|
ما بديل الكساد العظيم: الهمجية أم الاشتراكية؟
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 13:48
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ما بديل الكساد العظيم: الهمجية أم الاشتراكية؟
يعيد التاريخ ذاكرته التراجيدية المحزنة في شكل كوميديا تدعو إلى الضحك، تمثل في الأساس أفكار غرفة مظلمة، حزينة، محبطة، وثقافة لينينية تظهر تارة في شكلها الوطني المعادي للاستعمار وإسرائيل، وتارة أخرى في شكلها الديمقراطي البرجوازي. فلنُعِد الآن الذاكرة التاريخية في شخص الحركة التي ساهم فيها لينين بنفسه وبوصفه عدوًّا لكل محاولة نحو تطوير الحركة الاشتراكية العالمية، وبوصفه نصيرًا متحمسًا للثورة البرجوازية الديمقراطية. ولنبدأ من أول محاولة ثورية في روسيا في عام 1905، يظهر لينين فيها بوصفه عدوًّا عنيدًا لثورة السوفيتات -الثورة المجالسية- ونصيرًا متحمسًا للثورة الديمقراطية البرجوازية.
في كراس "خطتا الاشتراكية - الديمقراطية في الثورة الديمقراطية"، عام 1905، يحاول لينين تشويه المغزى التاريخي والاجتماعي للثورة الروسية ومهماتها، وتعريفها بثورة سياسية تستهدف إقامة حكومة برجوازية، تمثل "دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية". فكان لينين يحاول إقناع الشغيلة بالتخلي عن السوفييتات -المجالس- وأهدافها الاجتماعية وتوجيه ضرباتها صوب صدر المَلَكية القيصرية لا النظام العبودي للعمل، وإفساح المجال لصعود البرجوازية إلى العرش السياسي بدل تطوير ثورتها التي أطلقت أول إشارة لثورة تتسع في الغرب والشرق أيضًا. وكان يحاول إقناع الشغيلة بأن النضال من أجل الاشتراكية ضرب من الخيال، فالجمهورية الديمقراطية البرجوازية لا السوفييتات أو الكومونات، هي التي تمهد الطريق للاشتراكية. فالحيلة الأولى لخداع الشغيلة، هي أن الثورة الديمقراطية البرجوازية "أكثر فائدة للبروليتاريا منها للبرجوازية"، أما الحيلة الثانية فهي أن انتصار البرجوازية الروسية، له "شأن عظيم سواء في تطور روسيا أم في تطور العالم بأسره في المستقبل". فاللينينية تظهر هنا بوصفها لعبة خداع الأطفال، بل تظهر في الواقع بوصفها ماكيافيلّية القرن العشرين.
إن خطأ الشغيلة حسب حيل لينين، هو: "الخلط بين الانقلاب الديمقراطي والانقلاب الاشتراكي". فعلى البروليتاريا نسيان الثورة الاشتراكية والتمسك بمهمات الثورة الديمقراطية البرجوازية، فلا يمكن البدء بالثورة الاشتراكية دون مرور مسبق بالثورة البرجوازية، علما ان الثورة البرجوازية الروسية، يعود تاريخها إلى بداية القرن التاسع عشر، اي إلى الانتفاضة المعروفة بانتفاضة سبتمبر في تاريخ روسيا القديم. فـ )لو بدأنا بإعادة النظر من تاريخ روسيا وممثليها التاريخييين للحركة الديمقراطية البرجوازية لرأينا أن تاريخ هذه الحركة قديمٌ قِدَمَ انتفاضة نبلاء الليبراليين البرجوازيين في عام 1825م، فتاريخ هذه الانتفاضة يعود إلى تاريخ التمردات والانتفاضات العسكرية للديمقراطيين الروس في الربع الأول من القرن التاسع عشر) انظر: الكومونة والسوفييتات في الحوار المتمدن http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=237208 وهكذا، كان الهدف أمام الشغيلة بعد إعلانها ثورة السوفييتات حسب لينين، هو التخلي عن منظمتها الاجتماعية التي أوجدتها بنفسها بعد أيام من القتال الدموي بين البروليتاريين وقوات القيصر لتطوير حركتها الخاصة بها، ألا وهي الحركة الاشتراكية، والعودة إلى الاقتراع العام، المباشر، السري في ظل الجمهورية البرجوازية.
