|
دولة 25 يناير...ودولة مبارك
علاء عوض
الحوار المتمدن-العدد: 3585 - 2011 / 12 / 23 - 08:57
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الدولة مصطلح سياسى له دلالات محددة، وهو تعبير عن مشروع سياسى واقتصادى بعينه يخدم مصالح اجتماعية محددة، ويختلف حجم وطبيعة دور المؤسسات السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية الحاكمة المكونة لجهاز الدولة وفقا لطبيعة هذا المشروع الذى يكون فكر أو أيديولوجية الدولة، وهذا الدور تتم صياغته فى أدوات تشريعية فى مقدمتها الدستور الذى يضع الخطوط العريضة لأدوات الحكم ويحدد اختصاصات السلطات المختلفة، وتنشأ عن محصلة العلاقة بين كل هذه المؤسسات كيان الدولة. عندما قام "الضباط الأحرار" بحركة يوليو 1952 انقضت الحركة على المؤسسات السياسية الحاكمة وألغت الأحزاب السياسية وعطلت العمل بالدستور ومنحت مجلس قيادة الثورة صلاحيات واسعة فى الحكم والتشريع بل وفى القضاء أيضا، وبمرور الوقت تبنت السلطة الجديدة مشروعا اقتصاديا مغايرا لواقع ماقبل 1952 فقامت بعملية مصادرات لرؤس الأموال وتحولت دولة الضباط الى المالك الأول لرؤس الأموال والاستثمارات بالاضافة الى سيطرتهم السياسية. كل هذا تواكب مع سيطرة واضحة على أجهزة الاعلام والصحافة والنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية وغيرها من المؤسسات. لقد قام الضباط اذن بهدم دولة فاروق لبناء دولة ناصر. وفى 1971 انقلب السادات على هذه السياسات وشرع فى بناء مشروع سياسى واقتصادى مختلف وبالتالى قام بهدم مؤسسات الدولة الناصرية ليبنى دولته الجديدة. من الواضح اذن أن أى تغير فى طبيعة القوى الاجتماعية الحاكمة يصحبه بالضرورة تغييرات ملحوظة فى بناء الدولة، وتتوقف طبيعة هذه التغييرات السياسية طبقا لطبيعة التغيير الاجتماعى ومدى جذريته. فالثورة باعتبارها عملية تستهدف احداث تغييرات جذرية فى علاقات الانتاج وطبيعة أشكال الاستثمارات ومشروع التنمية وأنماط الملكية وغيرها من أشكال العلاقة بين القوى الاجتماعية المختلفة تتبنى بالتالى مشروعا مختلفا للدولة يتم بنائه على أنقاض المشروع القديم. أما الاتجاهات الاصلاحية التى تسعى الى اجراء بعض التحسينات الاجتماعية والسياسية على أرضية قبول حكم نفس الطبقة ونفس علاقات الانتاج فانها تتبنى مطالب الترميم التشريعى والسياسى لجهاز الدولة الحاكم. من الصعب جدا الفصل بين الدولة والنظام السياسى الحاكم فى المجتمعات الطبقية بشكل عام وفى الأنظمة الاستبدادية بشكل خاص. فقد عاصرنا جميعا حالة الاشتباك الشديد بين كل مؤسسات الدولة والنظام السياسى فى دولة مبارك التى اتسمت بطابع بوليسى صريح. كانت هناك حالة محكمة من البناء الأمنى لكل المؤسسات السياسية والانتاجية والخدمية والأكاديمية. وبالرغم من ظهور بؤر احتجاجية ضد هذه الحالة فى مؤسسات القضاء والجامعات الا أنها لم تتمكن من مقاومتها والقضاء عليها لأن البناء التشريعى والهيكلى الذى كان يحكم أداء هذه المؤسسات كان مصمما بشكل يؤدى بالضرورة الى انصهارها فى النظام السياسى الحاكم. كان رؤساء الجامعات ورؤساء المحاكم وقيادات المؤسسات الصحفية ورؤساء الشركات والبنوك وغيرها من المؤسسات يتم تعيينهم بأوامر مباشرة من الأجهزة الأمنية بما يخدم مصالح نظام مبارك والطبقة الرأسمالية الفاسدة التى يعبر عنها. وبالنسبة للمؤسسات الأمنية فقد كان ولاؤها لمبارك لايقبل الشك وكان أداؤها المهنى يصب فى هذا الاطار وتحول الأمن بدلا من أن يكون حقا أساسيا للمجتمع الى أداة لخدمة استمرار النظام الحاكم. كان الشعار المركزى لثورة 25 يناير "الشعب يريد اسقاط النظام" يحمل بالضرورة فى جوهره أن الشعب يريد بناء دولة جديدة على أنقاض دولة الفساد. وقد كانت الاحتجاجات والاعتصامات العمالية والطلابية واحتجاجات الاعلاميين والصحفيين وأساتذة الجامعات والقضاة وغيرهم من القطاعات المجتمعية تطالب بصورة واضحة باستقلال هذه المؤسسات وتغيير قياداتها الفاسدة وتغيير البناء التشريعى الذى يحدد آليات تشغيلها واختيار قياداتها. كانت هناك أيضا