أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالب محسن - محنة العقل في التوحيد / جزء 2















المزيد.....

محنة العقل في التوحيد / جزء 2


غالب محسن

الحوار المتمدن-العدد: 3605 - 2012 / 1 / 12 - 03:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 30


" وكان الآلهة يتنصتون لهذا الكلام وجلسوا ، يائسين،
وبدؤا يفكرون في ما ينتظرهم من عقاب تيامت و آبسو
ولكنهم تذكروا إيا الحكيم ، الخارق الذكاء والمهارة
إيا العليم بكل شئ وأستنجدوا به .... "
(من أسطورة الخليقة البابلية )

مجالس الآلهة ، برلمانات السماء

في ثقافة تعدد الأرباب كان لكل أله خصائص يتفوق فيها على أقرانه من الآلهة الأخرى لكن لم يكن بينهم من يتمتع بالقوة المطلقة ، وحده . فقد كان شمش ( عند البابليين وحورس عند قدماء المصريين ) أله للشمس وهو أله العدل (الذي أستلم منه حمورابي القوانين في مسلته الشهيرة )، وكان هناك آلهة للحرب ، للحكمة ، للحب ، للعطاء ، للعواصف ، للربيع ، للأمطار ، للحبوب وغيرها كثير فكان لكل شئ أو ظاهرة طبيعية تقريباً أله حتى يصل عددها لدى السومريين ما بين 4000 - 5000 أله (1) ويصل العدد عند الأغريق الى حوالي 180 أله . وحتى كبير الآلهة (رب الأرباب ) الذي كان يحضى بأحترام بقية الآلهة لم يكن هو الآخر كلي القدرة رغم تميزه . زيوس ملك الآلهة والسماء عند اليونانيين لم يكن سوى أله الرعد والبرق أدد في حضارة وادي الرافدين (بعل عند الكنعانيين والفينيقيين ) . وهكذا كان حال ملوك الآلهة المماثلة في أغلب الحضارات ، جوبتر (الرومانية) ، آمون (المصرية) ، أنليل (السومرية ) ومردوخ (البابلية) .

وكان الآلهة في صراعهم فيما بينهم أو عندما كانت تواجههم أزمات أو مصاعب لا يفلحون في التغلب عليها فرادا يلجأون بعضهم لبعض لحلها بمن فيهم كبيرهم وذلك في مجالس الآلهة . كان زيوس كبير الآلهة اليونانية يدعو مجلس الآلهة للأنعقاد في قصره الواقع في قمم جبال أولومبيوس للتداول بالأمور المصيرية .
أما في سومر فقد كان هناك ثلاث مستويات من مجالس الآلهة ، مجلس آلهة المصائر الكبرى ، وهو الأعلى ، ثم يليه مجمع الآلهة الخمسون العظام ثم أخيراً مجمع الآلهة الصغار . وكان لكل مجلس صلاحيات ومسؤوليات تتناسب مع مستواه (كأنها مجالس البرلمانات العصرية ) .

أن كل أسطورة خلق الأنسان البابلية أنما تتمحور تقريباً حول عقد أجتماعات ، دائمة ، لمجالس الآلهة ونقاشاتهم (ليس من غير مظاهرات وأحتجاجات صغار الآلهة ) قبل أن يتوصلوا الى قرار خلق الأنسان .

في ذلك الزمان لم تشن الحروب ، غالباً ، تحت شعارات دينية أو بأسم الآلهة ، على الرغم من أن تلك الحروب كانت تبتدأ عادة بأخذ موافقة الآلهة (من خلال العرّافين وكهنة المعابد) . وبالطبع فأن تلك الطقوس لم تكن تخلو من تواطئ رجال الدين والملوك أذا أصر الأخيرين على شن حروب أختلفت فيها الآراء .

كان الآلهة قريبون جداً من البشر ، في كل شئ حتى في الصفات ، ليس بالقوة والحكمة فحسب بل وفي الضعف أيضاً . لم تكن هناك حاجة لأنبياء ورسل رغم الحاجة للعرافين والمنجمين ، لم تكن هناك مطالييب وشروط تعجيزية للتعبد وأن كانت هناك الكثير من الطقوس البدائية . ومن هذا المنظور فأن تعدد الآلهة كان يعني في الجوهر غياب الدين بالمفهوم الذي تبناه موسى .

ربما كان هذا هو سر تسامح وأنسانية أولئك المفكرين وأحترامهم للفكر المختلف معهم زمن ثقافة تعدد الأرباب . لم يكن هناك ألهاً واحداً قادراً على كل شئ ، عالماً بكل شئ أو يدّعي بذلك وكأن الآلهة تكمل بعضها بعضاً ، كما الطبيعة ، لكن ليس مثل أله الموحدين !

لذلك لم يكن غريباً أن كان ، منذ ذلك الزمان ، للأثينين ديمقراطيتهم ( رغم نواقصها ) .

لذلك لم يكن غريباً أن كان للسومريين أول البرلمانات في ذلك الزمان والتي كانت تتماهى مع مجالس آلهتهم .

للمتأملين في بلد الأنبياء : لماذا تعلّم الأغريق " تقاليد الديمقراطية " من أربابهم ولم يتعلّمها العراقيون مع أن التجربة هي أقدم في بلاد الرافدين ؟

التوحيد خطوة الى الوراء

يعتبر العديد من المؤرخين ومن الباحثين في تاريخ الأديان ، من بينهم جان بوتيرو ، أن أكبر أنجاز قدمته الديانة اليهودية ، مقارنة بالديانات التي سبقتها ، هو التوحيد (2) . أنصار التوحيد يزيدون على ذلك ، أطنان من الحجج ، من بينها أن تعدد الآلهة ، كان خرافات و أساطير الأولين ، وكان دليل ضعف وعجز عقل الأنسان آنذاك ولم يساعد في تماسك المجتمع بل وأثار الأضطرابات والفتن (رغم أن الكعبة كانت تأوي ، قبل الأسلام ، العديد من الآلهة ، جنباً الى جنب ، دون أن يسبب ذلك في ضعف الحماسة الشعرية أو أزدهار التجارة) .

وأذا كان هذا الزعم بخصوص التوحيد صحيحاً من زاوية ما، درءاً للنقاش ، فأنه لا يكون كذلك من زاوية أخرى .

التوحيد ، أنتكاسة المرأة

فمن منظور أجتماعي قد كرَّسَ التوحيد ذكورية المجتمع وتفوقه ، بأعطاءه صفة القدسية . فالأله الواحد كان ( ومازال بأمتياز ) ذكراً ، بينما في مجتمع تعدد الآلهة كان هناك آلهات ومنهن من كان لهن تميزاً بين الآلهة الأخرى . أن الآلهة نَمّو كانت أم الوجود في أسطورة الخلق السومرية ، وهكذا كانت تيامت ، الآلهة الأم في أسطورة الخلق البابلية . أن معاينة اللغة التي كتبت بها الأساطير السومرية مثلاً لا تظهر " نفساً " ذكورياً ، واضحاً ، بل فيها روحاً هي للمساواة أقرب ( بلغة عصرنا ) . وهكذا كان لدى الرومان أثنا عشر أله كبار ، ستة منهم من الذكور وستة من الأناث . وهكذا كانت الآلهة عند الأغريق ، الأولمبيون الأثني عشر وهم كذلك نصفهم من الذكور والآخر من الأناث .

