|
السياسيون..وسيكولوجيا الضحية والجلاّد
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 3595 - 2012 / 1 / 2 - 08:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد ننفرد نحن السيكولوجيين باعطاء دور كبير لخبرات ماضية في صياغة أحداث حاضرة، بعكس السياسيين الذين يحصرون ادراكهم ببعدي الحاضر والمستقبل في تحليل ما يجري من أحداث. فأحد أهم أسباب ازمتنا وفواجعنا المستمرة يعود الى يوم تأسس فيه " مجلس الحكم " الذي كرّس رسميا تعدد الولاءات الى طوائف واديان واعراق واحزاب وتكتلات..على حساب الولاء للعراق في طقس كان عود بخوره معجون بسيكولوجيا الضحية والجلاّد..اشاع " عطره " السياسيّون بين الناس المعبئين بثقافة المظلومية..فكان ما كان من فواجع تعدت المائة مأتما في اليوم الواحد.وما كان هذا ليحدث لو ان السياسيين أخذوا بنصيحة أهل الرأي في الاجتماع وعلم النفس السياسي التي صيغت في حينه بتحذير : ( ان المجتمع الذي فيه طائفتان تستحوذ احداهما على السلطة بمساعدة اجنبية وتتعرض الأخرى الى الاحباط السياسي والاقتصادي والنفسي ، فان الحال بينهما يفضي الى الاحتراب الطائفي )..وهذا ما حصل ..والأخطر أنه لا توجد الآن ضمانة اكيدة بأنه لن يتكرر..بل أن الناس تضع أياديها الآن على قلوبها بعد أن تأكد لهم أن قادتهم عجزوا عن اتفاق ولو بالحد الأدنى وقبلوا ،وفي هذا ما يخجل، بوساطة من يظهر لهم حسن النوايا ويضمر للعراقيين أسوأها.ومع ان الأسباب المعروفة لعدم اتفاقهم تعود الى انهم يفكرون بحاضرهم ومصالحهم الشخصية والفئوية أكثر من التفكير بمستقبل وطن وحياة ملايين فان هنالك سببا سيكولوجيا فكريا هو أن الخلافات بين السياسيين كانت هي التي تتحكم بهم طوال تسع سنوات.وتعوّد على هذا الايقاع الفكري مصحوب بالقلق يجبر الدماغ على برمجة عملياته العقلية في مراكز اتخاذ القرار الخاصة بالخلافات وتفعيل المراكز الخاصة بالعدوان والانفعالات السلبية..وتحويله،لاشعوريا،الى مدمن عليها!.وظل كل فريف يضمر للآخر عكس ما يظهره في حال ينطبق عليه المثل القائل:"وجوه متآلفه وقلوب متخالفه". وهنا تحضرنا وصفة نفسية قالتها العرب قبل مئات السنين سبقوا بها علماء النفس:"لو تكاشفتم ما تدافنتم"،وتعني لو ان كل جماعة كشفت ما بها من عيوب للجماعة الاخرى لما حصل بين الجماعتين نزاع او احتراب وضحايا..والسبب،هو ان الاعتراف بالعيوب حالة صحية تريح النفس وتعقلن التفكير وتضبط السلوك..وللخليفة عمر بن الخطاب قول مأثور:رحم الله امرءا أهداني عيوبي.
تلك حقيقة سيكولوجية لو ان السياسيين انتبهوا لها لما حصل ما حصل في (2006 -2008) حين ذبح العراقيون بعضهم بعضا وتفرّق الأحياء بين من فرّ خارج الوطن مرعوبا وبين من عاش فيه مذعورا.وصاروا فريقين متضادين..فريق الجلاّد وفريق الضحية،يغذيهما تاريخ سياسي صوّر لهم ان السلطة كانت بيد السّنة الفا واربعمئة عاما،وأنها كانت " الجلاّد" فيما الشيعة كانت "الضحية" الى عام 2003 حيث تبادلت الادوار وصارت هي الجلاّد والسنّة هي الضحية..في معادلة نفسية تداولها العقل الجمعي لجماهير الفريقين بأن من يمسك السلطة يكون "الجلاّد" ومن يكون خارجها هو "الضحية" ،مصدّرا "عقلهما الجمعي" حكما تعميميا "بالاقتصاص" من المحسوبين على الجلاّد حتى لو كانوا خارج السلطة،بل حتى لو كانوا من المغضوب عليهم.
ولأن سيكولوجيا "الحيف " خاصية متأصلة في الطبيعة البشرية،فانها تدفع الضحية حين تتمكن من الجلاّد الى ان تفعل به ما فعل بها،وتصل ابشع مشاهدها حين يكون أخذ الحيف يخص جماعة من جماعة وليس فردا من فرد،وحين يحصل "انقلاب" مفاجيء في تبادل الأدوار..ولك ان تتذكر ان ثلاثة آلاف روحا من السّنة والشيعة زهقت في شهر واحد من عام 2007!.
سيقول كثيرون:اجتزنا الكارثة والحمد لله،وعلينا أن نمنّي الناس بما هو جميل.وتلك أمانينا ايضا ،لكننا ننبّه الى ثلاث قضايا سيكولوجية تحكمت بالفعل السياسي العراقي،الأولى:ان الفرقاء السياسيين،وتحديدا أئتلاف دولة القانون والعراقية تتحكم بهم البرانويا السياسية القائمة على التربّص والنيل من الآخر حين تحين الفرصة.والثانية: ان حياة العراقيين كانت عبر ثلاثين سنة " عمر جيل" أشبه بأرجوحة تأرجحت ( رايحه جايه) من(ضغوط،لاضغوط،ضغوط،لاضغوط....،أو أزّمة لا أزّمة،أزّمة لا أزّمة...)،وأن حياة كهذه لا يمكن ان تراهن عليها، لعدم استقرارها الانفعالي الذي يفضي بطبيعته الى مفاجئات.والثالثة:ان الغالبية المطلقة من العراقيين تتحكم بهم آلية "التماهي"..وهي عملية نفسية تعمل لاشعوريا على تشكيل سلوك الانسان بما يطابق سلوك شخص آخر يعدّه "قدوة" او قائدا، سواء كان من الأحياء او من الأموات.ومع أننا جميعا نتماهى باسلوب شخص آخر نعجب به ونتمنى ان نكون مثله في هذه الصفة او تلك،الا ان المسحوقين والمغيب وعيهم يتوزوعون على صنفين:صنف يتماهى بالضحية والآخر يتماهى بالجلاّد.
والاشكالية..ان التماهي يخلق ازدواجية بين سلطتين داخل الفرد :(سلطة المتماهى به وسلطةالأنا الشخصي)..يفضي الصراع بينهما الى ان يكون القرار لسلطة المتماهى به..لسبب اجتماعي هو ان المتماهى به يوحّد الجماعة ويزيدها قوة في اوقات الأزمات،ويفعّل الكره الذي يتنامى الى حقد يدفع سيكولوجيا الى الانتقام حين تتعرض الجماعة الى الاحباط واضطراب الشعور بالامن النفسي ومحاولة الجماعة الاخرى التفوق عليها اعتباريا.
والمفارقة ان الديمقراطية والتماهي ضدان لا يلتقيان،لأن الديمقراطية تريد ان يكون المواطن له "ذات" مستقلة غير ذائبة في ذات اخرى..فيما ذوات معظم العراقيين الذين يقررون الفائز في الانتخابات ذائبة بين ذات جلاّد وذات ضحية..تسيطران على افعالهم وانفعالاتهم مع ان كليهما صار في عداد التاريخ!..والكارثة أن عددا من السياسيين يعمد،حين يواجه أزمة تهدد سلطته وامتيازاته ، الى اشعال عود البخور ذاك المعجون بسيكولوجيا الضحية والجلاد لينعش "عطره" العقل الجمعي لجمهور مغيب وعيه أدمن على "شمّ" سموم قاتله!.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة نفسية(50): الضمائر غير الصحية نفسيا
-
ثقافة نفسية(49): هكذا تفعل خبرات الطفولة
-
ثورة الحسين..المشترك بين العلمانيين والاسلام السياسي!
-
تأجير محبس!
-
التناقض بين الفكر والسلوك في الاسلام السياسي
-
ثورات العرب..وربيع الاسلام السياسي
-
العرب ..وسيكولوجيا الانتقام
-
أفعى الفساد
-
ثورات العرب..والاسلام السياسي
-
نفاق المثقفين
-
الكليات الأهلية..وضمان الجودة
-
انتحار..دموع!
-
مشهد مقتل القذافي ..وسيكولوجيا الانتقام
-
الغطرسة..والسلطة
-
الوضع النفسي للعراقيين..في خطر
-
الفساد العراقي ..في متلازمتين
-
المثقفون ..والسكتة القلبية!.
-
التحقير الجنسي..في شعر مظفر السياسي
-
ثلثا العراقيين..مغيّب وعيهم !
-
ثقافة نفسية(47):الاكتئاب..كيف تتخلص منه
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: روسيا الرابح الوحيد من هجوم ترامب على زيلينسكي
...
-
دراسة تكشف أثر الماء والقهوة والشاي على صحة القلب
-
أنشطة يومية بسيطة تعزز نمو طفلك وتطور مهاراته
-
ظاهرة لن تتكرر قبل 2040.. محاذاة نادرة لسبعة كواكب!
-
هل تحدد الجينات متوسط العمر؟
-
موسكو رفعت سوية التواصل مع دمشق
-
الدول العربية تُخرج إيران من تحت الضربة
-
النمسا: السلطات توقف فتى في الرابعة عشرة من عمره للاشتباه با
...
-
رفع عقوبات مرتقب عن سوريا ولافروف يحذرها من -تهديد-
-
تركيا تساعد أميركا لحل -أزمة البيض-
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|