نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 1061 - 2004 / 12 / 28 - 09:33
المحور:
الادب والفن
في يومٍ من الأيام عاد أحمد حاملاً من المطعم زبدية زيت الزيتون؛ وما أن انتهى من توزيع محتواها سريعاً على نزلاء الغرفة (رقم 4) حتى عاد إلى باحة التنفس لإكمال تمارين الرياضةِ الصباحية. عاد كريم من رياضته وتوجه مباشرة إلى إبريق الماء ووضَعَه على فمه، لكن ما أن تذوق طعم الزيت في الماء حتى عرف تلك الخطيئة الشنيعة التي وقع فيها أحمد، إذ لم يفرق حين التوزيع بين إبريق الماء وإبريق الزيت لكونهما متشابهين تماماً.
عاد أحمد من الرياضة، وبدأت حفلة التوبيخ حينما ثار كريم واحتد مزاجه وراح يؤنبه على غلطته التاريخية، واخذ يتهمه بالتسرع والفوضوية وعدم القدرة على التمييز بين الأشياء.
بدأ كريم يفكر بإنقاذ الزيت، فصب المزيج في وعاء مكشوف وتركه ليطفو الزيت على السطح. اقترح عليه احد الشباب أن يطبخ بالماء المزيَّت أيَ شيءٍ فيكسب بذلك الماء والزيت معاً، ثم اقترح آخر تسخينَ المزيج على النار في مقلاةٍ كبيرة، فحينما ينتهي طشيش الماء يمكن لكريم حينئذ أن يقلي بيضتين أو ثلاث بالزيت المتبقي، ثم يتدخل ثالث مقترحاً التقاط الزيت الطافي بالملعقة من سطح المزيج، ثم يجيء رابع فيقول: لقد وجدتها يا أستاذ كريم، ما عليك إلا أن تنقل المزيج إلى وعاء بلاستيكي شفاف يمكن أن تثقبه من الأسفل فينطرح الماء أولاً وحينما يتغير اللون تضع إصبعك على الثقب مباشرة وهكذا يمكنك الاحتفاظ بالزيت...........
في هذه اللحظة يدخل (زكي) مسرعاً قادماً من غرفته بعد أن سمع بحكاية الزيت الغريق فاقترح عليه مباشرة إلقاء الخليط في دورة المياه معتبراً أن القضية لا تستوجب كل هذا التعب والنقاش والجدل؛ اغتاظ كريم من اقتراح صديقه زكي المتهور، ولكنه كظم غيظه بسبب الصداقة التي تجمعهما........
خرجت من الغرفة ولم أعرف على أي حال قد انتهت مسألة إبريق الزيت.......
قالت لي ابنتي بعد أن سمعت الحكاية: ما سمعته علينا ألا نستهجنه فهو يدخل في إطار ما يسمى (تأثير الجماعة =( effet de groupe و كذلك ضمن ما يسمى بالتراجع النفسي(regression psychique ) الذي يتفاقم في السجون وكذلك في المنافي والمجتمعات الاستبدادية عموماً.
تذكرت بعد سماع كلام ابنتي حديثاً لكروبسكايا زوجة لينين تتكلم فيه على مشاجرات ومشادات كانت تحدث بين مناضلين كبار في المنفى في سويسرا على قضايا صغيرة وتافهة جداً.
منذ فترة قال لي أحد الأصدقاء يا صاحبي: السجن والمنفى ومجتمع الاستبداد هي مرايا مقعرة ومحدبة في آن، لا يرى فيها الإنسان الفرد إلا نفسه، ويراها في أغلب الأحيان كبيرةً أو صغيرةً ولا تمكِّنه أن يراها بأبعادها الحقيقية....
نقولا الزهر
دمشق في 26/12/2004
#نقولا_الزهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