|
تعقيبا على مكارم ابراهيم : حق تقرير المصير ......
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3586 - 2011 / 12 / 24 - 07:21
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
السيدة مكارم ابراهيم في : حق تقرير المصير :حقيقة أم مؤامرة ؟
(في دراسة إحصائية عن الحروب خلال الفترة بين عامي : 1816- 1991 ، ورد أن عدد الحروب بين الدول غير الديمقراطية هو (198) حربا ، و( 155) حربا بين دول ديمقراطية ودول غير ديمقراطية ، ولم تقع أي حرب بين الدول الديمقراطية . وتعرف الدراسة الحرب بأنها المعركة التي يسقط فيها أكثر من ألف قتيل .)
/ من هذه الزاوية : زاوية الديمقراطية والحرية ، وفي ضوء الفقرة المقتبسة أعلاه ، أود المساهمة مع الكاتبة الزميلة مكارم ابراهيم في إضاءة جانب من جوانب الموضوع المطروح للحوار . وبما يسهم في جسر الهوة بين المتحاورين ، عبر الانتقال مباشرة نحو الحلول الموضوعية والعادلة التي تحفظ الحق للجميع ، ويرضى عنه الجميع . وهذا ينقذنا ويخرجنا من أي جدل عقيم ، ولاسيما الغرق في تفاصيل الماضي ، وما يحمله من أحقاد وأضغان لامبرر للتمسك بها في حاضرنا ومستقبلنا ، وإلا فلن نتفق إلى الأبد ، وسنصطلي بنار الصراع أبدا . ولننطلق بالإقرار بالمشكلة ، التي هي مشكلة عامة ، ومن مبدأ ضرورة البحث عن الحلول ، فننجو كما نجت الكثير من البلدان الأوروبية التي رمت أحقادها جانبا واتحدت /
في مجلد " حركات شعوب الشرق الوطنية التحررية " يشرح لينين الموقف الصحيح من تلك القضية ، وفي منظوري أرى أن المشكلة من إنتاج النظم الاستبدادية التي تعتمد التمييز في كل سلوكياتها الاجتماعية والسياسية حيال الأفراد والجماعات والأقليات والإثنيات وبرأيي لاحل لهذه المشكلة سوى بالديمقراطية ، فبينما الديمقراطية توحد وتنتج التوافق والاتفاق بين البشر والأفراد والإثنيات والمجتمعات ، نرى الاستبداد يفعل العكس ، لو كان السودان ديمقراطيا لما انفصل الجنوب ، في الديمقراطية تتحقق المساواة والعدالة نسبيا بين الأفراد والجماعات والمكونات ، وحينها سيتوحد الناس بإرادتهم ، طوعا ، وبدافع المصلحة وغياب مبررات الانقسام والانفصال ، هذه المبررات التي لايمكن أن تفعل فعلها لولا سيطرة التمييز والعنصرية بأنواعها على الحياة الاجتماعية والسياسية ، وتحولها إلى نظم للحكم ببساطة يجب الخروج من دوامة النقاش والجدل حول الموضوع ، لأن حله بات متاحا في عصرنا ، وهو المساواة والعدل عبر الديمقراطية التي ليس فيها تمييز .. لابين الأفراد ولا بين الجماعات والمكونا ت الإثنية . إن أوروبا الموحدة هي نتاج الديمقراطية ، مع أنها متنوعة القوميات ، ومع أنها ظلت غارقة في أتون التناحرات والصراعات والحروب مئات السنين ، ولم تخرج من تلك الحلقة المفرغة للنزاعات الشوفينية ، سوى بعد أن دفعت ثمنا باهظا للعدوانية الشوفينية النازية والفاشية ، التي تفشت كالوباء القاتل ، وعبرت الحدود . وقد تمكنت أوروبا من أن ترمي وراء ظهرها كل هذا العبء الشوفيني الثقيل ، لتدفن العنصرية القومية ، وتدخل مرحلة الديمقراطية مافوق الوطنية ، ما أتاح لها حل مشاكلها الأساسية بالحوار والتعايش السلمي ، الذي يغلب العقل على العاطفة ، وببساطة يمكنني القول : إن تغليب العقل يفضي إلى تحقيق المصالح المشتركة للأطراف كلها ، إن الديمقراطية هي عقلنة الحياة الاجتماعية والسياسية ، هي إخضاع الواقع للعقل ، الذي يتمكن من استخلاص كل ماهو مشترك في المصالح المتقاطعة للأطراف ، والعمل على ا لقواسم ا لمشتركة للحريات الفردية والاجتماعية والوطنية ، وبحيث تنسجم وتتوافق الحريات الجزئية الخاصة مع الحريات الكلية العامة ، في كل متوازن متكامل متكافل متفاعل بشكل مثمر وبناء ومتطور ومضطرد . إن الوحدة أو التوحيد القسري يخلق التناقض والصراع البارد والساخن ، حتى بين الأب والأبن ، أو بين الأخ وأخيه ، ولايمكن لمثل هذا أن يشكل بنية سليمة مستقرة ، ومثل هذا التوحيد القسري غالبا مايقوم