|
تقديم القرابين . 8 قصائد
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3609 - 2012 / 1 / 16 - 22:46
المحور:
الادب والفن
يسيرون بين الأشجار الهيفاء في خرائب المنفى والثمار تكشف أسرارهم المرهونة للزمن . كلّ الملوك قعدوا رهائن في أطلال التاريخ ولا أحد منهم تجنّب الظلال المرصوصة للاعصار . شهد العسل لا ينجّينا في رحلاتنا المضنية من ثقل قيود الماضي ، والعودة الى فردوس الوطن ، بيننا وبينها تحصينات تعشش فيها النسور . عيناي لا تبصران الآن إلاّ هذا الرماد الذي يغطي الجسور . اللحظات في هذا اليأس المنقوش بملامحه المحفرّة ، تقطّع الأنفاس . وميض بلا أمل يقذف صمته في فراغ حياتي . لا أحلام مستجيبة ، لا نحلات تطنّ في الحديقة ، والمواقد مطفأة في ضفاف العراق . النساء يحملن غنائم الترمل ويتنهدنّّ والقوارب غريقة في الأنهار الناضبة . هل لي أن أقبّل في حلم قادم حجارة وطني ، وأنام تحت شمسه المصلوبة ؟ كل السموات مقابر ، والأمل المتهدم يغوص في لا نهاية الظلمة والمجهول .
الوطأة الثقيلة للغياب
عبرنا حدود هائلة تحت خرائب الشمس ، واجتزنا الأمواج في آفاق الأحلام . حبّات قمح متألمة ، تركها الماضي فريسة في الأبواب ، كلّ حَبّة ، تجربة تعيننا في الوصول الى العتبة الأخيرة للمجهول . ما يهشّم الصمت والفراغ ، نحمله تعويذة في مطاردتنا للفرائس في المراكب المتعفنة للحاضر . كلّ شجرة محترقة ، يحرك مرآها المفتاح الأبيض للنجوم . ذكرى العذاب في طاحونة الحرب ، لا تمنحنا العزاء في رحلاتنا التي تبّشر بالحصاد الوفير . كلّ ما نظنّه يتريّث ، يفرّ ويموت في انفصال الصاعقة ، ونحن نشرك في انتظارنا لنور الله ، النايات وأولئك الذين يصارعون الوطأة الثقيلة للغياب . غادرتنا النوافذ الضارية للفجر في يأس ، وأيامنا المُعارة لا تحاذي النسيم الأمين على شواطىء الأنهار ، وما عاد لموتنا نصير في الابحار الصامت للزمن . أشباح نخفض رؤوسنا أمام ظلمة الماضي المتواضعة ، ونسير في الحجارة المطوّقة للنهار . كلّ رباط يتضامن مع المعصية ، ويقذفنا بحطام اللحظة المعتفنّة .
انقياد الى الحرائق
نبكي ليل حياتنا بأرض الوطن ، ونهر الربّ دجلة الحاني في سنابله المتلألئة . ارهاقات دائمة تخفي عنّا الأنوار وأشجار الدفلى ، وفي المنفى أطلال تنتصب فيها تماثيل الدمعة المحمومة . ثياب القتلى معلقة في أقمار القوارب ، والأرض ترفع تصدعات خبزها المريرة من ليل الى ليل ، وتطير بنا الكراهيات الى سماء الخاسرين . النهر لا ينضب ، والعذراء تموت قتيلة على الرمل الحارّ في ظهيرة الغفران . جرائم أكثر وحشية مما ظنناها ، مشينا فيها تحت أصماغ الألوية ، وسفحنا الدماء في المعابد والآبار ، نشهر أسلحتنا ونحتزّ أحلام الضحية ، متحررين من التقوى والنسمة الاخلاقية . تصعد عفونة انسانيتنا في بخار يحجب الأفق وشمس الوردة . انقياد الى الحرائق ، نعبره بصرخات تجفل منها الحجارة في مجرّات العصور ، ونهدم المنائر ونجوم الغرام ، لا ضرع يرّوي أرضنا العطشى ، ولا رطوبة ايمان تحنو على الينابيع .
