أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كاترين ساماري - من المواطنة إلى الإدارة الذاتية















المزيد.....


من المواطنة إلى الإدارة الذاتية


كاترين ساماري

الحوار المتمدن-العدد: 3595 - 2012 / 1 / 2 - 08:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



أود إثارة ثلاثة أسئلة بهدف إجراء سجالات ضرورية امتدادا لتلك التي قدم لها أنطوان أرتو، انطلاقا من النضالات الراهنة المناهضة للعولمة. ما هو الموقف و ما هو الإجراء"الانتقالي " في النضالات الراهنة المناهضة للعولمة: المواطنة الشاملة، مجرد" تجريد" رأسمالي أو مشروع يفرض الاشتراكية؟ هل يختفي "السياسي" مع الإدارة الذاتية للشركات: ما هي الصلات العضوية بين الديمقراطية السياسية و الديمقراطية الاقتصادية؟ هل يستطيع(يتوجب على) الانعتاق الاستغناء عن المؤسسات و الخبراء؟




المطالب المواطنية في النضالات الجارية

تعبر النضالات الجارية عن "مطالب مواطنية"، ديمقراطية، للسيطرة على الاقتصاد في مختلف المستويات التي يجري فيها اتخاذ القرارات- من المحلي إلى الشامل، من الشركة إلى المؤسسات. إن نقد هذه الأخيرة يتماسك أكثر فأكثر، و تبديد الأوهام المتعلقة بالديمقراطية البرلمانية هو أفضل وسيلة للالتفات إلى ما يصوت عليه المندوبون، و ما يسيطرون عليه حقا، و من يسيطر عليهم. كتب المنظر الفوضوي بيير كروبوتكين(1): "أيها الباريسيون، يكفي أن تقابلوا ممثلكم كي تقرفوا من الحكومة التمثيلية". يستطيع رفاقنا المندوبون الذين تواجههم المهمات اليومية و إجراءات البرلمان الأوربي أن يضيفوا الكثير حول الوصف الذي قدمه للمنتخبين. غير أن البرلمانات منتخبة على الأقل. و هذا يعطي ارتباطا سياسيا بمسألة الحسابات الواجب تقديمها أمام " الشعب السيادي". و الأسوأ هو الانحدار المتزايد نحو سلطات تعززها حكومات غير منتخبة، كما هي الحال بالنسبة للجمهورية الخامسة والمؤسسات الأوربية، ولاسيما تلك التي حللها إيف ساليس في كتاب: الإصلاحات و الثورة(آغون،2001).

إذن، تكتشف الحركة المناهضة للعولمة يوما إثر يوم البون الشاسع بين الخطابات العامة لحكامنا من جانب، و المصالح الضيقة التي يجري حقا الدفاع عنها من جانب آخر. منطقها هو إدانتها، لكن كذلك البحث عن إجابات بديلة تعبر حقا عن "المصلحة العامة". و هي تكتشف كذلك أن ذلك يجري عبر إخضاع "الاقتصادي" للخيارات السياسية و الأخلاقية و البيئية المحددة على نحو جماعي و ديمقراطي. لكن كيف؟ و كيف ندخل أنفسنا في تلك السجالات؟

نحن بحاجة لبناء جسور بين النضالات الجارية ضمن النظام و ضده و بين ما بعد الرأسمالية التي نريدها مستندة إلى التنظيم الذاتي. تتضمن علاقات القوة الواجب بناؤها للتقدم نحو إمكانات أخرى سلطات مضادة تعبر عن مطالب "شرعية" (و تكون بالتالي مدعومة بحركات جماهيرية). شرعية لأنها تستجيب لحاجات تستطيع الموارد الحالية تلبيتها تماما- شرط إدارتها وفق معايير تلبية الحاجات. ينبغي إذن التعبير عن هذه المطالب بوصفها "إصلاحات"، دون الانشغال بمعرفة عن كانت "متوافقة" أم لا مع الرأسمالية؛ الأمر يتعلق ب"مطالب انتقالية" تقيم جسرا بين نضالات اليوم و مستقبل غير واضح المعالم. لكن لبناء جسور، نحتاج أن نعرف قليلا "الضفة الأخرى". إن النظام السياسي يفرض في الآن ذاته انتقاد المؤسسات مثلما هي، و منازعة النظام الاجتماعي التي تديره و تطوير كافة أشكال التدريبات الديمقراطية التي تتيح تخيل مستقبل ينبغي ألا يخيب الأمل، حتى إذا استبعدنا يوتوبيا " النماذج المنجزة"...

نقطة الانطلاقة للنقاش هي النقد الضروري لما يشار إليه غالبا بوصفه "التجريد المواطني" للرأسمالية. نشير بذلك إلى واقع أن الفرد "عموما" (خارج الطبقة أو الفئة، أي الفرد "المجرد") أصبح لأول مرة في التاريخ مزودا بحقوق ديمقراطية، حقوق انتخابية و تنظيمية، الخ. من السهل إظهار الطابع الشامل الزائف لهذه الديمقراطية. خلف المواطن المجرد يظهر في الواقع البرجوازي و البروليتاري، الرجل أو المرأة، الفرنسي أو المهاجر... علاوة على ذلك، فمن السهل و الضروري إظهار أن أكثر البرلمانات ديمقراطية في مجتمع رأسمالي مزودة في الحقيقة بسلطات محدودة في مجال اتخاذ القرار. فأهم الخيارات تجري خارجها، في العلاقات الطبقية، في "الاقتصاد" الذي يفترض أن هنالك "قوانين" تديره(يمكن إذن مناقشتها)، في الشركات التي يفرض فيها حق ملكية رأسمال نفسه على العمال المأجورين.

إذن، ينبغي بطبيعة الحال أن تكون إحدى مساهمات اليسار الجذري إبراز علاقات الملكية و السيطرة و الاستغلال هذه وراء "الموطنين المتساوين" ووراء الديمقراطية البرلمانية. لكن سؤال "كيف" الذي يطرحه التحليل و التربية ليس عديم الصلة بسؤال: ما الذي نضعه مكانها؟

حول التقليد الفوضوي- الشيوعي

يتضمن التقليد الفوضوي الشيوعي قول التالي: هذه الديمقراطية "المواطنية" تخفي سلطة البرجوازية (أقلية تقمع و تستغل)؛ وهي ديمقراطية شكلانية (غير حقيقة) – و بالتالي، سوف نعيد العمال، الأغلبية التي تعيش من عملها، إلى مكانهم وكذا الديمقراطية الحقيقية (المتجذرة في الشركة)... وذلك بإلغاء البورجوازية. لذلك، فالتقدم الديمقراطي في مسار العبور إلى الاشتراكية مترابط بالكامل مع مفهوم الأغلبية البروليتارية (الاجتماعية) و حقوقها في إدارة الشركات.

بطبيعة الحال، تندرج حصيلة فشل "الاشتراكية الحقيقية" في هذه السجالات. وأريد مناقشة الاستنتاجات التي يستخلصها ليون كريميو منها في هذا الكراس. فهي من وجهة نظري تتميز بحدود مفارقة: إذا كان لا يوضح انتقاد الدولة/ الحزب، فلأنه يرى ضمنيا المستقبل الاشتراكي دون مؤسسات. يكفي إذن التخطيط لتدمير المؤسسات الموجودة باعتبارها جميعا مرتبطة بأنظمة قمعية؛ كذلك، فهو لا ينتج نقدا مناسبا للعلاقات الاجتماعية و لملكية الشركات المسماة بالاشتراكية لأنه يكتفي بمماثلة سطحية ل" العمل المأجور" في الاتحاد السوفياتي مع ذاك الموجود في الرأسمالية، مع أن المعايير السلعية كانت تلعب فيه "دورا فعالا" بلغ من ضعفه أن مدراء الشركات كانوا يجهدون كي يتجاوزوا الخطة "دون حساب"، مهما كان الثمن على صعيد وسائل الإنتاج ودون قدرة على التسريح من العمل أو إغلاق شركات أو فتحها وفق معاييرالمردودية. يا له من عمل مأجور(علامة للتعّجب) في تحليل ليون كريميو، يتجنب ذكر العلاقات مع بيروقراطيات الشركات و الحزب، في حين أنها المشكلة الأساسية القادمة في أي مشروع اشتراكي.

في الواقع، تحقق الستالينية بعد أبعاد البرنامج "الجدري" المعادي للرأسمالية، إذ تلغي إلى الحد الأقصى الدور المسيطر للسوق و الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج؛ كما تدمر النزعة البرلمانية و تطيل نموذج منع البلاشفة للدوما و للتعددية السياسية. هل الرد التقدمي المعادي للستالينية هو قبول كل ذلك بمجرد القول إنه ينبغي أيضا إلغاء الحزب/ الدولة و معه كل المؤسسات؟

إن مشروع المجتمع الشيوعي التحرري(البدائل التحررية، أيار/ مايو 2002)، الذي اقترحته منظمة البديل التحرري، يضع لنفسه أهدافا تحررية مألوفة لنا، ويعترف بنزاهة بأنه يثير "أسئلة دون القدرة على الإجابة عليها". غير أنه يبقى "موسوما بخطوة فوضوية نقابوية، تولي الأولوية للديمقراطية في الشركة على الديمقراطية المرتبطة بالمكان". إن نص ليون كريميو قريب من ذلك المشروع، لأنه يركز بالضبط على علاقات الاستغلال في الشركة. وفق هذا المشروع، "أثناء طور أول من إقامة مجتمع يدير نفسه بنفسه، لن يمتلك كافة السكان السلطة [بل] العمال" (ص. 31).

هل سندافع عن موقف من هذا النمط في الحركة المناهضة للعولمة؟ هل سنشرح قائلين: "الديمقراطية الحالية محدودة بالبرجوازية، لذلك ينبغي ألا نعطي مزيدا من الحقوق للبرجوازيين بل نعطيها كلها للعمال"؟ علاوة على الطابع المزري سياسيا وقليل الجاذبية لهذه الخطوة، دعونا نؤكد على مظهرها غير القابل للتطبيق: بدءا من أي دخل ووفق أية معايير سيكون لدى المرء حق في المواطنة؟ وهل سيصبح مشبوها كما في الاتحاد السوفياتي الستاليني إذا كان "ابن برجوازي"؟

نحن نحتاج ثورة ثقافية في اليسار الجذري: التجرؤ على استحواذ إعلانات الحقوق الشاملة، التجرؤ على استحواذ طلائع دساتيرنا... وقلبها ضد الرأسمالية قائلين: "نتحدى ! " ومطالبين باسم الحقوق المعلنة بالوسائل الحقيقية لتطبيقها ! هذا هو قلب النظام الجذري في ديمقراطيته، و ليس في مواطنة مقتصرة في أسس اجتماعية أو في رفض الحقوق المعلنة.

عبر تحدي شمولية الحقوق، سيجري مع العمال مسألة – كم منهم انتخبوا في البرلمانات(و لماذا؟) - ، و مع النساء كل ما يعيق المساواة المطالب بها مع الرجال، و مع المهاجرين سبب عدم التساوي في الحقوق. و بفرض السجال حول وسائل توسيع الحقوق الشاملة، سوف نلتمس بالضرورة حقوق رأس المال و العمل، التفاوتات الاجتماعية في التوصل للتعليم، و المعلومات و الرعاية الصحية و الخدمات، إلخ.وسوف نصل إلى تفاقم التفاوتات الناتجة عن خصخصة الخدمات العامة وعن منطق الأقوى في المنافسة الوحشية.

إذن، ينبغي دفع السجال حول إعادة النظر في المصادر العميقة للتفاوتات الحقيقية، وذلك بإثارة مسألة التمفصل بين الديمقراطية السياسة و الديمقراطية الاقتصادية.