على التمييز بين المكونات ، كما هو معروف للجميع في كل الامبراطوريات والبلدان متعددة الإثنيات والطوائف والمذاهب والأديان ، وغالبا أيضا ما يقوم على الضم والإكراه والعنصرية وانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان الفرد أو الجماعة . وهو مايدفع إلى ظهور المقاومة من قبل المكونات الإثنية المذكورة للواقع غير العادل وغير الحر ، والذي تفرضه سلطة أو حكومة غالبا ماتكون ديكتاتورية جزئيا أو كليا . وفي الواقعتلجأ ا لحركات المقاومة التحررية إلى أن تتخذ لبوسات الدين والقومية وما إلى ذلك ، لحشد القوة المقاومة ، من أجل تغيير الواقع المجحف بحقها .. في ظل الاستبداد من أي نوع كان : دينيا ، قوميا .. سياسيا .. الخ . وعليه لاحل للمسألة القومية وغير القومية ، بشكل لايفضي للانفصال أو الدعوة له ، سوى من البوابة الديمقراطية ، لأنها الحل الأمثل الذي يقضي على بيئة التمييز العنصري بأنواعه ، ويحقق العدالة والمساواة لكل المكونات ، ويجمع بينها على أساس المواطنة المتساوية والمشتركة والمتكافئة . وحينها لامصلحة لأحد بالانفصال ، بل إن المصلحة كل المصلحة سوف تتحقق بالوحدة والاتحاد ، لأن كل مكون سيشعر حينها بأنه يملك البلد كله ، وأنه يشارك على قدم المساواة بالوطن المشترك . لاحل للتناقضات بين البشر والمجموعات والأقوام إلا بالندية والمساواة والتوافق والحرية والديمقراطية . وهذا ما أكدته التجربة الأوروبية ، وتجارب البلدان الديمقراطية المتقدمة , ففي الأرجنتين استطاع كارلوس منعم الوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية ، وهو عربي سوري ، وفي الولايات المتحدة وصل أوباما وهو من الأقلية السوداء ومن أصول إفريقية ، وصل إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ، ولايمكن أن يحصل مثل ذلك لولا الديمقراطية التي تمكنت من تخطي التمييز العنصري رسميا .. بل وشعبيا ، وانتخاب أوباما برهان على أن الشعب الأمريكي بأغلبيته تجاوز وتخلص من أمراض التمييز بأنواعه . والتجربة الأمريكية تقدم لنا نموذجا حيا على تعايش جميع الأجناس والأقوام والأديان من جميع أنحاء العالم في وطن واحد هو وطن كل فرد وجماعة وقوم ودين بالتساوي . وبلا أي تمييز ، سوى المواطنة المشتركة المتساوية في الحقوق . إذن التجربة الأوروبية ، والتجربة الأمريكية كلتاهما مثال واضح وراهن على قوة الديمقراطية وقدرتها على توحيد الناس أفراد وأقوام وبلدان .. مايعني أن الديمقراطية هي المناخ والبيئة المناسبة للتوحد الحر ، وتأمين الأمن والسلم وطنيا وفيما بين الدول . وإن تعميم الديمقراطية على العلاقات الدولية لهو ضرورة حيوية للأسرة الدولية ، مايطرح فكرة أهمية الأممية الديمقراطية في العلاقات الدولية ، والديمقراطية هي السلاح لفض النزاعات القومية / الإثنية . بل وحتى للنزاعات الطبقية ، حيث أن الديمقراطية تتيح للطبقات الفقيرة حرية العمل على تحسين أوضاعها عبر حقوقها المدنية والسياسية المعترف بها ومنها حق تشكيل النقابات والتظاهر والتحزب والإضراب وسائر وسائل الضغط القانوني والسياسي والمعنوي . أمثلة : في الحالة العراقية تسعى القيادات السياسية التقليدية إلى تشويه المسيرة الديمقراطية ، وقتل روحها ، والغرق في المصالح الفردية والفئوية والإثنية الضيقة ، ومن أسباب ذلك سيطرة وديكتاتورية الزعامات التقليدية الدينية والقومية والطائفية ، التي تنتمي بمظمها للماضي الذي لايزال يلقي بثقله على الحاضر ، هذا الماضي الذي يعني فيما يعنية الحضور القوي للمجتمع الأهلي على حساب المجتمع المدني والسياسي ، وبحيث يصعب البناء الديمقراطي عليه من النواحي المدنية والسياسية وفي حالة المغرب ، فإن المشكلة تكمن في النظام الملكي الاستبدادي ، الذي لايمكن أن يكون إطارا للحل . ولو كان النظام ديمقراطيا وبالتالي عقلانيا ، فلن يقف عائقا أمام حق تقرير المصير ، وبالتالي لن يجد الصحراويون مصلحة لهم في الانفصال ، وهذا ليس تناقضا ( حسب لينين ) ، إذ كلما احترمت حريتك واحترمت حريتي كلما اقتربنا من بعضنا بإرادتنا ، وتمكنا من إدراك أن مصلحتنا في وحدتنا الطوعية والمبنية على الاحترام المتبادل والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات . وفي الأعم الأغلب نلاحظ أن المشاكل والصراعات في أنحاء العالم الراهن تتركز في البلدان والمناطق التي تعاني من الاستبداد وضعف الحرية والديمقراطية ، وغياب احترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية . وفي تركيا مثلا .. نلاحظ ضعف الديمقراطية ، من خلال عجز الحكومات التركية المتعاقبة على رؤية الحقوق القومية المشروعة للأكراد ، ولهذا فالأتراك يعانون من عقود ، وسيظلون يعانون من هذه المشكلة ، مالم تحل ديمقراطيا ، ويتمتع الأكراد بكامل حقوقهم القومية أسوة بالأتراك . وعلى سبيل المثال ، مالضرر من تمتع الأكراد بحقوقهم اللغوية ؟ لوشاء أي شخص أن يفتتح مدرسة تدرس باللغة العربية في أي عاصمة أو مدينة غربية لما اعترض عليه أحد . فلماذا يمنع الأكراد من ممارسة حقهم في التكلم والتدريس بلغتهم ؟ الخلاصة أقول : إن العقل المنفتح والإنساني والأممي للسيدة مكارم ابراهيم ، مكنها من رؤية الواقع ومعالجة مفهوم الحق في تقرير المصير ، بشكل موضوعي ، ويتوافق مع المنصوص عليه في وثائق الأمم المتحدة . ومقاربتها للمسألة تنم عن عقل لم يتلوث بالثقافات العنصرية التمييزية من أي نوع ، وعدم تحيزها واضح ، ونزاهتها وأمانتها العلمية واضحة ، من خلال روح النص وسياقه ، وهي تقر أن الموضوع يحتاج إلى أشباع في المعالجة ، وإلى أكثر من قلم ، بل وإلى جهود فريق من الباحثين ، لأنه موضوع ساخن ، لايزال العالم يعاني ويقاسي من تبعاته الشائكة حتى الآن ، ما يشكل خطرا ماثلا على الأمن والسلم الجماعي الإقليمي والدولي ، ويجعل منه شأنا دوليا عاما ، وليس محليا وحسب ، وهي مسؤولية أخلاقية أيضا ، وحتى من وجهة نظر المصالح ، فإن حلها ديمقراطيا ، هو مصلحة بكل المقاييس ولجميع الأطراف ، لأن التناحر ضرر للجميع ، والحل فائدة للجميع . وليعلم العالم أن أي حريق في أصغر بقعة في هذا العالم مرشح للانتشار في كل الاتجاها ت ، وعلى الجميع تحمل مسؤولية الحل الاستراتيجي الذي لايزال يبدو بعيدا عن التحقق المنجز في المستقبل المنظور . وحتى ننجح في الحل علينا أن نرمي الماضي وراءنا ، أو نراه كما هو ، لا كما نرغب ونهوى ، ومن منظور أن الصراع كان هو القاعدة من أجل البقاء ، وأن جميع الشعوب ملوثة أيديها بالدماء إلى هذا الحد أو ذاك ، جميعا كان محركها الغزو والفتح والاحتلال والسيطرة والسطو المسلح على الغير وعلى أملاك الغير ، وليس العثمانيون وحدهم المتهمون ، بل والعرب والمستعمرون الأوروبيون والروس واليابانيون وغيرهم كثيرون ، وكلهم كان محكومون بقوانين وآليات الحرب والحرب كسبيل للبقاء والاستمرار ، وعبردورة الاستبداد المتسلسلة التي لم يكن يوجد مخرج لها سوى في العصر الحديق ، وعبر الديمقراطية .
الجمعة / 23/12/2011 / مساء الساعة العاشرة
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأديب باسم عبدو: في
-
جحا وساميلا وزائر الليل : قصة قصيرة (2)
-
جحا وساميلا : قصة قصيرة
-
سأعود إليك : شعر نثري
-
أوكازيون: روسيا تبيع سوريا
-
الإخوان المسلمين وفوبيا الإسلام السياسي في سوريا
-
قصئد غزلية قصيرة : شعر نثري
-
الصورة والاشتعال:شعر نثري
-
قصائد غزلية قصيرة (3)
-
الشعر والناس
-
سوريا وروسيا : تحالف غير مقدس
-
قصائد غزلية قصيرة :(2)
-
قصائد غزلية قصيرة
-
من قصائد الثورة (9)
-
العبور من ثقب الإبرة : قصة قصيرة
-
بوادر حرب عالمية
-
من عينيك : شعر نثري
-
حول البرنامج السياسي للمجلس الوطني السوري
-
من قصائد الثورة (8)
-
الدنس : شعر نثري
المزيد.....
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
-
تسعة شهور من الحبس الاحتياطي.. والتهمة “بانر فلسطين”
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|