|
التنوير في البحرين
يوسف مكي
الحوار المتمدن-العدد: 3585 - 2011 / 12 / 23 - 00:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
يمكن القول، إن ثقافة التنوير في هذا البلد (البحرين) قد مضى عليها نحو قرن من الزمان، إذا لم يكن أكثر من ذلك؛ إذ تعود البذور الجنينية لفكرة التنوير إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر على أبعد تقدير.
بهذا المعنى من الناحية التاريخية فقد واكب التنوير البحريني (إذا جاز القول) مثيله العربي في الشام والعراق ومصر والحجاز وتونس وبقية الدول العربية الناهضة.
كانت بدايات التنوير فكرية ثقافية أدبية؛ إذ كان رجال الفكر والثقافة هم الرواد في مثل هذه الحال. الرواد في نشر ثقافة التنوير ومؤسسات التنوير، والاحساس بأهمية الخروج من زمن راكد إلى زمن آخر وفي مواجهة مجتمع آخر، كل ما فيه جديد ومتجدد من الثقافة إلى السياسة، بهدف مواكبة التغيرات والمستجدات في هذا العالم والخروج من عصور الاسترخاء.
نعم كان التنوير البحريني ثقافياً/ فكرياً، وقد قطع شوطاً لا بأس به في تعميم نتائجه على كامل مساحة المجتمع البحريني والخليجي إلى حد ما، ولم تمضِ عقود من الزمن إلا وقد أصبحت البحرين قبلة ثقافية لكل أهل الخليج العربي، تشخص إليها أبصارهم، ويأتون إليها ينهلون من معينها التنويري في التعليم والصحافة ومختلف أشكال الثقافة والفكر والأدب.
لكن التنوير بمعناه الثقافي على أهميته لا يستقيم دون الوجه الآخر للتنوير ألا وهو التنوير السياسي، لذلك لا غرابة أن يكون قادة التنويرالثقافي في هذا البلد هم أنفسهم قادة التنوير السياسي، إيماناً منهم أن التنوير الثقافي/ الفكري لا يمكن له أن يؤتي ثماره المرجوة دون تنوير سياسي. فكل منهما يستدعي الآخر ويدعمه.
إن وعي الرواد الثقافيين والسياسيين الأوائل منذ البدايات التاريخية الأولى لهذا التلازم بين التنوير الثقافي والسياسي، كان يعنى بالنسبة إليهم أن التنوير هو عملية كلية شاملة لا تتجزأ، بمعنى أن تغيير البنى الثقافية والفكرية التى عفى عليها الزمن في المجتمع، ولم تعد صالحة، لا بد أن يوكبها تغيير في البنى السياسية التي هي أيضاً تجاوزها الزمن، ولم تعد تلبي متطلبات واستحقاقات المرحلة.
لذاك لا غرابة أن نجد أن دعاة التنوير، هم قادة الرأي العام، وهم قادة التنوير السياسي منذ البواكير الأولى لحركة النهضة البحرينية، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن.
إذن التنوير هوعملية تاريخية كلية لا تتجزأ. فلا يمكن أن يكون هناك تنوير ثقافي حقيقي دون أن يتوَّج بتنوير سياسي، فهذا الأخير هو النتيجة المنطقية والتاريخية للتنوير الثقافي (هذا ما حدث في أوروبا)، ودون ذلك يصبح التنوير الثقافي في مهب الريح، وفي أحسن الحالات يصبح تنويراً مبتوراً أو منقوصاً؛ إذا لم يصل إلى نهاياته المنطقية، أعني الوجه السياسي للتنوير؛ اي للتغيير.
ولكن ماحدث في البحرين، أن عملية التنوير، على رغم بداياتها الصحيحة والواعدة والمبشرة بكثير من النتائج لم تستطع إنجاز الجانب السياسي من التنوير لأسباب كثيرة، وظل هذا الجانب عصياً على الإنجاز حتى في حدوده الدنيا، ابتداءً من محاولات بدايات القرن العشرين ومحاولات العشرينيات والثلاثينيات، مروراً بالخمسينيات والستينيات والسبعينيات والتسعينيات حتى الآن.
وفي ضوء عدم القدرة على إنجاز المجتمع للتنوير السياسي المطلوب، فإن التنوير الثقافي يبقى عرضة لتجاذبات البنية السياسية السابقة على التنوير والمنتمية إلى سوسيولوجيا ماقبل التنوير، ويصبح المثقفون بمختلف أشكالهم يدورون في منطق البنية السياسية السابقة على التنوير (على رغم القيافة الحديثة التي يلهجون بها)، والتي تشتغل بطبيعة الحال بالضد من التنوير بمعناه الشمولي/ كما حدث في الغرب أو اليابان مثلاً.
ووفقاً لهذا المنظور يمكن للمرء أن يؤكد أن منجزات التنوير الثقافي قد ضاعت في امتناع السياسي على التغيير ومواكبة الزمن. وبناءً على هذا الوضع المتاقض بين وجهي التنوير (الثقافي/ السياسي) لا بد من التعويل على أهمية إنجاز التنوير السياسي بما يعني ذلك من نتائج ومترتبات، ودون ذلك سيبقى التنوير الثقافي في البحرين مجرد تابع أو ملحق لمقتضيات ومصالح البنية السياسية الجامدة ولا حول له ولا قوة. ويكفينا تدليلاً على ذلك ما نشهده من تشرذم وتذرر لفئة الانتلجنسيا (المثقفين) وهي الفئة المفترض فيها أن تكون حاملة للواء التنوير عموماً، والتنوير السياسي غير المنجز خصوصاً، لا أن تكون مبررة للاستبداد تحت ذرائع أقل ما يقال عنها أنها واهية.
نخلص إلى القول، إن مشكلة عدم إنجاز التنوير بمعناه الشمولى لا يعود إلى ما هو ثقافي، بل إلى ماهو سياسي، وهنا بالضبط إشكالية التنوير في البحرين، ذلك أن دور البعد السياسي يحتل الأهمية القصوى في الامكانات اللامحدودة في استعادة التنوير البحريني دوره التاريخي. فهل يستوعب السياسي ذلك ويستجيب لمنطق التاريخ لتغيير بنيته؟ سؤال جوابه برسم المستقبل
#يوسف_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيغل وماركس العربيان
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|