مطالبات شعبية دائمة بما سمى "اعادة هيكلة وزارة الداخلية" واقصاء الفاسدين من الضباط ورجال أمن الدولة واخضاع أداء جهاز الشرطة للرقابة القضائية والشعبية ووصلت المطالبات الى أن يكون وزير الداخلية مدنيا من خارج جهاز الشرطة. كل هذه المطالبات تعنى بالمعنى السياسى تغييرات جذرية فى هذه المؤسسات، بناء جديد على أنقاض القديم، وليست مجرد اصلاحات وترميمات مع الابقاء على البنية الهيكلية والتشريعية لهذه المؤسسات. وفى السياق نفسه كانت الاحتجاجات العمالية المطالبة باستعادة الشركات التى تمت تصفيتها فى صفقات فساد الخصخصة والحصول على أحكام قضائية بذلك تعكس توجها اقتصاديا مغايرا لسياسات الليبرالية الجديدة التى تبناها جمال مبارك وحاشيته من رجال الأعمال والمستثمرين. لقد طالبت جماهير الشعب بالتغيير الثورى وليس بالاصلاح، وبدأت نضالها الطويل الذى مازال مستمرا لبناء دولة 25 يناير على أنقاض دولة مبارك. ماالذى حدث فى 11 فبراير، فى ذلك اليوم التاريخى سقطت مؤسسة رئاسة الدولة وأعقبها بساعات سقوط مؤسستها التشريعية بحل مجلسى الشعب والشورى، وأيضا تولى المجلس العسكرى سلطة الحكم. ببساطة لقد تم اسقاط بعض من مؤسسات الدولة بعد استبدالها بمؤسسة أخرى من نفس جهاز الدولة. كان من الطبيعى لسلطة المجلس العسكرى التى هى نفسها القيادة العسكرية لنظام مبارك والتى تمثل المستثمر الأول فى مصر بحكم سيطرتها على أكثر من 25% من حجم الاستثمارات الاقتصادية، أن تقاوم بشدة النضالات الجماهيرية المطالبة باستكمال اسقاط النظام وأن تدافع عن بقاء كل مؤسسات الدولة على حالتها السابقة بل والقيام بمزيد من اجراءات هيمنتها عليها بعسكرة العديد من المؤسسات الاقتصادية والاعلام وأجهزة الادارة المحلية. هذه السلطة الجديدة بدأت فى بناء أدوات سيطرتها السياسية والاقتصادية فى اتجاه تكريس هيكل دولة مبارك الفاسدة من خلال سلسلة من التشريعات والسياسات والمواجهات القمعية مع الحركة الجماهيرية. الادعاء بوجود مؤامرة لهدم الدولة هوالأكذوبة التى تستخدمها سلطة العسكر لتحجيم الحركة الجماهيرية وتضليلها فى محاولاتها المستمرة لتصفية الثورة. هذا الادعاء يستهدف وضع جماهير الشعب بين خيارى الفوضى والاستقرار على أرضية أن جهاز الدولة هو صمام الأمان ضد الفوضى، وهو ادعاء تستخدمه كل أنظمة الحكم الاستبدادية وقد سبق أن استخدمه مبارك نفسه فى أيام حكمه الأخيرة. ان دعوات اسقاط الدولة لا تعنى أبدا حرق المنشآت وتحطيمها وتفريغ المؤسسات من كوادرها وتعطيل العمل بها فى اتجاه الفوضى ولكنها تعنى بالأساس القضاء على هذه العلاقة الأمنية الفاسدة بين مؤسسات الدولة والنظام السياسى ومنحها المساحة الأوسع من الاستقلال الذى يحقق ادارتها بشكل ديمقراطى وتوجيه أدائها لخدمة مشروع تنموى يمنح المجتمع حقوق العمل والأجر العادل والخدمات العامة. دعوات اعادة بناء أجهزة الأمن واستقلال القضاء واستقلال الجامعات وانتخاب المحافظين وأجهزة الحكم المحلى مع منحهم صلاحيات حقيقية فى الادارة واسقاط سياسات الخصخصة وحقوق التنظيم النقابى المستقل واعادة هيكلة الأجور وغيرها من مطالبات ثورة يناير هى دعوات بناء دولة مختلفة لن تحدث بالضرورة الا على أنقاض دولة مبارك. ان استخدام عبارات مثل "هيبة الدولة" والخطوط الحمراء لمؤسسات بعينها على رأسها المؤسسة العسكرية تستهدف بالأساس تكريس البناء السياسى والمؤسسى لنظام مبارك بوجوه مختلفة، لن تنتصر الثورة الا ببناء دولة 25 يناير.
#علاء_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة المصرية...الى أين؟
-
الثورة المصرية بين السلطة العسكرية وسلطة الشعب
-
حكومة الثورة...أم تسيير الأعمال...أم عفا الله عما سلف
-
دروس 28 يونية 2011
-
علاء عوض في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: اصلاح اجتماع
...
-
المسارات السياسية للثورة المضادة
-
الاحتجاجات الفئوية ما بين الثورة والثورة المضادة
-
الثورة المصرية...نتائج وتوقعات
-
الإخوان والدستور وعنق الزجاجة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|