أن قصة خلق المرأة ، في الديانات التوحيدية ، من ضلع آدم ( أو من ضلع أعوج حسب حديث النبي محمد الذي أورده الأمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما) ، ومن ثم قصة خداعها له في الجنة ليتناول من الثمرة الممنوعة ، تُعَبِّر ببساطة مدهشة ، عن فكرة ذكورية المجتمع . لقد كانت هذه القصة المدخل الضروري والتلقائي للجواب على سؤال لماذا يجب على المرأة أن تخضع لسيادة الرجل . ففي الكتاب المقدس كان خضوع المرأة للرجل عقاباً لها ، قال الرب للمرأة " أكثر أتعاب حبلك ، بالوجع تلدين أولاداً ، والى رجلك يكون أشتياقك وهو يسود عليك " تكوين 17:3 .

أما القرآن فقد أضاف الى قصة الخلق مبررات أخرى لتثبيت تفوق الرجل ومن ثم سيادته على المرأة . فالكتاب صريح ، ببساطة متناهية ، في قوّامة الرجل على المرأة ، بل تجعل محولات المؤليين الجدد لأثبات غير ذلك أو للتخفيف على الأقل من شدة حريقها ، مجرد ضربات في الهواء (أنظر تأملات 21-25 مقدمة في نقد تأويل التأويل ) . ثم تأتي الأحاديث النبوية وشروح كبار الصحابة للتأكيد والتأييد . ففي الحديث النبوي أن المرأة ناقصة عقل ودين ( ورد في عدة مصادر ، من بينها الصحيحين ) وقد أعتبر الشيخ وجدي غنيم هذا الحديث معجزة (3 ) . ليس من الصعب بعد ذلك الأجابة عن سؤال لماذا لم يبعث الله أنبياء من بين النساء .

التوحيد ، أنتكاسة الثقافة والفكر

من منظور آخر ، ثقافي ، أستبدل التوحيد ذلك التنوع المبهج في التفكير ، الذي أمّنَهُ تعدد الآلهة ، وحصره في دائرة ضيقة عديمة الألوان . والأكثر من ذلك أطفأ كل شعلة فكر خارج تلك الدائرة وحكم على صاحبها بالأقصاء ليس على الأرض فحسب بل وفي السماء أيضاً . فليس هناك بعد التوحيد من حقيقة خارجه وما سواها سوى معصية وزندقة .

وفي المفهوم السياسي كان التوحيد يعني ، من حيث المعنى والمقصد والفعل والتجربة التأريخية ، بدايةً ، أقامة نظام الفكر السياسي الواحد . ورغم أن التطور أرغم بعض الموحديين للأنفتاح ، فأن الأسلام السياسي وحده من بقي " أصيلاً " للتوحيد بهذا المفهوم !

أن تحول الأنسان لعبادة أله واحد ، كليّ القدرة ، مطلق ولا شريك له ، كان بمثابة " نقلة ذكية " ، وربما كانت تطور طبيعي لمكانة رب الأرباب لكنها ، في النهاية ، وضعت قيوداً على العقل بعد أن كان حراً ، ومنذ ذلك الوقت والعقل في محنة .

أله التوحيد عند أهل الكتاب

الأمر الرئيسي في سَفَر الخروج (وهو ثاني أسفار موسى الخمسة في التوراة ) يتمحور حول تهديدات الرب لفرعون ومن ثم أنزال العقاب عليه الواحد تلو الآخر ( الأصحاح 3 وما تلاه ) . الغاية الأساسية كانت ، كما تدل حكمته ، ليس فقط أظهار قدرة الرب وجبروته في معاقبة فرعون (عندما لم يستجيب لطلبات موسى وهارون) بل وأيضاً " للتباهي " بقدراته أمام شعبه المختار . وألا لكان بأستطاعته أن يُعاقب بضربة واحدة مثلما فعل بقوم عاد وثمود وسدوم ، عقاب مباشر وصاعق . لكنه أراد أن يضرب عصفورين بحجر ، فمن جهة يقول الرب " ولكني أُقسي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي " خروج الأصحاح 3:7 وهكذا ، أبتدأ بعصاة موسى ، التي تفوق بها على سحرة فرعون ، ثم حول مياه النيل الى دم ، ثم أطلق الضفادع ، وأرسل البعوض والذباب والبرد والجراد والظلام وفتح البحر، والفيضانات ، والعواصف والأمراض ...الخ . وفي كل مرة يتم فيها هذا الأستعراض للقوة ، يعود الرب مع ذلك ، ليُذَكِّر موسى بعظمته " ثم كلّم الله موسى وقال له أنا الرب ، أني الأله القادر على كل شئ " خروج 6 . فهل
هناك من يشك بعد ذلك لماذا أقسى الرب قلب فرعون ؟

