الحب كما تصوره الرومانسيون الأوائل

عادل بشير الصاري

الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 01:06
المحور: الادب والفن
    

يعد موضوع الحب أبرز وأهم موضوعات الكتَّاب والمفكرين والشعراء الرومانسيين ، ومن أوائل الكتب التي تناولت هذا الموضوع كتاب الدكتور محمد غنيمي هلال ( الرومانتيكية ) ، ففيه بيَّن أن الرومانسيين الأوائل في الغرب قد استوحوا مفهومهم للحب من قراءاتهم للفلسفة الأفلوطنية ومما تردد في أشعار وكتابات الصوفيين المسلمين ، لذلك تجاوزت نظرتهم إليه نظرة الكلاسيكيين الذين رأوا فيه مجرد عاطفة ونزوة من نزوات النفس ، بحيث بات عندهم فضيلة من الفضائل التي تهذب غرائز النفوس وتسمو بالعواطف ، وتذكي الشعور النبيل، وتشجع المحب على القيام بواجباته تجاه مجتمعه ووطنه .
وقد غلب على حب هؤلاء الرومانسيين طابع (( الحزن والشكوى من عدم وفاء الحبيب، وقلما كان يُعنى الرومانتيكي بلذائذ الحب الحسية ، وإنما كان حبه عاطفيا حالما ، يمتاز بأنه يضيق بالعقبات التي تعترض طريقه ، ويثور عليها ، ولو كان مصدرها القوانين أو نظم المجتمع ، وكثيرا ما يتجاوز الرومانتيكي حدود عاطفته الفردية إلى مسائل اجتماعية عامة أو فلسفية ، ولذلك ينفرد شعر الرومانتيكي في الحب بأنه مزيج من معانٍ صوفية وفلسفية واجتماعية تصدر عن فكر حر من كل قيد )) .
ويمكن القول إن هؤلاء الرومانسيين ومنهم الألماني نوفاليس Novalis ( ت1801م ) والشاعر الانجليزي شيليShelly ( ت1822م ) ، ومعاصره كيتس، Keats ( ت1821م ) والألماني Schlegel ( ت1845م )، والفرنسي ألفرد دي فينيAlfred de vigny ( ت1863م ) عدوا الحب ـ برغم كونه علاقة بشرية أرضية ـ قوة سماوية غيبية تتنزل على قلوب المحبين كما يتنزل الوحي على الرسل ، لذلك شاع في نتاجهم تقديس المرأة ، فنمهم كالشاعر شيلي رآها ملَكَا يتنزل من السماء ، بل تمادى آخرون كنوفاليس فزعموا أنها جزء من الذات الإلهية ، لذلك لا غرو أن تبدو المرأة في معظم الأدبيات الرومانسية الغربية مالكة لِما عزَّ على البشر امتلاكه من قداسة وطهارة وكمال ومثالية .
والغريب أن مثل هذه التصورات التي تعد بمثابة الهرطقة في منظور التفكير الشرقي قد تسربت إلى عقول وأحلام أوائل الرومانسيين العرب كجبران وعباس العقاد وعبد الرحمن شكري وأبي القاسم الشابي، فقد دأب هؤلاء على استنساخ صورة الحب كما صورها الرومانسيون الغربيون ، فإذا هو في أشعارهم دين كسائر الأديان له معابد ومحراب وصلاة وحج وتسبيح ، وإذا الحبيبة قبس من ذات الإله، لذلك شاعت عندهم تعبيرات من مثل : أدين بالحب ـ معبد الحب ـ صلاة الحب ـ الجمال المعبود ـ الحب روح إلهي ـ ذلك الحب ، ذلك الإله ـ أنتِ روح قدسية ـ أنتِ روح الإله ، وغيرها كثير.
وبرغم أن الرومانسيين العرب أضفوا كنظرائهم في الغرب على مفهوم الحب دلالة وجودية ، بحيث رأوا فيه فضيلة من الفضائل وقيمة من القيم الأصيلة التي تحقق لهم السعادة فإن معظم تجارب حبهم على مستوى الممارسة الفعلية انتهت نهاية حزينة إما بموت الحبيب وإما بصدوده وهجرانه بسبب خضوعه واستسلامه للتقاليد والأعراف الاجتماعية التي كانت تئد الحب في مهده ، ولهذا السبب شاعت في مجمل أشعار وقصص وكتابات الرومانسيين نبرة الحزن والشجن والشكوى ممزوجة بروح التحدي والثورة .
وتظل قصيدة الحب الرومانسي متميزة بخصوصيتها وتفردها عما راج قبلها من غزل متصنع استنسخت مفرداته وتراكيبه وصوره من شعر عهود الصنعة الشعرية ، وبالطبع ثمة فرق بين تجربة الشاعر في الحب تغزله في مفاتن الأنثى ، فالتجربة معاناة عاطفية وإنشائية حقيقية تظهر تجلياتها في رؤية الشاعر للحب ولحبيبته وفي نمط الخطاب الذي يتوجه به إليها ، لكن التغزل ضرب من القول يعتمد على وسائل الوصف والتشبيه وألوان البديع ، ولا يكاد يختلف كثيرا عن سائر الصنائع والفنون كالنقش والتصوير والرسم .
ـــــــــــــــــــ
ـ الرومانتكية ، محمد غنيمي هلال ، ص 183 وما بعدها .
ـ أهم مظاهر الرومنطيقية في الأدب العربي الحديث ، وأهم المؤثرات الأجنبية فيها ، فؤاد الفرفوري ، ص151 وما بعدها .

#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات