|
بريق العيون ، هل يكون حبا ؟
جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3604 - 2012 / 1 / 11 - 14:45
المحور:
الادب والفن
غرائبية الحكاية لاتنفي واقعيتها ، فقد حدثت بالفعل ، وراويتها ، الآن ، معنا ! -( جرب الآن الحياة ، لكي تدربك الحياةعلي الحياة وخفف الذكري عن الأنثي ، وأنزل ها هنا ... والآن ...عن كتفيك ...، وأكتب ، أكتب الحلم / العيون ! ) ! السيدة التي في ملكوتها تضوع ، جميلة الجميلات ، ربيبة السلالات النبيلة في النساء ، جلست في مواجهتي ، في بهاء الوردة وعبير الياسمين ، شاردة النظرات ، والعيون لها البريق ، والبريق له جرس وناي ، تحدق ملء فلبها في الغمام البعيد ، كأنها تتقافز - كزغب العصافير - عبر السنين ... قالت : كنت في السنة الدراسية الثانية في الجامعة الأهلية بأمدرمان ، كان علي أن أركب أكثر من حافلة حتي أصل الجامعة ... ركبت - إذن - أحدي الحافلات من شارع الأربعين ، الحافلة بدت لي مكتظة براكبيها ، لكن المقعد الذي كان خلف السائق مباشرة كان خاليا ، فجلست عليه ! تحركت الحافلة ، وأنشغل الناس بداخلها كل بشئونه وهمومه ، ومن آلة التسجيل كان أبو عركي يغني والموسيقي تظلل فضاء الحافلة كشلال فرح صباحي مزهر ... ! فجأة - في بياض بريق اللحظة الخاطفة - إلتقت عيناي بعيني السائق، في المرآة المثبة في مواجهة وجهه ! طوال رحلة الحافلة ، وحتي لحظة وصولي للمحطة ومغادرتي الحافلة ، ظلت عيناي وعيناه معلقتان -كل الوقت - علي المرآة ، نتبادل البريق والمتعة الخاطفة ! وفي اليوم التالي ، أنتظرت الحافلات تمتلئ وتذهب ، حتي أتت لدورها " حافلتي " ... دخلتها، كان نفس المقعد خلف السائق خاليا فجلست فرحة عليه ! ولست أدري من منا أبتدأ النظر إلي المرآة ، ولكن عينانا كانتا معلقتان _ كأنجم متألقات وفرحات - علي سطحها الناعم . و ... يلمع البريق ، يلمع ويلمع ، فيسطع ، في بهاء العيون الوسيعات ولحاظها المترفات ! حتي محطة وصولي ، فينقطع البريق حين أغادر الحافلة ، فتغادر العيون ، هي الأخري ، سطح المرآة ! في اليوم الثالث ، أنتظرت حتي أتت " حافلتي " التي بدأت أحبها ... دخلت إليها ، كان المقعد خاليا ، وكأنه يؤمي إلي ، فجلست عليه ... ثم ، كإيماض بريق خفيف شفيف ، بدأ البريق يلمع في العيون ، ثم بدأ حديث العيون ، حديث البريق ، وللعيون لغة لها في القلوب رنين وجرس ! ظل الأمر يجري هكذا طوال أشهر ثلاث ، علي ذات النسق من البهاء والصمت ! كان هو رجلا عاديا في الناس ، بلا أية ملامح لافتة أو وسيمة ، رجلا من غمار الناس ... وكنت - وقتذاك - أنا طالبة للدرس في الجامعة ، صبية ونافرة ، أتقافز كما الأرانب علي عتبات الحياة ، بفرح ونشوة راقصة ، وبعواطف ذات فيوض عطرية وموسيقي يتراقص لها جسدي بخفة وألفة ...! أبدا لم نتبادل الكلام أو التحايا العابرات ، لاصدرت منه كلمة ولا مني طلعت كلمة ، الصمت وحده كان سيد الحالة وظلالها ! ظللنا نمارس تلك المتعة اللذيذة الخاطفة في صمت مريب ، ونتذوق رحيق بريقها لحظة تلتقي عيوننا علي سطح المرآة ، فيمتد البريق بيننا ، كشعاع ضوء شفيف أو برهة برق لاهث خفيف ... يسطع كومضة ، ويتلألأ كحبيبات المطر علي زجاج نافذة وحيدة ... يضئ كونا صغيرا شفيفا ورهيفا كأجنحة الفراشات ، ثم يمضي ، يمضي إلي ما لست أعرف !سكتت لبرهة ، السيدة الجميلة ، التي في الملكوت ، لترشف جرعة ماء باردة ، وتطرد عنها زفير صدرها وتواصل سرد خكايتها ، قالت مسترسلة : في يوم ما ، بعد أنقضاء تلك الشهور الثلاثة ، كان يوما عاديا يشبه كل الأيام ، رتيبا لكنه لا يثير الضجر ولا الإنتباه ... في ذلك الصباح ، أعلنت أدارة الجامعة إستئناف برنامج الترحيل الجماعي للطالبات بدءا من الغد ! وفي الصباح كنت أستغل باص الترحيل الجماعي ... ضاعت " حافلتي " في الزحام ، وضاع - من يومذاك - البريق في الزحام ! مارأيتهما من بعد أبدا ، لا العيون ولا صاحبهما ولا البريق ! أخذتني إليها الحياة في دروبها ، الداكنات تارة ، المضيئات تارة أخري ! ضحكت من تحت تنهيدة وادعة وأردفت : هذا السائق العجيب كان - في تواطء صامت - يحجز الكرسي لي ... كان يضع عليه جريدة ، فيحجزه ! حتي السلام العادي لم يجدث بيننا أبدا ! والمضحك ، علي هامش حكايتي ياعزيزي ، أن " الكمساري " كان لايقبل أن يأخذ مني أجرة الترحيل ، أبدا ما أخذها مني ، كان يكتفي بأن يغمز لي بأحدي عينيه ويبتسم ، فأفهم أنا !عادت ، كأميرة علي عرشها ، حين عدلت من جلستها وتركت لخصلات شعرها يعبث بها نسيم المساء الجميل ، وبعد جرعة آخري قالت : الغريب - أيضا - أن هذه الحادثة / الحالة ، ظلت عالقة في ذاكرتي وقلبي كل هذه السنين الطوال ، لماذا ، لست أدري ... ؟ و لماذا قفذت أمامي الآن - كضوء قداحة - فرويتها عليك ، بزخمها الكثير وحيويتها النضيرة ، مجلوة ، كعروس ، وكأنها قد حدثت بالأمس أو هذا الصباح ؟ أيضا ، لست أدري ّ! ثم ، لماذا أحكيها ، بلمعان توجهها ، إليك أنت بالذات ، وفي هذه اللحظة بالذات ، أيضا ، لست أدري ؟؟كان عليها أن تغادر ، وكان علي أن أذهب أيضا لشأني ، فأفترقنا ... ذهبت عني ، لكنها كانت قد تركت هذه الجوهرة ، معلقة - كعقد من الفضة - علي عنقي ، أما بريقها الساحر ذاك ، فقد تركته في قلبي لينام ، يهدهده لأسأل : كل كان ، بريق العيون ذاك ، حبا ؟!. -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- * مسرح الحكاية مدينة أمدرمان العاصمة القومية للسودان ، و " شارع الأربعين " أحد أهم شوارعها !
#جابر_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة صغيرة جدا لمحمد الصادق الحاج * !
-
أسميها السوسنة !
-
أمرأة الشروق ... !
-
عدت الآن إليك ... !
-
حوارية الشجر والعشب و ... أنا !
-
عن الشعر و ... الحبيبة !
-
الأناشيد السماويات ، من مخطوطة كتاب : - كلمة في تبجيل الفنان
...
-
عتاب لمكارم ابراهيم !
-
الأرينات ... الأرينات يا أشراقة و ... عن منفاك !
-
و ... هل مات جيفارا ؟ ثلاث لوحات ووردة ...
-
لوركا ، رياحنة الألفية الثالثة أيضا !
-
لغة في الرحيق ... !
-
كن في الحشود الرفيق ، إلي صديقي الشاعر والمناضل المغربي محمد
...
-
الرفيقة عطا أو ... المرأة التي أحببت !
-
حياة و ... موت زكريا !
-
عقد من التنوير ... !
-
صالح محمود عثمان ، أعطيك صوتي و ... باقة ورد !
-
محاورة النص ، بوجع أقل ... !
-
كلمتان ، لأقولها للتجاني الطيب بابكر
-
الثقافة في صف الجماهير : تحية للجنة التحضيرية لملتقي قصيدة ا
...
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|