أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام راشد - جدل المداخل الفكرية والأدوات المعرفية: نحو رؤية تجديدية لمناهج التفكير في النص الديني.















المزيد.....

جدل المداخل الفكرية والأدوات المعرفية: نحو رؤية تجديدية لمناهج التفكير في النص الديني.


هشام راشد

الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 18:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تتحدد الخصومة المعرفية مع التراثيين الفضلاء بالأساس في مبحثي المداخل االفكرية والأدوات المعرفية لمناهج العلوم الإسلامية والمعارف الدينية، أو بعبارة أخرى إن الجدل الفكري الدائر بين الحركات السلفية عموما والحركات الفكرية المعاصرة ينصب أساسا في الجوانب النظرية والجوانب الأداتية لمناهج التفكير في النص الديني، فهم حفظهم الله يعتبرون أن من كمال الأخذ بالنصوص المؤسسة (القرآن ومثله معه) الأخذ بمداخلها الفكرية وأسسها النظرية التي وضعها سلف هذه الأمة، والأخذ أيضا بما تعارفوا عليه رحمهم الله من أدوات معرفية وقواعد معتبرة في الاستنباط كانت قد أنتجت في سياقات تاريخية مختلفة.

في سبيل ذلك خاض التراثيون حربا طويلة من موقع الحفاظ على نقاء الدين (الإرث البشري) والانتصار له ضد كل دعوات التجديد في مناهج التفكير مدخلا وأداة حماية لقلاعهم المحصنة من هذا الوافد المريب. في هذه المحاضرة ودون انخراط في حرب طويلة الذيل قليلة النيل وتركا للسجال الذي لا طائل منه، ومن موقع الإيمان بضرورة التجديد في مناهج التفكير في النص الديني مدخلا وأداة لكي يبقى النص كريما ومجيدا ومكنونا وحتى تتحقق عالمية الإسلام وليظهره الله على الدين كله، لهذه الأسباب أكتب في موضوع جدل المداخل الفكرية والأدوات المعرفية وفي إطار رؤية تجديدية لمناهج التفكير في النص الديني، فماذا عن هذا الموضوع؟

تشكلت مناهج التفكير في النص الديني عبر أربعة قرون منذ أول إصدار في الموضوع "الرسالة" للشافعي (204ه) إلى "المحصول" للرازي (606ه) عكست في كل مراحلها، وحسب تعبير أبي القاسم حاج حمد، "خصائص البدوية والزراعية التقليدية والتجارية الوسيطة أو ما قبل الصناعية عموما"، واستقرت على ما كانت عليه إلى ما بعد الثورة الصناعية والثقافية، وهي اليوم مادة رتيبة تؤطر العقل الإسلامي المعاصر وفق نظمها المعرفية، وتليدة تقدم النص الكريم (القرآن ومثله معه) مفلسا يقبل التجاوز المعرفي. من هذا الوضع الرتيب والتليد بدأت الرحلة المعرفية الشاقة للمجددين الفضلاء بين المكون الأول لمناهج التفكير (المدخل الفكري) والمكون الثاني لها (الأداة المعرفية)، رحلة تغيت منذ انطلاقها تجديد مناهج التفكير في النص الديني مدخلا وأداة، في أفق تحديث المعرفة الدينية، وتأكيد بريقها ومواكبتها للمستجدات.

حول جدل المداخل الفكرية والأدوات المعرفية سجل التاريخ مشاريع فكرية وطروحات طموحة عبرت عن رغبة أصحابها في تجديد مناهج التفكير في النص الديني وما لحق بهم من تضييق وتعذيب وتنكيل وإقامة جبرية كما كان الحال مع الشاطبي (790ه) بعد تأليفه وحسب تعبيره يتيمة العمر كتاب "الموافقات" سيأتي معنا في هذه المحاضرة معالم التجديد والإبداع في فكره رحمه الله رحمة واسعة، وسجل أيضا عصورا من الظلام في إطار الصراع الفكري القائم حيال قضية هي أهم قضايا الفكر الديني (القديم والمعاصر) وأصعبها على الإطلاق؛ ثنائية المداخل الفكرية والأدوات المعرفية لمناهج التفكير في النص.

كان الشافعي رحمه الله سباقا في تشخيص الوضع الفكري الديني أواخر القرن (2ه) وفق هذه الرؤية (ثنائية المداخل الفكرية والأدوات المعرفية)، وألف رسالة إلى أهل الرأي وأهل الحديث قصد مد جسر التواصل بينهما بعد قطيعة معرفية (إبستيمية) تامة نتيجة الخلاف حول الطروحات العقدية والأسس النظرية للعلوم من جهة والأدوات المعرفية التي تأثرت بها وبلسان أرسطوطاليس من جهة ثانية، كان قد تبادل خلالها الفريقان ألوانا من الاتهامات فاحتدم الصراع بينهما.

