فرنسا: ألأنتخابات تدخل مرحلة ساخنة

رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 3612 - 2012 / 1 / 19 - 22:09
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

أقل من مئة يوم تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي من المقرر أجراؤها في الثاني والعشرين من نيسان القادم على إن تجري مرحلتها الثانية في السادس من الشهر الذي يليه. تشير استطلاعات الرأي إلى هزيمة ساحقة للرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي الذي حصل في آخر استطلاع للرأي على 26% مقابل 29% لمنافسه الاشتراكي ( الاشتراكية الدولية) "فرانسوا هولاند"، و من المهم إن نشير إلى أن الفجوة بين المرشحين قد ضاقت في الاسابيع الاخيرة.
أن تخفيض درجة التصنيف الائتماني لفرنسا من قبل وكالة "وستاندرد أند بورز"، الجمعة الماضية،جاء متوافقا مع بدء العد التنازلي لآخر مئة يوم من الحملة الانتخابية، وقبل انعقاد قمة الاتحاد الاوروبي الاستثنائية في نهاية الشهر الجاري، سوف لا تؤدي على الاقل إلى تحسين حظوظ ساركوزي، لاسيما إن الرئيس جعل من عرقلة تخفيض الدرجة الائتمانية لبلادة أهم أهدافه في المرحلة الاخيرة من ولايته و طالب الفرنسيات و الفرنسيين بمزيد من "التضحية" لتحقيقه.
إن رفع سن التقاعد في الخريف الماضي، والذي يعني في الحقيقة تخفيض الراتب التقاعدي و إجراء تخفيضات هائلة في وظائف قطاع الخدمات العامة وصولا إلى الاعلان الاخير عن احتمال استحداث "ضريبة القيمة المضافة الاجتماعية"، أي رفع الضريبة على القيمة المضافة من 19.6% إلى 24.6%، لنقل تكاليف التأمين الاجتماعي (الصحة وصناديق التقاعد) من الشركات و إلقائها إلى حد كبير على كاهل المستهلكين، بدعوى إن إجراء تخفيض " تكاليف الاجور الثانوية" سيقوي من قدرة الشركات الفرنسية التنافسية، ويفعل مواجهة نقل فرص العمل إلى البلدان الرخيصة.
لقد فشل الرئيس الفرنسي من عرقلة تخفيض الدرجة الائتمانية لبلاده، و النتيجة ستكون رفع الفوائد على سندات الدولة الفرنسية، و سيصبح حصولها على الاموال من الاسواق المالية أكثر تكلفة، بمعنى آخر سيزداد العجز في خزينة الدولة، أما في المدى البعيد فيمكن أن يصب تخفيض الدرجة الائتمانية في مصلحة إستراتيجية "ساركوزي" الانتخابية المبنية على تخويف الناس من انهيار اقتصادي محتمل، و لجعل الشعب سهل الانقياد لتحمل المزيد من التقشف من جهة، و لطرح نفسه كشعاع "منقذ للأمة" من السقوط في الهاوية من جهة أخرى.
استطلاعات الرأي في الاسابيع الاخيرة عكست انخفاض رصيد المرشح "الاشتراكي" (الاشتراكية الدولية) "هولاند"، مقارنة بالنسب التي حصل عليها في الفترة التي أعقبت ترشيحه مباشرة، إذ تراوحت النسبة حينها ما بين 32% - 35%، ويعود ذلك ربما لعدم سعيه الحثيث لتقديم برنامجه المستقبلي باعتباره بديلا لسياسة الرئيس الحالي، فضلا عن إعلانه العزم أيضا على اعتماد " تدابير تقشف" لمعالجة العجز المالي باعتباره أمراً لا مفر منه، على الرغم من اختلافه بعض الشيء عن ساركوزي، و ربما يكون تقشفه أكثر اعتدالا، ويجري توزيعه بشكل مختلف عن ما هو عليه الآن، ومع ذلك ، فإن حصة "هولند" في استطلاعات الرأي حاليا ربما تكفيه للفوز في الجولة الثانية من الصراع الانتخابي.