أما التوحيد المسيحي فعلى الرغم من أنه يستريح عند عتبات التوحيد العبراني ، حيث خاطب المسيح قومه هكذا " لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس بل لأكمل " متي 17:5 ألا أنه بدا أقل " تباهياً " مقارنة بأله العهد القديم . هكذا يبتدأ رابع أناجيل العهد الجديد " به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان " يوحنا 3:1 . أما معجزات أبن مريم فقد كانت متواضعة مقارنة برب موسى ، " عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الله ، لأن كل شئ مستطاع عند الله " مرقص 27:10 . وأكتفى أبن الأنسان بمواعظه الأخلاقية وأمثاله ووصاياه " أن أردت أن تدخل الحياة فأحفظ الوصايا " متي 19:18 . وتتردد في الصلاة " النموذجية " عند المؤمنيين المسيحيين كلمات الدعاء هذه " أبانا الذي في السماوات .... لأن لك المُلك والقوة والمجد الى الأبد " أنجيل متي 14:6.

تفرد الأسلام

ثم جاء الأسلام فقدم أسطع صورة على قدرة الله الكلية ، المطلقة ، بما لا يقبل الريبة والتأويل ، بالهتاف الساحر " الله أكبر " الذي يصلح ، حرفياً ، لكل المناسبات ، بدءاً من الصلوات والتسبيحات ، والحج والأعياد ، في الحرب و السلم وفي المظاهرات ، في المديح ، في الدعاء وفي التفجيرات ، في الوعيد وفي العتابات ، بل وفي غناء المقامات ، في التأييد وفي الأحتجاجات ، في كرة القدم وغيرها من السباقات ، في التعجب وفي الخوف ، في دفع الحسد والأزمات ، في الأحزان والأعراس والأعياد ... ببساطة لكل الأوقات .
ويأتي التوحيد والتوحد في القرآن بصورة بليغة ، ورائعة ، بل وشاعرية " هو ٱللَّهُ الذي لا أله ألا هو ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّر " الحشر 23 . ثم تتوالى بقية الصفات المطلقة ، فله وحده العلم والحكمة ،" قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ العليم الحكيم " البقرة 32 ، وأعلموا أن الله بكل شئ عليم ... الخ.
ولله عند المسلمين 99 أسماً (4) تكررت في القرآن بنسب متفاوتة ، أكثرها شيوعاً أن الله " عليم " حيث تكررت ( البحث في القرأن من خلال الجذر ) 139 مرة ، رحيم 115، حكيم 97 وغفور 91 مرة . والأنسان الحكيم ، بمن فيهم لقمان ، لم يكن كذلك ألا بأذنه ، فهو " يؤتي الحكمة من يشاء " البقرة . وتعدد أسماء الله ليست مجرد مصادفة بل أن الغرض منها ، أستدلالاً من حكمته ، تأكيد عظمته بما لا يدع أي مجال للشك (كما أراد أله العبرانيين ) .

والأسلام يبقى متفرداً من بين كل الأديان ليس في أبراز قضية التوحيد فحسب بل وفي أعتبارها جوهر الأيمان . " لا أله ألا الله " تتوسط في كل ركن من أركان الدين الأسلامي ، في الصلاة والدعاء وفي الحج وفي الصيام ، وفي القيام والقعود ، في السفر ، (عند المصريين مثلاً تستخدم في التحية اليومية بين القريبين من أجل بركة وحماية أضافية من السماء ) ، وليس عجباً انها صارت شعاراً ورمزاً ليس في أعلام الدول والأحزاب الدينية فحسب بل وفي كل زاوية وشارع ومقهى وتاكسي .

مقارنة مثلاً باليهودية ، كانت الوصية الأولى من وصايا موسى العشرة تحث على التوحيد " لا يكن لك آلهة أخرى غيري " ، فأن القرآن فبالأضافة الى الحث والدعوات على التوحيد " قل هو الله أحد " ، فأنه ملئ بالوعيد والتهديد والعقاب على الشرك به " لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ ههُمُ الفاسقون " سورة النور ، هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ " الحشر . وهذا يشمل حتى أصحاب الكتاب " ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَه " سورة التوبة ، و غيرها كثير بالطبع .

الصياغة العبرية ليّنة ، قد تحتمل التأويل السهل ، الأعتراف والأقرار بوجود " آلهة أخرى غيري " ، الصياغة الأسلامية قاطعة ، حازمة ، لا لبس فيها ، بلا تأويل و بلا أجتهاد " لا أله ألا الله " ، " أحد " و " لا شريك " .

أليس في هذا يكمن سبب أقصاء الآخر في ثقافة الديانات التوحيدية من خلال أصرارها على أنها وحدها تملك الحقيقة وما على الآخيرين سوى أتباعم . فالأله واحد أحد ، وكلي القدرة والأرادة والحكمة والعلم ، مطلق ، والطاعة مطلقة ، وليس هناك شئ آخر خارج هذا المفهوم .

هكذا أكتسب قادتنا السياسيون ثقافتهم من دياناتهم التوحيدية !

الأصلاح نصف خطوة

أن كل الديانات عموماً ، والتوحيدية بالخصوص بقدر ما يتعلق الأمر بموضوعنا ، قد عانت من هذه الأشكالية " الفكرية " وتعرضت ، بمبادرات ذاتية أم بالأكراه ، لحركات أصلاحية كان الغرض منها " ترقيع " ما مزقه التطور الأجتماعي والفكري لجلباب الفكر التوحيدي . أن أكثر المجابهات حدة تمت و تتم في جبهة الفكر الأسلامي لسببين رئيسيين ، كما هو مفهوم ، غياب الديمقراطية وقدسية النص وتاويلاته .
المسيحية الرسمية في الغرب أُجبِرَت الى حد ما ، بنيران النقد مرة ، وبضربات الحركات الأصلاحية تارة أخرى ، وتحت ضغط التطور الرأسمالي تارة ثالثة على قبول ثقافة تعدد " الأرباب " من خلال الأعتراف ، والتعايش مع الآخر الغير مسيحي . وفي مرحلة متاخرة من أقامة المجتمع الديمقراطي ، جُرّدت الكنيسة ، قاطرة التوحيد ، عملياً من سطوتها . كل ذلك وسواه أزاح عملياً مفهوم " التوحيدية " كثقافة وبقيت محصورة " كتراث " بين جدران الكنائس وفي المناسبات الفلكلورية (5) .

أما اليهودية فقد كان الأصلاح فيها أقل حظاً رغم النجاح الجزئي في نهايات القرن السابع عشر على يد مندلسون بن مناحم ، ومن ثم بفعل رياح الثورة الفرنسية ، ألا أن ذلك النجاح لم يدم طويلاً وسرعان ما أنتصرت أفكار القومية الصهيونية المتعصبة وبقيت " التوحيدية " الجزء الأهم في الثقافة اليهودية .