موتى مثلهم
تلزمنا ذرائع كثيرة لاخراج الموتى من زمنهم الذي ماتوا فيه كلّ ما يذكّرنا بهم وبتعفناتهم ، يفوح في أسرار فجرنا الخائفة . اشاراتهم المرتجفة في الضفة التي تعزلنا عن مناجم ملحهم ، تخبرنا انهم غاضبون في شهامتهم المتصدعة ، ويتعرضون لغبار التحلل في الهاوية . الوحدة ، اللافعل ، نعيب الغربان اللامرئية ، الومضات العظيمة للبرد في تنفساتها الرخامية ، تجعلهم يتوقون الى الانعتاق من عالمهم الذي يتآكله السأم . نحن نريد مساعدتهم والرأفة بهم واخراجهم من الدوّامات الوحشية التي تضطهدهم ، لكننا موتى مثلهم ، وزمننا ليس بأفضل حال من زمنهم . كلّ ميتة نطرد حشراتها ، تتسع وتتوالد في القصب المشوش لبيوتنا ، ويومنا يشبه الأمس في جريمته التي ترسخ الفراغ في قناديل ما نطمح اليه . يعتصم الموتى بعد أن جابوا العالم ، في انتصار زمنهم { متأهبين * للرحلة الكبرى الى المجهول } ونحن نحرث أرض خيباتنا في المرارة الدائمة .
* يا نيس ريتسوس
تقديم القرابين
نتلمسُ في عذاب الكلمة ، الصفائح المتراصّة للنجوم . حياتنا مريرة ونحنُ نعبر المضائق والجبال في انجراف نهاراتنا المتشابهة . يصعد نسيم السأم في صمت بين حدائقنا وأغنيتنا النائحة . نعاني الدوار في ابحارنا بين الحاجات العتيقة للنهار ، بغية الحصول على ما يدفىء الفعل الصخري لشفاهنا . قفزات سرّية أبعد من ظنوننا ، نتوهم فيها الصعود الى الوميض الأزرق للأمل . براري لا تعد بالغفران ، حرثنا فيها علامات يأسنا ، وعدنا الى الحظائر نعلق جلود أحلامنا المقتولة . { ايثاكا } الماضي و { ايثاكا } الحاضر لا مكان لهما الآن في المرايا المهدومة لرحلاتنا . يملأ الأسى المعفَّر بنضوب الأمطار ، تنفساتنا ، وفي كلّ شاطىء معسكر للمغول ، لكن الحجارة في رمقها الأخير الحاني على الموت ، ليست هي ما نخشى عبورها ، ما يهمنا هو تحطيم المصدّات الخشنة للفناء . حارس المعبد يعلف خيولنا ويسرق السلال الذهبية لصلواتنا . ايمانات عابرة نتقاسمها مع آلهتنا التي تشرب من نبع مخاوفنا . كلّ إله يستولي في لحظات سأمه على القربان المنذور الى إله غيره . معرفة وحشية تتزاوج بين الظلال المنتحلة لعقائدنا المتعجرفة . يتوجب علينا الآن الكفّ عن تقديم القرابين الى الآلهة . شواء البصل وتقديمه الى المساجين في نسيمهم الحارّ ، أكثر نفعاً من تقديمه قرباناً الى إله وجهه مضرج بالدم .
أريد أن أموت على ضفة نهر في بلادي
أريدُ أن أموت على ضفة نهر في بلادي حياتي في السويد أتلفتها في العيش بين الظلال المعتمة للماضي . لا نار تشعل الرغبة هنا ولا تغريد عندليب في ليالي الصقيع الطويلة . الزمن مغطى بالطحالب ، والطيور تستجدي مسلوخة في النهار فوق الأبنية العالية . حياة تنحني في تجاعيدها بغرق مؤبد وينتصب اليأس على صخرته المحطمة . هل للموتى أمثالي حلم أو جسر يوصل الى الأفق البعيد لنعناع العراق ؟ كانت حياتي في الماضي على الرغم من تساقط شظايا النجوم عليها ، مطمئنة بين الأطلال التي تدكّها قذائف المدفعية . كانت حبيبتي تصطاد المحارات في ظهيرة الشواطىء وعصافيرها المزقزقة ، وكانت التهدمات الهائلة للأسى ، يمكن السيطرة عليها أو ازاحتها . أشعلنا بالمنجل الحرب الأهلية للنجوم ، وبدّدنا الوداعات وتسلحنا بكلّ الأدناس المتعاقبة لتاريخنا المخزي . يلاحقنا الآن رماد طائفياتنا وفضائلها اللاانسانية ، وطيورنا هاربة تموت في البراري الأجنبية ، ومداخن البيوت نعلفها صلواتنا وقرابيننا الهزيلة .