أليس هذا مضحكًا أيها السادة؟ فقد بلغت ثورة الشغيلة المجالسية قمة تطورها في ديسمبر عام 1905، فالآلاف من البروليتاريين قد قاموا بالهجمات المتكررة على القوى العسكرية للدولة خلال 9 أيام متوالية. ولكن العقل الاشتراكي – الديمقراطي، فيطلب التخلي عن السوفييتات، والعودة إلى أرض الميعاد، والانطلاق للاشتراكية من طريق صحيح لا من طريق السوفييتات والكومونات، فهذا الطريق فوضوي، فالسوفييتات سفسطة رجعية، أما الجمهورية الديمقراطية البرجوازية فثورية، تمهد الطريق للاشتراكية.
ولنرَ الآن كيف كان يحارب لينين شعارات الشغيلة بشعارات برجوازية ديمقراطية، وكيف كان عنيدًا في محاربة الكومونة وكل تضامن أممي من خلال تعريف الثورة بثورة ديمقراطية برجوازية ثم القطع بين الشرق والغرب بحجة عدم نضج الحركة الاشتراكية، فهذه الحركة لم تصل إلى روسيا، كما لم تصل إلى الشرق حسب اليسار الشيوعي، أبد الآبدين.
_______________________________________________________________
لينين: خطتا الاشتراكية - الديمقراطية في الثورة الديمقراطية
" .. أما البروليتاريا الثورية، فانها، مادامت تسير بقيادة الاشتراكية – الديمقراطية، تطالب بنقل كامل السلطة إلى الجمعية التأسيسية، ولهذا الهدف، لا تناضل في سبيل الاقتراع العام وحرية التحريض التامة وحسب، انما تناضل أيضاَ من أجل دك حكومة القيصر والاستعاضة عنها بحكومة ثورية موقتة" (ص8).
"1- ان مصالح البروليتاريا المباشرة، وكذلك مصالح نضالها في سبيل اهداف الاشتراكية النهائية، تتطلب اكمل ما يمكن من الحرية السياسية، وبالتالي، احلال الجمهورية الديمقراطية محل شكل الحكم الاوتوقراطي؛ 2- ان الجمهورية الديمقراطية في روسيا لا يمكن ان تقوم إلا نتيجة انتفاضة شعبية ظافرة، يكون جهازها الحكومة الثورية الموقتة، القادرة وحدها على تأمين الحرية التامة للتحريض الانتخابي وعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام، المتساوي، المباشر، السري" (ص 10, 11).
"وبعد ذاك نتساءل: اي موقف يجب ان تقفه البروليتاريا بوجه عام من الحكومة الثورية الموقتة؟ عن هذا السؤال، يجيب قرار المؤتمر باديء ذي بدء بتوصية الحزب صراحة بالعمل على اقناع الطبقة العاملة بضرورة حكومة ثورية موقتة. فعلى الطبقة العاملة ان تدرك هذه الضرورة" (ص 14).