"السياسي" لا يختفي مع الإدارة الذاتية للشركات

ينبغي عدم اختزال مسألة الإدارة الذاتية(2) في "نموذج" يدير فيه العمال شركت –"هم". مثل هذا النموذج، العائد للتقليد الفوضوي – النقابوي، يفترض أنه سيكون منطقيا و عقلانيا أن يحدد العمال الموظفون بالصدفة في مصلحة البريد سعر الطوابع؛ وأولئك العاملون في المصارف سياسة الاعتماد؛ وأولئك العاملون في الترسانات الخيارات العسكرية، إلخ. هذا أمر يدمر الصلة العضوية الاجتماعية و السياسية في آن معا ل"المجتمع" و يحابي في الفرد كونه عامل شركة – في حين يتوجب في مشروع تحرري الاعتراف بهذا الفرد بكل غناه و تعقيده كفرد ذي أوجه عديدة قادر ليس فقط على تغيير وظيفته، بل كذلك على الاهتمام بكل خيارات المجتمع. بوسع مشروع الإدارة الذاتية الاشتراكي، ويتوجب عليه، الارتباط ب "المواطنة المجردة". و هو سيفعل ذلك، مثلما يقترح أنطوان أرتو، عبر توسيع حقل "السياسي". وهذا هو بالضبط ما تفعله الحركات المناهضة للعولمة باكتشافها إلى أية درجة تتسم الخيارات الاقتصادية بكونها خيارات سياسية – رهانات للمجتمع.

يثير قرار تخصيص هذا الجزء أو ذاك من أموال الاستثمار العامة لمختلف الفروع سجالات حول أولويات إنتاج شركة ما،و بالتالي سجالات عمومية، سياسية: حول الحاجات الأساسية الواجب تلبيتها للجميع، و الحقوق الشاملة و الأولويات و الخيارات الأخلاقية(وضع العمال و النساء، الخ) أو الديمقراطية(زمن التأهيل و إنقاص زمن العمل وتقسيمه) و التضامن الدولي هذه الخيارات "الكبيرة" للقيم تمتد في سجالات أخرى تخص المواطنين في مجملهم: أية سياسة نقل جماعي؟ أية سياسة رعاية صحية؟ أي تنظيم لزمن العمل و الراحة؟

إن إعادة النظر في سلطة البرجوازية ليست في منع "البرجوازيين" من حق التصويت، بل في واقع عدم ترك تعيين هذه الخيارات بين أيدي المصلحة الخاصة و السوق. وكذلك في واقع التغيير الجدري لحقوق اتخاذ القرار وإدارة العمال للمجتمع بأكمله، إذ ربما يكون للشركة وضع قانوني متمايز.

كما ينبغي لوي عنق فكرة خيارات المجتمع التي قد تكون "برجوازية" أو "بروليتارية" حصرا، حتى إذا توجب إبراز المصالح الطبقية. نجد امتدادا لهذا الكاريكاتورللماركسية في " العلم البروليتاري"، ثم في ملاحقة العدو الطبقي خلف كل سجال.

بالمقابل، يتوجب منح سلطة مراجعة وتحكم نوعي لأولئك المعنيين أولا بمسألة محددة – لكن دون الوقوع في أفق محدود يجعل العمال وحدهم مخولين بتقرير زمن العمل(في حين أنهم أيضا منتفعون وآباء ومتقاعدون وشباب)، ويجعل النساء فقط يهتممن بالإجهاض، أو يجعل المثليين وحدهم يتحركون دفاعا عن حقوقهم. الأمثل بالنسبة ل"مجتمع" يتألف من أفراد ذوي أوجه عديدة، متنازعة أحيانا، ليس حصيلة الخيارات المتحدة في "الجماعات" المغلقة، كما أنه ليس النتاج التشاركي لحصيلة قرارات في الشركات المدارة ذاتيا، ذا آفاق ومصادر محدودة.

هذا أيضا هو السبب في أن فكرة ديمقراطية اقتصادية تنبثق من مجالس شركات أو أحياء عبر تفويض إلزامي حتى المستوى الفدرالي، هي أمر لا بد من نقاشه. كما أن أنطوان أرتو يلاحظ أن "هرم" أو فدرالية) المجالس يبتعد بسرعة عن التجذرالمحلي ما إن يتوسع مستوى المنطقة المعنية، وذلك بالنسبة لأولئك الذين يبرزون هذا النموذج بوصفه "ديمقراطية مباشرة". إذن، من الوهم بمكان اعتبارها ضمانة ل "ديمقراطية مباشرة". على أية حال، فهذا الشكل من إبراز التجذر الاجتماعي للديمقراطية يفقد أثناء ذلك البعد السياسي للسجالات و للرهانات الاجتماعية، و كذلك الهدف الرئيسي المتمثل في جعل مصالح الآخرين تعني كل "فرد".

إن مشروع المجتمع الشيوعي التحرري يميز محقا بين القرارات الشاملة و بين المبادرات المحلية، فالأولى "لديها تواثر عام على مستوى فدرالية بأكملها، سواء تعلق الأمر بفرع صناعي أم بمنطقة أم بالمجتمع بأكمله" (صفحة 68). يمكن أن نتفق مع الانشغال ب "إنقاص إلى الحد الأدنى" لهذه الخيارات الشاملة، وذلك عبر بند إنقاذي: إنها التجربة و مبدأ التفريغ (ترك ما يجري إدارته بفعالية على المستوى المحلي لهذا المستوى، وإرساله إلى الدرجة الأعلى في الحالة المعاكسة)، يجب أن يسمح بحسم ما ينبغي بالأحرى أن يعود لقرارات "شاملة" أو محلية.

والحال أن أول السجالات "الشاملة" يتعلق بمعيار/ معايير الفعالية المأخوذة بالاعتبار، حسب طبيعة المشكلة. إن البنيان الأوربي، الذي يفترض السوق و المنافسة "الفعالين"، يستطيع أن يجعل المركزية في حدها الأدنى في المناطق أو الجامعات، و أن يفكك الخدمات أو يخصخصها بتبني مبدأ التفرعية. و في الواقع، تسمح الوسائل التقنية للمعلومات و الاتصالات بتوسيع نزع المركزية الذي يقرب من السيطرة المحلية و أخذ الخيارات الشاملة بالاعتبار، في آن معا. لكن هنالك العديد من المسائل التي تجري تسويتها على نحو أكثر عدالة وفعالية (من وجهة نظر المعايير الأخلاقية لمجتمع اشتراكي) على المستوى "الشامل": التضامن الاقتصادي الهادف إلى انقاص التفاوتات بين المقاطعات و المناطق، انسجام الخيارات التقنية في وسائل النقل (كان إلغاء المركزية في قرارات التسيير الذاتي في يوغوسلافيا يرغم على تغيير القاطرة لدى عبورها بين منطقة و أخرى بسبب عدم وجود سكك حديدية بنفس الحجم)؛ البيئة، الحقوق الشاملة الكبرى (في التعليم و الرعاية الصحية، الخ) و بالتالي وسائل ضمانها للجميع.

لكن كيف يمكن ضمان مشاركة شعبية حقيقة في تحديد الخيارات و التحكم بها؟ لا يقول مشروع المجتمع الاشتراكي التحرري كلمة واحدة عن المؤسسات السياسية لاتخاذ القرار، بل يذكر فقط "استشارة ديمقراطية لمجمل المعنيين" ... و هو أمر يعيدنا من جانب إلى النقاش السابق (من هم "المعنيون" و من الذي يقرر ذلك؟) و من جانب آخر إلى سجال حول المؤسسات الضرورية أو غير الضرورية لإجراء هذه الخيارات.

ليس بوسع الانعتاق الاستغناء عن المؤسسات

لقد أخفى الماركسيون و الفوضويون أكثر مما ينبغي مسألة المؤسسات و "الخبراء" وكذا مسألة السوق في الاشتراكية. السبب في هذه الثقوب السوداء الثلاثة هو من جانب هدف مشترك(لا يزال قائما ) يتمثل في اضمحلال الدولة، و إعادة النظر في التفاوتات الطبقية و المعارف و رفض سيطرة العلاقات السلعية بين الكائنات البشرية؛ و من جانب آخر، كثيرا ما غذى انتقاد الدولة البرجوازية و السوق الرأسمالية و إعادة النظر فيهما الميل "الثوري" لإنكار المؤسسات و السوق عموما، نحتاج على عكس ذلك تحليلا متمايزا في الحالتين: ما يستوجب تدميره (سوق رأس المال و العمل، الدولة كأداة برجوازية للقمع ) و ما يستوجب تحويله جذريا (سوق الخيرات، الديمقراطية التمثيلية) و ما يستوجب اختراعه أو ما ينبثق من السلطات المضادة الناشئة (الديمقراطية المباشرة و التشاركية...).

لكن هذا النقاش لا مبرر له أصلا إذا ما اعتقدنا بإمكانية الاستغناء عن المؤسسات (بوصف السوق إحداها أصلا). أو إذا ما اعتقدنا بالقدرة الكامنة و "المباشرة" للبروليتاريا على خلق مجتمع بديل. إنه إعلان إيمان خطر في سذاجته: بما أنه لم يجر و لن يجري أبدا التحقق منه، فهو تحد تواجهه البروليتاريا و تغذيه على نحو مفارق. إن حصة العقلانية في "إعلان الإيمان" هذا هي الاعتراف بالإبداع الحقيقي للنضالات الجماعية و القدرات الفعلية التي راكمها العمال في عملهم و الدور المفتاحي لتعبئتهم في قلب النظام القمعي. كما أنها موجودة في قناعة ينبغي الاحتفاظ بها كاملة: لا نستطيع تخيل مجتمع متحرر من العلاقات القمعية و الاستغلالية دون حقوق أساسية في مجال اتخاذ العمال و النساء و جميع المضطهدين للقرار.

لكن مركزية الحكم المباشر و الإدارة الذاتية للعمال و لجميع المضطهدين لا يعنيان مواطنة محصورة بهم ككائنات "اجتماعية" و لا إمكانية الاستغناء عن الوسائط المؤسساتية المختلفة لتوسيع آفاق اتخاذ القرار، مع أخذ نزاعات المصالح بعين الاعتبار و على نحو أوسع مختلف تكاليف الخيارات و مفاعلها؛ و لا إمكانية الاستغناء عن مؤسسات السلطة السياسية المستندة إلى مختلف الأشكال الديمقراطية و التمثيلية و التشاركية.

ينبغي أن تتأسس الإدارة الذاتية الاقتصادية على مستوى الشركات و الفروع و المناطق على مجالس و لجان مختلفة من التنظيم الذاتي للعمال و المستخدمين و المواطنين. لكنه من جانب يتطلب وسائل و مؤسسات لممارسته بتوسيع أفق كل فرد في كل خيار، و من جانب آخر ينبغي أن تسمح السلطة السياسية بوصفها كذلك (الدولة المحلية و المركزية و الإقليمية) للخيارات الكبرى الاجتماعية الاقتصادية بأن تصبح خيارات سياسية – وهذا يتطلب بدوره مؤسسات.

لقد سبق لنا التميز بين خيارات شاملة و مبادرات محلية، سوف يتحول بالضرورة تمفصلها و حصتها النسبية عبر تأميم وسائل الإنتاج الرئيسية و تحديد الخيارات الكبرى على نحو ديمقراطي و التخطيط لتنفيذها. تفرض الشفافية و التحكم بهذه الخيارات رصد الأموال الاجتماعية الملائمة (بالنسبة للسكن و النقل و الصحة و التعليم، الخ) التي تغذيها مساهمات متميزة في الضرائب التي تغذي ميزانية أكثر انخفاضا. ينبغي مناقشة طرائق إدارتها على نحو مجسد و السماح بمشاركة العمال و المنتفعين من مختلف هذه الخدمات العامة.

كذلك، فالمواطنة المستندة إلى الاقتراع العام و النقاشات السياسية ينبغي أن تتخذ محتوى مختلفا ما إن يعاد النظر في السيطرة على الملكية الخاصة لرأس المال و دور بالمال. ستكون الأسئلة المطروحة للنقاش العام – لا بل لاستفتاءات – مختلفة نوعيا، و لاسيما في مجال إجراء تطوير تخطيط الملكيات الكبيرة و معايير التوزيع، المرتبطة عضويا بهيئات الإدارة الذاتية في الشركات و الفروع و المناطق.

لكن ينبغي أن يكون النضال من أجل حق متساو "حقيقي" (أي إعادة النظر المنظمة في علاقات الاستغلال و الاضطهاد) "ممأسسة". ينبغي محاربة السلبية على جبهتين: البرهنة للمعنيين أن خيارهم "له قيمة" و عدم تثبيط عزيمتهم أمام تعقيد الخيارات "التي تخفى عنهم" أو التي يوكلونها لغيرهم، بسبب نقص "الكفاءة". المؤسسات (الأحزاب، النقابات، منظمات الخبراء، وكذلك مؤسسات الديمقراطية التمثيلية و التشاركية) موجودة لإخراج الفرد من أفقه المحدود و الاستخلاص الديمقراطي ل"المصلحة المشتركة" من النزاع.

سوف يفرض النضال ضد اضطهاد المرأة نفسه دائما على جميع مستويات المراصد من أجل تساوي الفرص التي تقترح طرائق اجتماعية و مؤسساتية للدفاع عن المرأة وتحليلات متماسكة للآثار الإيجابية و السلبية للإجراءات المتخذة (مثل الحصص أو التحيز). كما ينبغي أن تكون المسائل القومية موضوع تحليلات متماسكة و إجابات محددة تدعمها حقوق تنظيم الجماعات التي تشعر أنها مضطهدة. إن إعادة النظر في التفاوتات الطبقية والاجتماعية تعود أولا لنقاش دستوري حول وضع العمال، أي حقوقهم في الشركات، بمختلف الأشكال القانونية. لكن يمكن أيضا تصور إقامة مجلس ثان أو مجلس اجتماعي في جميع مستويات السلطة السياسية (من البلديات إلى الدولة المركزية)، إلى جانب التمثيل "المواطني"، مما يمأسس سلطات الإعلام و حق النقض و تحشيد العمال على يد منظماتهم النقابية و التشاركية. لكن ينبغي أن تكون وظيفته القدرة على إعاقة إجراء تشريعي أو سياسي يسيء للعمال أو لا يحترم حقوقهم المعترف بها، مع كل وسائل الخبرة و الخبرة المضادة وكذلك وسائل النقاش العام المنقول إعلاميا.

بكلمات أخرى، ينبغي التفكير على نحو مستديم بحقبة ازدواجية تمثيلية بتجنب إما الاكتفاء ب"تجريد مواطني" أو الوقوع في النزعة الحرفية النقابية أو في النزعة المذهبية.




إحالات

(1) بيير كروبوتكين، الأعمال الكاملة، 21-20/2001 Re- découverte .

(2) أنظر بصورة خاصة مجلة Contretemps، العدد 3 ("الانعتاق الاجتماعي و الديمقراطية") أو العدد 5 ("الملكيات و السلطة")، Textuel؛ أو السجالات حول مشاريع الاشتراكية على موقع مجموعة الدراسات حول اشتراكية الغد: htm .www . hussonet .free/gesd
المناضل-ة



#كاترين_ساماري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال ...
- مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم ...
- لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا ...
- متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت ...
- التصديق على أحكام عسكرية بحق 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ« ...
- تنعي حركة «الاشتراكيين الثوريين» ببالغ الحزن الدكتور يحيى ال ...
- الحزب الشيوعي يرحب بمؤتمر مجلس السلم والتضامن: نطلع لبناء عا ...
- أردوغان: انتهت صلاحية حزب العمال الكردستاني وحان وقت تحييد ا ...
- العدد 584 من جريدة النهج الديمقراطي
- بوتين يعرب عن رأيه بقضية دفن جثمان لينين


المزيد.....

- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كاترين ساماري - من المواطنة إلى الإدارة الذاتية