بعد
أحداث 11 أيلول والتي شكلت أنعطافة تأريخية في أعادة ترتيب وتركيب العلاقات
الدولية السائدة,وعمقت هيمنة مفهوم
القوة الأحادية العظمى للولايات المتحدة الأمريكية,وأخلت بالتوازنات الدولية على
المستويات السياسيةوالأقتصادية والأجتماعية والثقافية,وأعطت للأستراتيجية الأمريكية
المبررات في الأستمرار في معاداتها لنضالات الشعوب بحجة "الأرهاب" ,دون أي تحديد
وتعريف واضح لمفهوم الأرهاب,وأخذت الأدارة الأمريكية تخلط وتساوي مقاومة ونضال
الشعوب من أجل التحرر والأنعتاق والحرية والديمقراطيةوالمساواة,وتلك الأعمال
والممارسات العنفية والأرهابية المعادية لكل أشكال العلاقات الأنسانية,والتي صنعتها
نفس الدوائر لتحقيق أهدافها السياسية والأيدولوجية ومصالحها في مناطق مختلفة من
العالم.
وفي حربها ضد حكومة طلبان في أفغانستان أرادت الأدارة الأمريكية
أشاعة وترسيخ نموذج سياسي_عسكري مغلف بغطاء" أنساني" وكأنه معادي لنماذج الأنظمة
الأرهابية ولحقوق الأنسان وفي محاربة "الأرهاب الدولي",وهو يهدف بالأصل الى فرض
السيطرة والهيمنة الأمريكية,متناسين حقيقة أن تلك الأنظمة تشكلت بجهود أمريكية
لمعاداة الأتحاد السوفيتي حينذاك.كما أن المصلحة الأمريكية وتنفيذ أستراتيجيتها في
هذه المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية والنفط بالذات حتم على الأدارة الأمريكية أن
تتهم وتطلق على بعض الدول بـ"محور الشر",والذي شمل العراق وأيران وكوريا
الشمالية,وأدرجت قائمة طويلة من المنظمات والأحزاب والشخصيات التي تشكل خطرا على
الأمن القومي للـ"الأمة الأمريكية",وبذا فأن الأدارة الأمريكية حددت موقفها بشكل
قاطع كلَ مَنُ يقف ضد سياستها فهو أرهابي!!
ولم
تكن تأثيرات الآلة الأعلامية والأيديولوجية الأمريكية وبرامجها في محاربة الأرهاب
بعيداً عن أوربا الموحدة,وخاصة ضد تنامي القوى الشعبية واليسارية والديمقراطية
المعادية لسياسات العولمة والأمركة للمجتمعات الأوربية,والتي تحولت تلك القوى ذات
الطابع الوطني و الأممي في الصعود والأنتقال الى مواقع الهجوم بعد الركود الذي
أصابها, لتشكل قوة سياسية وأجتماعية رافضة للقيم الرأسمالية,والتي عبرت عبر أحتجاجاتها في سياتل وقمة نيس وقمة كوبيك
ودربان وغوتنبرغ وغيرهاعن رفضها لتلك السياسات المعادية لطموح شعوبها.وهذه الحرب ضد
القوى اليسارية والديمقراطية في أوربا أضعفت مواقع و قدرة هذه القوى في تحقيق
برامجها وتجلى في نتائج الأنتخابات في العديد من الدول الأوربية وأسفر على صعود
اليمين واليمين المتطرف ,وتقويض نشاط اليسار ومحاربته,أي العودة الى
المكارثية,وأستخدام وسائل وأجراءات أمنيةأتخذت شكلا معاديا الى المهاجرين والأجانب
المقيمين في هذه البلدان,كما وتدهورت الضمانات الأجتماعية والمعاشية,مما سجل
أنخفاضا وتراجعا جديا لكل المنجزات الديمقراطية والأجتماعية للأنسان الأوربي.وساهمت
تأثيرات السياسة الأمريكية على زيادة النعرات العنصرية وتوسيع مفاهيم "الصراع
الثقافي"و"صراع الحضارات",وهم يريدون أثبات نظرية مايسمى"نهاية التأريخ" في سيادة
الأنظمة الديمقراطية الليبرالية,ولاطـريق غيره!!
