أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نادية حسن عبدالله - نحو استراتيجة للدولة المدنية – المفاهيم – 8 - تعزيز ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية















المزيد.....

نحو استراتيجة للدولة المدنية – المفاهيم – 8 - تعزيز ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية


نادية حسن عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 3599 - 2012 / 1 / 6 - 13:04
المحور: حقوق الانسان
    


يؤدي غياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان واحتكار السلطة والفساد إلى الثورة رغبة من المجتمع في تغيير الواقع الراهن. وكون غياب الديمقراطية أحد أسباب الثورات لا يعني إن عملية تحول ديمقراطي حقيقي ستحصل بعد الثورة، لأن هناك متغيرات أخرى تؤثر على ذلك، فمن الممكن أن تنقض قوى سياسية غير ديمقراطية على الثورة وتحاول تسخير مكاسبها لمصالحها الخاصة؛ أو أن يتحول الثوار أنفسهم إلى ديكتاتوريين بعد وصولهم إلى السلطة، فتكون الديمقراطية لمرة واحدة فقط، وهي لحظة وصولهم إلى السلطة، ومن ثم جهات أخرى ستستفيد من الثورة. ولكن في حالة فشل القوى الثورية في الوصول إلى السلطة مع نجاحها فقط في إسقاط النظام، فان ذلك يفسح المجال لمشاركة قوى أخرى مثل الجيش، أو القوى السياسية القائمة قبل الثورة سواء أحزاب سياسية أو جماعات سياسية بما فيها بقايا النظام السابق.

إن فهم المرحلة الانتقالية بعد الثورة وتأثير كيفية إدارتها على التحول الديمقراطي، يتطلب دراسة القوى المؤثرة في المرحلة الانتقالية والملفات والقضايا المثارة التي يتم التعامل معها خلال تلك المرحلة. وهذا يتطلب وعيا كاملا بأهداف الثورة وآليات التحول الديمقراطي وأهمية التعاون والتنسيق بين كافة الجهات الثورية.

في المراحل الانتقالية تمر الدول بعد الثورة بمراحل حرجة وحساسة وهي مرحلة لا تقل أهمية عن مرحلة الثورة، ونحتاج إلى نشر الوعي السياسي للحفاظ على مكتسبات الثورة. وفي هذه المرحلة من الضروري أن يتم تهيئة المجتمع من خلال التوعية السياسية للتحول نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لتفادي الانجرار نحو الطائفية والعنصرية والتمييز وأي انتهاك لحقوق الإنسان؛ أو منع أي قوى متنفذه من سرقة الثورة.

فهناك حاجة ملحة لبرامج توعية وتثقيف سياسي مكثفة للتوعية باستحقاقات المرحلة الانتقالية خاصة فيما يتصل بأهمية بذل كل الجهود لإقامة دولة المؤسسات والنظام الديمقراطي. فبدلا من تصور بعض الشباب أن عليهم الاستمرار في حماية مكتسبات الثورة بالعودة إلى التظاهر متى استدعى الأمر، لابد لهم من إدراك، من خلال برامج التوعية، أن الدولة الديمقراطية الحديثة هي دولة المؤسسات التي توفر قنوات سلمية للتعبير عن الرأي ورفع المطالب كالأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، وإدراك أن الحقوق السياسية والمدنية سيكون لها ضمانات تمكن جميع المواطنين من التمتع بحقوق الإضراب والتظاهر السلمي تماما كما ستلزمهم بمجموعة من الواجبات فالديمقراطية مسئولية في المقام الأول.

كما أن تخوف الشباب من عودة تسلط النخب والقيادات داخل الأحزاب والمؤسسات وإعادة النظام القديم بأشكال جديدة أمور لابد من توضيحها عن طريق إدراك أن النظام الديمقراطي المنشود يستلزم ضمانات فعالة لمبدأ حكم القانون واستقلال القضاء والتداول على السلطة، وضمانات أخرى لتفعيل أدوات الرقابة السياسية والقضائية والمالية، وإدراك أن الديمقراطية لا تقوم إلا بتعزيز المشاركة والتخلي عن السلبية. وهذه أمور ترتبط بالأساس بوعي المواطنين لحقوقهم وقيامهم بالدفاع عنها عبر كل القنوات الشرعية.

