|
مذابح عابدي الإله أكبر بحق الأقليات الدينية والعرقية في سوريا عبر التاريخ الجزء الثالث ( مذبحة حلب سنة 1850 )
جاسم عبدالله صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 22:39
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نعود لأستكمال سلسلة المذابح الوحشية التي قاموا بها رعاع التعصب النازيون ...
1- مذابح عابدي الإله أكبر بحق الأقليات الدينية والعرقية في سوريا عبر التاريخ الجزء الأول ( الأرمن ) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=288773
2- مذابح عابدي الإله أكبر بحق الأقليات الدينية والعرقية في سوريا عبر التاريخ الجزء الثاني (الآشوريون/ السريان/الكلدان ) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=4517&aid=289360
وبعدها نُكمل على الشكل التالي : 4 - مذابح دمشق، تموز 1860 5 - مذابح اليهود 6 - مذابح العلوية 7 - مذابح الدروز
كان من المُقرر كتابة مذابح دمشق قبل مذبحة حلب إلا إنّ بعض الترابط بين الحدثين جعلني أكتب أولاً مذبحة حلب لأنها تسبق مذابح دمشق بعشرة أعوام ...
مذبحة حلب سنة 1850 الشهيرة بـــ" قومة حلب " كانت وحشية يُندّى لها الجبين فقد حرقوا ثلاث كنائس أخص منها كنيسة السيدة للروم الكاثوليك، وكنيسة مار آسيا الحكيم للسريان الكاثوليك، وكنيسة السيدة للروم الأرثوذكس وتقدر قيمة الكنائس الثلاث المحروقة بخمسة وعشرين ألف ليرة إنكليزية، وقد نهبوا خمس كنائس أخرى وأتلفوا مكتبة ثمينة تحوي على عدد كبير من مخطوطات سريانية قديمة وقتلوا ثلاث كهنة، وعدداً يناهز / 14000 / شخص، وجرحوا كثيرين، منهم مطران السريان الكاثوليك وهو شيخ وقور في الثمانين من عمره وقد مات بعض الجرحى والبعض قد أشرف على الموت، وقد نهبوا أهم أحياء المسيحيين: "الصليبة – الجديدة – التومايات – حارة العنكبوت- التدريبة – بوابة أم بطرس – بوابة القصب – بوابة الخل". وتقدر الخسائر من الأموال والممتلكات بمليون ليرة إنكليزية تقريباً في ذاك الوقت .
هوجمت الأحياء المسيحيّة في حلب واستدعي لمساندة سكّان الأحياء الشرقيّة الفلاّحون والبدوّ وكانت تحمّسهم الطبول وزغاريد النساء. والمعلّم نعوم بخّاش يصف الهلع الذي حلّ به لمّا سمع الغوشات والدق بالطبل والقواسات والعيطات "واليوم يومكم يا نصاره" (1) والمطران بولس اروتين الذي كان ضمن مطرانيّته في الصليبه سمع الصراخ: "الله أكبر عالصليبة، اليوم يوم التضحية، يوم الغنيمة، يوم النصر والغلبة على الكفرة. من كان مسلماً فليلحقنا". ونساؤهم معهم تهيّجهم بالصياح والزغاريد (2) . والشيخ كامل الغزّي يقرّ ضمناً أنّ الثورة لم تكن مجرّد شغب أثاره زعماء محليّون لأسباب شخصيّة إذ يقول (3): "ولمّا وصلوا إلى محلّة الألمجي والماوردي قصدوا بطريرك طائفة الروم مكسيموس مظلوم وأرادوا القبض عليه لأنّه كان منذ أيّام إبراهيم باشا المصري وما بعدها يدور أحياناً بشوارع حلب وهو راكب بأبهة زائدة وموكب حافل يتلقّى المسلمون منه ذلك كإرغام لهم وتعالٍ".
وإنّ المعلّم نعوم بخّاش الذي كان يدوّن يوماً بيوم ملاحظاته في مذكّراته كان يترقّب هذا الانفجار سنة قبل حدوثه: "السبت 6 آب 1849 دخل البطريرك مظلوم إلى حلب من وراء العمارة بملاقاة كل نصارة الروم والعيان وكان القواسة 25 من عند القناصر و 8 من عند الباشا. وصار له دخله معتبرة...(4). ويذكر في أخبار أسبوع 26 آب -1 أيلول "والبطريرك مظلوم داير يرد السلام ركب ومعه مطران 2 وقسوس 8 رافعين العكاز وقواس 2 بعكازين فضة بفنتظية معتبرة مثل وزير والإسلام قيلبين دمومهم ومقهورين" (5). وفي أسبوع 9-15 أيلول 1849 "وحلب مشقشلة (مضطربة) بدها تقوم على النصاره والسبب لأجل عمارة الكنائس ومن البطريرك مظلوم لأجل أنه يركب ويرفع العكّاز بالأزقة والشوارع". (6)
كان الجوّ إذن متوتراً وينتظر الشرارة لينفجر واستغلّ البابنسي مشاعر الشعب البسيط وغرائز النهب لدى البدو ليصل إلى مآربه. ولم يكتفِ الثوّار بالنهب بل حطّموا وأتلفوا وأحرقوا وقدّر العطل الذي حصل للمسيحيّين بمائة ألف كيس ما عدا مئات الجرحى وعدد قليل من القتلى كبداية وهاجر العديد من المسيحيّين حلب بسبب القلق على أمنهم وتظهر الوثائق المعاصرة عدم اطمئنانهم. فقد ورد في مذكّرات مطران الموارنة بولس اروتين التي كتبها أربعين يوماً بعد الأحداث: "استقام حال البلد على هذا الحال مدّة عشرين يوماً والإسلام مع علمهم بأنّ المادة لم تنتهِ بعد، فيمين العلي ضبطهم عن فتنات كثيرة خاصة ندم الذي حلّ بهم بعدم قتلهم النصارى وإبادتهم في ذلك اليوم. الأمر الذي صاروا يلهجون بذكره دائماً في ندامتهم عن عدم قتلهم وتهديدهم بذلك في المستقبل". (7) ... ولمّا أسفر يوم الأربعاء (6 ت2) ابتدأ الحرب أيضاً بينهم (الجيش النظامي وأنصار البانسي) ولم يزل ثايراً من الجهتين حتى بعد نصف النهار. لكن ماذا تظنّ، أي خوف عظيم استحوذ على المسيحيّين في هذه الأيام الحربيّة لأنّ أجواق القوم ولميع أسلحتهم وضجيجهم وصياحهم حين مرورهم بالشوارع والأزقة كان عظيماً وكانوا يتوعّدون المسيحيّين أن بقي لهم من العمر ساعات قليلة. وبالحقيقة إنّ نواياهم الخبيثة قد كانت شهيرة أي أنهم مزمعون بعد أن يظفروا بالعسكر يبيدون كلّ نصراني من حلب ولا يبقوا لمسيحي أثر. والأموال الباقية فهي أموالهم، إلاّ أن القدر قد عجّل بانقراضهم وانتصار حسام السلطة السنّية في أرقابهم" (8).
ما الذي أوغر قلب هذه الشريحة من المسلمين ضدّ المسيحيين مع أنهم كانوا يعيشون منذ أجيال معهم بسلام ؟ لربّما صعب عليهم أن يروا النصارى يتحرّرون من وضعهم كذمّيين ويأخذون مكانتهم كمواطنين عاديّين. هناك شهادتان لمعاصرين تلقي بعض الضوء على هذه القضية: (9) "وصلحت أحوال حلب في أيام إبراهيم باشا هذا ورأى من الحزم أن يترضى الفرنج فتحرّى المساواة في أحكامه بين المسلمين وأهل الذمّة من رعاياه فنشط النصارى من عقال الصغار الذي كانوا فيه قبلاً ونفضوا شعار الذلّ والمسكنة وعلموا أنّ لهم حقوقاً كغيرهم من بني آدم فأقبلوا يرمّمون ما كان متداعياً من كنائسهم وبنوا كنائس جديدة في حارة الصليبة التي تقدّم أنها مختصّة بهم. وصار أرباب دينهم يخرجون في الأزقة بالقلانس يحملون الصليب أمام الجنائز وكان كلّ ذلك محظوراً عليهم في حكم الترك. فلم يطب هذا الأمر لعامّة المسلمين ونقموا عليهم ولكنّهم كتموه في أنفسهم إذ لم يكن في وسعهم أن يبدوه فوغرت صدورهم وحقدوا وتربّصوا السوء بجيرانهم... وتوفي السلطان محمود... وخلفه ابنه عبد المجيد فجرى على السنن القديمة يولّي على المدن ولاة من الترك ثم يبدو له فيعزلهم بآخرين إلاّ أنّه لم يسعه إلاّ أن يترضّى من الإفرنج بأن يسلك في الظاهر نهج المساواة والعدل فأصدر فرماناً فيه من المواعيد العرقوبيّة بالمساواة والأمان ما اغترّ به الإفرنج وانخدع به النصارى فاستمرّوا على ما ألقوه أيّام المصريّين وازداد جيرانهم المسلمين حنقاً عليهم" (10). وكتب سكين القنصل البريطاني بحلب إلى سفيره في اسطنبول (31 آذار 1859) "إنّ المسيحيّين رعايا السلطان في حلب يعيشون في حالة الخوف بسبب ما أصابهم من النكبات منذ تسع سنوات على أنّ حالتهم ليست أسوأ منها من حالة سائر المسيحيّين في غير مدن الذين لم يشهدوا الفظائع التي حلّت في حلب سنة الخمسين. في تلك السنة نُهبت البيوت وقُتل الرجال من الأعيان وفُضحت نساء. فلا عجب أنّ من كانوا شهود عيان لتلك الحوادث يبيتون في الوجل والخوف فيخبئون أموالهم وعيالهم في البيوت ويتحاشون الخروج من الأحياء المسيحيّة. على أنّ الاحتلال المصري خفّف من شدّتهم لأنّ المسيحيّين قبل 1832 كانوا يُمنعون من ركوب الخيل وكانوا يُسخّرون في تكنيس الطرقات وحمل الأحمال ليبيّنوا خضوعهم وصبرهم ولم يكن المسلمون يخاطبونهم إلاّ بالاحتقار. وجاء المصريّون ولطّفوا من قساوة تلك المعاملة. ولمّا رحلوا عن البلاد لم تتجدّد المعاملات المشينة بحقّ المسيحيّين في الظاهر أمّا في الباطن فلم يحدث تغيير محسوس. ولا يزال المسيحيون يتحدّثون بما حلّ بهم من نكبات ويخافون من قومة البلد في كلّ عيد أو حفلة من أعياد أو حفلات المسلمين".
هذا تعريف بسيط للمذبحة البشعة التي حلّت بالمسيحيين في حلب على يد عابدي الإله أكبر " الله " ! أما للخوض في تفاصيل تلك المذبحة بكل نواحيها فإليكم كتابا كامل مُفصل بالوثائق لما حصل وهو عبارة عن كتاب " pdf " يُمكن قرائته بدون تحميل : http://www.skandarassad.com/inside/pdf/aleppo%201850.pdf
مراجع :
1- بخاش 2 ص207
2- المجلّة السوريّة 1927 ص 82
3- الشيخ كامل الغزي "نهر الذهب في تاريخ حلب" مجلد3 ص287
4- المصدر السابق مجلد2 ص 149
5- المصدر السابق مجلد2ص151
6- المصدر السابق مجلد 2 ص153
7-أهم حوادث حلب، نشرها عبد الله قرأي ص 89
8- المرجع السابق ص 91
9- مخطوطة مختصر تاريخ حلب لجامعه عبد الله مراش ص 67
10- توتل، وثائق تاريخية عن حلب، أخبار الموارنة 2 ص 70
#جاسم_عبدالله_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النهضة العلمانية السورية ستبدأ الأحد القادم
-
عصابة إسلاموية بعثية بوطية تكتب دستور جديد لسوريا ( الديموقر
...
-
مذابح عابدي الإله أكبر بحق الأقليات الدينية والعرقية في سوري
...
-
رسالة مفتوحة لنقيب المحامين وعضو لجنة صياغة الدستور الجديد ل
...
-
مذابح عابدي الإله أكبر بحق الأقليات الدينية والعرقية في سوري
...
-
محمد يتوعد لقريش فيتحدوه أن يُثبت وعوده فيفشل فأشهر سيفه على
...
-
شبيح أم عرعوري ؟ ربما منحبكجي أو مندس !
-
صكوك الغفران بين القس الخرفان ومحمد رسول العربان
-
مقارنة بسيطة بين محمد ويسوع أهداء للزميل المجاهد طلعت خيري
-
دراسة بسيطة حول الدين السياسي وخفاياه وتأثيره على الدين نفسه
...
-
أتسخرون من ليبيا يامؤيدي حزب البعث النازي ؟
-
سوريا الآرامية بين تخريف العربان وتدليس البعثان ( الجزء الأو
...
-
طز بالأخوان المسلمين عموماً وب زهير سالم خصوصاً
-
العالم يحتقن من جديد ويُقبل على حرب عالمية ثالثة , الإسلام و
...
-
لما لا يعبد المسلمين أمرؤ القيس ؟
-
خواطر علماني مقهور ( الجزء الثاني )
-
خرافة قلب العروبة النابض !
-
ماذا لو لم تُلغى المادة الثالثة من الدستور السوري ؟
-
الرشوة السبب والمُسبب في الفساد الأخلاقي , حللها الإسلام وهو
...
-
خواطر علماني مقهور ( الجزء الأول )
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|