|
نظرة في الحاضر..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3611 - 2012 / 1 / 18 - 09:03
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
وديع العبيدي : نظرة في الحاضر.. عند النظر إلى حركة الشارع.. أو مراقبة مركز مدينة.. ما هو الشعور الذي يراود المرأة؟.. ان مكتشف البنسلين سوف ينظر بدرجة من الفخر لفعالية الدواء الذي اكتشفه.. والعالم يشعر بالثناء على الرومان وهو يرى هندسة المدن والقلاع وخرائط الطرق والجداول والحدائق التي توصل بينها.. ومكتشف الديناميت يعتوره الأسى حين يرى حجم الأضرار المترتبة على اكتشافه.. صحيح أن سرّ (تقدم) البشرية هو أنها دائما تنظر للأمام.. ولكن لا مفر من النظر في الحاضر.. سيما ازاء (تطور) مظاهر الخراب واحتلالها مختلف مجالات الحياة.. - خصوبة عالية.. جيرمين تيليون.. الباحثة النسائية تذكر هجرة بضع مئات من القرويات الفرنسيات في منطقة النورماندي في القرن السابع عشر إلى كندا وأصبح لهن عشرة ملايين حفيد.. قصة تذكر بعنوسة النساء والأرامل في أوقات الحروب ومنها النص الوارد في سفر أشعياء بن اموص (في ذلك اليوم تتشبث سبع نساء برجل واحد قائلات.. تزوج منا ودعنا ندعى على اسمك ونحن نتكفل بطعامنا وثيابنا.).. هذه الصورة تتوارد كذلك مع مشاهد سيل النساء (الأجنبيات) المندفعات في أماسي لندن وأشباهها من المدن الكبيرة.. سيل النساء الدافعات لعربات الأطفال في الصباح.. أزمات الادارات التعليمية مع تلاميذها وصور الفوضى والاستهتار في أوقات أواخر الاسبوع وتفاقم أزمات البطالة والمعيشة على العموم.. - انفجار سكاني.. بين القرن الثامن عشر وأواسط القرن العشرين تضاعف عدد سكان العالم من مليار شخص إلى ثلاثة مليارات و135 مليون نسمة (1962) وفي أواخر القرن العشرين تجاوز الرقم السبعة مليارات، ويخشى المراقبون بلوغ الرقم أثني عشر مليارا بعد نصف قرن. هذه الزيادة المضطردة في عدد السكان تقترن بازدياد انحطاط مستوى الحياة ومستلزماتها الأساسية. - قنابل الهجرة.. ان ابرز ملامح الحياة المعاصرة هي الهجرة. ومغزى الهجرة الجديدة هو عجز البلدان عن استيعاب الزيادات المضطردة في السكان ، من جهة، ومن جهة أخرى تعاني المدن والبلاد المستقبلة للهجرات من تدني متواصل في مستويات المعيشة والخدمات الأساسية. ناهيك عن انتشار الفساد والجريمة والأمراض، وبشكل يهدد علنا بفقدان أوربا لامتيازها الحضاري وتحولها إلى امتداد سكاني واقتصادي للبلاد دون مستوى النمو. وهذا ينعكس سلبا على مفهوم الوطن ومغزى مسقط الرأس والعائلة الوطنية لصالح مفاهيم ومظاهر تتصدرها قيم المادة واضطراب المعيشة وانتهازية الأخلاق. - المرأة تتحدى.. ان الصورة المتوارثة تاريخياعن المرأة، هي دور الضحية؟.. لكن المرأة لم تقف سلبية في حلبة صراعها الوجودي، وقد استعملت سلاحها الجنسي على مدى التاريخ، وبالشكل الذي يعيد إلى الذهن تراث المجتمعات الأمومية في العصور القديمة. فالمرأة التي دفعتها التراتبية الاجتماعية الى المرتبة الثانية، استمرت تحتفظ بالدور الاساسي في حركة التاريخ. لم تستطع الأديان والدول والثقافات التقليدية هزيمتها، طالما بقيت الوحيدة في مجال تزويد الأديان والدول والمجتمعات بالمواد البشرية اللازمة. لقد أدركت الجماعات القبلية والقومية والدينية استحالة تعويض دور المرأة كمنتج للبشر، مما اقتضى قدرا من المجاملة الاجتماعية دون الاعتراف الكامل او السماح بتحريرها ومساواتها بالرجل القائد، صاحب الأمر والنهي والتوجيه. - استعجال الهاوية.. يقدم المؤرخ أرنولد توينبي، رؤية واقعية عن سبب انقراض بعض أجناس الكائنات الحية عبر التاريخ، ممثلا في الطمع. ويرى (أن الانسان لن يستطيع انقاذ نفسه من الدمار الذي تسببه قوته المادية وطمعه الشيطانيان، ما لم يسمح لنفسه بأن تتغير كليا بحيث يحفزه ذلك للتخلي عن غايته الحالية.). ان أكبر المفقودات اليوم هو الحكمة الانسانية، وأكثر المحضورات شيوعا هو الجشع والطمع الفردي، عند المرأة والرجل والكاتب والسياسي ورجل الدين والتاجر.. الغني والفقير والأسود والأبيض بلا استثناء. ان استحضار عقاقير لعلاج أمراض عضوية قابله زيادة مريعة في عدد وأنواع أمراض اجتماعية ونفسية أكثر خبثا من السرطان في سرعة انتشارها وسهولة شيوعها وأضرارها التدميرية التي تغشى كل بصيرة. - تنانين بشرية.. من مقاتل النظريات القومية الاستهانة بالانسان. فلم يحصل في تاريخ الفكر أن دولة قومية أكرمت أبناءها بما فيهم الرومان أو ألانجليز أو العربان أو الألمان. فهذه وسواها ولدت بالحروب وتوسعت بالحروب وانقرضت بالحروب. هذه الدول اعتمدت على النخبة (الملكية) والطبقة (الحاكمة والحاشية) والأغلبية المسخرة من كادحين وجنود وعبيد. انتهت الدولة القومية في أوربا بظهور المجتمع المدني، وفشلت الدولة القومية والوطنية في العالم الثالث لصالح التيار الاجتماعي القبلي والديني التقليدي. وانتهت مسألة الحدود السياسية مع تفسخ الصراع بين الثقافات الكولونيالية وشعوب المستعمرات لصالح هجرات سكانية تنساب بين القارات، بين مراكز الشحة ومراكز الوفرة، وذلك على غرار حركة البدو في الصحراء حيث الكلأ والماء. - تبادل أقطاب وألوان.. لكن تصادم الثقافات أو اختلاط الجماعات المتفاوتة حضاريا أفرز حالة غريبة من حرب اجتماعية باردة على صعيد ذاتي وجماعي. فالشعور بالهزيمة السياسية والخواء الحضاري انعكس لدى المهاجرين من أصول متخلفة حضاريا إلى ركوب موجة السباق السكاني، والذي يتحول إلى تهديد سافر ازاء تراجع النمو الدمغرافي لبلدان الغرب. في المدارس الانجليزية يشكل المهاجرون نسبة الأغلبية بين الطلبة، والطابع العام للسكان في المدن التجارية وفي قطاعات اقتصادية عديدة. أكيد أن لندن ليست جواهانسبيرغ، ولكن بريتانيا هي التي صنعت روديسيا، وبالتالي، فليس تقليدا معيبا إذا استحالت بريتانيا إلى روديسيا، فيما تستطيع ادعاء استراليا وكندا وربما الولايات المتحدة بلادا انجليزية على أصعدة اللون واللغة. - النوع رجاء.. مع تصاعد أرقام أرباح الشركات الاقتصادية على اختلاف أنواعها وقطاعاتها، فأن الظاهرة المسجلة هو التراجع النوعي للسلعة الخدمية أو الاستهلاكية. ذلك أن محور الصراع والمنافسة الدائرة في السوق الدولية ليس اقتصاديا بالمفهوم التقليدي، وانما هو منافسة مالية. ويلعب الدعم المالي أهمية في صمود بعض الشركات وصدارتها، أو في تراجعها واختفائها. شركات السيارات ذات المتانة التقليدية المتوارثة ليست في صدارة سوق السيارات اليوم، وانما تلك التي تستطيع تحقيق موازنة توفيقية بين النوعية والسعر، وهو سر تصدر اليابان لسوق السيارات والالكترونيات، تتبعتها على نفس الطريق كوريا وتايلند ومجموعة جنوب شرقي آسيا. أما شركات السيارات التشيكية والرومانية التي اشترتها شركات ألمانية فتدخل في النمطية الألمانية. الفكر الاقتصادي الحديث يختلف عن الفكر التقليدي، ولذلك