لقد أفرزت أحداث الثورة حالة من الوعي السياسي والمشاركة السياسية والاهتمام بالسياسية والانخراط في نقاشات سياسية حول الثورة وأهدافها والتحول الديمقراطي. وقد تزايدت ثقة الناس بقيم وثقافة الديمقراطية المتمثلة في الشفافية والمساءلة والمحاسبة وضرورة تداول السلطة والمشاركة السياسية وحرية التعبير عن الرأي وتراجع إمكانيات التضليل الإعلام والسعي إلى مزيد من المصارحة والانفتاح والشفافية. ولكن ما يزال هناك عدد كبير من المواطنين الصامتين الذين لم ينخرطوا بالثورة ولم تتولد لديها القناعة السياسة بأهمية التحول نحو الديمقراطية والدولة المدنية.

ويمكن القول: إنه كلّما ارتفع مستوى فهم الإنسان للواقع السياسي الذي يسود في منطقته والعالم من حوله، وارتقى إلمامه بالبدائل السياسية المتاحة والممكنة ارتفع وعي ذلك الإنسان السياسي؛ والعكس صحيح.

إن أهمية الوعي السياسي هي أهمية حاسمة، فكلما كان الوعي السياسي العام في مجتمع ما مرتفعًا، كان التحول نحو الديمقراطية أسرع، لذلك، نجد الأمم المتقدمة تهتم (غالبًا) بتنمية الوعي السياسي والقيم الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان داخلها لأقصى حد ممكن، ويكون الوعي السياسي فيها مرتفعًا. بينما يلاحظ انخفاض الوعي السياسي في بعض الدول الأخرى.. وعدم اكتراث بتنميته.. بل قد يوجد فيها ما يجعل الوعي السياسي في انخفاض مستمر، وتدهور متواصل. الأمر الذي يكرس التخلّف في شتى مجالات الحياة.

إن ما يدور من أحداث فيما أعقب ثورة الشعب العربي على حكامه تأكد على عدم وجود الوعي السياسي بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكله الصحيح، وهذه للأسف الشديد هي الحقيقة. وعلى الرغم ما رأينه مثلا من وعي جميل تألق به الشباب المصري أثناء ثورتهم نجد أنه ما أعقب الثورة كان مخيباً للآمال ، وذلك يعود لعدة عوامل :الشعور بالظلم المكبوت لسنوات طويلة الذي تذوقه هذا الشعب من حكامه جعله لا يحمل ثقة لأي سلطة كانت .وعدم وجود قيادات حقيقية سبق لها ممارسة السلطة، إلا قيادات قليلة يمكن وصفها بأنها مقبولة من جانب الشعب وهي في الغالب قيادات مارست السلطة بشكل هامشي بحكم الوجود الدكتاتوري للسلطة وكذلك كانت ضمن فلك السلطة السابقة المرفوضة من الشعب وأن كانت قد ظهر منها من مواقف في أثناء وجودها في مناصبها ما يجعلها مرحب بها من الشعب .

بالإضافة إلى الوهم الذي عاشته الغالبية الساحقة من الشعب المشارك بالثورة، فللأسف الغالبية الساحقة تعيش وهم أن الثورة هي عصى سحرية وبمجرد أن تتم سيتحول الوطن إلى جنة النعيم. فهناك من التراكمات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ما تحتاج لسنوات لأزالت أثارها حتى لو تسلم السلطة أشرف الناس وأذكى الناس، لكن للأسف الشديد يتناسى الشعب هذه الحقيقة أو يتجاهلها أو أنه يجهلها.

الثقافة السياسية الديمقراطية

يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة.
وتعنى أيضًا منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة، وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.

ومعنى ذلك: أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد، بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسي بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسي.

ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءًا من ثقافته العامة، فهي تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية: ثقافة حقوق الإنسان، ثقافة الديمقراطية، ثقافة محاربة الفساد والإفساد، الثقافة المدنية، ثقافة التسامح، ثقافة التنوع، ثقافة احترام الأخر ..الخ. وبذلك تكون الثقافة السياسية هي مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطي نظامًا ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي، وبذلك فهي تنصب على المثل والمعايير السياسية، التي يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسي، والتي تحدد الإطار الذي يحدث التصرف السياسي في نطاقه. أي أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات، تؤثر في السلوك السياسي لأعضائه حكامًا ومحكومين.

