كاطع جواد
الحوار المتمدن-العدد: 3613 - 2012 / 1 / 20 - 22:14
المحور:
سيرة ذاتية
في أحدى الليالي وعندما كنت خارجاً من بيت أبو محسن في الجانب الأيسر للمدينة وقبل وصولي إلى بيت عمي ببعض أمتار ألقي القبض علي من قبل دورية للشرطة ,ثم اُقْتدتُ إلى مركز الشرطة القريب , كان إلقاء القبض قد تم أثر وشاية !!.. لا أعلم لحد الآن من هو الشخص الذي وشيَّ بي لكنني كنتُ متأكدا في حينها بأن إلقاء القبض تم اثر وشاية وذلك من خلال الأسئلة التي وجهت لي في أول لحظات إلقاء القبض من قبل دورية الشرطة نفسها وبالطريقة الدراماتيكية التي القيَ القبض بها إذ كانت الدورية مترددة عند إلقاء القبض..وبعد إن أوصلتني الدورية إلى مركز الشرطة بدقائق حضر اثنان من رجال الأمن واقتادوني إلى مديرية امن الناصرية ,وقد بُشِرَ بالتحقيق معي في نفس الليلة التي استلمني بها الأمن من مركز الشرطة وذلك بفتح أضابير الاعترافات الموجودة لديهم والمنتزعة من رفاقنا خلال التحقيق معهم إثناء الضربة الأولى للأمن ضد حركتنا في صيف 1971,حيث بدأ يقرأها أمامي ضابط التحقيق الذي كان اسمه (ناجي الجبوري) ..أنكرتُ قسماً منها وأيدتُ قسماً آخر وذلك لأن الإنكار الكامل يوحي لهم بأني لا زلتُ أعمل بالكفاح المسلح وأكدتُ لهم بأني قد هربتُ إلى (دولة الكويت )عندما صدر أمر إلقاء القبض ضدي , وبهذه المعلومة المزيفة أكون قد اختصرتُ الطريق على نفسي وأبعدتُ المحقق من أن يلاحقني بأسئلته وربما يقوم بتعذيبي كوني أخفي عنه المعلومات التي يريدها ويكون كلامي كذلك غير مترابط لذا كنت مقتضباً في إجاباتي , وكنتُ وقتها انتقي كلماتي بروية وهدوء خشية إن أقع في خطأ ما ,لكنهم لم يقتنعوا بإفادتي تلك وكانت لديهم شكوك قوية أو ربما شبه متأكدين بأني كنت أعمل في شمال العراق وأن أسمي الحركي هو(فلان) ..أنكرتُ هذا الأمر وتمسكتُ بأني كنتُ في دولة الكويت..أن من أوحى لي بهذه الإفادة هو أن هناك رفيقان كانا في الكويت وقد حضرا للناصرية بعد إعلان الجبهة ,بعد ترتيب أمرهما مع قيادة الحزب الشيوعي في الناصرية فقد تمكنا من تسوية موضوع أمر إلقاء القبض الصادر ضدهما من قبل الأمن بهذه الإفادة "كنا في الكويت" وهما كانا فعلاً في دولة الكويت .. لذا حذوتُ حذوهما وحسب ما أُخْبرتُ به من قبل رفاقنا بالحزب..وعندما وصل الأمن في الناصرية إلى قناعة بان التحقيق معي لن يجديهم نفعاً قرروا إرسالي إلى مديرية الأمن العامة في بغداد لأكمل التحقيق معي, لذلك سُفرتُ إلى مديرية الأمن العامة في بغداد في صباح اليوم التالي فجراً... كنتُ مصمماٌ على إنكار أي صلة لي بالنشاط المسلح في شمال العراق حتى وان أرسلتُ إلى الأمن العامة في بغداد,وذلك للخروج من التحقيق بأقل الخسائر المعنوية والمادية الممكنة ...وحال وصولي إلى الأمن العامة استمروا بالتحقيق معي وكانت الشعبة الثانية للام مختصة بالتحقيق مع السياسيين المناوئين للنظام البعثي , بقيت على موقفي بأن أصرُ على إنكاري للتهمة الموجهة ضدي كوني في شمال العراق وتمسكت بإفادتي الأولى لان إي تغير بالأفادة تعني الدمار للشخص فقد يوحي للمحقق باني اخفي عنه معلومات فقد بقيت اقول.. (إني كنت في دولة الكويت ولم أذهب إلى شمال العراق.),وبعد مضي يومين أو أكثر من الإنكار,أُخْذتُ للتحقيق كالعادة وبعد أن أدخلتُ على هيئة التحقيق ...(كان التحقيق يجري معي في غرفة كبيرة فيها أكثر من خمسة أو أكثر من ضباط الأمن) وكانت الأسئلة تنهال عليَ من كل حدبٍ صوب وفيها أنواع من السب والتهديد والوعيد ,وقبل أن يوجه لي أي سؤال دخل شخصٌ بملابس أنيقة (لا يبدو عليه أنه موقوفاً) وعند مشاهدتي له صُعقْتُ فقد عرفته ,كان ذلك الشخص قد شاهدتهُ في ناوكليكان عند عودتي من المهمة التي أرسلتُ فيها من قبل إبراهيم علاوي إلى بغداد كما ذكرتُ سابقاً ,لكني لم أعرف أسمه الحركي كوني لم أشاهده من قبل بل شاهدته لأول مرة مع (حسين وغفور) في قرية ناوكليكان عند عودتي من المهمة مباشرةً,كانت فترة مشاهدتي له قصيرة جداً ولم يدور بيني وبينه سوى التحية... بعد أن دخل أومأ برأسه وخرج ,عندها تأكدتُ أننا مُخترقون من قبل الأمن العامة وان إنكاري هذا لا يفيدني بشيء بل يضرُبي وربما يفتح لهم أبواب للتأويلات قدتؤدي لتصفيتي جسدياً دون فائدة .. كنتُ وقتها لا أخشى على أمر القيادة المركزية بل على أمر حركة (ظافر النهر)التي كنتُ معهم في الفترة الأخيرة....وبعد صمتي وانا مندهش من الموقف, قال لي المحقق الأول (ها وهسه بعدك بالكويت لو رجعت ) وهو يستهزأ ني ,فأجبته :أن إنكاري كوني في شمال العراق بل في دولة الكويت لم يكن لإخفاء شيء ما ,بل خوفاً من أتحمل مسؤولية ذهابي إلى كوردستان ,وانتم قد عرفتم وتعرفون كل التفاصيل عني فليس هناك شيء يمكن إن أخفيه عنكم ,لم يقتنعوا بما قلتهُ لهم بل كانوا غير مكترثين لما أقوله لهم,بعدها قاموا بشدي من رجلي ويدي وتعليقي بأحد الأبواب الحديدية وأخذوا يضربونني بالكيبلات وبكل ماديهم من قوة وبالتناوب حتى فقدتُ وعيي ,لم أفقْ إلا وأنا في غرفةٍ أخرى عندما أحسستُ بالماء يتساقط على وجهي ,لم أستطع الوقوف والحركة فبدؤا بضربي بأحذيتهم وأسماعي كل كلماتهم البذيئة.. رغم ذلك لم أستطع الحركة ,بعدها حُملتُ ورميتُ في التوقيف بالركلات ..وبعد يومين اُسْتدعيتُ مرةً أخرى للتحقيق ,وقد شاهدتُ لأول مرة شخصاً كنت قد سمعت به سابقاً في ناوكليكان هو (سعد الحديثي) ,كان هذا الشخص من العناصر المندسة في التنظيم وربما هو من جند العنصر الذي شخصني للأمن, لأن سعد لم يكن يعرفني أو شاهدني من قبل بل راني لأول مرة في التحقيق,أحسست بأنه يوحي لي من خلال كلامه أنه يحاول أن يساعدني لكني كنت حذراً منه كونه عميل للأمن ويريد أن يجرجرني ويورطني معه في نفس المستنقع الذي هو فيه ,هذا ما كان يدور في خاطري في تلك اللحظات, حاول بكل وسائله الماكرة إن يجعلني أتعاطف معه قائلا بأنه يريد مساعدتي وحمايتي وأن ما ينتظرني من تعذيب سوف لا أتحمله وربما أموت أو يتم تصفيتي أجبته : أن ما يهم هو كرامتي وليس دفاعاً عن حزبٍ ما أو عندي شيء أخفيه عن الأمن, وإذا أنت تستطيع أن تفعل ذلك فانا لا أستطيع حتى وأن قتلتْ.. عندها أشاح بوجهه عني وهو يتأفف, ثم تركني أتلقى أنواع مختلفة من الضرب حتى أغمي علي مرة أخرى ,وبعدها تركوني في غرفة التعذيب تلك وانأ في حالة مزرية ,ثم فجأة أحسستُ بهمسٍ في أُذني( راح يطلعوك يكرى).. فتحتُ عيني وقد تفاجئت بمن همس في إذني!!..إذ كان المتحدث هو سعد الحديثي نفسه, لا أدري لم فعل ذلك, ربما بقية ضمير أو شيء آخر لا أدري المهم أحسستُ أنه قام بعمل أنساني معي , في الصباح نوديَ باسمي وطُلبوا مني مغادرة (التوقيف) بصحبة مأمورخاص نُقلْتُ إلى التسفيرات ثم إلى أمن الناصرية بواسطة القطار..بقيتُ في أمن الناصرية مدة أسبوع أو أكثر, وكان أمر أخلائي من التوقيف مرهون بأخذ تعهد خطي مني ( أقوم بالتبليغ عن أي شخص يتصل بي وأخبار الأمن بذلك ) أحسستُ أنهم يريدون مسخ كرامتي وتوريطي ,رفضتُ هذا التعهد عدة مرات وفي كل مرة يعيدني الضابط إلى التوقيف بعد رفضي أمر التعهد ,في المرة الثالثة طلبتُ منهم (أن أقوم بأخذ تعهد على نفسي بعدم مزاولة السياسة مرة أخرى وأن أتحمل مسؤولية ذلك) هذا كل ما أستطيع أن أقوم به ..وبهذا تم أطلاق سراحي من أمن الناصرية في نهاية كانون الأول 1973...لكنهم لم يتركوني أمارس حياتي الطبيعية بسبب الاستدعاءات المتكررة والتوقيفات التي يطول شرحها لأنها أصبحت جزأً من الذاكرة الرمادية والباهته أحيانا .. لم تتوقف تلك المضايقات والتوقيفات ألا بعد إن تركتُ مدينة الناصرية واخترت مكاناً آخر لكن الأمن لم يتركني أعيش حياتي الطبيعية كباقي البشر.. وهكذا استمرت حياتي بالتنقل بين مدن العراق حتى سقوط نظام ألبعث الفاشي في العراق عام 2003...........
#كاطع_جواد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