أعتقد وإلى حد كبير أن صاحب الرسالة الشافعي توفق بسهم وافر في رسالته حينما تجنب الخوض في المداخل الفكرية (الطروحات العقدية والأسس النظرية للعلوم) وهي مسرح الصراع، وفصل القول فقط في الأدلة الشرعية والأدوات المعرفية ذات الجذور اللغوية (دون لسان أرسطوطاليس) وهي هامش الاتفاق لرأب الصدع بين الفريقين والتخفيف من حدة النزاع بينهما، ومن تم جاء كتابه عاريا تماما عن كل القضايا الفكرية التي غذت واقع الصراع وقتئذ، واقتصر على الأدوات المعرفية اللغوية والأدلة الشرعية وجعلهما مادة رسالته لأنهما محل اتفاق، هذا الوعي بحساسية المرحلة جعل قلم الشافعي يقفز عن سؤال الماهية في النص والعقل والمنهج، وينتقي بمداده مفردات الرسالة بعناية شديدة لكي لا يعرض موضوعها للرفض من طرفي النزاع أو أحدهما، وحتى يتمكن من دفع مشروع الزج بمناهج التفكير في النص الديني داخل الصراع الفكري، ويقطع تبعيتها للجدل العقدي المحتقن، وعليه فــ"الرسالة" كتاب تاريخي لمفكر قائد قدم أنموذجا كبيرا في تدبير الشأن الديني والتقريب بين الفرقاء عن طريق تجاوز موجبات الشقاق والتركيز على موجبات الاتفاق، وهو منهج سيستفيده الشاطبي في القرن الثامن الهجري أثناء دعوته إلى استقلالية المباحث الأصولية وقوله بأمية الشريعة.
على الرغم من ذلك فإن رسالة "الرسالة" لم تستمر طويلا بحيث ظهرت أنماط في التأليف أدرجت المداخل الفكرية (الجدل العقدي والأسس النظرية) والأدوات المعرفية غير اللغوية ضمن مناهج التفكير في النص الديني بعد السؤال عن ماهية النص والعقل والمنهج كتاب المستصفى للغزالي مثلا، فتعددت هذه المناهج وتنوعت بين نظم معرفية بيانية تارة وبرهانية أو عرفانية تارة أخرى أطرت النص الديني وأنتجت منه معرفة دينية موازية للنص (القرآن ومثله معه) نفسه فاستلبته حتى أصبح لا يفهم إلا من خلالها.
في العصر الراهن يتأكد يوما بعد يوم أن كل نقد يستهدف مناهج التفكير في النص الديني، ويطمح إلى تجديد التليد منها أو على الأقل تحديث رتيبها، ويتغيى إنتاج فقه إسلامي آخر بمقومات العالمية في رحاب معرفة أوسع موازي لما سبق إنتاجه تحت سقف معرفي محدود وفي سياقات تاريخية مختلفة، مدعو أولا وقبل كل شيء إلى استيعاب البناء الفكري الأصولي من حيث مداخله الفكرية (الجانب النظري) وأدواته المعرفية (الجانب الأداتي) لما تعرفه المادة الأصولية من خلط بين النظري منها والأداتي بفعل الجدل الدائر بين الأصوليين وقت إنتاجها، ثم تفكيك هذا البناء وفق معايير النقد المعرفي الحديث (الإبستمولوجيا) حتى تتبدى موجبات العبور والتجاوز المعرفي نحو طروحات تجديدية على مستوى الرؤى المنهجية والمعرفية وبمعزل عن الخوض أحيانا في ذكر النواقص أو المثالب من تم تعبد سبل عالمية القرآن، إذ لا سبيل إلى عالمية القرآن ومثله معه (السنة النبوية) إلا بعالمية المداخل الفكرية وعالمية الأدوات المعرفية حسب ما أنتجه العلم المعرفي الحديث وعبر عقل جامع للعلوم والمعرفة مسدد بالنص ينظر إليه كريما يعطي على قدر الاشتغال به ومجيدا ليستمر ومكنونا ليتكشف حسب دعوة الأستاذ الكبير الراحل أبو القاسم حاج حمد، سبيل يحمل كل الناس على الإسهام بحظ وافر في العملية التحليلية للنصوص المقدسة والتاريخ المقدس والمشترك الإنساني للإجابة عن جميع الانشغالات وأعتقد إلى حد بعيد بأن النص القرآني مهيمن على كل نتائجها.
ليس المقصود بالاستيعاب البناء الفكري الأصولي لمناهج التفكير الاطلاع والالمام بهذه المادة فحسب، وإنما إعادة قراءتها بما يحفظ لها طابعها المعرفي من جهة، وإعادة نظمها وترتيبها في سلكي المداخل الفكرية (الجانب النظري) والأدوات المعرفية (الجانب الأداتي) لما تعرفه هذه المادة الأصولية من خلط بين النظري منها والأداتي بفعل الجدل المعرفي الدائر بين الأصوليين وقت إنتاجها، ومن تم التأكيد على طبيعتها البشرية خاصة وأن البعض يرفعها إلى مقام المقدس، وليكون هذا الاستيعاب فعلا خطوة تمهيدية مؤسسة لمشروع التجديد الذي تفرضه مقتضيات العصر وعالمية القرآن.