ثقافة حقوق الإنسان

تتضمن ثقافة حقوق الإنسان، عدة مواضيع منها مبادئ الديمقراطية، والبناء الدستوري، والتعددية السياسية، والإدارة المحلية والحكم الديمقراطي، وإدارة الانتخابات، وحقوق المرأة، والتنمية المتوازنة، والعدالة الانتقالية والبناء المؤسساتي للدولة، وغيرها من الأمور المرتبطة بحقوق الإنسان.

حيث تشكل القيم المتعلقة بالحرية واحترام حقوق الإنسان ومبدأ تنظيم انتخابات دورية نزيهة بالاقتراع العام عناصر ضرورية للديمقراطية. والديمقراطية توفر بدورها تلك البيئة الطبيعية اللازمة لحماية حقوق الإنسان وإعمالها على نحو يتسم بالكفاءة. وهذه القيم واردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أنها مذكورة بالتفصيل في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكرس مجموعة من حقوق الإنسان والحريات المدنية من شأنها أن تساند الديمقراطيات الهادفة.

وتشمل برامج التثقيف جول حقوق الإنسان تعزيز حرية الرأي، واحترام الرأي الآخر، والمساواة والعدالة، والكرامة والتسامح، أي التوعية لثقافة المواطنة وحقوق الإنسان وجهازها المفاهيمي والقيم والسلوكيات التي تنبثق عنها، حيث يؤكد فيدير يكومايور ، المدير العام لليونسكو: ’’القيمة العظيمة لحقوق الإنسان تكمن، في كونها تساعد الكائنات الإنسانية على تكريم نفسها بنفسها، وهو ما يمنح لكل واحد منا القدرة على العمل من أجل بناء عالم أكثر عدلا، وعلى إرساء ثقافة السلم"

أن التوعية والتثقيف على المواطنة وحقوق الإنسان مساهمة أساسية في الوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان واستثمارا في اتجاه إقامة مجتمع عادل يحظى فيه الأفراد بالتقدير والاحترام ، فلا يمكن تجاهل الدور الذي تقوم به التربية على حقوق الإنسان في السياق العام لإنجاز هذه الحقوق، ولا يمكن لحماية حقوق الإنسان أن تكون فعلية إن لم يطالب بها الأفراد بشكل ملموس وباستمرار، ولا يمكن الدفاع عن حقوق الجميع، وبالتالي لا يمكن استخدامها، إلا بعد معرفتها ومعرفة الوسائل الكفيلة بضمان احترامها.

وتعتبر التوعية إلى جانب وسائل أخرى، جسرا رئيسيا يمكن أن تعبر منه تلك الحقوق لكي تشيد لها موقعا ثابتا في شخصية الفرد وفي النسق المجتمعي. يقول أستاذ جامعة فاندربيلت تشي سترفين " قد يولد الناس ولديهم توق إلى الحرية الشخصية، إلا أنهم لا يولدون ولديهم معرفة بالترتيبات الاجتماعية والسياسية التي تجعل التمتع بالحرية أمرا ممكنا لهم ولأولادهم بعدهم .. فمثل هذه الأشياء ينبغي اكتسابها، ينبغي تعلمها ولا تكتفي هذه التوعية بحشد الذهن بمعلومات حول الكرامة والحرية والمساواة والاختلاف، وغير ذلك من الحقوق؛ بل إنها تقوم أيضا على أساس أن يمارس المتعلم (الإنسان) تلك الحقوق، وأن يؤمن بها وجدانيا، وأن يعترف بها حقوقا للآخرين، وأن يحترمها مبادئ ذات قيمة عليا، إنها ليست تربية معارف للتعلم فقط، وإنما هي تربية قيم للحياة والعيش".


ولعل ذلك ما يسمح باستنتاج أن التثقيف على حقوق الإنسان ترمي إلى "تكوين المواطن المتشبع بالقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، القادر على ممارستها في سلوكه اليومي من خلال تمسكه بحقوقه واحترامه لحقوق غيره، الحريص على حقوق ومصالح المجتمع بقدر حرصه على حقوقه ودفاعه عنها.

