|
الغضب اللا مبرّر
راضي كريني
الحوار المتمدن-العدد: 3603 - 2012 / 1 / 10 - 18:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يشهد وسطنا العربيّ في البلاد حالة من العنف الشديد، الآخذ بالاتّساع أفقيّا ليشمل جميع مناحي حياتنا، وعموديّا إلى حدّ القتل باستعمال السلاح الناريّ في مواجهة أبسط المشاكل. لا شكّ بأنّ انحلال العائلة العربيّة الأبويّة الرادعة، واتّباع سياسة الإهمال أو الدلال العائليّ المفضية إلى اضطراب الحدود والمحبّة في التعامل وفقدان الانتماء، جميعها تؤدّي إلى ازدياد وتعمّق حالة العنف المستشرية. كان للعائلة العربيّة لغة اتّصال واضحة المعالم واليوم نعدمها! كانت العائلة متآلفة ومتعاضدة، واليوم تسودها الانقسامات والفرقة! كانت العائلة تعير أفراح وأتراح الناس انتباها، واليوم تعيرها شعورًا باردًا وسلاحًا! وبعضها يتميّز بقلّة الصدق والأصالة والاحترام والاستقامة والرقابة، وبادّعاء المثاليّة الفارغة، وبتوجيه الرسائل المزدوجة، وبالتبرؤ من المسؤوليّة الأبويّة! في الماضي، عندما كنت مدرّسا... كنت أطلب من تلاميذي، قبل أن يدخلوا أجواء الامتحانات والتوقّعات والمزايدات، أن يتوقّعوا 50% نجاحا و... وأقنعهم بلطف: إذا فشل الواحد منكم؛ فسيسقط عن 50 درجة كحدّ أقصى، وإذا حصل الواحد على أكثر من 50؛ فسيشعر بلذة النجاح. أمّا اليوم ثمّة أشخاص يعتبرون عدم الحصول على 1% من طلباتهم هي قضيّة مصيريّة ومسالة حياة أو موت! يقلقني كثيرا ازدّياد عدد الراضخين، من أبناء شعبي، لحضارة اليقين والتسليم بالحقائق، وكأنّها جاهزة ومثبتة وأكيدة و...، ويقلقني انحسار عدد الزارعين لبذرة الشكّ، وتمادي الذين يبدأون تفكيرهم باليقين ولا يأخذون بشكّ "ديكارت"، وبالاحتمالات وبسبر الأغوار وبالبحث وبتطوير التفكير. كان سقراط يقول: " كلّ ما أعرفه هو أنّني لا أعرف شيئا" ليحفّز ذاته وطلّابه على البحث والتنقيب و... أمّا سقراطيّو آخر زمن، فيعرفون عنّا ما لا نعرفه عن أنفسنا، ويقاوموننا كي لا نعرف عنهم ما يعرفونه عن أنفسهم، فتنشأ الحالة المرضية: لا نعرف عن أنفسنا ما يعرفه الغير عنّا! نجد اليوم أفرادا ومجموعات مؤيّدة لشتم رئيس السلطة المحليّة العربيّة إذا لم يسقط المطر على روابي قراهم ومدنهم! أو إذا صادرت السلطة المركزيّة أرضا أو ضرعا أو حقا لهم أو ...! في الثمانينات زار أحد أبناء بلدي ابنه الذي يدرس في الاتحاد السوفييتي، بعد أن نال منحة الحزب الشيوعيّ...انقطعت المياه أثناء استحمامه في مساكن الطلبة، فأخذ يشتم سكرتير الحزب في قريتي والأمين العام للحزب، متّهما أعضاء الحزب بالعمالة وبالخيانة و...! نذكر هذه الحادثة لتصريف الهمّ والغمّ وللهو. اليوم، أصبح مستهجنًا وغريبًا أن نجد شخصا يكبح جماح غضبه وهو في مهده، وبالتالي يواجه الشخص/المجموعة/المشكلة المستفزّة له والمحرّكة لغضبه بسلوك بنّاء يهدف إلى نزع فتيل النزاع والاشتعال. إذا وصل العجز اليوم إلى حدّ انصياع الواحد منّا لغضبه؛ فكيف سنقهر غضبنا في المستقبل؟ ينفّس الراضخون لغضبهم عنه بالصراخ وبالشتائم على خالتهم امرأة أبيهم الوهميّة! بدل السعي إلى التخفيف من غضبهم عن طريق مواجهة الظلم والاستغلال...والسرقات الحقيقيّة! يسلك الكثير منّا أسهل الطرق وأقصرها للتعبير عن غضبه الدفين، فيستثمر أبسط حركة تغيير، ويبدأ هجومه بتشكيل "ردّيحة" عائليّة أو طائفيّة أو إقليميّة، ويشنّون حملة احتجاج واستنكار... ومن ثمّ حملة تشهير وتخوين و...تنتهي بالتهديد وبالوعيد للشخص أو للمسؤول أو للسلطة المحليّة أو لجميعهم، دون النبس ببنت شفة ضدّ المستفز له من السلطة المركزيّة! "مراجل جحا"! ما أسرع البعض منّا وأشطره في توجيه إصبع الاتهام إلى الغير، وظنّه بأنّه حمّل الفاعل المسؤوليّة عمّا جرى؛ فلا فرق عنده بين أن يتّهم "س" وبين أن يحمّل "ص" المسؤوليّة عمّا جرى؛ فهو لا يفرّق بين التهمة والمسؤوليّة. من المعلوم أنّ توجيه التهمة يكون لشيء مضى وانتهى وبدوافع عاطفيّة ناتجة عن الشعور بالضحيّة، وتقييدا لما يمكن عمله، وتكبيلا وشلّا ليدي وفكر المتّهَم، وسببًا كافيًا لتراشق الاتهامات وخلق النزاعات والقطيعة. أحيانا نحن نتّهم لنبعد عنا الشبهة أو لنعبّر عن خوفنا، ولنحرّر أنفسنا من الالتزام والإسهام في الحلّ، ولنخرج غاضبين من غرفة بحث الأزمة "بطرقة باب". بينما تحميل المسؤوليّة هو لشيء آت وبدوافع منطقيّة، وهو اعتراف للمسؤول بأن الأمور ما زالت تحت سيطرته، وعليه أن يبادر ويعمل على إصلاح الخلل وإيجاد الحلّ وإحداث التغيير، وهذا يقوده للتفتيش عن شركاء وعن متضامنين وعن التكامل برأي الآخر. فلنحمّل بعضنا بعضا المسؤولية بلطافة وبإنسانية، ولنتخلّ عن لغة الاتهام بعصبيّة وبوحشيّة، ولنتوقّع 50% نجاحًا! قال أحدهم: "شيئان يشكّلان خطرا على القلب: صعود الدرج والنزول بالناس".
وقال أرسطو:"من حقك أن تغضب؛ فهذا أمر سهل، لكن أن تغضب بالقدر المناسب، ومن الشخص المناسب، وفي الظرف المناسب، وللهدف المناسب، وبالسيرورة المناسبة؛ فهذا ليس بالأمر السهل". لنتدرّب على التعامل مع حالات الضغط بوضوح وبعقلانيّة وكبالغين لنحمي قلوبنا ولنحافظ على صحّتنا ومجتمعنا.
#راضي_كريني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحريّة قيمة أساسيّة للديمقراطيّة
-
الربيع الخريفيّ
-
المرابون العرب
-
-الرجّال- لا يغيّر كلامه!
-
حَبَل أو نَبَل
-
دوّامة الفقر والمرض
-
بمناسبة عيد ميلادك السبعين
-
أَعنْدَ الشدائد يعرف العملاء؟
-
أَعنْدَ الشدائد يعرف الملاء؟
-
جودة التربة السّوريّة
-
سوريا يا حبيبتنا
-
أفق ديمقراطيتنا، وأفك ديمقراطيتهم
-
الفقر المشتسري
-
- إلّي بخجلوا ماتوا-
-
بيبي ستريبتيز
-
أو... ماي ... أوباما
-
أيّهم أشدّ حمقا؟
-
هذا هو الشعب السوري
-
نحن هنا، والحمار لنا!
-
خطّة إسرائيل هي دولة لقوات الأمن، فما هي خطّتكم؟
المزيد.....
-
لحّن إحدى أغانيه الأيقونية.. محمد عبده يرثي ناصر الصالح بحفل
...
-
فرنسا: بايرو يعلن أنه سيلجأ للمادة 49.3 من الدستور لتمرير مش
...
-
مباشر: عمليات عسكرية إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية وأربعة
...
-
مشاهد منسوبة لأحمد الشرع في سجون العراق.. هذه حقيقة الفيديو
...
-
هل تتحول العلاقة بين ترامب والسيسي إلى -فاترة- بسبب غزة؟ - ن
...
-
تبادل الاتهامات بين روسيا وأوكرانيا بشأن قصف مدرسة في كورسك
...
-
إسرائيل تُعيّن إيال زامير خلفا لهاليفي.. ماذا نعرف حتى الآن
...
-
فيدان: ندعم بيان القاهرة حول مواجهة مشروع تهجير الشعب الفلسط
...
-
مراسلتنا: المستوطنون حرقوا مسجدا بالضفة الغربية ومطالب فلسطي
...
-
الشـرع يصل إلى الرياض في أول زيارة خارجية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|