|
المنظومة السنيّة في ثاني أقبح تجلّياتها الكارثيّة.
حمادي بلخشين
الحوار المتمدن-العدد: 3601 - 2012 / 1 / 8 - 15:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المنظومة السنيّة في ثاني أقبح تجلّياتها الكارثيّة.
ــــــــ قبل البدءــــــــــــــــــــ ملخص لما يجري من احدث تسلّم الإخوان للحكم: المشهد في ظاهره يوحي بانقلاب اسلامي على النظم العلمانية و في باطنة تثبيت للعلمانية و اكسابها مشروعية اسلامية ــــــــــــــــــ
التجلّي الأول للمنظومة السنية :
المنظومة السنية المتكلمة باسم "أهل السنة و الجماعة"، هي( و الشهادة لله و للتاريخ، مع بصقة كبيرة في وجه من يخالفني الرأي لجهله أو تآمره) اقول المنظومة السنية منظومة و كما قيل في المثل الشعبيّ "خربانة من البيضةّ" لما لها من قدرة غير محدودة على التخريب و الدّمار و تكريس التخلّف و الجهل و التبعيّة للشرق والغرب، و لما لها من آليات معصومة لسحق كل أمل في نهوض مستقبلي. فمنذ قيامها، كانت مناقضة لروح الإسلام معادية لجوهره، مخالفة لمقاصده.
و قد تجلت المنظومة السنيّة خلال ما يناهز أربعة عشر قرنا، في سلطة ملكية متوحشة، تفصل الدين و بشكل جلّي لا لبس فيه عن السياسة و عن الأخلاق و المروءة و الشرف، و تفصل السياسة عن الشعب و تحرّمها عليه و تجرّم تدخله في غمارها، و تجعل الغايات الملكية الخسيسة تبرّر الوسيلة الدموية، كما تجنّد الشعب لخدمة الحاكم المخالف لدين الله قليلا و كثيرا جملة و تفصيلا. وقد وضع معاوية بن ابي سفيان أسس هذه المنظومة المعمّرة الخبيثة، و استطاع من جاء بعده من ملوك السوء استقطاب ثدييات سلفية من أهل الحديث ــ في طليعتهم الزهري ـ سوّغت إجرام معاوية بأحاديث نبوية شرّعت للحاكم الوراثي السفاح، غير الملزم بالشورى، مطلق الصلاحية، والعلماني في نظرته للدين، ثم حشدت المسلمين على مدى أربعة عشر قرنا داميا للإلتفاف حول ذلك الحاكم تحت طائلة الوعيد بالمروق من الدين.
و لعلّ عبادة الفرد هي أسوا ما في هذه المنظومة الوبائية. فالمنظومة السنية منظومة وثنيّة بمعني انها تقدّس الفرد و تشرك به بل تعبده عبادة خالصة ( العبادة في التصوّر الإسلامي الخالص هي الأتّباع فمن اتبع زعيما في غير طاعة الله فقد عبده) أقول فالمنظومة السنية تقدّس الحاكم والزعيم و العالم و الشيخ على حساب المبدأ و الحقّ، و لا تجعل التقيّد بالأوامر الربانية تصوّرا و سلوكا، أمرا و نهيا، مقياسا لوجوب موالاة أو معاداة ذلك الحاكم أو الزعيم أو العالم أو الشيخ. فتبعا لما اسلفنا و تأسيسا عليه، فان العقلية السنية ( التي صاغها التاريخ لا النص ـ و العبارة للرائع عبد الجواد ياسين) في تصوّر أتباعها، مهما تنوّعت شرائح هؤلاء الأتباع، سواء أكانوا نخبة أو عواما، دكاترة شريعة اسلامية أو باعة بذنجان و عربجيّة، لا تجعل من مدى مقدار الإلتزام بالأجندة الإسلامية سياسة و تشريعا سلوكا و مواقف، معيارا لصلاح أو فساد حاكم أو عالم أو شيخ أو زعيم حركة اسلامية، بل تجعل نجاح ــ و مهما كانت وسيلة ذلك النجاح ـ ذلك الحاكم أو العالم او زعيم الحركة في كسب شعبية و حشد الناس حوله بمجرّد تكلّمه باسم الدين و رفعه لشعار الإسلام، مقياسا لصلاحه و قربه من الله و بالتالي ضرورة نصرته و وجوب الالتفاف حوله، و ان جرت على يديه القبائح و الخيانات، بل وان غازل اليهود و النصارى و اعداء الإنسان و ظاهرهم على المسلمين بالتصريحات و الفتوى و المال و الرجال.
و لعلّ السبب الوحيد لبليّة تقديس الفرد التي تعد أسوأ و اكثر أسلحة المنظومة السنية تدميرا.. أقول، لعل السبب الأوحد لبلية تقديس الفرد ( على ما في ذلك الفرد من جرائم توجب إجلاسه ــ و بضمير مستريح ــ على خازوق) تلك المرويات الكارثيّة المزوّرة التي تجعل معاوية (على ما في معاوية من مقابح، و على ما في سيرته من إجرام، و على ما في قلبه من نضوب إيمان، و على ما في وجدانه من عدم خوف من بعث و نشور و حساب رباني) علما إسلاميا، و أسوة حسنة، بل و مصدر هداية، و منارة ايمان، لمن أخطأ طريق الإيمان!!! من قبيل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه " سمعت رسول الله يقول[ عن معاوية] الله أهد به "!! و من قبيل مرويات تبشر معاوية بالجنة، بل و تجعل معاوية الأمين العام أو السكريتير الأول للملّة، بل و تجعله خليفة النبي محمد دون منازع من قبيل حديث" أتى جبريل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد إقرىء معاوية السلام، و استوص به خيرا فانه أمين الله على كتابه و وحيه، و نعم الأمين"!!! و من قبل الحديث المكذوب " الأمناء ثلاثة جبريل و أنا و معاوية" !!
التجلي الثاني للمنظومة السنية:
حين كنت أنتقد معاوية و إجرام معاوية و كون معاوية الرجل الذي أصاب دين محمد بشلل لم ينهض منه، و غيبوبة لم يستفق منها الى يوم الناس هذا، كنت واجه بالأسطوانة المشروخة ذاتها: يا أخي (هذا في أحسن الحالات )، و في أغلب الأحيان، يا أخا يهود قريظة و يا شبيه سلمان رشدي، يا مجرما يا عميلا يا ضالا يا مضلا ــ دعك من معاوية، فما يفيدك ذكر صحابي جليل (( تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون)) و كنت أواجه هؤلاء الأغبياء بالقول بان ماضينا يحدّد مستقبلنا و لا مستقبل لمن تجاهل ماضيه خصوصا لمن تجاهل سيرة شخص ماكر رسم لنا خريطة طريق محكمة الصياغة استطاعت مقاومة الزمن و تحدّي عوامل الفناء. و لقد ظللت أحصد العداوة حتى جاءت هذه الثورات العربية بالإخوان المسلمين و أوصلتهم الى سلطة ما بذلوا من أجلها غير أعمال كالهباب، وما أوجفوا عليها بخيل و لا ركاب، بل ظلوا كالقراد ملتصقين و لآخر لحظة، بأنظمة بن علي و مبارك و القذافي، مجدّدين لها الولاء بمناسبة و غير مناسبة. و قد تجلت مقابح و مضارّ المنظومة السنية بصورة جديدة في أيامنا هذه، في مسارعة عشرات ملايين الغوغاء، دكاترة و عواما، الى انتخاب غنوشي تونس، و بن كيران المغرب، و عصام عريان مصر كحكام مسلمين جدد مانحين إياهم كل الثقة، لا على أساس كراهية غنوشي و بن كيران و عريان للدكتاتورية و التزامهم بالوصايا الإسلامية في النضال ضد أعداء الإنسان، بل على أساس ما عرف عن هؤلاء المسوخ الإخوانية البائسة من تكلم باسم الله، و من سنوات تحضيريّة قضوها وراء القضبان، وهذا يكفي في التصوّر السني للناخبين لإنتخاب هذه الحزمة الإخوانية التي لا تساوي درهما، فسقوط الغنوشي و بن كيران و عريان مصر في ولاء