أثر الثقافة السياسية على النظام السياسي

يحتاج أي نظام سياسي إلى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه، فالحكم الفردي توائمه ثقافة سياسية، تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة، وفتور الإيمان بكرامة وذاتية الإنسان، وعدم إتاحة الفرص لظهور المعارضة.
أما الحكم الديمقراطي فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوق الإنسان، وتقتنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته في مواجهة أي اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قِبَل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين، في ظل مناخ اجتماعي وثقافي، يعد الإنسان لتقبل فكرة وجود الرأي والرأي الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة، في إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة؛ لكي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسي.

وتساهم الثقافة السياسية السائدة في المجتمع إلى حد كبير في بلدان كثيرة في تحديد شكل نظام الحكم، بل إنها قد تساهم في تحديد عناصر القيادة السياسية. وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية، فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطني والمواطنة المسئولة، وهنا يتوقع أن يشارك الفرد في الحياة العامة، وأن يسهم طواعية في النهوض بالمجتمع الذي ينتمي إليه.

لذلك يمكن القول: إن الاستقرار السياسي يعتمد على الثقافة السياسية. فالتجانس الثقافي والتوافق بين ثقافة القيادات السياسية والجماهير يساعدان على الاستقرار. أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة القيادات وثقافة الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسي.

التوعية السياسية

تشهد المجتمعات المعاصرة- بدرجات متفاوتة- أزمة تكامل قومي، فمن الواضح أن أكثر الدول النامية بها العديد من الجماعات المختلفة عرقيًّا ولغويًّا ودينيًّا، الأمر الذي جعل من عملية بناء الأمة مطلبًا ملحًّا. وتواجه أكثر من دولة متقدمة، وإن كان بدرجة أقل حدة نفس المشكلة، حيث تضم أقليات لم تستوعب في النسيج الاجتماعي، ومن هنا تصبح التنشئة السياسية لازمة لخلق شعور عام قوى بالهوية القومية.

هناك اتجاهان للنظر إلى مفهوم التوعية السياسية

الأول: ينظر إلى التوعية كعملية يتم بمقتضاها تعريف المرء مجموعة من القيم والمعايير، المستقرة في ضمير المجتمع، بما يضمن بقاءها واستمرارها.
الثاني: ينظر إلى التوعية من خلال عملية التنشئة السياسية على أنها عملية من خلالها يكتسب المرء تدريجيا هويته الشخصية، التي تسمح له بالتعبير عن ذاته، وقضاء مطالبه بالطريقة التي تحلو له.


في المراحل الانتقالية من الضروري خلق رأي عام، مؤمن بقضايا الثورة وأهدافها وعملية التحول الديمقراطية. وإكساب المجتمع قيم التعاون والمشاركة، وتعويد الشباب على أن كل حق يقابله واجب، وترسيخ قيم المواطنة لديه، من خلال إدراك حقوقه وواجباته، وإشعاره بأهمية وجدوى مشاركته وفاعليتها. فعندما يحترم رأي الآخرين يحترمون رأيه، وعندما يشارك بالرأي في قضايا وطنه، فهو يساهم في صنع السياسات العامة لوطنه، كما أن الإدلاء بالرأي، يعد مدخلاً لتلبية الاحتياجات، فكيف يعرف صانع القرار احتياجاتي، إذا أحجمت عن إبداء رأيي؟

يعد التعليم المدني أحد القضايا البالغة الأهمية، مع بداية القرن الجديد؛ لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة، وهو يعني التعليم السياسي، أي التشكيل الثقافي، بغرض تكوين المواطن المشارك في نظام حكم صالح، بكل شروطه ومقوماته، وتنبع هذه الأهمية من عدة ظواهر، لعل في مقدمتها المرحلة الانتقالية والتحديات التي سيواجهها المواطنين نتيجة للانتقال من دولة دكتاتورية إلى دولة مدنية ديمقراطية، وضرورات إدارة التغيير ـ الأمر الذي يملي حتمية التركيز على التوعية السياسية وبناء الإحساس بالمواطنة ، الذي يستطيع أن يتعامل بذكاء واقتدار، مع كل هذه التحديات.

فالتوعية السياسية في مفهومها المعاصر، تهدف إلى تنمية المجتمع المدني، ليس تعليمًا حزبيًّا، وإنما يقوم على التعددية الثقافية والدينية والاجتماعية، وهو بمثابة دعوة مفتوحة؛ للمشاركة في الشئون العامة، فكرًا وقولاً وعملاً، بهدف احترام الاختلاف والتنوع واحترام الرأي الآخر بهدف تأمين الوحدة الوطنية. والواقع، أنه في المجتمعات المعاصرة، تلعب التوعية السياسية وتشكيل الوعي الديمقراطي دورًا محوريًّا، في دعم أهداف الثورة لبناء دولة مدنية تعددية ديمقراطية وفهم التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المرحلة الانتقالية بهدف الاستقرار السياسي.

