|
مقالة في الشعر العربي المعاصر- منذر المصري
حسين سليمان- هيوستن
الحوار المتمدن-العدد: 1061 - 2004 / 12 / 28 - 09:31
المحور:
الادب والفن
لقد تعرفت على الشاعر السوري منذر المصري من الضيافة التي قدمها في "الشاي" وهي معرفة متأخرة، متأخرة جدا حيث أن الشاعر قد بدأ مغامرته الشعرية في بداية السبعينيات من القرن الفائت ولا ألوم سوى جهلي الذي لا يتركني اكشف الآخرين. في سورية منتصف الثمانينيات اذكر محمد عمران وممدوح عدوان وشعراء السلمية، ونذير أبو عفش... وعبد الكريم الناعم وشوقي بغدادي... وعبد النبي التلاوي من الجيل الجديد آنذاك. ولرجحان التوجه العلمي فيّ حينها، ربما، لم يلفت انتباهي أحد منهم - سوى ملامح وشذور كانت عند بعضهم وكانت أيضا عند التلاوي وعند بعض شعراء السلمية- استثني منهم بالطبع الشاعر محمد الماغوط. في أوقات الفراغ كنت ابحث عن نفسي في الشعر الذي ابتعد عن كونه شعرا. لا أراها. فتضيع وتغترب. مقالتي هذه ولست ناقدا ولا احرص أن أكونه تكشفني أكثر مما تكشف الشعر السوري وأنا في طريقي أيضا لقراءة الشعر العربي! هي مسألة تذوق لا تكشف سوى باطن المتذوق... والفن بشكل عام يتبع قانونا إلهيا لا ضوابط له فهو خارج مدار العقل والقانون. وفي النهاية أيضا فالقانون نفسه راح يتغير لنكتشف بأننا نعيش في اللا يقين. وهي كما أدرك نزعة الحياة المخاتلة التي لم يعد بد من الاستسلام والرضوخ لها فالإنسان قد أدرك عجزه في الوصول إلى مادة وجوده ومعناها. الذوق لا يكشف سوى صاحبه ولا يكشف سوى مزاج الزمان. وأنني بهذا الخاطر النسبي المحدود لا أندفع أبدا أن أقبل نظريات النقد والتحليل الأكاديمي في تقييم الأعمال الفنية والأدبية. فهي تريد أن تقرب الفن وتمرره خلال ضوابطها العقلية تم استخراجها أصلا من منجم قد فرغ لتوه. عام 1973 في بدايته وقبل الحرب، يكتب منذر المصري: البندقية للصور التذكارية والبوط للنزهات. بالتأكيد لم تكن هذه الصورة الشعرية التي تحدثت بلسان المصير العربي القادم ليقبلها آنذاك الشارع السوري أو المصري، فالاتحاد الثلاثي أخذ يبعث الأمل في القلوب ثم الحرب التي ستعيد الثقة وهناك شبه انتصار كأنه معجزة فالعالم العربي هو عالم قادر على النهوض وسيعيد أمجاده عما قريب. لكن الشاعر الذي لا يعول على هذه القراءة كان قد رأى وهو يخطو نحو المستقبل- مازال في مكانه- وهو عالمه الذي لن يتركه- والمعنى هنا أن الزمان هو امتداد للمكان. إنه مادة الشعر يحولها الشاعر إلى قراءة، إلى مكان. فقد رأى وهو يخطو نحو المستقبل... ما هو المستقبل أصلا؟ إنه قراءة وطالع يبصرها عراف حين يطل على السريان الخفي وتعاريجه. وهو غير موجود، المستقبل، إلا بالكلمات. الماضي والمستقبل هما لحظة حاضرة تكاد تنفجر وتتبدد نحو الأمام ثم نحو الخلف. لعبة الذاكرة لا يلتقطها سوى الشعر. والشعر ليكون في النهاية هو الوجود ذاته على أرضنا وفي حياتنا هذه فكيف يمكن لنا اكتشاف ركائزه ووضع حدود نقد له. مازال...إن الشعر مادة السراب. منذ ألف عام تقريبا وحتى الآن مايزال هذا البيت الشعري يهز الأسماع: خفف الوطأ ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد. ثم في صفحة الشاعرة فاطمة ناعوت يوقع القارئ حسن عثمان من مصر كلمة يقول فيها: كل الشعر الحديث هراء فين كلامك من كلام امرئ القيس مكر مفر مقبل مدبر كجلمود صخر حطه السيل من عل. لقد انتهى تقريبا الشعر؟! هذه حكاية تقول وتعكس خيال صاحبها. حين ينتهي القلب فوق هذه الأرض...