|
نحو ردّة جديدة
صفاء سلولي
الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 14:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هناك ظاهرة جديدة ينبغي أن نسلّط الضّوء عليها وإن كنّا نخشى حتّى التّفكير فيها خوفا من انتشارها فعلا.و لكنّي أعتقد أنّه من واجبنا أن نزيل حاجز الخوف الذي استحال جدارا بيننا و بين مشاكلنا.و إن لم نهدمه فعلا فستتراكم الآفات و تتضخّم لتصبح متأصّلة في مجتمعنا.ولحلّ المشكل يجدر أن نصغي إلى صوته لنعرف موطن الدّاء كي نعالجه.فإن أخرسنا صوته لن يضمحلّ و يموت بل بالعكس سينمو و ينتشر. نشهد منذ مدّة في تونس ظاهرة مفادها أن تونسيّين مسلمين قد اتّخذوا النّصرانيّة دينا لهم.و هؤلاء المتنصّرون يزداد عددهم يوما بعد يوم.لذلك أقول إن الأمر يزداد إحراجا و إلغازا و تعقيدا. و قد اخترت وصف هذه الحركة بالردّة لأنّ الإنسان قد عرف على مرّ العصور أديانا مختلفة قد عرفت تطوّرا و نضجا رافق تطور الإنسان و نضجه.و كلما تقدّم خطوة في تاريخه اعتنق ديانة تستوعب ماهيته.فالوثنيّ كان يرى في تعدّد الآلهة عقيدة قويمة.و عندما ولدت الأديان التوحيديّة أصبح الإنسان يرى في الوثنيّة كفرا و شركا.بل ظلّ ينزع إلى اعتناق الديانة الأكثر نضجا إلى اليوم و هذا ما نلحظه في اعتناق اليهوديّين و النصرانيّين الإسلام يوميّا.و أعتبر ذلك من الطبيعيّ إذ نحن نطلب الأحدث و الأنضج و هذا شأن الإسلام إذ هو خاتم الأديان .و من أجل هذا السبب اعتبرت الانزياح عنه ردّة و اعتناقه تطوّرا طبيعيّا. لكن و إن كانت المسألة ردّة كما وصفت فلن يكون الحلّ مطلقا في وضع المرتدّين في قفص الاتّهام و وصفهم بالكفّار.فهم يعيشون معنا و لكنّهم كانوا لا يجهرون بعقيدتهم إلا فيما بينهم و الآن و قد أعلنوا عن دينهم لا يمكن أن نلغي وجودهم و أن نتجاهلهم بل هم من هذا المجتمع و نحن لا نطلب بتر أيّ عضو منه مهما كانت درجة اختلافه. لكنّ المريب في نظري هو أن يصبح الارتداد توجها ليصبح المسلم مسيحيا فيهوديّا فوثنيّا ثم يضيع في الإلحاد.لذلك يجب أن نضع نقاط استفهام أمام هذا الإشكال. لا يمكن أن نكتفي بملاحظة الإشكال فحسب بل لا تعتبر الملاحظة إلاّ المرحلة الأولى من مراحل العلاج. كما لا يمكن أن ننكر أنّ حضور الدّين في حياة البشر أساسيّ لذلك كان الإنسان يصنع صورة المقدّس.بل يمكننا أن نقول إنّه من خلق مقولة المقدّس فهو الذّي يمنح القدسيّة على مخلوقه المتمثّل في الصّنم قديما.ثم صار المقدّس مقدّسا لكونه مفارقا و خالقا لا مخلوقا. غير أنّ ما أسهم في ميلاد هذا الإشكال في نظري لا يكمن في الدّين إنّما في المتديّن.إذ كلّ الديانات السّماوية وضعها الله و كانت متعاقبة كما نعرف، فكانت اليهوديّة فالمسيحيّة ثم الإسلام.و لا تشترك هذه الدّيانات في أصلها فحسب و إنما في أهدافها أيضا فلقد وجدت للتّوحيد و السّلم و الخلق الكريمة و التّسامح... لكن المتديّن قد ينأى أحيانا عن جوهر الدّين و روحه.لذلك لا يمكننا أن نربط بين صورتين لا يتماثلان دائما.و نقصد صورة الدّين و صورة المتديّن. فلقد تضخمت صورة المسلم تضخّما مرضيّا سلبيّا إذ صارت ترتبط بصورة العنف و الدّم. و هذه الصّورة تراكميّة. فلقد صوّرها التّاريخ و الوهم أو لنقل التّاريخ الحقّ و التّاريخ الكاذب.و لئن اختلط الواقعيّ بالخياليّ فلا نستطيع أن نقول منفعلين إنّ هذه الصّورة غير موجودة أصلا إلا في الأذهان المريضة.لكن نستطيع أن نقول إنّها صورة جعلت فزّاعة ترعب الجميع. و لا شك أنّ لها جذور في الواقع.و رغم أنّ العنف قد ارتبط بشخصيّة المتديّن مهما اختلف دينه و لم يكن حكرا على المسلمين - و التّاريخ يصون الحقائق فكثيرة هي المجازر التي ارتكبت باسم الكنيسة و كبير هو عدد الذين عُذّبوا في محاكم التّفتيش في اسبانيا – ظلّت هذه الصّورة الدّامية لصيقة بالمسلم للأسف. و لعلّ هذا العنف الحقيقيّ المصنوع جعل المسلمين الذين صدّقوا فنّ الخدع الموظّف في سلاح التّصوير المحترف المنحرف يخلعون لباس المسلم ليرتدون لباسا قد يتغير بتغير الظّرف و الوصف.كما قد ينتهي الأمر بوثنيّة جديدة ليخلص إلى الإلحاد. و هذا أمر خطير علاجه مراجعة دفاترنا القديم منها و الحديث على حد السّواء حتى ننير الصّورة المظلمة التي نسبت إلى هويّتنا التي لم يلطّخها الأجنبيّ فقط بل أصحابها أيضا.فالجّهاد لا يكون و لن يكون أبدا بقتل النّفس البريئة بل بالفكر و رجاحة العقل و إزالة الغشاوة عن العيون.فالفرق بين المسلم و بقيّة المتديّنين يتلخّص في مدى القدرة على تلميع الواجهة التي يطل من خلفها المتديّن.و هذا ما نفتقده.فصحيح أّنّنا انتخبنا خطابا طريفا يظهر المسلم المتديّن متسامحا قابلا لكلّ ملامح الاختلاف و هذا جيد من دون شك. لكنّ المهمّة الأصعب أن يكون الخطاب صادقا قادرا على تحقيق المصالحة و رسم بذور الثّقة.كما يجب أن لا نهرب من تاريخنا بل نعيد قراءته لنصوّب الأخطاء التي أسندت إلينا و نقطع مع الأخطاء التي ارتكبناها و لا أن نتناساها و نكذّبها كما نفعل دوما فهذا يتنافى و المصالحة التي نطلب. إذا غيرنا من طبعنا الذّي ينحو نحو الّتكذيب و الرّفض كلما قيل عنّا شيئا ما سننجح في إقصاء الصّور الفاسدة الزّائفة التي نمقتها جميعا.بالإضافة إلى ضرورة الاعتراف بالآخر حتى إن خالفنا أو اتّخذ دينا آخر.فمن عيوبنا أنّنا عندما نسعى إلى الإقناع بمشروعنا و بأطروحتنا ننزلق بسرعة في دائرة العنف المعنويّ أو الماديّ.و إن تجاوزنا ذلك صرنا على الطّريق الصّحيح و لن ننفّر من اعتناق الإسلام بل على العكس سنرغّب في اعتناقه. فالفكر و التعقّل كفيلان بهدم أصنام الإرهاب و العنصريّة و العنف و الأوهام.كلّها أصنام صنعتها عقول مريضة ترى في الدّم طهارة و حماية لراية الإسلام.في حين أنّ الإسلام لا يحتاج إلى حمايتهم المدنّسة بقدر ما يحتاج إلى إزالة الشّوائب عن المسلمين الذّين شوهوه. حان الوقت لنغيّر حقّا وجهة الخطاب الإسلاميّ من خطاب يرمي إلى دفع التّهم بأسلوب قوامه العنف مندّدا بالوحل الذّي أرادوه له كي يُلطّخ سبيلهم و من ذلك نعدمهم في صورة الضحيّة، إلى خطاب صادق لا يتنصّل من زلاّته بل يكون إلى الحقيقة أقرب.فكفانا من ازدواجية الخطاب الذّي مللنا زيفه و خبرنا تمويهه و كفانا من العنف الذّي شوّهنا.نريد سلما يدعو إلى اعتناق إسلامنا و يزيد من تشبّث المسلمين به.نطلب تغييرا لا إصلاحا.
#صفاء_سلولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللّه في حماية المتديّن
المزيد.....
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|