إذا فالجهد التجديدي الذي تدعو إليه هذه المحاضرة يأخذ طابع التدرج للوصول إلى النتائج، يبدأ من الاستيعاب إلى التفكيك والتركيب وفق فكر العالمية أداة ومنهجا وفي إطار الجدل الدائر بين المداخل الفكرية والأدوات المعرفية تأثرا وتأثيرا انتهاء بالتركيب النصي والهيمنة القرآنية.

من شأن نظم وترتيب المادة الأصولية بعد استيعابها استيعابا تاما أن يكشفا، وحسب نتائج عمل استقرائي سابق في الموضوع، عن أهم التيارات والقضايا الفكرية أو الإيديولوجيات التي أثرت فيها وفي المدارس الأصولية المختلفة وكرست في أزمنة التأليف إنتاجا وعائدا معرفيا محددا، ويكشفا (النظم والترتيب) أيضا عن مدى استجابة الأداتي للنظري في كل منسجم سلبا وإيجابا وفق قاعدة التأثر والتأثير، ولتقريب هذه الصورة أسوق مثلا من المدرسة الظاهرية مع ابن حزم الظاهري الأندلسي الذي تحرك من أسس نظرية محددة ينشد من خلالها "القطعيات في الأدلة الشرعية والأدوات المعرفية" للإجابة عن إشكال القطع والظن فيها، فألف كتابه الشهير "الإحكام في أصول الأحكام" ناقش فيه بالجدل والحجاج كل الأدلة الشرعية، ورفض أثناء دفوعاته القوية عددا من الأدلة ومنها القياس الأصولي –وإن كنت لا أعتبره دليلا شرعيا وإنما أداة معرفية- معللا بعد تفكيك أركانه (الأصل، والفرع، والحكم، والعلة) بأنه يؤدي إلى نتائج ظنية (راجحة)، وأن الله لم يتعبدنا بالظن، فعدل عنه إلى القياس الأرسطي المبني على مقدمتين كبرى وصغرى ونتيجة. هذا المخاض الفكري العسير بكل المقاييس من سؤال القطع والظن إلى الاستيعاب والتفكيك ومنهما إلى العدول والتجاوز يمثل وأمثلة أخرى ملاحم فكرية رائدة من تاريخ التشريع الإسلامي وإرهاصات أولى تعبر عن الرغبة في التجاوز المعرفي ولو دون قطيعة إبستيمية.

إن هوس العبور والتجاوز نحو طروحات تجديدية تحركه قضايا فكرية وأخرى أداتية لم يراود ابن حزم الظاهري فقط، وإنما راود عددا كبيرا من علماء هذه الأمة، أسوق لك سيدي القارئ أو المستمع مثلا مشرقا لأحد أهم أعلام الغرب الإسلامي في القرن الثامن عشر الشاطبي (790ه) صاحب كتاب الموافقات أو التعريف بأسرار التكليف، وأهدف به وبالمثل الذي سبقه أن أشد الانتباه إلى حركة التجديد التي تترى من جيل إلى جيل، وأبرهن على أن عمل الشاطبي لا يمثل إرهاصا فكريا تجديديا فحسب وإنما هو منعطف تجديدي ناقش خلاله الرجل ما يمكن مناقشته على مستوى المدخل الفكرية والأداة المعرفية دون قطيعة إبستيمية تامة مع المادة الأصولية ككل.

تستطيع تلمس منعطف التجديد في عمل الشاطبي بدءا من المقدمة التي بت فيها شكواه مرورا بأربعة عشر مقدمة والتي خرج بعددها عن المألوف في التصنيف والتأليف حيث تناولت في مجملها أهم المداخل الفكرية والأسس النظرية المعتمد عليها في بناء مشروع الموافقات؛ كالقول بمبدأ التعليل ولا تناهي النص وقطعية الأدلة وغيرها إلى علم المقاصد الذي ظهر معه بحلة جديدة وتصورات خاصة انتهاء بالمآلات والمناطات، وبفضل جهده التجديدي الذي شكل مادة هذا الكتاب استطاع رحمه الله في إطار المزج بين الإبداع (القطيعة المعرفية) والاتباع (الاتصال المعرفي)، أن يجعل من مشروعه حلقة تجديدية بارزة في تاريخ التشريع الإسلامي، تستدعي الوقوف عندها من زاويتين قلما التفت إليها الباحثون (المدخل الفكري) و(الأداة المعرفية) وإن كانا معا وفقط يشكلان شخصيته الأصولية.


الدار البيضاء: 07/01/2012



#هشام_راشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام راشد - جدل المداخل الفكرية والأدوات المعرفية: نحو رؤية تجديدية لمناهج التفكير في النص الديني.