قل لن تسرقه الأشجار ولن تأخذه مداميك الجدران.. ولا الحديد..عندها فقط سيموت الشعر الذي من جانب آخر ترتفع كلماته إلى صاحبها الإلهي، فيقع فارغ اليدين في أرضه من دون روح. الشعراء في هذا الزمان حتى إن كان ينطبق عليهم " فين كلامكِ من كلام امرئ القيس" يبقى شيء أخير يعزيهم أنهم يعيشون حياتهم متدفقة بالمشاعر كاملة غير ناقصة...لا ينقصها سوى الفلوس! أرسلت إلى منذر المصري رسالة مرحة كما هو اسلوبه فدعوته بحبيب الملايين. يعود الجواب منه يقول الملايين ليتها فلوس! نعم فالكتّاب- الشعراء العرب في أزمة لا حل لها إلا بالتخلي عن الجلوس إلى طاولة الكتابة. أزمة كبيرة وهم مازالوا يناضلون كمؤمنين حقيقيين يبذلون من أجل ذلك الغالي والرخيص- قل لم يعد يملكون الغالي فيبذلون ما ظل لديهم من رخيص... ما يملكون. وهذا الحد هو احد العوامل التي تساهم في بطئ الحركة الإبداعية وتخلفها- أرجو أن يقول الواقع غير ذلك! حين قرأت دعاية ديوان منذر "الشاي ليس بطيئا... نحن سريعون" أوقفني العنوان كي أقول لنفسي والله هذا آخر الشعر! وكنت قد اطلعت على مقالة أو مقالتين لمنذر في جريدة كيكا ولم تستوقفني فتأكدت ظنوني أن الشاعر وكتابه زوبعة تنتهي عما قريب. أقيس نفسي الآن بمقدار التسرع الذي يخوض في الجهل. وهي حالة عامة لا يسلم منها أحد! جريدة الحوار المتمدن الآن فينشر فيها منذر سبعة أجزاء من شايه واحدة وراء الأخرى مع تقديمه لها وكل مرة في الحوار المتمدن أجد هناك حلقة الشاي ليس بطيئا... حتى حملت نفسي على قراءتها. أريد أن أتذكر كيف بدأ تعلقي؟ لا أعرف. لم يكن هناك عتبة عبور بل كان درج تدرج رأيت نفسي كما يرى النائم في نهاية الدرجات أنني أمام شاعر يفتح هوة في النفس ويغلقها...يحفر حفرته ثم يردمها. كان هناك شيء مختلف في شعره وأردت أن أنقب عن الشيء المختلف فقلت له في الرسالة الأولى هناك هوة في شعرك أريد أن أفهمها أو أحسها ورجوته أن يرسل لي بعض أعماله. الشعر العربي المعاصر. أطال الله في عمر سعدي يوسف. هذا الشاعر العراقي الذي فتح مادة الشعر وتنسمها ثم راح ينشر روحها على مهل. بالنسبة لي كنت قد قرأت....قلت لنفسي سوف امسك سر تقويم للفلك 2001 فقرأتها مرات على مدار شهر كامل كي أتعرف على تضاريس قصيدة ادونيس المذهلة: لا أسمع صوتها ماذا تقول هذه الأبجدية؟ يشك الشاعر في الغابات التي تفترش حقولها وينزل عليها صواعقه- قصيدة طويلة والربط بين مقاطعها يحتاج لاستيعابه إلى شمس المعارف. أما الأمر مع محمود درويش وقصائده التي لا تحتاج إلى تحويلات لا بلاس كي يتم استيعابها، كانت هناك فسحة النفس مع شعره. شاعر يحول الزجاج إلى ماء. في مصر. لقد ظل البعد عاملا والشعراء.. ربما هناك... لم أمسكهم على الشبكة كي احكم. إنني قارئ بطيء كسل لا أعرف الناس. أما في المغرب العربي...لقد منحني أحمد بوزفور في قصصه ( الشعرية) القصيرة مشاعر أن في هذا البلد البعيد أدب يكاد يقدم من جديد فتوحاته الصوفية التي تقول الحلم والحلول وكانت قصيدة أحلام مستغانمي الطويلة جاءت على شكل رواية مخاتلة لغة الجسد. يولد هناك أدب حقيقي يمّيل كفة الميزان نحوه. أما الشعر في المغرب العربي ...! هل لي أن أكتب أكثر وأمد جهلي على طاولة النقد.. نقد القراء لي..