نظام بن علي و مبارك و محمد السادس حتى و أن علم و ثبت لدي الناخبين صوتا و صورة، فهو داخل في اللّعبة، و لا يفسد للثقة بالغنوشي و بن كيران و عريان قضية، فان اعلن غنوشي الإلتزام بعلمانية بورقيبة و ان بلغت به الوقاحة الى التصريح بالإبقاء على صداقة اليهود تمسكا منه بسنّة المخلوع بن عليّ في التواصل مع اليهود ــ و قد اجترح غالنوشي كل هذا القبائح ــ ، فان ذلك لا يغير رأي الناخبين في غنوشي و اخواته، كل ذلك استضاءة و تأسيّا بالمنظومة السنية ذات الرؤية الازدواجية التي تجعل إجرام الحاكم أو الزعيم لا يتناقض مع ما عرف عنه من" فضائل و سوابق جهاديةّ" و لا يقدح في و جوب تقديسه و الولاء له. فان نافق غنوشي أو بن كيران أو عصام العريان وتجاوز احكام الشرع وظاهرا اليهود و الأمريكان، فمعاوية "الصحابي الجليل رضي الله عنه" قد ارتكب الموبقات السبع و السبعين و تجاوز أحكام الشرع طولا و عرضا، دون ان يشكك " كبارعلماء الأمة" في عدالته او يقدح ــ معاذ الله ــ في سيرته، أو يفقده ــ لا قدّر الله ــ تقديس الجمهور.وهذا مع شديد الأسف ما يمد في عمر المرحلة الإخوانية القادمة .
و بهذا الإعتبار، يمكن القول بان المرحلة الإخوانية القادمة تعدّ ثاني تجلّ مميت للمنظومة السنية التي ستواصل تثبيتنا على سندان التبعية لقوى الغرب و ضياع الهوية و الدنيا و الدين، تجلّ يتميز عن مرحلة معاوية و من جاء بعده من مسوخ عباسية و عثمانية، باعتماد حكام المرحلة الجديدة، و رغم رفعهم لشعار الإسلام هو الحلّ ــ و على عينك العوراء ايتها الأمة البائسة العمياء ـ" و تأسيسا على ميراث معاوية الميكافيلي، الذي يفصل بين الدين و الشرف و مخافة الله دستورا وضعيا لائكيّا، مقطوع الصلة حتى من ناحية الشكل بالمرجعية الربانية، و خريطة طريق توالي الغرب و محظيته إسرائيل و تستطيب البقاء تحت عصمته... و لا يزال معاوية يتفنن في ذبحنا.. و لله الأمر من قبل و من بعد. أوسلو 8 جانفي 2012
#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
راشد الغنوشي و رحلة التّيه قصة بالمناسبة
-
تذمّر قصة قصيرة
-
غلمة ! قصة قصيرة
-
تطيٍّر قصة قصيرة
-
من مظاهر الإستهانة بانسان عالمنا العربيّ قصة بالمناسبة
-
خروج قصة
-
راشد الغنّوشي و الشيطان، حدث ذات مرّة
-
يا متخلف يا حمار كن من أهل اليسار!
-
حركة النهضة تحتفل قريبا بأربعينيّة غنّوشي.
-
لوبي قصة قصيرة
-
من صور التديّن السلفيّ السّخيف قصة
-
خالد مشعل يتاجر بكرامة الفلسطينيين
-
عبور قصة قصيرة
-
إلحاد ادونيس أنفع من -إيمان- مفتي سورية
-
موت قصة قصيرة
-
رأي جدّي في نوبل 2011 للسّلام! قصّة بالمناسبة .
-
من سخافات الغنوشي و القرضاوي قصة بالمناسبة
-
يساريو تونس: اغتراب بلا حدود عن الثقافة المحلية قصة طريفة ب
...
-
عنصر المفاجأة في الثورات العربية قصة بالمناسبة
-
حول التمييز العنصري.. قصة بالمناسبة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|