ومن جهة أخرى، فإن آفاق التعليم السياسي، الذي يستهدف تنمية فعاليات المجتمع المدني الجديد، الذي نحاول إرساءه، بدلاً من المجتمع التقليدي العسكري الموروث، يشمل العديد من الاهتمامات والمسئوليات، التي يتوجب على الشباب، القيام بها، مع الأخذ في الاعتبار، توسيع مفهوم العمل السياسي والمشاركة الشعبية، لتشمل بث روح الخدمة العامة والعمل الوطني لدى الشباب.

إن التوعية والتثقيف السياسي هو الباب المفتوح أمام شبابنا؛ لتأهيلهم للقرن الجديد، وإعداد مجتمعنا للنهضة الوطنية، وترسيخ قيم (حقوق الإنسان والديمقراطية والتمكين السياسي كصيغ ومفاهيم للحكم الرشيد) بهدف تعزيز المشاركة السياسية التي هي أساس الديمقراطية.
هناك حاجة ماسة إلى تنمية ثقافة سياسة مدنية، وإلى حضارة حوار ديمقراطي غير منغلق، إلى اقتناع فعلي بالديمقراطية، وبالتعددية السياسية وبالتداول الديمقراطي للسلطة، وبالصراع السلمي وممارسته فعلا. إننا بحاجة إلى تعزيز مبدأ التسامح والقبول المتبادل للأطراف المختلفة والاستعداد الذهني والنفسي في الاستماع إلى الرأي والرأي الآخر واحترامه والكف عن التصور بامتلاك الحقيقة كلها وغيابها عند الآخرين. إن النضال من اجل القبول بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وممارستها فعلا واحترامها لا يتوجه نحو القوى الحاكمة وحدها، رغم إنها هي المعنية حاليا بسبب مصادرتها لها عمليا، بل يتوجه أيضاً صوب المعارضة السياسية لكي تخضع نشاطها لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وهي ما تزال خارج السلطة منذ الآن، إنه يتوجه إلى النقابات والمنظمات غير الحكومية، إلى القوى القومية والإثنية، إلى القوى الدينية والمذهبية، وإلى كل أفرد في المجتمع.
الدكتورة شذى ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
حقوق الانسان ومكافحة الفساد







#نادية_حسن_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من له الحق في توزيع صكوك الوطنية وسندات ملكية حب سورية؟
- دور الأمم المتحدة في حفظ السلام - المناطق العازلة والمناطق ا ...
- نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية – المفاهيم –7- الشفافية ...
- نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية – المفاهيم –6- مواجهة تح ...
- نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية – المفاهيم – 5- فصل السل ...
- نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية – المفاهيم – التداول الس ...
- نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية -المفاهيم- التعديدية الس ...
- نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية: القانون وحقوق الإنسان - ...
- الاستراتيجية الوطنية للدولة المدنية: المبادئ الأساسية للمواط ...
- الناتج المحلي الإجمالي للسعادة الوطنية ومؤشرات السعادة الوطن ...
- هل يمكن اعتبار تشكيل مجالس وهيئات للثورة بداية لنوع من التعد ...
- يوم من حياة أم معتقل...
- شو يعني حرية يلي عم يطالب بها المتظاهرين؟
- هل نحن في حاجة إلى الديمقراطية التوافقية في المرحلة الانتقال ...
- حماية حقوق الانسان للمرضى والجرحى والمصابين وضحايا التعذيب ف ...
- الطريق للتغير نحو الديمقراطية في سورية
- انتهاك حقوق الإنسان كان الدافع الأساسي والمحرك الرئيسي للثور ...
- حقوق الإنسان العربي في العصر الحديث
- العهد السياسي الجديد ودور الإرادة الشعبية في تأسيس المعارضة ...
- المعارضة الصامتة


المزيد.....




- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نادية حسن عبدالله - نحو استراتيجة للدولة المدنية – المفاهيم – 8 - تعزيز ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية