|
جدار السلام هو الضمانة الأكيدة للسلام
محمد أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 1064 - 2004 / 12 / 31 - 09:24
المحور:
القضية الفلسطينية
تفتقت العقلية اليمينية في إسرائيل عن فكرة بناء الجدار العازل في محاولة لمنع الهجمات الاستشهادية ضد الإسرائيليين ، وقد اعتقد شارون أنه فتح عكا ونجح فيما لم ينجح نابليون في إنجازه أثناء حملته الفرنسية على مصر وفلسطين ، لميكن شارون يتصور أن جداره العازل سيكون بلا جدوى بعد أشهر قليلة من بنائه ، فقد تفتق ذهن المقاومين الفلسطينيين عن فكرة جديدة لتجاوز كافة الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش الإسرائيلي ، فقد لجأ هؤلاء المقاومون إلى فكرة حفر الأنفاق التي يصعب اكتشافها أو أخذ الحيطة والحذر منها . فقد نجح الفلسطينيون في الوصول إلى أكبر قاعدة عسكرية على طريق صلاح الدين ، قاعدة حاجز المطاحن ، واستطاعوا تفجير البناية التي اتخذها الجيش الإسرائيلي مقراً لجنوده ، مما سبب إحراجاً لقيادة الجيش الإسرائيلي وألحق خسائر لا يستهان بها في المجال المادي والمعنوي ، وقد تلا ذلك وبفاصل زمني غير طويل، تفجير موقع الكتيبة البدوية في معبر رفح ، و بغض النظر عن وجهات النظر المتنوعة حول هذا التفجير ، فإنه يوجه رسالة واضحة إلى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ، هذه الرسالة تؤكد أن نظريات الأمن قد سقطت في الحروب الحديثة ، وأنه لم تعد هناك حدود يمكن وصفها بأنها آمنة بشكل مطلق ، وقد تأكد ذلك أثناء حرب أكتوبر المجيدة وبعدها ، حين سقط خط بارليف الحصين ، والذي وقف ديان بعد إقامته متحدياً أية قوة أن تخترق هذا الخط الدفاعي الحصين ، لقد تحدى الجيش الروسي والجيش الأمريكي أن يخترقا هذا الخط الدفاعي ، وإذا بالجيش المصري بإمكانياته المتواضعة وبكفاءة رجال سلاح الهندسة المصريين يعبر هذا الخط ويحوله إلى خرافة بعد أن أرادوا له أن يكون أسطورة ، لقد تفتق العقل المصري عن ابتداع فكرة مدافع المياه التي لحست هذا الحاجز وفتحت فيه ثغرات عبرت منها الدبابات المصرية لتداهم المواقع العسكرية الإسرائيلية ، وكان للمفاجأة تأثيرها الحاسم على الجيش الأقوى في الشرق الأوسط مما افقده توازنه واتزانه ، ولو أنه لم يتم إجهاض هذه الحرب سياسياً لكانت الأحوال قد تغيرت في الشرق الأوسط وفي العالم كله كما تغيرت النظريات العسكرية وتغير تفكير المنظرين العسكريين بعد خاضت القوات المصرية أكبر حرب للدبابات بعد الحرب العالمية الثانية . إن العقل العربي عقل مبدع في كل الأزمان ، وفي الحرب والسلم على حد سواء ، ومما يؤكد قدرة العقل العربي على الإبداع هو ذلك الكم الهائل من العلماء والمفكرين العرب في البلدان الغربية الذين لفظتهم بلدانهم بسبب غياب الديمقراطية الحقيقة التي وضعت العرب يوما ما في طليعة أمم العالم حضارياً وإنسانياً . مخطئ من يستهتر بعقول الآخرين ، ومخطئ من يعتقد بتفوق جنس بشري على غيره من الأجناس ، إنها دورة التاريخ ومنطقه ، تولد الدول ويشتد عودها وتبلغ أوج قوتها وعظمتها ثم يبدأ الضعف في التسلل إليها بتقدمها في العمر ، تماما كما يحدث مع البشر ، لعله الغرور والانخداع بمرحلة الشباب والفتوة هو الذي يجعل الأفراد والدول يهدرون طاقاتهم في الاعتداء على الآخرين دون حساب للتأثير الذي تتركه بصمات الزمن على مسيرة حياة البشر والدول . لذلك فإن التفوق العقلي والقدرة على الإبداع ليس حكراً على جنس دون بقية الأجناس ، فقد اعتقد هتلر ذات يوم بتفوق الجنس الآري على بقية شعوب الأرض ، وقد وصل الأمر بالفكر النازي إلى حد وضع البشر في مراتب أرقاها الجنس الآري وأدناها الحيوانات واليهود والعرب ، فهل هي صادقة نظرية تفوق الأجناس هذه ، أو نظرية صراع الحضارات التي ولدت من رحم الفكر النازي البائد ، هؤلاء المفكرون العنصريون لم يقرءوا التاريخ قراءة موضوعية ، ولم ولن يستخلصوا منه العبر ، كما أنهم لم يستطيعوا أن يدركوا أن الجواد الأصيل يكبو ، فلكل جواد كبوة ، ولكنه يعود فينهض من كبوته، فالعنصرية لا ينتج عنها إلا عنصرية أسوأ منها وأبغض. إن العرب يمرون بفترة تعثر غير أبدية ، سينهضون منها إن آجلا أو عاجلا ، لأنهم كانوا صناع حضارة ومؤسسي واقع إنساني رائع ، كتبوا الملاحم العظيمة في العراق ، احترموا فيها حق الحياة ،سبقوا اليونان والرومان ، هذا هو جلجامش يطل علينا من أعماق التاريخ البشري قبل أن يعرف العالم قيمة الحياة وواجب الدفاع عنها والعمل من اجل إطالتها ، وهاهم الفراعنة في مصر يتطاولون إلى الفضاء بعلومهم وآثارهم التي لم يستطع التاريخ ولا الغزاة العتاة منذ القدم طمسها ، فهل يستطيع أي فكر عنصري أن يحجر على العرب ويحرمهم من حقهم في المشاركة في بناء الحضارة البشرية . إن التفوق لا يدوم ولن يدوم ، لأن منطق التاريخ ينبني على جسر المسافات بين المتقدمين والمتأخرين ، وحين تقل المسافات بين هؤلاء وهؤلاء يكون الصدام الحقيقي إن لم نفكر من الآن بطريقة منطقية تحفظ لجميع الشعوب حقهم في الحياة بغض النظر عن الدين والمعتقدات واللون والجنس والانتماء السياسي ، ومن واجب إسرائيل بالدرجة الأولى أن تقكر في أن تصبح عضواً طبيعيا في المنطقة ، وأن تتحلل من عقدة العيش ضمن غيتو مغلق ، فقد تحولت إسرائيل منذ نشأتها إلى غيتو كبير مغلق لأنها تخشى من الانفتاح على من حولها ، خشية أن تذوب في هذا المحيط الكبير الذي يحيط بها من جميع الجهات ، وحين تفكر بالانفتاح فإنها تفكر فيه من منطلق الاستحواذ والهيمنة السياسية والاقتصادية والحفاظ على المسافة الفاصلة بين التقدم والتخلف . إن بناء جدار الفصل العازل في الضفة الغربية خطيئة كبرى يجب التراجع عنها ، فقد أهدر الإسرائيليون أموالا طائلة في بناء هذا الجدار اعتقاداً منهم بأنه سيقدم لهم حلا سحرياً لمشاكلهم الأمنية ، ترى ماذا سيفعلون لمواجهة مشكلة الأنفاق وعن أية فكرة سيتفتق ذهن اليمين المتطرف لحل هذه المشكل ، إن الحل المنطقي يكمن في بناء جدران الثقة المتبادلة التي تحقق حسن الجوار ، وبناء جدران السلام القائم على العدل وتكافؤ البشر ، وتوفير فرص الحياة الكريمة لجميع الشعوب في المنطقة دون إجحاف أو تمييز ، لقد وافق الفلسطينيون على حل يعطيهم أقل مما قدمته لهم قرارات الشرعية الدولية ، وعلى العقلاء في إسرائيل ألا يتركوا هذه الفرصة تفلت من أيديهم لأن التطرف لا يلد إلا التطرف ، والكراهية لا تنتج إلا الكراهية ، فليحتكم الجميع إلى منطق العقل ، وليأخذ العقلاء دورهم في الجانبين حتى لا تضيع فرصة التعايش بين الطرفين ويكون الحصاد موتا ودمارا ، ولتتحول السيوف والرماح إلى سكك ومناجل تعمل من أجل الحصول على أكبر قدر من خيرات هذا الكون لبناء حياة بشرية سعيدة ومطمئنة ، ولتتوحد الجهود من أجل التصدي لكوارث الطبيعة والتنبه لها قبل أن تداهم البشر على غير ميعاد .
#محمد_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة نقدية في ديوان - تأملات الولد الصعلوك - للشاعر : باسم
...
-
العناصر الفنية في القصة القصيرة
-
ملاحظات حول القانون رقم 5 / 96الخاص بانتخابات المجالس المحلي
...
-
الذاكرة المثقوبة
-
انتخابات الرئاسة في فلسطين والحملة الانتخابية
-
الصعوبات التي تواجه المثقف الفلسطيني
-
ورقة عمل حول الإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي
-
الأزمات الداخلية في التنظيمات الفلسطينية
-
ما وراء النص في ديوان - البدء ... ظل الخاتمة - للشاعر توفيق
...
-
الزمن في بعض الروايات المحلية
-
الانتخابات الفلسطينية
-
لديمقراطية الأمريكية والحرب النظيفة
-
حول قضية العملاء
-
ما هو المطلوب من القيادة الفلسطينية في المرحلة القادمة
-
البنية الروائية عند بعض الروائيين في غزة
-
جوم أريحا - دراسة نقدية
-
إلى الجحيم أيها الليلك - دراسة نقدية
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|