فأن قيمة السلعة ليست دائمية أو مفتوحة وانما محددة بزمن لا يتجاوز الخمس سنوات تبدأ بالتراجع بعدها وتستحق التبديل. هكذا تضمن شركات الانتاج استمرارها في الحياة وتطور أرباحها. تبدى هذا في عروض ضمانات الشراء التي تراوحت بين سنتين إلى أربعة سنوات في مجال الكهربائيات والالكترونيات والسيارات. وهو ما يعادل العمر النوعي، وبعض الأغنياء يستبدلون سياراتهم ومقتنياتهم الالكترونية خلال ذلك. هل انعكس الفكر النوعي الاقتصادي هذا في مجال الانتاج البشري؟. هل اختلفت قيمة ابناء اليوم عن سابقيهم؟.. - العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.. من المؤسف ملاحظة الانحطاط الفكري الذي اقترن بتطبيقات سياسات العولمة، وسحب البساط من تحت قاعدة القيم الفكرية والجوهرية التي رعتها البشرية طيلة قرون طويلة، وكانت حصيلة حضارية عامة لأعمال النهضة الأوربية منذ القرن السابع عشر، لتشهد نهايتها مع بدء العصر الأمريكي في القرن الحادي والعشرين.. بكل هذا الكرنفال البشري الملون من الجنوب والشرق والشمال حيث تداخلت ظواهر سياسية وعسكرية واقتصادية نجحت في تحقيق القطيعة بين الانسان والأرض من جهة، والانسان وذاته من جهة أخرى. إذا كان السباق المالي بين الشركات جعل الكبار يفترسون الصغار، والأكثر وحشية يفترسون الأكثر وداعة وورعا.. فكيف هي نتائج النمو السكاني بين الجنوب والشمال، وبين الشرق والغرب؟.. إذا كانت أصول الشعوب الأوربية اليوم هي هندية آسيوية، فهل ثمة أرض خالية تستقبل الهجرات الآسيوية الجديدة؟.. وما هي نتائج اصطراع هجرات الشرق مع هجرات الجنوب؟.. يقترح البعض أرض القمر أو المريخ.. ولكن المشكلة أن تكاليف النقل ستكون باهظة جدا.. والمال هو ما ينقص المهاجرين الجدد تحديدا. - كلمة أخيرة.. سواء كانت المرأة قد استخدمت الأبناء وسيلة منافسة في الصراع مع الرجل، أم هي القبيلة والدين استخدمت المرأة والانجاب لمنافسة الجماعات القبلية والدينية الأخرى، وضمان الكثرة الكمية للانتصار في صراعها أو بقائها، فأن قيمة الجماعة تتحدد بقيمة منظورها للانسان. الانسان هو حجر الزاية في كل بناء اجتماعي، اقتصادي، حضاري أو ديني، وبدون توقير الانسان كقيمة اجتماعية وروحية فاعلة في حضارة الأرض.. فأن الخلاصة العامة لملايين سنوات مسيرة البشر على الأرض، تبدو متواضعة جدا، وينقصها الاغراء أو الجاذبية..
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في دارة الأستاذ عبد الهادي الفكيكي..
-
في دارة المنولوجست عزيز علي
-
في دارة الاستاذ خضر الولي*..
-
حامد البازي.. في مقهى الزهاوي
-
عبد المحسن عقراوي.. في مقهى الزهاوي
-
يعقوب شعبان.. في مقهى الزهاوي
-
عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. في مقهى الزهاوي
-
صاحب ياسين.. في مقهى الزهاوي
-
سليم طه التكريتي*.. في مقهى الزهاوي
-
أنور عبد الحميد السامرائي المحامي.. في مقهى الزهاوي
-
د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي
-
محمد حسين فرج الله.. في مقهى الزهاوي
-
مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي
-
حقوق الأقليات في العالم العربي في ظل التغيرات السياسية
-
صورة جانبية لهشام شرابي /2
-
صورة جانبية لهشام شرابي /1
-
المنظور الاجتماعي في أدب سارة الصافي
-
وردة أوغست..
-
كلّ عام وأنت..!
-
استقبال....
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|