اللغة للتعبير عن مراد التفكير يجعل لها القدرة على تجاوز متبنيات الثقافة ومضامينها القائمة، وبالتالي فبوسعها أن تطرح ما هو بديل، وبالأحرى أن لها دوراً مزدوجاً، فهي من جانب يستحيل عليها مفارقة الثقافة كلياً، لكنها من جانب ثان يمكنها طرح البديل الثقافي عبر صياغتها للمعاني والمفاهيم الجديدة، وهذا ما يخولها أن تكون أداة للعقل لطرح النظريات الجديدة. فهي بهذا العمل المزدوج تحمل عقلاً مكوَّناً ومكوِّناً، حسب تعبير (لالاند) عن الفكر والثقافة عموماً. فمن حيث تضمنها للثقافة المطروحة تكون حاملة للعقل المكوَّن، لكن حيث يمكنها تجاوز هذه الثقافة بتمرير ثقافة بديلة فانها تحمل العقل المكوِّن.

وطبقاً لهذا المعنى فإن التضييق الذي اتخذه أبو زيد في تعبير النص عن الثقافة ليس ضرورياً، بل يمكن القول إن النص يشهد على خلاف هذا الطرح، فليس من الصحيح القول بأن وجود الكاهن والشاعر هو ‹‹الأساس الثقافي لظاهرة الوحي الديني ذاتها››، ولولا ذلك لاستحال استيعاب ظاهرة الوحي من الوجهة الثقافية. فعلى الأقل أن هذا التقدير لا يتسق مع ما قرره أبو زيد - فيما بعد - من أن أهل مكة كانوا حريصين على رد النص الجديد – القرآن – إلى آفاق النصوص المألوفة في الثقافة سواء كانت شعراً أم كهانة، إذ على هذا الرأي كان الأولى لأهل مكة أن يتقبلوا النبوة أو النص الجديد اعتماداً على ما سبق من الشعر والكهانة، لا أنهم يرفضونه لهذا الإعتبار. وعموماً نعتقد بأنه يمكن تصور استيعاب ظاهرة النبوة حتى مع عدم وجود الكاهن والشاعر، طالما أن هناك نوعاً من الحاجة الإنسانية للإتصال بعالم الغيب. فالعقل البشري، سيما في الأزمان القديمة، يستقرب مثل هذا الإتصال للحاجة إلى تفسير الأشياء ورفع الغموض، أو للخوف والطمع، ولا علاقة لذلك بوجود أشكال من الإلهام، سيما إلهام الشعراء، فهو بعيد عن الإعتبار. وبالتالي فإن لظاهرة النبوة حاجة انسانية لا ثقافية.

ويؤيد هذا المعنى أن القرآن الكريم قد طرح تصورات العرب آنذاك على النقيض مما قاله أبو زيد، فالأخير يعتبر أن العربي كان يتقبل الوحي النبوي باعتباره قد ألِف الشعر والكهانة، في حين أن القرآن يؤكد على أن اعتراض العرب كان من هذه الناحية بالذات، فهم يعدّون ما جاء به محمد لا يختلف عن المجالات المألوفة، لذلك رفضوا ادعاء النبوة، كما يشير إليه قوله تعالى: ((فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ، أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ))[52]، وقوله: ((وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ))[53]، وقوله: ((بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ))[54]، وقوله: ((وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ))[55]. أيضاً أنهم رفضوا النبوة لإعتقادهم بأنها ينبغي أن تكون خارج المألوف من المعجزات الكونية، على شاكلة ما كان للأنبياء من هذه المعاجز، إذ كان إعتراضهم على محمد بأنه شخص مألوف لا يختلف عن أي رجل منهم، وبالتالي فليس هناك طرح يفيد قبول دعوة النبي إستناداً إلى تقبّل فكرة الشعر والكهانة، وفي ذلك جاء قوله تعالى: ((وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً، انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً))[56]. فالإعتراض هنا قد جاء ليس على ظاهرة الوحي ذاتها ولا على المضمون الموحى به، ولا على شخص محمد، بل على الطبيعة النوعية للموحى إليه، بدلالة ما نقله القرآن من أن القوم كانوا يطلبون معجزة كونية تؤيد مدعي النبوة، أو يأتي معه ملَك يؤكد المدعى، وكل ذلك بعيد عن مسألة الشعر والكهانة، فهم يطلبون شيئاً جديداً غير مألوف له طابع غيبي كالمعجزة الكونية او الملَك، وكما ينقل القرآن: ((وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ))[57]، وينقل أيضاً: ((وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ))[58]، كما ينقل: ((وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً))[59]، ويقول: ((فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ))[60].

لذلك فالتلازم الثقافي بين الكهانة والشعر من جهة، وبين النبوة من جهة ثانية معدومة، إنما الأمر قد أخذ شكلاً مخالفاً ومعاكساً، اذ لا نجد شخصاً آمن بالنبي وهو يعول على ما كان مألوفاً من الشعر والكهانة، في حين نجد أن من اعترض على النبي يتمسك بدعوى الشعر والكهانة. وبعبارة أخرى، إن العلاقة التي صورها أبو زيد بين الشعر والكهانة من جهة، والنبوة من جهة ثانية، هي علاقة التزامية، لكننا نراها عكسية، فوجودهما كان داعياً للتكذيب لا التصديق، بشهادة ما نقله القرآن عن مزاعم العرب المعاصرين. وبالتالي فلولا وجود الشعر والكهانة لكان قبول النبوة أقرب إلى نفس العربي، لا العكس.



9ـ الواقع كإشكالية

وهو ما يلاحظ جلياً لدى الدكتور حسن حنفي وحركة اليسار الإسلامي عموماً. ويمكن القول أن ما أبداه حنفي في هذا المضمار يشكل أول صورة وعي كلية لمكانة الواقع بالنسبة للإشكاليتين التقليديتين النص والعقل، فقد أبرز الواقع كشاخص قبال النص مثلما كان العقل شاخصاً قبال النص في الماضي. وأصبح الواقع بحسب هذا الفهم ينافس النص ويتقدم عليه عند المعارضة. وأعطى للواقع دلالة أسباب النزول والنسخ والمصلحة العامة، واعتبر الفكر الإسلامي لم يُظهر بعد أولوية الواقع. وقد صنّف كتابه (من النص إلى الواقع) لأجل أن يحسّن الفقيه ‹‹الإستدلال ويغلّب المصلحة العامة - وهي أساس التشريع - على حرفية النص، واعطاء الأولوية للواقع على النص››[61]. وجاء في هذا الكتاب قوله: ‹‹المصلحة تجب القياس العقلي الخالص لأن المشاهدة واقع، والواقع له الأولوية على النص والعقل معاً››[62]. وقوله: إن ‹‹العقل والواقع أساسا الوحي››[63]. وقوله: إن ‹‹الواقع أكثر غنى من النص. الواقع حرية، والنص قيد، والحرية تتجاوز القيد بالضرورة››[64]. وقوله: ‹‹الخطاب نوعان: الأول يقيني لا يتطرق إلى إحتمال اعتماداً على بداهة العقل ورؤية الواقع. والثاني محتمل، أي مجمل ومتشابه في حاجة الى بيان ليس فقط من داخل النص عن طريق مبادئ اللغة وقواعد النحو؛ بل أيضاً من خارجه عن طريق فهم العقل ومصالح الواقع››[65].

كما من إشاراته بهذا الصدد قوله: ‹‹... وفي العقل والنقل ظهرت أولوية العقل كما ظهرت أولوية النقل، ولكن لم تظهر بعد أولوية الواقع››. وقوله: ‹‹القرائن الحسية ليست فقط تدعيماً للحجة النقلية، بل للحجة العقلية كذلك. فالواقع أساس النقل والعقل على السواء››. ومثل ذلك قوله: ‹‹إن الواقع هو الأصل، والعقل هو الأساس، ولا سلطان إلا للعقل ولا لسلطة إلا لضرورة الواقع الذي نعيش فيه››. وقوله: ‹‹العلاقة إذن ليست بين العقل والنقل وحدها ولكنها علاقة ثلاثية بإدخال طرف ثالث هو الواقع يكون بمثابة مرجع صدق وتحقيق لو حدث أي تعارض بين العقل والنقل. ولا يكاد يتفق إثنان على معنى واحد للنص في حين أن استعمال العقل أو اللجوء إلى الواقع يمكن أن يؤدي إلى إتفاق. ولا تستطيع اللغة وحدها أن تكون مقياس فهم النص والتوفيق بين المعاني. تحتاج اللغة إلى حدس وهو عمل العقل أو إلى تجربة وهو دور الواقع. فالواقع واحد لا يتغير. ولا يمكن الخطأ فيه لأنه واقع يمكن لأي فرد أن يتحقق من صدق الحكم عليه. وأن كل إختلافات الأحكام على الواقع إنما ترجع في الحقيقة إلى إختلافات في مقاييس هذه الأحكام وأسسها وليس إلى موضوع الحكم. وغالباً ما تكون هذه الأسس ظنوناً أو معتقدات أو مسلمات على أحسن تقدير أو مصالح وأهواء ورغبات وسوء نية على أسوء تقدير. وفي حقيقة الأمر الفكر هو الواقع، والواقع هو الفكر، وليس لأحدهما أولوية زمانية على الآخر أو أي نوع من الأولوية من حيث الشرف والقيمة››[66].

وقد رسم اليسار الإسلامي الأولوية لكل من العقل والواقع والمقاصد على النص، فإذا ما تعارض النص مع أحد هذه العناصر فإنه لا بد من تأويله أو تعطيله. وهو يدين النزعة السلفية لكونها تقفز على الواقع دون أن تمنحه أي إعتبار، وتلجأ إلى الماضي دون أن تفكر في حاجات الحاضر. لهذا لجأ إلى تقديم المصلحة وإعتبارات العقل والواقع على كل من النص والإجماع، وهو نهج تجاوز حدود ما سبق إليه المعتزلة ومن على شاكلتهم في تقديم العقل على ظاهر النص عند التعارض، كما تجاوز طريقة الطوفي في تخصيص المصلحة للنص والإجماع، ولا يهمه في ذلك إن كان الأمر يفضي إلى تعطيل النص القطعي أو تأويله عند الإمكان، أو رفضه إن كان حديثاً يعارض قبليات العقل أو الواقع. فالمهم لدى هذا الإتجاه هو تحقيق مقاصد الشريعة العامة، وقد حددها بخمسة هي: ‹‹الإنسانية والعدل الإجتماعي والحرية السياسية والمبدئية والتقدم المستمر نحو الأفضل››[67].

لكن ما يؤاخذ على حنفي هو أنه عرض القضايا ومنها إشكالية الواقع عرضاً آيديولوجياً دون الحفاظ على الطرح الابستمولوجي. فإطروحاته مليئة بالشعارات، كما أنه لا يريد من الواقع سوى واقعنا الذي نحقق فيه رغباتنا ومصالحنا.