قرابيننا بين الجنائز
مشينا في الفجر ، حاملين نذورنا المعظّمة ، ترفرف فوق رؤوسنا أقمار كستناء ايماننا . آلهتنا التي تنتظر قدومنا ، مربوطة الى يأسها ويهزّها الصقيع في العاصفة . لم يبق في حقولنا قمح كثير ، والآلهة في جوعها الذي يتعذى من خوفنا ومن أفكارنا السود ، مثل الجراد والغربان . يخيّم على حبورنا الفقر ، ولا تعضدنا الآلات المتضائلة للعصيان . لماذا نغبط اللدغة الطويلة للأفعى وهي تجردنا من ثيابنا المسوّدة ؟ كلّ ما ادخرّناه في حياتنا ، يوشك على النفاد ، والريح تعصف بلا رحمة بين أكواخنا المتجمّدة . نحلم تحت أشجار الكمثرى بمستقبل أفضل ، وآلهتنا مخيفة في تقبلها لقرابيننا بين الجنائز التي نريد دفنها في محنتنا الدائمة . نعيش حياتنا تحت براعم صخور ثقيلة ، والهواء في أنفاسنا ، تجرّجره قوارب البراكين . أرغفتنا ظامئة الى الملح وتحترق في رماد حاضرنا الجاف .
فضائل أسلافنا الموتى
في ظلّ صخرة ضارية ، في سماء اقحوانة بين ينابيع نتحدث مع جماجم اللصوص الذين سطوا على ماشيتنا ومراكز حراستنا تتشمّس في الوميض العطوف للأصيل . هل كان عدلاً أن يخرّب أسيّجة حظائرنا هؤلاء الفجّار في الليل ؟ ظنّنا أن قتلنا لهم ، هو تمجيد لفضائل أسلافنا الموتى . الغنائم في عوالم أخرى تتوهج في المرايا اليقينية للضفاف ، وحدود أرضنا فقيرة ولا تمدّنا بما يكفي . فتياتنا اللائي جرّدهن الاعصار من جدائلهن في الزمن الماضي ، يتنهدنّ بين الخرائب المهدمة لنحيبهنّ ، ولا مواسم قطاف نخلد فيها الى الطمأنينة .
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميراثنا المعشوق بين الدموع
-
المقدس والمدنس
-
القيثارات العتيقة لموتنا
-
بين الأشجار الضامرة للعزيز المتوفَّى
-
غبار عظيم في ثيابنا القربانية
-
كل نبع يوثقُ الغرقى الى ثقل سهاده
-
العتمة . الفناء
-
صلاتنا الى الرغبة
-
الايماءة البطيئة لموتي
-
17 قصيدة
-
الطاقة العظيمة للمادة
-
مجموعة جديدة { في سطوع نذورنا تحت ضوء الأصداف }
-
أبواب الزمن
-
في خرائب الفايكينغ
-
الأشجار الحامضة لصيف مخاوفنا الأمومي
-
أشجار الدفن العالية
-
حوار مع نصيف الناصري { وكالة كردستان للانباء( آكانيوز ) }
-
تحطمات هائلة
-
تعهدات ملزمة
-
مخططات للحفاظ على القانون
المزيد.....
-
موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر
...
-
بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan
...
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
-
فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
-
فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال
...
-
اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة
...
-
كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك
...
-
الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|