كما
أن أحداث 11 أيلول شكلت تغيراً حقيقياً على الأوضاع في منطقتنا,وخاصة وأن أسرائيل
أطلقت لنفسها اليد العليا في الأمعان بممارسة سياسة الأبادة الوحشية ضد الشعب
الفلسطيني وسلطته الوطنية وأحتلاله المدن والقرى وتهديم البيوت للمواطنين وتهجيرهم
وأعتقال المناضلين ونسف كل الأتفاقات والمعاهدات الدولية والتنصل عن كل ماتم التوصل
أليه في نضال الشعب الفلسطيني في حقه بأقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس,كل هذا
بحجة محاربة الأرهاب وبدعم أمريكي علني وصريح.وأن هذه السياسة والدعم الأمريكي
لها,وعجز الأنظمة العربية في التصدي الحقيقي والفعلي للأعمال الوحشيةوتنامي
الكراهية للسياسة الأمريكية على مستوى القوى الجماهيرية والشعبيةوغليان الشارع
العربي وتصاعد الشعور بضرورة التغييرات الجذرية لهذه الأنظمة الشمولية جعل من
الأدارة الأمريكية تركز بأعادة النظر في سياساتها أتجاه المنطقة وتطلق البالونات
الحرارية لأعادة ترتيب المنطقة وخاصة منطقة الشرق الأوسط,ألا أن تلك الأنظمة تبقى
مطيعة للأدارة الأمريكيةوذلك لتداخل مصالح الأطراف المختلفة فيما بينها,وهي(الأنظمة) صنيعة
ونتاج للادارة الأمريكية .
وللعراق نصيب كبير ومهم
بالنسبة للسياسة الأمريكية وأستراتيجيتها بعد 11 من أيلول, وبعيدا عن الأتهامات
الموجهه للنظام العراقي في طبيعة علاقاته مع المنظمات والشخصيات الأرهابية ومنها
تنظيم "القاعدة" وأسامة بن لادن,فالأدارة الأمريكية أدرجت العـراق ضمن دول "محور
الشر",والذي يمتلك أسلحة الدمار الشامل,ويرفض التعامل والتعاون مع المفتشين
الدوليين والمنظمة الدولية (الأمم المتحدة),ولايكشف ويبيّن مصداقيته في نزع
السلاح,ويشكل تهديدا حقيقيا لدول المنطقة ولأسرائيل وللمصالح الأمريكية بالذات, لذا
يجب التخلص والأطاحة بالنظام الديكتاتوري لصدام حسين بتوجيه ضربة أو عملية
عسكرية,وراحت الأدارة الأمريكية تتغازل وتجمع بعض القوى المعارضة العراقية التي
تراهن على الخيار العسكري في الخلاص من النظام لتستخدمهم واجهة "جماهيرية" وشرعية
في عملياتها القادمة في العراق,وأحياناً تطرح سيناريوهات تعبر عن مطامع "أستعمارية"
بحتة بأدخال قوات أمريكية وبريطانية وبقائها في العراق للحفاظ على الأمن
والأستقرار!!وتتجاهل الأدارة الأمريكية أرادة الشعب العراقي ,وحقه في التغيير وعدم
السماح في التدخل في شأنه الداخلي ألا إ ذا كان دعماً شرعياً ومشروعاً,وأن لايشكل
مساساً بالسيادة والأستقلال الوطنيين.أن خيار الحرب يعني تعرض أبناء شعبنا الى
الخطر والموت وتحطيم بنيته التحتية والخسائر المادية الجسيمة,لأن أي عملية عسكرية
ضد العراق لن يدفع النظام الديكتاتوري فاتورتها أو حسابها بل ستزيد من كاهل ومعاناة
شعبنا ,ويجب التأكيد أن السياسة الرعناء والعدوانية للنظام الديكتاتوري قد أوصلت
البلاد الى حالة لايحسد عليها ودمرت قدرات الأنسان وشلت أبداعه وأهانة كرامته وتقع
مهمة الخلاص من هذا النظام على القوى الوطنية المعارضة العراقية وأقامة نظام
ديمقراطي فيدرالي موحد يضمن الحقوق لكل القوميات والتساوي لكل أطياف المجتمع
العراقي.ونحن جميعا ندرك الأبعاد السياسية والمصالح الأقتصادية للأستراتيج الأمريكي
في المنطقة وللأهمية الأستثنائية للعراق كثاني أكبر أحتياطي للنفط
العالمي.
لقد أنتجت السياسة الأمريكية نقيضها وفي تنامي
بالضد من توجهاتها وأن أحداث 11 أيلول وبعيدا عن أسبابها ومنفذيها فهي عملية
أرهابية وقد أدانتها كل القوى الخيرة والمحبة للسلام في العالم على الرغم ما أصاب
أكبر دولة راعية "أرهاب الدولة المنظم" .
أن
الشعور المتنامي والصاعد في العالم ضد الهيمنة والغطرسة الأمريكيةوالواقع المرير
لما تشهده منطقتنا يبث الأمل والتفاؤل ويدفع بنا الى أعادة تجميع قوانا والعمل
بعقلانية وبروح التحدي لتغيير واقعنا.
أبـو رافـد
8/9/2002
الطريق