أما في الأسلام فلم تدم حركة الأصلاح الحديث هي الأخرى طويلاً . أن محاولات جمال الدين الأفغاني ، محمد عبدة وغيرهم رغم أهميتها التأريخية عبَّرت عن الحاجة للتغيير لكنها ضلّت ، كما أرى أسيرة الفكر التوحيدي من حيث الجوهر ، لكنها مع ذلك أثارت حماساً " نقدياً " في الفكر الأسلامي تأثر به العديد من المفكرين آنذك من بينهم ، قاسم أمين (كتاباته حول تحرير المرأة ) ، طه حسين (كتابه في الشعر الجاهلي) ، فرج فودة ( أُغتيل بسبب كتاباته النقدية الجريئة . وكان لأزهر قد شن حملة شرسة ضده بل وأصدر فتوى بوجوب قتله ) وغيرهم مما يصعب تصورها بمعزل عن تأثيرات هؤلاء المصلحيين .

ومن الجدير بالذكر هنا الأشارة الى أجتهادات الشيخ علي عبد الرازق (6) في مطلع القرن المنصرم ودعواته الصريحة لفصل الدين عن الدولة مما دفع الأزهر لشن حملة واسعة (مرة أخرى) ضده وتقديمه للمحاكمة وفصله من الأزهر ومن العمل ....الخ مما هو معروف في كيفية تعامل الفكر الأسلامي مع المختلف .

الدعوات الأصلاحية ، وأبطالها الشجعان ، ستضل تضرب بمطرقة التجديد والتطور وقتاً طويلاً ، قد لا نراه نحن ، قبل أن تتفتت أسوار تلك الدائرة الرمادية الضيقة وأن كُنتُ ألمحُ خيوطاً من الضياء تمر عبر ثقوبٍ صغيرة في تلك الأسوار .

د . غالب محسن

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1. أنظر كتاب خزعل الماجدي " متون سومر " ، الكتاب الأول ص 79
2 . أنظر كتابه ولادة أله ، التوراة والمؤرخ ، مع أن أول المحاولات التوحيدية تعود الى أيام الملك الفرعوني أخناتون عندما حاول توحيد كل الآلهة بالأله الأوحد آتون أي حوالي ألف عام قبل ظهور اليهودية .
http://www.youtube.com/watch?v=kyut86Mxc203.
4 . كان للأله مردوخ ، أكبر الآلهة البابلية 50 أسماً تعكس قوته وجبروته منها : مار- أوتو (أبن الشمس) ، ماروكا (الحق) ، ماراشاكوسو (المكين) ، شازو (العليم) ، زلوم (مقسم الأرزاق)
5. وأذا كنا نلمح عودة جزئية " لتلك " المكانة المفقودة للثقافة التوحيدية وربما بعض التطرف المسيحي أيضاً خصوصاً في أمريكا فأنه على ما أظن ردود أفعال وأحتجاجات على تناقضات ونواقص المجتمع من جهة ولا ننسى أيضاً أن التطرف الأسلامي قد حثَّ وساعد على هذا التوجه ( طبعاً هناك أسباب أُخرى ليست موضوعنا هنا لكنها في البال كموضوع لتأملات جديدة ) من جهة أخرى .
6 . أنظر كتابه الأسلام وأصول الحكم



#غالب_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة العقل في التوحيد / جزء 1
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 3
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 2
- الدين ملجئ السياسة والثقاقة قبرها / جزء 1
- صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء / تأملات 25
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 4
- مقدمة في نقد تأويل التأويل // جزء 3
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 2
- مقدمة في نقد تأويل التأويل / جزء 1
- الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي مع أطيب التحيات
- عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 2
- عندما يكون العنف طريقاً للحق / جزء 1
- تأملات في تقييم الحركة الأنصارية / جزء 2
- نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 16 / تأملات في تقييم الحر ...
- التيار الديمقراطي بين الأمل وثقل العمل (2)
- التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
- نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 13 / من غير وصايا كان الع ...
- نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 12 صَخبٌ في العقول
- نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 11
- نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 10 /الأيمان في الغربة وطن ...


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالب محسن - محنة العقل في التوحيد / جزء 2