"ان الماركسية تعلمنا ان مجتمعاً يقوم على الإنتاج البضاعي ويتعاطى التبادل مع الامم الرأسمالية المتمدنة، لا بد له، في مرحلة معينة من تطوره، ان يسير حتماً هو أيضاً في طريق الرأسمالية. ولقد قطعت الماركسية نهائياً كل صلة لها مع هذيان الشعبيين والفوضويين الذين يزعمون مثلا، ان في مستطاع روسيا اجتناب التطور الرأسمالي، أو الخروج من الرأسمالية، أو القفز من فوقها بطريقة ما، غير طريقة النضال الطبقي في ميدان وحدود هذه الرأسمالية نفسها (*). وجميع هذه الموضوعات الماركسية، انما اعطى البرهان عنها واجترت بكل تفاصيلها .. وهذه الموضوعات تبين ان فكرة السعي وراء خلاص الطبقة العاملة عن طريق غير طريق تطور الرأسمالية المطرد، فكرة رجعية .. من المفيد للطبقة العاملة اطلاقاً القضاء على جميع بقايا الماضي التي تعيق تطور الرأسمالية .. والثورة البرجوازية هي على وجه الدقة انقلاب يكنس بأشد الحزم بقايا الماضي، بقايا القنانة .. وعليه فان الثورة البرجوازية تقدم للبروليتاريا اكبر الفوائد. والثورة البرجوازية لا غنى عنها اطلاقاً في مصلحة البروليتاريا .. وهذا الاستنتاج لا يمكن ان يبدو جديداً أو غريباَ أو متناقضاً إلا لأولئك الذين يجهلون ألفباء الاشتراكية العلمية. والحال، تنجم من هذا الاستنتاج فيما ينجم، الفكرة القائلة بأن الثورة البرجوازية هي، بمعنى ما، أفيد للبروليتاريا منها للبرجوازية. واليكم باي معنى بالضبط لا جدال في هذه الفكرة: من المفيد للبرجوازية ان تعتمد في نضالها ضد البروليتاريا على بعض بقايا الماضي، مثلا على المَلكية، والجيش الدائم، الخ" (ص 39).
وما الحيلة الثالثة؟ على البروليتاريا إفساح المجال للبرجوازية. لماذا؟ لانه:
" .. اصبح من السهل على العمال ان (ينقلوا بندقيتهم من كتف إلى كتف)، كما يقول الفرنسيون، اي ان يصوبوا إلى صدر البرجوازية نفسها" (ص 40).
"ان الماركسية لا تعلم البروليتاريا ان تبتعد عن الثورة البرجوازية وتتخذ منها موقف اللامبالاة (**)، وتترك قيادتها للبرجوازية -الحيلة المضحكة الرابعة: هل توجد ثورة برجوازية دون قيادة برجوازية؟- بل هي عكس ذلك، تعلمها ان تشترك فيها انشط اشتراك وقواه وان تناضل أشد نضال في سبيل الديمقراطية البروليتارية المنسجمة تماماً" (ص 41).
"ان (انتصار الثورة الحاسم على القيصرية)، انما هو دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية .. غير ان هذه الدكتاتورية لن تكون، بكل تأكيد، دكتاتورية اشتراكية، بل دكتاتورية ديمقراطية". "ان الانقلاب الديمقراطي لن يخرج مباشرة من نطاق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية البرجوازية؛ غير انه سيكون لهذا الانتصار، مع ذلك، شأن عظيم سواء في تطور روسيا ام في تطور العالم بأسره في المستقبل. فما من شيء، يرفع العزيمة الثورية لدى البروليتاريا العالمية ويختصر طريقها نحو الانتصار التام اكثر من هذا الانتصار الحاسم للثورة التي بدأت في روسيا" (ص 46).
كلمات براقة وطنانة، خالية من أي معنى، ولا تستهدف سوى سحق السوفييتات والكومونات.
"ما الكومونات الثورية؟ وهل يختلف هذا المفهوم عن مفهوم (الحكومة الثورية الموقتة)؟ وقد شجب ماركس مراراَ عديدة هذا النوع من التعابير التي يصار فيها إلى استخدام اصطلاحات (مغرية) من زمن ولى لأجل تمويه اهداف المستقبل (***). ان اغراء اصطلاح لعب دوره في التاريخ يغدو، في مثل هذه الحال، نوعاً من البهارج الفارغة الضارة، وخشخيشة . . ان كلمة (كومونة) لا تعطي اي جواب، بل تزعج الاذن بصوت رنان بعيد أو بصوت فارغ لا معنى له" (ص 73).
الحيلة الخامسة: ما سبب اسقاط الكومونة؟ انه الخلط بين الانقلاب الديمقراطي والانقلاب الاشتراكي، حسب لينين:
"كلما كانت كومونة باريس، كومونة 1871، عزيزة علينا، كلما قل ان يجوز لنا مجرد ذكرها، دون ان نبحث اخطاءها والاوضاع الخاصة التي مرت بها. ان مثل هذا التصرف، انما يعني السير على غرار وحمق البلانكيين، الذين سخر منهم انجلس، والذين بالغوا (في (بيانهم) الصادر عام 1874) في اطراء أدنى عمل قامت به الكومونة - يقصد لينين البرنامج الذي اصدره فريق من البلانكيين في عام 1874 في لندن، اي بعد ثلاثة سنوات من هزيمة الكومونة، ممن كانوا من ثوار كومونة باريس. هذا البيان ليس له العلاقة بثورة الكومونة ذاتها، وهي مجرد حيلة أخرى من حيل لينين لتزييف التاريخ وسحق السوفييتات -. وما عسى ان يقول المشترك لي المجلس العام الذي سيسأله عن هذه (الكومونة الثورية)، المذكورة في القرار؟ انه لن يكون بوسعه ان يقول له سوى شيء واحد، هو ان التاريخ يعرف بهذا الاسم حكومة عمالية كانت في عهدها لا تعرف، ولم يكن بوسعها، ان تميز بين عناصر الانقلاب الديمقراطي وعناصر الانقلاب الاشتراكي، وكانت تخلط مهمات النضال من أجل الجمهورية مع مهمات النضال من أجل الاشتراكية، ولم تستطع ان تحل قضية القيام بهجوم عسكري حازم على فرساي، واخطأت في عدم الاستيلاء، على بنك فرنسا، الخ (****) .. وبكلمة، سواء اذكرتم في جوابكم كومونة باريس أم أية كومونة أخرى، فانه يترتب عليكم ان تجيبوا كما يلي: كانت تلك حكومة ينبغي ألا تكون حكومتنا مثلها"، "ان هذا التعبير .. يزيل، بحد نفسه، جميع المهمات الاخرى؛ وهو تَدَش للنظرية الخرقاء، نظرية (من القاعدة فقط). ان اقصاء المهمات الاخرى بهذه الصورة، انما يعني مرة اخرى التدليل على قصر النظر وعدم التفكير" (ص 74).
وهكذا، فكل ما يحاوله لينين هو تعريف طابع الثورة السوفيتية -الثورة المجالسية- بثورة ذات أهداف برجوازية ديمقراطية لا أكثر. وأن الحديث عن الاشتراكية نتاج الجهل، وقصر النظر، وعدم التفكير، وهذه الثورة لم تصبح ثورة اشتراكية حتى بعد الثورة البروليتارية الثانية في روسيا في عام 1917، ففي المرحلة الأولى (1905) كانت الثورة ذات أهداف برجوازية، وفي المرحلة الثانية (1917)، لم يكن الوضع الاقتصادي والاجتماعي مهيئاً للاشتراكية، فكان على روسيا اختراق حدودها الإقطاعية أولاً، حسب لينين. فما الطريق الأمثل للوصول إلى الاشتراكية؟ رأسمالية الدولة الاحتكارية، فخطة لينين الثانية إكمال لخطته الأولى لسحق الحركة الاشتراكية العالمية. واليسار الشيوعي في الشرق سيعيد نفس المهزلة التاريخية، فها هو اليسار ينتقل من مفهوم الثورات الوطنية البرجوازية إلى مفهوم الثورات الديمقراطية البرجوازية بدل تطوير الاتجاه الاشتراكي في حركات الشرق المعاصرة. فما النتيجة؟ محاولة جديدة لسحق الحركة الاشتراكية العالمية من خلال إفساح المجال أمام تطور التيارات المختلفة للبرجوازية، ونعني بهم الليبراليين والإسلاميين، في تجديد أنفسهم وتكييفهم مع الوضع التاريخي الجديد، أي الكساد العظيم، لمجابهة الحركة الاشتراكية العالمية وسحقها من جديد.
وما مهمة الاشتراكيين أمام الاقتصاد العالمي الذي دخل مرحلة الكساد العظيم؟
مع تعمق الأزمة الرأسمالية العالمية، تتطور حركة الاحتلال في أمريكا والغرب. أما تطور الاصطدامات الطبقية في الشرق واستمراريتها، سيحرك دون شك، الاقتصاد العالمي نحو أعظم كساد في التاريخ الحديث للراسمالية، وخاصة على ضفتي المحيط الأطلسي، أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، الكساد الذي يمتد آثاره بالضرورة إلى كافة قارات العالم، وستكون تأثيراته بعيدة المدى على الرأسمالية العالمية، من ضمنها الدول العربية. الأمر الذي لا بد ان يخلف آثارا جديدة على الحركات الجماهيرية الموجودة فيها، وتحريكها نحو مستوى أعلى في مطالبها الاجتماعية. فكل ركود في اقتصاد البلدان الصناعية المتطورة، سينعكس على بلدان منتجي المواد الخام -منتجي النفط- أيضا. فلا تطوير قدرة الموارد البشرية التي تحتاجها الاسواق المحلية، ولا تنشيط الاقتصاديات الوطنية من خلال تطوير الصناعة، ولا القروض، يغير شيئا من الوضع الاقتصادي الراهن. ويعتقد الكثير من الاقتصاديين بأن الكساد الاقتصادي العام قد أصبح مؤكد في عام 2012. ولقد قال الرئيس الروسي دميتري مدفيديف في اجتماع مجلس الدولة الروسي يوم 26 ديسمبر 2011: "يرى الخبراء أن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة الكساد العظيم". ورسم صندوق النقد الدولي قبل أيام قليلة، صورة مظلمة عن الوضع الراهن للاقتصاد العالمي, وقالت كريستين لاغارد مديرة الصندوق: يجب اتخاذ إلاجراءات في كافة البلدان بدءا بالبلدان الأوروبية لتجنب أزمة متصاعدة تحمل في طياتها مخاطر كساد جديد في عام 2012. كما وحذرت المؤسسات المالية في العالم من أزمة اقتصادية جديدة في الدول الصناعية العريقة بالذات، الأزمة التي يتزايد بموجبها الفقر، والبطالة. الأمر الذي سيؤدي دون شك إلى تشديد الاصطدامات الطبقية في العالم أجمع.
فما مهمة الاشتراكيين ازاء وضع كهذا؟ هل هي نفس مهمة اليسار الشيوعي، يعني جر الحركات المعاصرة وراء عمل مشترك مع الليبراليين والاسلاميين والوصول إلى مقاعد السلطة؟
على الاشتراكيين ان يضعون هدف الشغيلة في المقدمة بوصفها المسألة الاساسية في الحركة الحالية. یجب أن تكون الثورة متضامنة، وهذا ما تعلمنا إیاه التجارب التاريخية للثورات، فالمسألة تتعلق دائمًا بتوازن القوى في المستوى الاممي المطلوب، والهزيمة ناتجة دومًا من عدم نشؤ التضامن، يعني من عدم وجود برنامج أو هدف مشترك للشغيلة في الغرب والشرق؛ وعدم الانطلاق من مستقبل حركة الشغيلة، فالاصلاحات الاقتصادية والسياسية، هي كل شيء والهدف لا شيء. واليوم هناك أرضية واقعية لتحرر عقولنا من خرافات اللينينية، يعني من خرافات ثورية البرجوازية الوطنية والديمقراطية البرجوازية. فلم يجد التاريخ مكانا لرجال التحرر الوطني والديمقراطي، إلا بين البرجوازيين والحكام السياسيين. والآن آن الأوان من جديد للقتال معًا. فمع فشل الرأسمالية في إدارة مجتمع خال من الصراعات، وتعمق الأزمة العالمية والكساد العظيم، يتوضح أكثر فأكثر بان الحريات الديمقراطية ممكنة ضمن النظام الرأسمالي وهو نظام التجارة الحرة، كما وممكن الخروج من هيمنة الاستعمار أيضا، ولكن لا هذا ولا ذاك، سيحررنا من نظام