|
قراءة في مقالة الدكتور عبد الرحيم الشيخ - متلازمة كولومبوس وتنقيب فلسطين: جينالوجيا التسمية الإسرائيلية للمشهد الفلسطيني-
محمود عليان
الحوار المتمدن-العدد: 3589 - 2011 / 12 / 27 - 23:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة في مقالة الدكتور عبد الرحيم الشيخ."متلازمة كولومبوس وتنقيب فلسطين: جينالوجيا سياسات التسمية الإسرائيلية للمشهد الفلسطيني،"الدراسات الفلسطينية، العدد83، 2010، (78-109).
تاريخياً ارتبط المستعمِر بالذكورة، والمستعمَر بالتأنيث، والعلاقة بين الأرض والمرأة كانت أزليّة، فالمستعمِر: يحتل، يغتصب، يفتح، يدنِّس، وكذلك (يسمّي)، حيث أنّ لغة التسمية هي أداة نفي تستبدل الواقع بالوهم بصفته نظام علاقات للواقع الجديد حسب أدونيس، فحين أسمّي أنا باللغة شيئاً، فإني أهيمن عليه وأملكه، لأنني أكون قد عرّفته، فالمعرفة قوة امتلاك، وهكذا يصبح هذا الشيء ملكاً لرغباتي، أمّا الشيء الذي لم أسمّه، لا أعرفه، وبالتالي لا أعرف كيف أسلك إزاءه.
المعنى الطبي لكلمة "متلازمة": مجموعة من الأعراض المرضيّة تظهر بصورة متلازمة ومترافقة مع بعضها في بعض المرضى بالرغم من أن هذه الأعراض تبدو غير ذات صلة ببعضها البعض، لكن مصدرها يكون واحد، فمن ناحية هناك (تلازم) بين عبرنة الإسماء (مدن، قرى، شوارع، وحتى أشخاص) من قبل الصهاينة ( سواء عصابات أم دولة) وإطلاق كولومبوس الأسماء على الأراضي التي (اكتشفها)، والمصدر في الحالتين هو العقليّة الإستعماريّة التي تسعى إلى تسمية الأماكن بمعجمها الخاص: الصهاينة وكولومبوس ذات فاعلة تمارس فعل السيطرة عبر عمليّة التسمية.
ومن ناحية أخرى هناك (تلازم) بين التطهير العرقي الذي اقترفته (إسرائيل) منذ عام 1947، وتمارسه حتى اليوم والتطهير الإسمي الذي صاحبه، فالعصابات الصهيونية، ودولتها فيما بعد، جردت الأمكنة من سكانها الفلسطينيين الأصليين، وغيرت أسماء الأماكن بإطلاق الأسماء العبرية عليها، (بن غوريون وبالرغم من انشغاله بالمهام الدولتية الجسيمة من حرب مستعرة وههجرة مسعورة)، اهتم كذلك بعبرنة الأسماء عبر اللجان المخصصة لذلك.
وذلك لأن الصراع حول فلسطين هو صراع (فكرة) حسب إدوارد سعيد، الذي ربط بين مشروع الاستشراق الأوروبي والمشروع الصهيوني وخاصة في عالم (الأفكار)، الذي مهّد الطريق لقيام (إسرائيل)، الصراع مع المشروع الصهيوني، حسب سعيد أيضاً، له امتداداته الإمبريالية الإستشراقية، فهو لا يشير إلى حركة استعماريّة احتلت أرض فلسطين فقط، بل أيضاً فكرة نقيضة مبلورة بشكل فذ حيال فلسطين ووأصحابها وملكيتهم إياها، حتى لو كانوا جدلاً (متخلفين) أو (غير متحضرين)، لكنهم كانوا موجودين على الأرض.
وعلى الإمتداد الإستشراقي للفكرة الصهيونية بنى منير العكش تصوّره لأسطورة (إسرائيل) الكبرى كترجمة لفكرة أمريكا التي تقوم على ثلاث عناصر: احتلال أرض الغير، استبدال سكانها بسكان غرباء، واستبدال تاريخها وثقافتها بتاريخ وثقافة المحتلين الغرباء، وهذه العناصر تقوم على الثوابت (الإمريكية الإسرائيلية) الخمس: عقيدة الاختيار الإلهي، التفوق العرقي والثقافي، الدور الخلاصي للعالم، قدريّة التوسع اللانهائي، وحق التضحية بالآخر.
وعلى ذلك كان (لإسرائيل) عبر لجنة الأسماء الحكومية التي خلقها الإنتداب البريطاني سنة1920، الحق في تغيير الأسماء حتى تتوافق مع هويتها الوطنية والدينية في هذه الأرض، واتبعت في ذلك معايير حذرة حول التسميات: الأسماء التاريخية، أسماء شخصيّة وفق المصادر اليهوديّة، أسماء وردت في آيات وأمثال في مصادر توراتيّة، أسماء لتخليد شخصيات وجمعيات خاصّة بتاريخ الصهيونية وبناء الدولة، أسماء لتخليد شهداء وأماكن وعمليات خاصّة بحروب (إسرائيل)، أسماء رمزيّة خاصّة بأمن كل مستعمرة، أسماء مزارع ومواقع نباتيّة وحيوانيّة، أسماء تضاريس، أسماء ذات نغمة لمعنى عبري، أسماء تجريديّة رمزيّة، ومن الملاحظ من خلال أطلس هذه اللجنة: اعتبار فلسطين التاريخيّة بما فيها أراضي السلطة وحدة واحدة وبالتالي مجالاً لعمل اللجنة، اتباع النمط الكولومبوسي الإستعماري، اختلاف معايير التسمية حسب هويّة الحزب الحاكم.
والتسمية حسب هويّة الحزب الحاكم تقع ضمن شكلين: التواصل الإرتدادي، حيث تم استدعاء أسماء الأمكنة التوراتيّة والتلموديّة لربط الجماعات الإستيطانيّة الحديثة (بإسرائيل) في الأرض، والحزب الذي مثّل هذا الشكل هو الليكود، في حين مثّل حزب العمل الشكل الثاني من التسمية وهو التغيير، حيث تعكس التسميات هنا علاقة اليهود بالأرض من منظور (إنساني) أو (طبيعي-بيئي)، وكذلك تعكس قيم البطولة العسكريّة للحركة الصهيونيّة وبناء الدولة، وفي كلتا الحالتين كانت لجنة الأسماء هي من تقوم بالعمل.
ولتكميل عمل هذه اللجنة تم في الخمسينيات تأسيس أكاديمية اللغة العبريّة التي كُلِّفت بتحديد أسماء عبريّة بديلة عن الأسماء الغربيّة، بما فيها أسماء العائلات لليهود الأشكيناز، وخصوصاً هؤلاء الذين يشتغلون بالحكومة، حيث لم يستطع القادم الجديد من العمل بالحكومة حتى يغيّر اسمه، حتى أنّ دافيد غوريون، أصبح دافيد بن غوريون.
#محمود_عليان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية سيئة السيط والسمعة في المخ العربي
المزيد.....
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|