|
مطلوب تشريع لإشهار الإفلاس السياسي لحكومات مصر
مصباح قطب
الحوار المتمدن-العدد: 1063 - 2004 / 12 / 30 - 11:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
ذا إند» أو النهاية، أول كلمة إنجليزية يلتقطها الصبية الأميون وشبه الأميين في مصر، بل والكبار من نفس المستوي «الترسوي» كذلك. إنهم يرونها تصعد إلي واجهة شاشة السينما، بعد نهاية العرض، بل وأحيانًا ما تنزل فوق الستار ذاته، خاصة حين يتعجل العامل السهران في الحفلات المتأخرة، إنزاله بينما ماكينة العرض لا تزال دائرة. يتعلم جمهور الترسو المصري أن نزول «ذا إند» يرتبط دائمًا بإضاءة مصباحين بأعلي بابين علي جانبي القاعة مكتوب علي كل منهما «EXIT»، أي «المخرج». لكن ما الذي يحدث في مصر الآن؟ بكل المعايير، لدينا عرض سياسي انتهي تمامًا، وتهرأت نسخته، ودمغت كلمة النهاية كامل مسطح شاشته، ومع ذلك لا المخارج أضيئت ولا خروشة شاشة العرض توقفت. مشهد يجعل من عملية وضع تشريع لإشهار الإفلاس السياسي لحكومات مصر، المطلب الأول الذي يجب أن يلتف حوله الناس. تشريع بمعني ما يفضي إلي تسبيل عيني المسجي ميتًا في سريره، ثم تشييعه دون أي ترحم عليه، ليمارس أمين التفليسة (هيئة تأسيسية لدستور جديد مثلا) دوره. بحسب الدكتور رشدي سعيد، كان السادات يري ما يفعله العمد من آل عبد الغفار من خير، للناس، وبصفة خاصة لمن يستطيع «تحنين» قلبهم عليه، وقد خرج فيما يبدو باستخلاص رئيسي طبقه بعد أن أصبح رئيسًا للبلاد، مفاده وجوب أن يكون لساننا حلوًا مع قادة الخليج ثم مع الأمريكان، وأن نسعي، بكل السبل لتحقيق هدف قومي أول هو تحنين قلوبهم علينا، حتي تتدفق المعونات والهبات والمنح ويعيش الشعب في الرخاء والنماء. لكن لم يكن أحد يتصور أن تقودنا هذه الفلسفة، التي اعتمدها الحكم المصري منذ 1974 حتي الآن، دون أي محاولة لعمل جهد تنموي حقيقي يدفع فيه الجميع ثمن التقدم والاعتماد علي النفس، باستثناء شبهة محاولة في السنوات الأولي لحكم مبارك. ولم يكن أحد يتصور أن تصل بنا النطاعة السياسية إلي حد توقيع اتفاقية «الكويز» كأحد أشكال عمليات ترهيف قلب الإسرائيليين والأمريكيين، حتي تتدفق علينا الاستثمارات «الطائلة»، وتخرج من عندنا الصادرات «المهولة»، ويعمل أبناء الشعب، «ترزجية» عند السادة: السوقين الأمريكي والإسرائيلي. «ترزجية» يحيكون، ويكوون، ويغلفون، ويتحدثون.. عن «سلام الشجعان»!
كان السادات، لأسباب تفاريحية، ولتفريغ المضمون النضالي للمدينة، قد اختار بورسعيد، بالذات، لإعلانها منطقة حرة عام 1978، ويومها، تم العزف علي نفس المليارات من الاستثمارات الأجنبية التي ستجيء، ومئات آلاف فرص العمل التي ستتولد، ومليارات الصادرات التي ستنطلق منها، وهو ما لم يحدث أبدًا، واليوم، وللمصادفة، يوافق الأمريكيون والإسرائيليون علي أن تكون بورسعيد - بالذات - في مقدمة المناطق المؤهلة، وذلك حتي قبل أن يستجيبوا لطلب مصر بزيادة المناطق من 3 إلي 7 ،وانطلقت نفس النغمات المليارية.
لم يلفت نظر أحد أن الفرق بين صادرات المناطق الحرة في مصر بعامة ووارداتها، دائمًا بالسلب طبقًا لتقارير البنك المركزي مع أن هذه المناطق انشئت وحصلت علي الإعفاءات بالذات لتزيد الصادرات وتقلل من عجز الميزان التجاري. لم يفسر أحد لماذا غزا الصينيون أسواق العالم حتي قبل أن ينضموا إلي اتفاقيات تحرير التجارة العالمية أو يستكملوا خطوات الانضمام. لم يكلف مسئول من وفد التفاوض الغامض، حول «الكويز» نفسه عناء البحث عن سبب عجز مصدري الملابس الجاهزة والمنسوجات المصريين عن تغطية ولو نسبة معقولة من الحصص التي كان متاحًا لهم تصديرها بدون جمارك إلي السوق الأمريكي في أي يوم. لو فعلوا لاكتشفوا أن المأزق ليس في عقد اتفاقيات وترتيبات تجارة بالكوم، ولكن في الداخل في نظمنا وسياساتنا واهتماماتنا، في غياب الجدية والمناخ الحافز علي الإنتاج والمنافسة والعمل والإبداع.
وإذا كان الحال كذلك فلماذا نعطي للقحف - الإسرائيلي- عدله بتوقيع اتفاقية تفتح له باب إقامة علاقات «أكل عيش» مع المصريين ومع طبقتهم العاملة؟ لماذا نعطيهم ذلك بهذا الثمن البخس؟
قلت لمسئولين بعد التوقيع علي الكويز: ألا ترون أن الأمريكان والإسرائيليين استدرجونا إلي الملعب الكمي-ملعب كام منطقة ؟
وما نسبة المدخلات الإسرائيلية؟ للتعمية علي هدفهم السياسي، الذي هو جعل العامل الذي اعتاد أن يفطر الفول ويعمل ويزور المريض ويساند المظلوم ويصلي ويجلس علي المقهي، ويشاهد مباريات الكرة ويكره إسرائيل، يجعله يتحول إلي النقيض ، بل وربما نري عمليا عمالا في منطقة مؤهلة يقولون لأنفسهم: «والله ربنا يعمر بيت الإسرائيليين دول000 الزراير أو الاكسسوارات أو الخيوط جت في ميعادها بالثانية00 لأ وشوف متغلفة حلو ازاي» ! أو حتي يدعون الله أن يهديهم ليرسلوا المدخلات المطلوبة بسرعة، فهل وضع المفاوض المصري قبل التوقيع خطة لهزيمة هذا الهدف السياسي للإسرائيليين وما هي؟0 إن من المحزن أن أحد المفاوضين القلائل الذين عرفناهم بعد الزوربا وهو الأستاذ أبو القمصان، وكيل أول وزارة التجارة، دأب علي أن يقول لخلصائه في الفترة الأخيرة : «والله احنا ما كنا عارفين ايه اللي في الموضوع لحد آخر لحظة زيكم؟» وأن يلمح إلي أن ثمة أشياء كانت تصله جاهزة، إذن00 من الذي تحدث باسمنا في هذا الاتفاق؟ وكيف تم اختياره؟ وما مصدر الثقة الرسمية فيه وفي قدرته؟ وما الدراسات التي اعتمد عليها؟ ولماذا يتم اخفاء الأسماء؟
إن كل ما تكشف وبالمصادفة دراسة أعدتها لجنة السياسات عن الفوائد التي ستعود علي مصر من وراء «الكويز»، من قبل التوقيع ، لكن د0 محمد كمال يخفيها عن الصحفيين00 فأين بقية الدراسات؟ هذا إذا وثقنا أن دراسة لجنة السياسات هي شيء جدي يعتد به0
في أسوأ الحالات كان يمكن للسلطة المصرية أن تلاعب الإسرائيليين تطبيعيا، مثلما فعلت في مشروع مثل معمل ميدور00 مشروع معزول00 لا يتيح علاقات تشابك اجتماعي تطبيعي، مما أدي في النهاية لخروج الإسرائيليين منه (ولو أنهم كسبوا قرشين كويسين بسبب بعض الأخطاء القاتلة) 0 كان يمكن أن تلف وأن تدور، وللسلطة في مصر باع كبير في هذه العملية مع مجتمعها، مع الإسرائيليين لاستغلال قانون كلينتون والحفاظ أو زيادة صادراتنا من المنسوجات، دون أن ننيل القحف عدله كما قلنا، لكن الإشارات كلها تؤكد أن القرار المصري مقصود، وأنه تم تجييش الجيوش، بما فيها الافتائية، لتمريره، ولذلك لم يدع اتخاذ القرار للناس فرصة إلا لأن يقولوا أنه قبلة الموت لعرض انتهي كما أشرنا، لقد ذهب أحد المواطنين، وهو من أنصار السلام الساداتي مع إسرائيل بالمناسبة، إلي القول بأن «الكويز» ، هي «المنصة» المعنوية للنظام الراهن!
الاتحادات الدولية والمنظمات المعنية بتجارة الملابس والمنسوجات في العالم، تؤكد كلها أن المستفيد الأكبر من إلغاء نظام الحصص هو الدول الآسيوية وبالذات الصين والهند، ولم ترد إشارات عن استفادة كبيرة محتملة لمصر، في أي دراسة جادة00 فمن أين جاء من صدعونا بالأرقام عن العمالة والاستثمار والتصدير بأرقامهم؟ قال زميل لنا في «الأهالي» : تصدق أن مفيش في سوق الخضار حاجة اسمها كيلو بجنيه000 حتي كيلو الطماطم نصف نصف أو بطاطس فيها سوسة مما اعتاد الفقراء علي شرائه0 فإذا ما اجتمع الفقر والغلاء إلي التسليم المهين أمام الخيارات الصهيونية، والثبات المقزز علي نظام الاستفتاء فما الذي يبقي سوي «ذا إند»؟
#مصباح_قطب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|