استغلال الإنسان للإنسان وسيادة الإنسان على الإنسان. كما ويظهر التضامن في عهد الكساد العظيم، دون ضرورة رفع اي شعار، فالتضامن عملية تاريخية، ينشأ من الحياة الواقعية لملايين البشر على الارض لا من خلال رفع شعارات ميتة لا حياة فيها، فالخطط الاستراتيجية والتكتيكية والوسائل العملية للشغيلة، تختلف كل الاختلاف عن خطط اليسار، فشعار الشغيلة هو نفس شعار ول ستريت ولندن -الاحتلال- والبدأ بالانتظام الطبقي في الاتحادات بدل المشاركة في السلطة، تستهدف تنشيط الحركة الاشتراكية من خلال تنشيط المظاهرات والاضرابات العامة، وتشكيل المجالس -السوفييتات- المنتخبة المستقلة عن سياسات الاحزاب في المزارع كالمعامل، في المدارس كالجامعات، في الدوائر كالجيش. فيتميز عصرنا بعودة الشغيلة إلى ساحة النضال من اقصى العالم إلى أقصاه، ووراءها كساد عظيم يرزح بموجبه العالم كله على رأسه أعظم دولة صناعية في العالم وهي الولايات المتحدة الامريكية التي تخلف أزماتها أثر عميق على الحالة الاقتصادية في العالم. "يقول الكاهن أندي بيلز الذي يدير ملجأ قرب لوس أنجلوس: إن الكساد العظيم عاد ليخيم من جديد على المدينة، واصفا إياه بأنه أسوأ كساد يشهده طوال حياته وأنه لا نهاية تلوح في الأفق لهذه الأزمة على ما يبدو". ويردف بالقول "لا أظن أن الناس حول العالم يدركون مدى فداحة الأزمة هنا" في كاليفورنيا. ويرى مدير مركز البحوث والتنبؤات الاقتصادية بجامعة كاليفورنيا اللوثرية بيل ووتكينز أن الولاية سرعان ما ستصبح "جحيما" للكل تقريبا ما عدا الطبقة الأرستقراطية وحاشيتها المفضلة من الخدم وموظفي القطاع العام. ويمضي ووتكينز إلى القول إن "المستقبل قاتم تماما. وإذا كنت تقطن في منطقة مثل مقاطعة فينتورا على ساحل المحيط الهادي فهي مكان جميل لكن ليس كل الناس يعيشون ذلك الحلم في كاليفورنيا". ووفقا للأرقام التي نشرها مكتب الإحصاء الشهر الماضي، فإن 2.2 مليون طفل في كاليفورنيا –أي واحد من كل أربعة أطفال- يعيش حاليا تحت مستوى خط الفقر الذي حددته الحكومة الاتحادية". المصدر: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/EB8F9AD4-7A73-42E5-9456-920FE42EBC78.htm?GoogleStatID=30
وبالاضافة إلى ذلك ستقترب الولايات المتحدة من العجز عن سداد الديون، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى تفاقم الأزمة، ومشكلات الاسكان، وهبوط الاسهم، وارتفاع اسعار الفائدة المصرفية، والفوائض الإنتاجية. وما النتيجة؟ العودة إلى الحالة الاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة وثم العالم أجمع في عام 1929، فالاقتصاد الرأسمالي يشهد في الوقت الحاضر أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير خلال ثلاثينات القرن الماضي. وما مهمة الاشتراكيين ازاء وضع كهذا غير المحاولة لتقوية موقع الشغيلة في ساحة النضال بهدف تحويل توازن القوى لمصلحة الشغيلة في العالم؟ وما هذا التوازن ان لم يكن التضامن؟ وما التضامن ان لم نضع الهدف النهائي في المقدمة في كل مكان، وهي الاشتراكية؟ فالبديل الوحيد للكساد العظيم هو اما الهمجية واما الاشتراكية، ولا يوجد برنامج نضالي يخدم قضية الشغيلة في العالم أجمع، سوى رفع الشعار الآتي: فلتعش الاشتراكية!
(*) يحاول لينين هنا دحض فكرة ماركس عن الثورة الروسية، ولكن تحت اسم ماركس نفسه، فكان ماركس ينتظر ثورة بروليتارية في روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بينما لينين يعرف الثورة البروليتارية الروسية في عام 1905م، أي في القرن العشرين بثورة برجوازية، وحتى في عام 1917م، أي أثناء الثورة السوفييتية الثانية في روسيا، كان لا يزال يتحدث لينين عن مهمات برجوازية غير مكتملة. في القرن الذي يسبق قرن السوفييتات، يسأل ماركس: "أبوسع الملكية الفلاحية عند الفلاحين الروس -التي هي شكل متفكك جدا من ملكية الأرض المشاعية البدائية- أن تنتقل بصورة مباشرة إلى شكل أعلى، شيوعي لتملك الأرض، أم ينبغي أن تتبع في بادئ الأمر طريق الانحلال الذي عاناه التطور التاريخي في الغرب؟ إن الجواب الوحيد الذي يمكن إعطاؤه على هذا السؤال في الوقت الحاضر هو: إذا أدت الثورة الروسية إلى نشوب ثورة بروليتارية في الغرب، وكانت الثورتان إحداهما تتمم الأخرى، فإن ملكية الأرض المشاعية الحالية في روسيا يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتطور شيوعي" (البيان الشيوعي، ص 12).
(**) هذه الفكرة هي من اختلاق لينين نفسه، فحسب ماركس: "إن الشيوعيين يناضلون في سبيل المصالح والأهداف المباشرة للطبقة العاملة، إلا أنهم في الحركة الحالية يدافعون عن مستقبل الحركة .. وفي كل هذه الحركات يضعون في المقدمة مسألة الملكية باعتبار أنها المسألة الأساسية في الحركة، مهما كانت الدرجة التي بلغتها هذه المسألة في تطورها" (كارل ماركس، البيان الشيوعي، ص 83، 85).
(***) هذه الفكرة هي أيضاً من اختلاق لينين نفسه، فماركس كان نصير متحمس للكومونة (انظر: الدولة وثورة الكومونة) في الحوار المتمدن http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=285666
(****) على عكس لينين، ان هزيمة ثورة الكومونة، لا تعود إطلاقاً إلى الاتهامات التي یوجهها السید لینین، بل تعود إلى عدم نشوبها في المستوى الأممي المطلوب، وكما يقول ماركس: "یجب أن تكون الثورة متضامنة، وهذا ما تعلمنا إیاه التجربة العظیمة لكومونة باریس التي سقطت لأنَّه لم تنشب في آن واحد، في جمیع المراكز الرئیسیة حركة ثوریة عظیمة تتناسب مع المستوى الرفیع لكفاح برولیتاریا باریس" (كارل ماركس).
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام الاستعماري يسبق النظام الرأسمالي -3-3
-
النظام الاستعماري يسبق النظام الرأسمالي -2-3
-
النظام الاستعماري يسبق النظام الرأسمالي -1-3
-
الدولة وثورة الكومونة – 5-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 4-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 3-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 2-5
-
الدولة وثورة الكومونة – 1-5
-
مهزلة الليبرالية وضرورة الاشتراكية
-
كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية: التضامن لا الج
...
-
الأخلاق الإسلامية والأخلاق الشيوعية
-
الاشتراكية بداية التاريخ
-
نقد الأخلاق عند لينين
-
الأزمة المعاصرة في تأملات الليبراليين الأخلاقية
-
رسالة من مصر: ما الأهمية التاريخية لانتفاضة مصر؟
-
الموجة اللاحقة: إسرائيل، السعودية، الصين، وقناة السويس
-
اشتراكية لينين صورة كاريكاتورية لرأسمالية الدولة
-
رسائل من تونس: ما الخطوة اللاحقة؟
-
السيد علي الأسدي: رأسمالية الدولة
-
تونس: هُبُّوا ضحايا الاضطهاد! هُبُّوا إلى العمل المجالسي!
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|