تضل النتائج في استطلاعات الرأي" التي تحققها مرشحة اليمين المتطرف"مارينا لوبان"، مقلقة جدا، لاحتلالها الموقع الثالث محققة نسبة تتراوح ما بين 17,5% - 21,5% ، معتمدة على حضورها الكثيف و المكرر في الفعاليات العامة و لتوظيفها خيبة الأمل لدى الكثير من الناخبين، بالاضافة على اعتمادها على خليط عال من الكراهية للاجانب ، والشعارات قومية، والديماغوجية الاجتماعية بصوت عال ، واعتماد "التحديث" و "اللهجة المعتدلة" من قبل حزبها "الجبهة القومية".
في المركز الرابع يأتي الليبرالي "فرانسوا بايرو" بحصوله على 11-13% ، و الذي يقدم نفسه باعتباره "قوة ثالثة " وسطية ما بين اليسار واليمين، لكن أفكاره السياسية تدور في الدائرة ذاتها: "التقشف"، الليبرالية الجديدة والتخفيضات في الخدمات الاجتماعية، و لا يبتعد كثيرا عن سياسة "ساركوزي".
اليسار ي الاشتراكي "جان لوك ميلينشون"، " مرشح "جبهة اليسار" ، التي تضم الشيوعيين والاشتراكيين اليساريين ، وبعض من أنصار المنظمات التروتسكية السابقة وقوى يسارية أخرى و تقف على يسار "الحزب الاشتراكي" ، فيحتل المركز الخامس و بدون تغير حاصلا على 6.5 - 8 %. في كلمته بمناسبة العام الجديد عبر عن أمنيته للعام الجديد و التي تتخلص في" ان تطوي فرنسا في عام 2012 صفحة نظام الرئيس "ساركوزي"، على أساس برنامج سياسي تتبناه الأكثرية و يتضمن بديلاً سياسياً واضحاً كالذي تتباه "جبهة اليسار" في حملتها الانتخابية تحت شعار"الإنسان أولا". يجب أن لا تستسلم فرنسا في الحرب التي تخوضها ضدها الأسواق المالية، كما يفعل "ساركوزي" الآن. جميع الأحزاب الأخرى تتبنى سياسة التقشف الإجباري التي ستقود البلاد إلى كارثة اقتصادية، أما نحن في جبهة اليسار فسوف لا نتبنى مثل هذه السياسة. إننا نطالب بحق التقاعد في الستين من العمر و دون تخفيضات في الراتب التقاعدي و من مطالبنا الأساسية أيضا 1700 يورو كحد ادنى للرواتب، و تنشيط سياسة التشغيل، و إعادة تصنيع البلاد، ويجب أن يكون عام 2012 عام التغيير، وليس هناك يسار دون القطيعة مع هذا النظام".
المرشحون الآخر ون يتوزعون كالتالي: مرشح الخضر يحتل الموقع السادس بنسبة 4 -6% ، ثم يليه رئيس الوزراء السابق" دومينيك دو فيلبان"و الخصم اللدود لساركوزي محققا 2%، و مرشحون آخرون لا يصلو الى 1% ، هذا و أكد 55% من المشاركين في الاستطلاعات أنهم سيصوتون لمرشح معين ، في حين قال 45% منهم أنهم يحتفظون بقرارهم للحظة الأخيرة.
النتيجة النهائية للانتخابات على ما يبدو لا تزال مفتوحة أكثر مما كانت عليه قبل أسابيع، لعدم القدرة على تحديد حجم الأصوات التي سيحصل عليها "ساركوزي" من اليمين المتطرف في الجولة الثانية للانتخابات، وكل شيء يتوقف على قدرة قوى اليسار على تحقيق ديناميكية للتغيير في الرأي العام ليس لتغيير الأشخاص فقط، بل لتحقيق تغيير حقيقي في محتوى التطور السياسي في البلاد.

#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات