أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم أغا - سر في قلب رجا















المزيد.....

سر في قلب رجا


سمير عبد الرحيم أغا

الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 29 - 00:16
المحور: الادب والفن
    


أطل علي صديقي ماجد مسرعا بوجهه البريء مثيرا عاصفة من التساؤلات وقد تخطى الطريق راجعا من المدرسة والساعة قد بلغت الواحدة.. قال :- هل رأيت سيد رجا ؟
قلت وأنا أرفع يدي عن الكتاب الذي أقرأه
لم أره ولا أدري أين ذهب ؟
يقول ماجد معاتب
أين ذهب إذن ؟
ربما لا زال في بيت أستاذ أيوب
يرد ماجد بارتياح عميق
ربما.. فهناك مسكنه
لم يجد ماجد ، أضيق من ذلك النبأ ليرفع حزنه .. كي يمر الخبر إلى كل بيت.. ويذهب ويتركني أفكر في سيد رجا الذي لم أره منذ مدة, وهو الذي لم يعدونا الغياب عن هذا المكان، شعرت بسخونة الأرض، نظرت في الطريق إمامي، كان خاليا من الأشجار والشمس تصب نارها على الأرض مباشرة،
حين فتحت عيني , وامتلأ فمي بحلاوة العيش في القرية ، عرفت سيد رجا ، عرفته بلا صوت ولا صدى ، شخصا غريبا من كل الوجوه .. هذا عهدي به ، شخصا لا يفرح ولا يحزن ولا يجد في الألم ألما ، وجهه الذي يحمل عيونه الصغيرة التي لا تبصر شيئا ، وأنفا وفما ولحية بيضاء طويلة تكاد تميزه من بين كل الرجال ، وعمامته الخضراء الصغيرة صغر رأسه متصلة بجلبابه الذي لم أره يوما نظيفا ، أتأمل مجيئه كل يوم ، الناس تتحرك ، محدقة فيما حولها تراه ولا يراها ، لأن عيونه لا ترى ، كنت أعلم ولا أعلم سر زيارته اليومية إلى بيت ماجد ، وقت الظهيرة ، يدخل بوقار ويلقي السلام بصوت شجي ثم تمتد إليه يد الطعام .. تقليد يومي لكل مجلس وقد تعلو عاصفة من الضحك تنطلق من حوله وتتفجر في وجهه، كل مرة أحتار في هذا الكائن الغريب.. ليست له هيئة الشحاذ ولا نفسيتهم ولا تكلفهم...لم يستدر العطف يوما، فيه كبرياء تلجم لسانه فلا يتفوه بكلمة الشكر إلا بصوت خفيف, ربما كي لا ينتبه إلى نفسه، كنت أشجع نفسي وأستجمع قواي وأقول له كل شيء.. من أنت ؟ .. من أي مكان جئت ؟ ولكن ثمة خوف يسكن داخلي لا أعرف مصدره، أهو العمر ، أم خوف أن يضربني بعصاه القوية الصلبة كالحجر، شي ما يفرض على لساني السكوت والانسحاب. لا يهم ماذا يفعل الآن ؟ لم يكن قد فقد شيئا .. لكنه طاف في مكان آخر . رغم العمة واللقب فهو ليس ممن يتلوا القرآن .. أو يتصدر المسجد ، أو يقرأ البخت .. ليس من هؤلاء ، نفسي تحدثني توسوس لي أنه مجنون ، رغم أن الأمر كان مجرد تخمين بعيد الاحتمال فلم أجده يوما يبكي مخافة أن يكون ما يحدث له هو الجنون ، ربما لأنه يكتم أسراره كأن شيئا ما ينقصه ، أحساس أو شعور أن في حياته جزءا ركب بطريق خاطئ . ويقول لجماعته في الليالي الشتوية، إن أحلامه وأهله، هناك عند الأفق البعيد، ويحن بأن يجتمع الشمل ذات يوم.
وأجمل شيء في سيد رجا أنه لم يكن يطيق بعض البيوت في القرية.. ولا يدخلها مهما كان ، فرح كان أم حزن ...إلا مجلس (االمآتم ) حيث تجد عكازه يرتفع وينخفض منطلقا بأقصى سرعة وتجد مقعده في أول المجلس ، لم اسلك طريقا إلا سلكته لأصل إلى سيد رجا وسره ، كنت أضيق بصحبة زملائي من طلاب الثانوية ، أملا في العثور على رجل شاف جالس ، يحكي سر رجا ولا يكف لساني عن السؤال ، هناك من يتبارك بالسيد رجا ربما لأنه بجبة وعمامة، نعامله صبيا ويبلغ بي الضيق أن أقوم منتفضا متضايقا وأنا أعامله كقريب لا أعرف من هو ومن أين جاء ؟ ورجا هو الاسم الذي نناديه به .. بدون صفات، أما السيد فجاء من الجبة والعمامة الخضراء واللحية البيضاء، أنني لو سألت عنه.. فسوف يجرفني التيار، وستسعى بي الريح العاتية إلى خيبة بعيدة، أشعر أنني في قلب مشهد وهمي، في وجهه قناعة تحريضية، فكأن الدنيا ليست لديه أكثر من لقمة وشربة ماء وسط من يحبونه لم يدر بخلدي أن أسأله يوما
لم لا تتزوج ... يا سيد رجا ؟
كأنني كنت أفكر في شيء تعجيزي لا بد أن يبعث على الرعب والخوف، سيد كبير في سنه، في حياته لا يذكر النساء أمامه في كل شيء، الحياة مليئة بالمغريات والمحاذير.بقيت ممددا على العشب أنا وماجد.. حتى نادتني أمي من بعيد من داخل البيت، ولم أعرف لماذا تناديني... ذهبت لفوري إلى حيث هي وتقاسيم السيد رجا لم تزل عالقة بذهني لحظة بلحظة ، أترقب كل يوم مجيئه ، يمر من أمام بيتنا وينصرف بكل هدوء وكبرياء و لا يلوى على شيء، كدأبه منذ دخلت المدرسة أنا وماجد ، وأعلل نفسي بالآمال ارثيها ,: لعله يدخل بيتنا ، نعم هناك حسرة أنا لا أعرفها وما هي مصدرها.. لوعة ما بعدها لوعة, سر ما بعده سر، ما الذي يمنعه من الدخول إلى بيتنا، هو يعرفني جيدا ويعرف أبي. جاء عصر اليوم فحيا من حيا وأقترب مني.. مددت يدي لأدله على الطريق ولكنه أبتسم بصورة غامضة وقال
أنت ماجد ...
لم أفهم ما يعني قوله، إذ لم أسمع من قبل أنه لا يعرف ماجد بفراسته، ثم تغيرت نغمة صوته وقال
ألا تدلني على بيت ماجد
قلت: بيت ماجد
أنه يريد إن أدله على بيت ماجد، تأسفت لذلك، فبيت ماجد لا يبعد سوى خطوات عن بيتنا، مسافة لا تذكر،أنت تعرفهم يا سيد رجا ،أوشك أن يؤكد لي أن بيتنا بعيد ، منكرا ما يقوله كمن يهدد ، وعند الممر المقابل للبيت استدار عائدا إلى نفس الطريق , مشى ملاصقا لجدران البيوت كعادته ، بينما وقفت أنا أحدق إليه ، لم أصدق عيني ، أنت لا تصدقني لعلك تظن الجنون ، قلت ..لا يا سيد رجا،ثم رد متذمرا
سأرحل بعيدا
قلت بسرعة :
إلى أين ؟
إلى قرية بعيدة لا تعرفونها ، كانت قريتي فيما مضى ، قد أجد هناك أخي الوحيد ، استنفرت قواي كلها في سبيل إرضائه ،مضى صيف و شتاء و زمن ليس بالقصير ,والدنيا تسير في هدوء عذب , وأنا أفكر في انحدار ، ها أنا معلق من ندمي على رحيله ، كانت صدمة لم أحتملها ، لم يعد النظر إلى سيد رجا يسر ، لعله يرتاح ألان مستلقيا بعد طول الرحيل ، سكن سيد رجا قليلا وقال
أن رحلت فلن أعود , هناك من يبحث عني ،
أنني لم أزل أحبه ذلك الحب الذي يلازمني بين كل أشيائي ، علي أن أقبل بالرحيل ، وقبلت بالطبع : سيكون له بيت ، كنت سأسميه بوابه الأساطير استبقت الفرح الطالع من ذاكرة المدار ،وبين مصدق ومكذب عيني .. لمحت لحية سيد رجا الموشاة بالأسرار تتساقط منها قطرات المطر، وسرعان ما ذاب في زحمة الناس كما جاء.



#سمير_عبد_الرحيم_أغا (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا والمدير والمدرسة
- الغجرية
- يعود غدا أبو مائدة
- كنت مع الشيخ غازي
- المعلم يشوع
- نهر يعد الى السماء
- يوميات مدينة في منتهى الأحتلال
- الثورة التعليمية في الانترنيت مدارس مفتوحة وجامعات بلا ابواب
- عتبات النص الروائي


المزيد.....




- بعد منعه من دور العرض وعرضه في السينما .. ما هي أخر إيرادات ...
- سيكو سيكو يتصدر أعلى إيرادات أفلام العيد المصرية لهذا العام ...
- عليا أحمد تحوّل لوحاتها إلى تجربة آسرة في معرض منفرد في لندن ...
- -وصية مريم- اختصار الوجع السوري عبر الخشبة.. تراجيديا السوري ...
- لماذا لا يعرف أطفال الجيل الجديد أفلام الكرتون؟
- متحف البوسنة يقدم منصة -حصار سراييفو- للجزيرة بلقان
- تحدّى المؤسسة الدينيّة وانتقد -خروج الثورة من المساجد-.. ماذ ...
- تضامنا مع غزة.. مدينة صور تحيي أسبوع السينما الفلسطينية
- اكتساح -البديل من أجل ألمانيا- موسيقى راب عنصرية ومرجعيات ال ...
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون فنانا؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم أغا - سر في قلب رجا