أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عولمة 11 أيلول - نصير عاروري















المزيد.....

نصير عاروري


عولمة 11 أيلول

الحوار المتمدن-العدد: 242 - 2002 / 9 / 10 - 01:00
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



 

آثار المجازر البشعة التي ارتكبت في 11 أيلول (سبتمبر) تخطت مواقعها الثلاثة في نيويورك وواشنطن وريف بنسلفانيا لتغمر العالم بأسره. تلك الأحداث كانت من صنع حركة عالمية شريرة وكان تأثيرها على أميركا وبقية العالم (معولماً) بكل معنى الكلمة. فقد اصبح (11 أيلول) تعبيراً تناقلته كل لغات العالم, مثيراً لمشاعر متشابهة في كل مكان على رغم التنوع الواسع في ثقافات العالم. وكان هناك رأي عام عالمي واحد عريض انتابه الأسى والصدمة والاستبشاع لتلك الأحداث.

(العولمة), ذلك التعبير الذي دخل قاموس السياسة العالمية منذ رئاسة بيل كلينتون, وكان مطابقاً تقريباً لتعبير (التجارة الحرة), بدأ باتخاذ معنى جديد بعد 11 أيلول. لقد قيل لنا أن العالم أصبح (قرية عالمية) يشترك ساكنوها في الزي والمأكل وسبل الترفيه والرياضة, اضافة الى النهم الحاد للآلات والمعدات الألكترونية التي افترض انها وحدت ما بيننا. لكن النهم نفسه لتلك (المنتجات الرحّالة) التي جعلتنا أكثر قدرة على التنقل وأقل تنوعا مكّنت الارهابيين في الوقت نفسه من استخدام التكنولوجيا المعولمة لارتكاب جرائمهم. وكان ذلك نسخة مضللة ومشوهة لمحاولات تاريخية قديمة قام بها دعاة التحديث في تركيا العثمانية وقيصر روسيا بطرس العظيم, لتقليد أساليب الغرب (من حيث التكنولوجيا وصناعة السفن وغيرها من النشاطات المرتبطة بالتحديث) وسيلة لمواجهة التغلل الغربي.

إن العولمة التي تباهى بها الشمال الصناعي, خصوصا الولايات المتحدة, باعتبارها الوصفة الأفضل لعالم ما بعد الحرب الباردة, اتخذت فجأة بعد 11 أيلول معنى مختلفاً محرّفاً. فاذا كان الارهابيون استطاعوا أن ينظموا ويخططوا على مستوى عالمي فقد اعاد الطرف المقابل صياغة المفهوم ومجالاته ومرتكزاته, لكي ينتج تلك الصورة (المانوية) التي قدمها جورج
بوش لعالم حاد الانقسام بين قوى الخير والشر, أو الأصدقاء والأعداء, من دون تحديد واضح لتلك المفاهيم. واعتبر بوش ومسايروه العدو قوة شيطانية, مثلما في حديث بوش عن (محور الشر), الذي يستعيد وصف الرئيس الأسبق رونالد ريغان للاتحاد السوفياتي بأنه (امبراطورية الشر). وتم تطبيق هذا التقسيم الكارثي على الصعيد الداخلي, وصولاً إلى تطورين خطيرين: الأول اصدار (قانون الوطنية) الذي دمّر الحريات المدنية والحمايات الدستورية للأميركيين, متيحا لوزير العدل الموتور سجن أي مواطن من دون حاجة الى أدلة أو بناء على (أدلة سرية), وتعليق الحظر على الاحتجاز من دون أمر من محكمة, واستعمال التمييز على أساس اثني/ ديني في المطارات, وتجاهل مواثيق جنيف لحقوق أسرى الحرب وغير ذلك من التجاوزات. ثانيا, شن (الحرب على الارهاب) من دون تحديد واضح للطرف المستهدف, سوى بالطبع من تعتبرهم ادارة بوش اعداء لها. وجاءت الحرب الى أفغانستان بدمار يفوق الوصف لبلد مندمر أصلاً, جريمته الوحيدة انه كان ساحة لواحدة من معارك الحرب الباردة, بتركيبة قلقة من أمراء الحرب المتنافسين وتحالفات متقلبة الولاء بين الدولتين العظيميين. الأسوأ من ذلك احتمال توسيع هذه الحرب العجيبة الى دولة اخرى ذات سيادة: العراق الذي كان والد الرئيس الحالي دمّره قبل عشر سنوات وفرض على 23 مليون نسمة من السكان, وغالبيتهم تكره صدام حسين , عقوبات وحشية قاتلة. والواقع ان الهجوم على العراق قد يكون الخطوة الأولى لحرب أشمل تستهدف ايران وسورية ولبنان والفلسطينيين.

لا ننسى ان هذه (الحرب على الارهاب) التي يكثر التغني بها ركزت على دولتين قريبتين من أغنى مواقع النفط والغاز في العالم, في منطقتين متجاورتين يمكن لأميركا بقوتها المهيمنة اعادة رسم خريطتيهما السياسيتين كما برزتا بعد الحرب العالميتين في القرن الماضي. ولا ننسى ان الصقور الريغانيين الذين يحرضون الادارة على الحرب كانوا من أشد المعجبين بالقوى التي يصفونها اليوم بالشيطانية ويعتبرونها الهدف الرئيسي لـ(الحرب على الارهاب), أي حلفاء الأمس في أفغانستان ضد الغزو السوفياتي, وصدام حسين. ولم يثر استعمال صدام حسين لغاز الخردل ضد جنود ايران في 1984 والمدنيين الأكراد في 1988 استنكار هؤلاء المسؤولين في ادارة ريغان الذين ينظّرون للوضع العالمي حالياً ويرسمون سياسة جورج بوش الخارجية. بل كانوا يغضّون النظر عن مجازر صدام حسين ولا يعتبرونها اعمالا ارهابية ما دام العدو هو آيات الله في ايران. ولا بد أن نشعر بالحزن عندما نشاهد النقاش الدائر حول الهجوم على العراق, لما يبينه من انزلاق خطير في الولايات المتحدة نحو العدوان - الى درجة ان حتى شخصيات مثل رئيس الغالبية في مجلس النواب ديك امري, المنتمي الى تيار المحافظين الجدد, والجنرال نورمان شورازكوف, تبدو كأنها من (الحمائم), مقابل صف الصقور بقيادة محور رامسفيلد - وولفوفيتز - تشيني - بيرل, فيما يقف في الوسط جيمس بيكر وهنري كيسنجر الذي يتعرض الآن لملاحقة قانونية على الجرائم في تشيلي.

وقد اصبحت (الحرب على الارهاب) التي اطلقها بوش حملة على القاعدة وأفغانستان والعراق وايران, التي يجمع بينها كونها مسلمة أو عربية أو الاثنين معاً. هكذا نجد (لا سامية) من نوع جديد يبرز فيها بوش ووزير العدل آشكروفت بصفة (الجهاديين) الجدد. واذا كان عمل مرتكبي 11 أيلول (جهاداً) بمعنى مزيف لا تدعمه سوى فئات من أقصى أقاصي دوائر المتشددين, فإن (الجهاد) الذي تقوم به الدولة الوحيدة التي يمكن القول بحق انها تتمع بالسيادة - أي الولايات المتحدة - أصبح سياسة معلنة ليس من أجل الدفاع ضد التهديدات الخارجية فحسب, بل توجهاً داخلياً يهدد النسيج الاخلاقي والأساس القانوني للمجتمع الأميركي. ان مطاردة الإرهابيين المحتملين يجب ان لا تكون على حساب القيم الأساسية للشعب الأميركي والقواعد القانونية التي تقوم عليها حرياته المدنية.

الدرس من 11 أيلول هو أن التعاون بين مجتمعات مختلفة الثقافات, وهو الشرط الضروري للتوافق العالمي والهدوء الداخلي, يصبح صعب المنال عندما تتجاهل الحكومات سلطة القانون. كما ان تلك الجرائم البشعة تتطلب استعمالاً أوسع للاجراءات القانونية والوسائل الديبلوماسية, واعتماداً أقل على (المحاربين الثقافيين) و(بناة الامبراطورية) ومعيدي ترسيم الخرائط الاستراتيجية والاعلاميين المصابين بعقدة كره الأجانب وكل الذين يحاولون معالجة الألم الجماعي عن زرع بذور المزيد من الآلام والحروب.



* استاذ في جامعة دارتموث (ماساتشوتس).

الحياة (9/9/2002 )
   


#عولمة_11_أيلول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد ...
- حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
- وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض ...
- أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير ...
- ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
- بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش ...
- Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
- -القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
- -المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
- إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عولمة 11 أيلول - نصير عاروري