10ـ الواقع كنظام

وهو ما نسعى إليه، وذلك بجعل الواقع أساس التفكير والتكوين المعرفي بعد البديهات العقلية والمنطقية، ومنه يمكن تقديم الرؤية الخاصة بالفهم الديني كنظام يختلف عن النُظم المتعارف عليها في الفهم. فإذا كان تراثنا المعرفي يحمل نظامين معرفيين كالذي فصلنا الحديث عنهما في عدد من كتبنا، وهما النظام الوجودي والمعياري، فإن ما نحتاج إليه هو نظام آخر يتلافى المشاكل التي لحقت بهما، وبالتالي كان لا بد من نظام جديد يوظف إشكالية الواقع كطرح مضاف إلى الإشكالية التقليدية الخاصة بالعقل والنص، وهي الإشكالية التي أفرزت علاقتين مختلفتين، إحداهما لصالح العقل في قبال النص والواقع كما في علم الكلام، والأخرى لصالح النص أو البيان في قبال العقل والواقع كما في علم الفقه. أما الإشكالية التي يبدي فيها الواقع نوعاً من السلطة والهيمنة فقد ظلت غائبة لم تظهر على مسرح الفكر الإسلامي، سواء في علومه العقلية أم النقلية، الأمر الذي جعل هذا الفكر يصل إلى نهاية مسدودة؛ لعدم سلوك الطريقة الواقعية في التفكير، وهي الطريقة التي تجند العقل ليفكر في صور الواقع وتجاربه وحالات جدله مع النص وما ينتزع عنه من فتاوى وعقائد.

وأهم ما يميز النظام الواقعي عن النظامين الوجودي والمعياري، هو أن هذين النظامين قائمين على دعاوى خاصة غير مشتركة، فهي دعاوى تحتاج في حد ذاتها إلى تحقيق؛ إن كانت تُقبل أو لا تُقبل؟ ولمّا كانت هذه الدعاوى مؤسسة على قضايا قبلية دون أن يكون لها مساس بالعقل البعدي؛ لذا كان التحقيق فيها إما غير ممكن لتجردها عن الواقع، أو أنها رهينة التحقيق الواقعي، وهو المعيار الذي يستند إليه النظام الواقعي. فالتمييز بين هذا النظام وغيره هو أنه يعتمد على العقل البعدي، ويتقوم بالقبليات المشتركة التي يقرّها الوجدان الفطري، ومن ذلك ما يتعلق بمنطق الإستقراء والإحتمال[68]، الأمر الذي يجعله قابلاً للتجديد والتطوير والإثراء؛ لإتكائه على الواقع الثري بالمعاني.

وبحسب هذا النظام فإن علاقة الواقع بفهم النص تتخذ إعتبارات متعددة كالتالي:

فإبتداءاً أننا نعي بأن للواقع أثره الحاسم في تغيير آرائنا وتوجهاتنا على مختلف الصُعد المعرفية؛ بما فيها العلوم الإسلامية وعلى رأسها علم الفقه. فحركة الواقع أشبه بكتاب تتفتح صفحاته لتظهر الحقائق بالتدريج شيئاً فشيئاً. لذلك يمكن الإستفادة من هذه الظاهرة المتفتحة بتحويل الواقع إلى منطق عام يوظف لكسب المزيد من المعرفة وتقييم صور فهم النص المختلفة. فنحن نواجه – في هذه الحالة - صورتين مختلفتين لعلاقة الواقع بفهم النص. إذ نعمل بحسب الصورة الأولى على مراقبة جريان الواقع وعلاقته بالنص وفهمه، دون أن يكون لنا دور في هذه العلاقة الخارجية، وسواء كنّا على وعي أو على غير وعي بذلك؛ فإن للواقع حكمه وسلطته في رسم العلاقة التي يؤثر فيها على فهم النص، فهي سلطة قوية وإن بدت خافية على أصحاب الفهم المنشدين إليها عفوياً. وهي من السنن الموضوعية، ويمكن تحديدها كالتالي: كلما تغيّر الواقع؛ كلما أدى ذلك إلى تغيّر الفهم معه بإضطراد. وعلى هذه الوتيرة كلما اشتد تغيّر الأول كلما أفضى ذلك إلى زيادة تغيّر الثاني بالتبع[69].

وأكثر من هذا نقول بأن المفاهيم الأولية للذهن البشري لما كانت تُنتزع عن الواقع، وأن النص من حيث الأساس يستعين بلغة الواقع دون التعالي عليه، وإلا كان رموزاً بلا معنى محصل، فستكون النتيجة في النهاية بأن فهم النص لا يمكن أن يتقدم على فهم الواقع، بل سيصبح الأول مستبطناً للفهم الأخير. وهذا يعني أن جميع الدوائر المعرفية للفهم ستكون مسبوقة بالقبليات المتعلقة بإدراك الواقع ومفاهيمه. فإدراك الواقع هو ما يتيح لنا الفهم حتى وإن لم نتعقله، فنفهم ونفكّر به وإن لم نفكّر فيه. وحتى الدائرة البيانية لا يسعها فعل شيء من غير التسلح بمفاهيم هذا الواقع إبتداءاً، كالذي يُطلق عليه الفهم العرفي للنص والذي تعوّل عليه هذه الدائرة كأصل مولّد للفهم، حيث تتخذ منه إطاراً كلياً ومنطقاً عاماً لتسقطه على مختلف الأحوال والظروف ضمن ما أسميناه المنطق الماهوي للفهم، من دون مراعاة ما يحمله ‹‹الواقع الآخر›› الذي يوازي الواقع الخاص بالتنزيل. وهو مورد إشكالنا على هذا الفهم.

وبعبارة أخرى، إن النظام الواقعي لا يلغي خصوصية ما يقوم به المنهج البياني، بل يضيف إليه ما لم يأخذه بعين الإعتبار. والحق أنه يحوّل الدلالة النصية الظاهرة من دلالة مفصلة الى دلالة مجملة تحتاج إلى عناصر أخرى كاشفة وعلى رأسها الواقع. فالبيان الذي تتحدث عنه الدائرة البيانية هو بيان مفصل، في حين أنه لدى النظام الواقعي بيان مجمل يحتاج إلى ما يحوله إلى تفصيل.

أما بحسب الصورة الثانية فنحن نعمل على انتزاع بعض المبادئ من الواقع، أثر استكشافنا للنتائج المتمخضة عن صيرورته المشار إليها في الحالة الأولى، وبذلك يُحوّل ما هو موضوعي إلى حالة معرفية يقصد منها - إبتداءاً - تقييم الأمور وتحقيقها، ومن ثم استخلاص بعض المبادئ التي تساعد على ضبط العلاقة بين الواقع والنص، بغية تحقيق ما نطمح إليه من مقاصد وأهداف.

ومن الناحية المبدئية يتقدم الواقع على غيره من مصادر الكشف المعرفي، ويتميز بكونه يساعد على التحقيق في أصول العقائد، كما أنه يساعد على معرفة ما يتضمنه النص من معنى، سيما أن الأخير لم يتجرد في تنزيله عن الواقع الخاص، بل ظهر بينهما جدل تجلى بأشكال عديدة، وبالتالي فما لم يؤخذ الواقع الخاص بالإعتبار؛ فلا يمكن التعرف على دلالة النص.

يضاف إلى أن الواقع يساعد على الكشف عن طاقة النص وإمكاناته للتطبيق، مثلما يساعد على معرفة ما يتضمنه الأخير من مصداقية دينية أو تزوير، كالحال مع نصوص الحديث التي يمكن تعريض الكثير منها للكشف الواقعي والتجريبي. كذلك تبرز أهمية الواقع عند الإعتماد عليه كمعيار لترجيح النظريات الدينية وأنساق الفهم، كالذي فصلنا الحديث عنه في (منطق فهم النص)[70].

ومن الناحية الابستمولوجية تعود أهمية الواقع مقارنة بالنص، إلى أن الأخير ثابت لا يقبل التغيير والإفصاح عن نفسه بأكثر مما جرى فيه الأمر إبتداءاً، فهو يحمل نظاماً مغلقاً لا يسمح بإضافة المزيد، ناهيك عن كونه يعمّق ظاهرة الإبهام وعدم الوضوح كلما طال الزمن، خلافاً للواقع بإعتباره يملك نظاماً مفتوحاً يتقبل الإضافة دون إنقطاع، وهو بهذه الإضافة يكون أكثر وضوحاً كلما طال الزمن، مما يجعله مفتوحاً على المراجعة والتصحيح، أكثر فأكثر، كلما طرأ عليه شيء جديد. وهنا تبرز أهليته لأن يكون مرجعاً أساسياً للتصحيح. فهو يستقل بميزة القابلية على الإنفتاح الدائم، ومن ثم الكشف والتحقيق لتقييم النظريات، سواء تلك التي تُستخلص منه كالنظريات العلمية، أو تلك التي ترتبط معه بشيء من العلاقة، كالنظريات الفلسفية والدينية.

وعموماً فإن أهم العناصر المعتمدة في هذا النظام أربعة، هي: الواقع والوجدان والمقاصد والفهم المجمل للنص، فالواقع بمثابة المولد المعرفي، أما الوجدان والمقاصد والفهم المجمل فهي تعمل كموجهات للفهم. وهناك العديد من النتائج التي يمكن استثمارها عبر هذا النظام، كالذي فصلناه في عدد من كتبنا، منها ما يلي:

طبقاً لهذا النظام يمكن نسف القاعدة القائلة (لا إجتهاد مع وجود النص الصريح). فالمعطيات التي قدمناها في عدد من كتبنا – بما فيها هذا الكتاب - تثبت أن النص يحتاج إلى الواقع في ضبط مقصده ومعناه، وبدونه فإنه ينغلق على ذاته ويتعارض لا فقط مع الواقع، وإنما مع المقاصد التي لولاها ما كان للنص من معنى. والتسليم بتلك القاعدة سيتصادم بالتأكيد مع كل من المقاصد والواقع؛ إذ لا يمكن فهم النص فهماً متسقاً بمعزل عن الواقع، سيما الواقع الخاص بالتنزيل، ومن ذلك أنه لا يمكن تحديد الأحكام الأمرية إن كانت أحكاماً فورية أو متراخية، وإن كانت تفيد التكرار أو المرة الواحدة، وكذا الإستحباب أو الوجوب أو الإرشاد، أو غير ذلك، من غير لحاظ سياقاتها الحالية والإجتماعية والظرفية، والحال ذاته ينطبق على حكم النص المعلوم – حسب الصيغ السابقة - في علاقته الخاصة بظرف التنزيل. يبقى أن من الصحيح تماماً مفاد القاعدة الأصولية القائلة (لا إجتهاد في قبال النص)، وذلك حينما يتضمن المعنى الإعتراض على حكم النص إعتراضاً مطلقاً، لا المعنى الذي تفيده قاعدة (لا إجتهاد مع وجود النص) كالذي يعوّل عليه الأصوليون.

إذاً نحن بحاجة إلى إيجاد شكل من الإجتهاد يختلف جذراً عما ساد في العصور الماضية، تعويلاً على علاقة الواقع بالنص، مع الأخذ بالإعتبار مبدأ الفهم المجمل والمقاصد. وعليه لا بد من تغيير خارطة مصادر التشريع كما وضعها الفقهاء والتي تغفل ما للواقع من قوة كشفية تضاهي سائر المصادر الأخرى، بل وتتفوق عليها عند المعارضة التامة. فبدون هذا الإعتبار سوف ندور في ذات الفلك من المصادمة المتوقعة مع الواقع، أو إضفاء التبريرات الواهية لأجل تغطية ما يحدث من تصادم.

وعموماً يعاني الفكر الإسلامي من مشكلتين، إحداهما تتحدد بغياب الواقع، إما لعدم إدراك أهميته وجدواه، أو نتيجة الوهم القائل بأنه ليس من الطرق الشرعية الموصى بها. فسواء لهذا السبب أو ذاك فإن العلماء لم يفكروا في الإفادة من المبادئ التي يمكن انتزاعها من الكشف الواقعي والتي تحل لهم أزمة الصدام بين النص والواقع كلما تغيّر الأخير. أما المشكلة الأخرى فهي غياب البحث المنهجي للفهم. فلو كان هذا البحث حاضراً لأضحت العلاقة بين النص والواقع غير ما عهدناه في تراثنا المعرفي. وعليه فالفكر الإسلامي يعاني من مشكلة مزدوجة، لكن تظل المشكلة المباشرة التي يعانيها هذا الفكر تتمثل بالواقع بالذات.

وتأتي أهمية الواقع بالنسبة للفقه من العلاقة المباشرة التي تربطهما معاً. فهدف الفقه هو علاج مشكلة الواقع الإعتباري بالذات، أي واقع القيم ومنها تلك المتعلقة بالمصالح والمضار. وبالتالي فما لم يتغير حال العلاقة التي تربطهما من موقع إسقاط النص والفتوى كما اعتادت عليه الطريقة التقليدية؛ إلى موقع كشف الواقع عن الفتوى المناسبة بما يتسق مع المقاصد المستهدفة، فإن الحال سيظل على ما هو عليه من الصدام الدائم بين النص والواقع. بل وسيستمر الخلاف المعهود بين الفقهاء حول تحديد الفهم والفتوى. فمن الواضح أن الطريقة التقليدية المتبعة تعجز عن أن تعالج هاتين المشكلتين، سيما أنها تعاني من مشاكل مزمنة لها علاقة بالنص سنداً ودلالة. في حين أن التعويل على الواقع والمقاصد يمكن أن يحل مشكلة الصدام المشار إليها سلفاً، كما يمكنه علاج الخلاف الدائر بين الفقهاء. وسبق للطوفي الحنبلي أن أدرك (خلال القرن الثامن للهجرة) قيمة الواقع ومقاصد المصلحة لتجنب كثرة الخلاف بين الفقهاء، فهو في بعض أدلته التي قدمها لتبرير تقديم المصلحة على النص والإجماع اعتبر أن سبب الخلاف المذموم شرعاً في الأحكام هو وجود النصوص المختلفة المتعارضة، في حين أن رعاية المصالح هي أمر حقيقي لا يُختلف فيه، فهي بالتالي مورد الإتفاق المطلوب شرعاً، لذا فالأولى إتّباعه، وكما قال تعالى: ((واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا))[71]، وقال: ((إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لسْتَ منهم في شيء إنما أمرهم إلى اللّه ثمّ ينبّئهم بما كانوا يفعلون))[72]. وذكر الطوفي شواهد عديدة لما حدث من عداء وتنافر بين المذاهب الفقهية وما وظفوه من نصوص وأحاديث موضوعة، ثم أنه قال: ‹‹إن بعض أهل الذمة ربما أراد الإسلام فيمنعه كثرة الخلاف وتعدد الآراء ظناً منه أنهم يخطئون.. لهذا قال الله تعالى: ((الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً))[73]، أي يشبه بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً.. ولو اعتمدت رعاية المصالح المستفادة من قوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار) على ما تقرر؛ لإتحد طريق الحكم وانتهى الخلاف، فلم يكن ذلك شبهة في إمتناع من أراد الإسلام من أهل الذمة وغيرهم››[74]. ومعلوم أن قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) قد كتب حولها العديد من الفقهاء سنة وشيعة. لكن لم يوظفها أحد من الفقهاء توظيفاً واسعاً مثلما فعل الطوفي ليثبت من خلالها وجوب الأخذ بالمصلحة وأنها المقصودة في النظر الشرعي إلى الدرجة التي تكون راجحة على حكم النص.

على أننا سنتناول في هذا الكتاب وفي (فهم الدين والواقع) علاقة الواقع بالنص أو الخطاب الديني عبر محاور أساسية متعددة. فقد تتخذ هذه العلاقة نوعاً من السنن الموضوعية، كما قد تتخذ شكل القواعد الإجرائية التي نتبناها ضمن النظام الواقعي للتطبيق. فالمحاور التي سنتحدث عنها، بعضها يندرج ضمن السنن الموضوعية، كما في المحورين الأولين، وبعضها الآخر يندرج ضمن القواعد الإجرائية المتخذة للتطبيق[75]، كما هو الحال مع بقية المحاور، كالتالي:



الأول: إبراز أن للواقع تأثيراً هاماً على فهم النص والخطاب الديني. صحيح أنه في القبال يكون للنص تأثيراً على فهم الواقع، لكن الدور المناط بالأخير كبير مقارنة مع النص، إلى درجة يمكن تقرير أنه كلما تغيّر الواقع وزادت تطوراته، كلما أثّر ذلك على تغيّر فهم النص. وبالتالي يصبح فهم النص مناطاً بالتغيرات والتحولات الحاصلة في الواقع. أما تغيّر فهم الأخير فهو ليس مناطاً بتغير فهمنا للأول. فالعلاقة التغيرية بينهما كعلاقة التغير بين السبب والمسبب، فكلما تغيّر السبب تغيّر المسبب دون عكس.



الثاني: إيضاح أن للواقع علاقة جدلية مع الخطاب الديني أو النص، فلكل منهما أثره على الآخر. وإذا كان من المعلوم تأثير الخطاب على الواقع الخاص بالتنزيل، كقلب واقع الكفر والشرك إلى الإيمان، وتحويل واقع الدعوة في مكة المكرمة إلى دولة إسلامية في المدينة، وغير ذلك من الوقائع التي أثّر فيها الخطاب الديني على الواقع، ومثلها تأثير النص المدوّن على الأخير إلى يومنا هذا، إلا أن ما لم يبيّن بشكل واضح هو تأثير الواقع على الخطاب وأحكام النص، وهو ما سنوليه أهمية خاصة؛ إلى حد جعلنا نهمل التأثير الأول لكونه معروفاً لا يحتاج إلى تأكيد.



الثالث: إن هذه الجدلية لا تتنافى مع ما سنقرره من حاكمية الواقع على النص. فمثلما هناك جدلية بين الطرفين، فهناك حاكمية لأحدهما على الآخر، وأبرز تجلياتها عندما يتولد بينهما بعض أنواع التعارض، حيث يرجح الواقع على النص عندما يكون متن الأخير أو ظاهره في معارضة صريحة مع حقائق الواقع الموضوعية.



الرابع: لا تشمل الحاكمية أو الترجيح المشار اليهما في الفقرة السابقة – بإطلاق - حالة التعارض القائمة بين حكم النص وإعتبارات الواقع القيمية من المصالح والمفاسد. إذ لا يحق العمل بمثل هذه الحاكمية ما لم تتقيد بضوابط محددة، وهي أن تكون إعتبارات الواقع القيمية خاضعة لحاكمية المقاصد الكلية والموجهات الفطرية العامة. بمعنى أن من الجائز أن تكون الحاكمية لمصالح الواقع وترجيحها على حكم النص طالما دلّت على هذه المقاصد. فالتعارض الحقيقي قائم – هنا – بين المقاصد وحكم النص، وبذلك تكون الحاكمية بعيدة عن تبرير الواقع الفاسد. لذلك من الجائز أيضاً أن تكون الحاكمية للنص على الواقع، عندما يتفق حكم النص مع المقاصد. وبالتالي فالعبرة بالمقاصد ذاتها، وليس للواقع أو النص حاكمية على الآخر بإطلاق، بل أن ذلك مقيد بمصالح الواقع ومفاسده، فعند المصالح تترجح كفة الواقع، أما عند المفاسد فالمعالجة تخضع إلى ما يتطلبه العمل بالمقاصد لأجل إصلاح هذا الواقع، سواء كان الإعتماد في ذلك على حكم النص، أو على صيغة أخرى تتسق مع المقاصد.

***

وبلحاظ كل من المحور الأول الخاص بتأثير تغيّر الواقع على فهم النص، ومحور جدلية الخطاب مع الواقع، وإعتبارات العمل بالمقاصد، فإنه يمكن إستنتاج بعض القواعد المهمة لعلاقة الواقع بأحكام النص.

وما نستخلصه من المحاور السابقة، هو أن للواقع أدواراً متعددة في العلاقة مع النص والخطاب الديني. فهو يؤثر على تغيير فهم النص. كما له علاقة جدلية مع النص والخطاب الديني، فقد تأثرت أحكام الأخير به منذ لحظة التنزيل القرآني وحتى يومنا هذا، وبشكل أدق أن كلاً منهما قد مارس التأثير على الآخر طوال هذه المدة، والمستقبل أمامهما مفتوح. كما أن للواقع حاكمية على النص عند تعارض دلالاتهما الإخبارية أو الخاصة بالحقائق الكونية والموضوعية عموماً. يضاف إلى أن للواقع القيمي المتعلق بالمصالح والمفاسد حاكميته على النص، شرط أن تكون الحاكمية منضبطة بضوابط المقاصد العامة دون إتخاذ صورة تبرير الواقع الفاسد. وأخيراً فإن للواقع الفضل في الكشف عن حجية النص وإثبات المسألة الدينية برمتها، لا العكس، بمعنى أنه لولا الواقع لتعذّر معرفة كونه حجة، ولتعذّر الإلزام بأحكامه.







--------------------------------------------------------------------------------

[1] طنطاوي جوهري: الجواهر في تفسير القرآن الكريم، مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده، مصر، 1341هـ، عن مكتبة المصطفى الإلكترونية http://www.al-mostafa.com، ج14، ص152، وج3، ص164.

[2] يونس-101.

[3] الكوثر-2.

[4] الجواهر في تفسير القرآن الكريم، ج1، ص7.

[5] المصدر السابق، ج1، ص3 و6.

[6] نفس المصدر، ج3، ص150.

[7] نفس المصدر، ج2، ص85.

[8] نفس المصدر، ج2، ص115.

[9] يس/36.

[10] فصلت/11.

[11] محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون، دار الكتب الحديثة، مصر، الطبعة الثانية، 1396هـ ـ1976م، ج2، ص499.

[12] الرحمن/33.

[13] إبن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار القلم في بيروت، الطبعة الأولى، ج4، ص241. ومثل ذلك: الآلوسي: روح المعاني، دار الفكر، بيروت، 1408هـ ـ 1987م، ج27، ص112. كما ذكر الماوردي أن في الآية قولين: أحدهما إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا، لن تعلموه إلا بسلطان، قاله الضحاك. والثاني: إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هرباً من الموت فانفذوا، قاله الضحاك. وجاء في معنى ((لا تنفذون إلا بسلطان)) ثلاثة أقوال: أحدها بمعنى الحجة، قاله مجاهد، والحجة هي الإيمان، قاله إبن بحر. والثاني: لا تنفذون إلا بمُلْك وليس لكم ملك، قاله قتادة. والثالث: لا تنفذون إلا في سلطانه وملكه، لأنه مالك السماوات والأرض وما بينهما، قاله إبن عباس (الماوردي: النكت والعيون، طبعة مطابع مقهوي، الكويت، الطبعة الأولى، 1402هـ ـ 1982م، ج5، ص434).

[14] محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم، ج19، ص106ـ107.

[15] ابو حامد الغزالي: جواهر القرآن، دار الآفاق الجديدة في بيروت، الطبعة الرابعة، 1979م، الفصل الخامس بعنوان: في انشعاب سائر العلوم من القرآن.

[16] انظر مثلاً ما ذكره العارف القيصري بهذا الصدد (داود بن محمود القيصري: مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، منشورات انوار الهدى، الطبعة الاولى، 1416هـ، ج2، ص434-435. كذلك كتابنا: الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008م، الفصل الأخير).

[17] فقد ذكر المرسي كما نقل عنه السيوطي بأن ‹‹الطب فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة، وذلك انما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة ، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله تعالى: ((وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)). وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى: ((شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ)). ثم زاد على طب الاجسام بطب القلوب وشفاء الصدور . وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السماوات والأرض، وما بثّ في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات. وأما الهندسة ففي قوله: ((انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ)). وأما الجدل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة، وغير ذلك شيئاً كثيراً، ومناظرة ابراهم نمرود ومحاجته قومه أصل في ذلك عظيم. وأما الجبر والمقابلة فقد قيل: إن أوائل السور فيها ذكر مدد وأعوام أيام لتواريخ أمم سالفة، وأن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة أيام الدنيا، وما مضي وما بقي، مضروب بعضها في بعض. وأما النجامة: ففي قوله: ((أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ))، فقد فسّره بذلك ابن عباس. وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها: كالخياطة في قوله: ((وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ)). والحدادة: ((آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)).. ((وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)). والبناء في آيات. والنجارة: ((وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا)). والغزل: ((نَقَضَتْ غَزْلَهَا)). والنسج: ((كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً)). والفلاحة: ((أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ)). والصيد في آيات. والغوض: ((كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ)).. ((وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً)). والصياغة: ((وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً)). والزجاجة: ((صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ)).. ((الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ)). والفخارة: ((فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ)). والملاحة: ((أَمَّا السَّفِينَةُ)). والكتابة: ((عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)). والخبز: ((أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً)). والطبخ: ((بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)). والغسل والقصارة: ((وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)).. ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ)) وهم القصارون. والجزارة: ((إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ)). والبيع والشراء في آيات. والصبغ: ((صِبْغَةَ اللَّهِ)).. ((جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ)). والحجارة: ((وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً)). والكيالة والوزن في آيات. والرمي: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ)).. ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)). وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله: ((مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ))›› (السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، دار إبن كثير، دمشق ـ بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ ـ 1987م، ج2، ص1027 وما بعدها).

[18] الشاطـبي: الموافقات في أصول الشريعة، مع حواشي وتعليقات عبد الله دراز، دار المعرفة في بيروت، الطبعة الثانية، 1395هـ ـ 1957م، ج2، ص79.

[19] ق-6.

[20] المؤمنون-113.

[21] الرعد-17.

[22] الرحمن-5.

[23] الموافقات، ج1، ص54ـ55.

[24] لقمان-10.

[25] التفسير والمفسرون، ج2، ص604.

[26] محمد حسين النائيني: تنبيه الامة وتنزيه الملة، تعريب صالح الجعفري، نُشرت ترجمة الكتاب في: مجلة الغدير، عدد 10ـ11، 1990م، ص84.

[27] البرت حوراني: الفكر العربي في عصر النهضة، دار النهار، الطبعة الرابعة، 1986م، ص114.

[28] محمد رشيد رضا: تفسير المنار، دار الفكر، الطبعة الثانية، ج4، ص43.

[29] الجواهر في تفسير القرآن الكريم، ج1، ص38.

[30] انظر حول ذلك كتابنا: القطيعة بين المثقف والفقيه، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2005م، القسم الأول.

[31] الفكر العربي في عصر النهضة، ص99.

[32] انظر: القطيعة بين المثقف والفقيه.

[33] حوار مع السيد محمد حسين فضل الله، مجلة قضايا إسلامية، عدد4، ص138.

[34] صدر الدين شرف الدين: اختصاص الفقيه، مجلة رسالة الإسلام، عن: قضايا إسلامية، عدد5، ص569.

[35] انظر: مرتضى مطهري: حق العقل في الإجتهاد، ص61ـ64.

[36] مرتضى مطهري: مبدأ الإجتهاد في الإسلام، ترجمة جعفر صادق الخليلي، مؤسسة البعثة في طهران، الطبعة الأولى، 1047هـ، ص28ـ29.

[37] حق العقل في الإجتهاد، ص65ـ66.

[38] المصدر السابق، ص64ـ65.

[39] مرتضى مطهري: نظام حقوق المرأة في الإسلام، مؤسسة الاعلام الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1405هـ ــ 1985م، ص129.

[40] محمد اقبال: تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود، لجنة التأليف والترجمة في القاهرة، الطبعة الثانية، 1968م، ص197ـ198.

[41] تجديد التفكير الديني في الإسلامي، ص21.

[42] المصدر، ص144ـ145.

[43] الطاهر الحداد: امرأتنا في الشريعة والمجتمع، ص6، عن مكتبة الموقع الإلكتروني http://www.4shared.com.

[44] أحمد أمين: يوم الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1952م، ص43ـ45.

[45] فقه الدعوة ومشكلة الدعاة، في حوار مع الشيخ الغزالي، ضمن فقه الدعوة (سلسلة كتاب الأمة)، مؤسسة الخليج، 1408هـ، ج1، ص128.

[46] الإجتهاد والتجديد بين الضوابط الشرعية والحاجات المعاصرة، حوار مع القرضاوي، أنجزه عمر عبيد حسنه، ضمن فقه الدعوة، مصدر سابق، ج2، ص188.

[47] فقه المرحلة والإنتقال من المبادئ إلى البرامج، في حوار مع حسن عبد الله الترابي، ضمن فقه الدعوة، مصدر سابق، ج2، ص20ـ22.

[48] محمد باقر الصدر: الإتجاهات المستقبلية لحركة الإجتهاد، عن الموقع الإلكتروني: http://u-of-islam.net/uofislam/behoth

[49] محمد باقر الصدر: المدرسة القرانية، الدرس الأول، ص21، عن شبكة رافد الإلكترونية: http://www.rafed.net/books

[50] انظر حول ذلك مقالنا: المهمل والمجهول في فكر السيد الصدر، قضايا إسلامية معاصرة، عدد 11ـ12، 2000م. وانظر أيضاً موقعنا الإلكتروني (فهم الدين): http://www.fahmaldin.com

[51] انظر: نصر حامد أبو زيد: مفهوم النص، نشر المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1990م، ص24ـ34.

[52] الطور-29ـ30.

[53] الحاقة-41ـ42.

[54] الأنبياء-5.

[55] الصافات-36.

[56] الفرقان-7ـ9.

[57] يونس-20.

[58] العنكبوت-50.

[59] الفرقان-21.

[60] هود-12.

[61] حسن حنفي: من النص الى الواقع، ج1 (تكوين النص)، دار المدار الإسلامي، المقدمة، ص13.

[62] حسن حنفي: من النص إلى الواقع، ج2 (بنية النص)، موقع الكتب العربية الإلكتروني http://www.kotobarabia.com، عن مكتبة الموقع الإلكتروني http://www.4shared.com، ص492.

[63] من النص إلى الواقع، ج2 (بنية النص)، ص269.

[64] من النص إلى الواقع، ج2 (بنية النص)، ص498.

[65] من النص إلى الواقع، ج2 (بنية النص)، ص259.

[66] انظر حول ذلك المصادر التالية: حسن حنفي: من العقيدة إلى الثورة، دار التنوير ـ المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1988م، ج1، ص372ـ375، وج5، ص531. ومقدمة في علم الاستغراب، المؤسسة الجامعية، بيروت، الطبعة الأولى، 1992م، ص9ـ10. كذلك: مصطفى الفيلالي: الصحوة الدينية الإسلامية: خصائصها، أقوالها، مستقبلها، ضمن ندوة الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، 1989م، ص367.

[67] الحركات الإسلامية المعاصرة، ص358.

[68] انظر بهذا الصدد كتابنا: منطق فهم النص، دار أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الاولى، 2010م.

[69] انظر القسم الثالث من: منطق فهم النص.

[70] انظر القسم الأخير من: منطق فهم النص. كذلك دراستنا بعنوان: فهم النص ومعايير التحقيق، مجلة المنهاج، عدد 55، 2009م.

[71] آل عمران/103.

[72] الأنعام/159.

[73] الزمر/23.

[74] نجم الدين الطوفي: رسالة في رعاية المصلحة، نشرت خلف مصادر التشريع في ما لا نص فيه، لعبد الوهاب خلاف، دار القلم، الكويت، الطبعة الثانية، 1907م، ص132ـ137.

[75] انظر حول السنن الموضوعية والقواعد الإجرائية القسم الثالث من: منطق فهم النص.



#يحيى_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الإجتهاد الشيعي
- الدليل الاستقرائي عند المفكر الصدر (قراءة نقدية)
- المعنى ومشكلة اللغة
- العرفاء والتنزلات الالهية للوجود
- جواب على سؤال مطروح
- المصلحة ودورها في التشريع
- الواقع وضبط الفتوى
- نظرية الطوفي والفكر الإمامي
- مقارنة بين علم الكلام والفقه
- القراءة الوجودية للنص والفهم السائب
- العقل والإجتهاد
- فهم النص ومعايير التحقيق (5)
- فهم النص ومعايير التحقيق (4)
- فهم النص ومعايير التحقيق (3)
- فهم النص ومعايير التحقيق (2)
- فهم النص ومعايير التحقيق (1)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (5)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (4)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (3)
- نظرية الاحتمال ووجهة النظر الجديدة (2)


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحيى محمد - الإتجاهات الحديثة وتوظيف الواقع للفهم الديني