لكن المسألة التي تدفعني هو أنني قارئ أيضا وإن كنت لم أسمع أو اقرأ عن شاعر هام فهو عطل في جهاز الثقافة العربي عطل شراكة وتوصيل... وبالتأكيد سيكون هناك ألوف مؤلفة مثلي...لم يسمعوا. ورغم ذلك فأن الأمر لا يمنعني من الكتابة عن الشعر العربي المعاصر. هذا جهل بالتأكيد! فأنا لست مختصا ولم أراسل دور الكتاب والشعراء كي أضع قراءة متواضعة عنهم. إنني فقط أقرأ الشعر العربي المعاصر في نفسي. أقول ما هو المانع من الكتابة عن نفسي؟ ستصيب هذه الرمية وإن أخطأت فأنها تخطئ في الكم وليس في النوع. لا تحضرني كل الرموز إلا أن ما أملكه كافيا لرسم علامة في المدى. الآن. يضع أزفولد شبنغلر في كتابه الموسعي تدهور الحضارة الغربية أبو النواس في أعلى درجات الشعر العربي المدني فهو قد أغلق طقوس قفا نبكي وبالتالي فتح الأبواب على مصاريعها لشعر عربي حديث يناسب قبة الجامع وتطاول مآذنه يناسب بالتالي رمز الكهف الباطني الذي استمدت منه الحضارة العربية روحها. لقد فعل ابو النواس الفتح الشعري في مدنية بغداد المدينة العربية مشعاع العالم آنذاك وجاء بمبدأ آخر يقرأ النفس العربية التي تمدنت وابتعدت عن البداوة. لقد كان ابو النواس سلما شعريا مشى على البعد الهندسي الثالث كي يأتي من بعده رينيه ديكارت مضيفا محورا ثالثا لقصة أقليدس. كي يظهر أبو النواس، مثله، كان يجب أن يكون هناك حاجة عالمية تمور فيها قدرة الحضارة والمدنية. فهو الشاعر العربي الأول بامتياز. ليس المتنبي ولا المعري اللذين نلمس في أشعارهما كتابات اليونان وفلسفتها. فأبو النواس كان إذن القلب الشعري الذي حمل دماء صافية طازجة أول القطف يدخل في بستان العرب ساخرا من قفا نبك. للأدب العظيم روح تولد من ديوان الحضارة التي أول ما تخطو في صيغ شعرية وتراتيل دينية تتلى حول المزارع والحقول. وإن اعتمدنا هذه النظرة فأنه لا نصيب لنا نحن العرب في أدب هذه الحقبة. لن تشير أعمالنا إلى الروح التي سكنت وتسكن الأرض الآن. فأدبنا لا أهمية له حيث لا يعكس مجتمعا مدنيا يكتب التاريخ الحديث. أدبنا سيشير إلينا نحن كي يكتب تاريخنا الهامش المضطرب الذي بالعرف ليس تاريخا أبدا لأنه لا ينقل حالة الإنسان فوق هذه الأرض. نحن المجتمعات الثالثة مخلفات أو بقايا حد التفاعل العالمي. إذا ماهو حال الشعر العربي المعاصر، الأدب العربي بشكل عام؟ نعرف عن الغرب، وأننا نعرف عنهم أكثر مما نعرف عنا. ونحن لا نعرف أين مواقعنا. قراءة للحدث السياسي والأدبي في القرن الفائت يؤكد ذلك. لو نتصفح الجرائد العربية، مواضيع الثقافة، نرى الدخول الأوربي فيها أما في الصحف الأجنبية الغربية فالجواب معروف يندر وجود دراسة عن عمل ثقافي من الشرق سوى دراسات سياسية لها علاقة بالوضع العام في المنطقة. هذه ليست مفاجأة فالكل يعرف هذه الحقيقة وهذه المعرفة دفعت الكثيرين إلى ترجمة أعمالهم أو الكتابة بلغة الغرب! في هذا الزمن. الآن. حيث لا حضارة أصلا وكان كما قال شبنغلر الذي مد نسغه في جذور ابن خلدون، قال بأن سيف الحضارة يهبط الآن ( والكلام في العام 1927) وهو لن يمر إلا عبر مراقبة الإشارة وتجارب التقنية. لن يأت فاوست آخر. من هذه النظرة فكلنا، كل العالم، إذن لن نكتب تاريخا أدبيا عظيما كما كتبه ابو النواس والجاحظ وفي ألف ليلة وليلة أو كما كتبه غوته.. كلنا في سلة واحدة. تاريخ الأدب العالمي -المعاصرة- قد أنكتب. فلماذا أبحث عن الجديد والخارق وعن مكر مفر مقبل مدبر؟ امرؤ القيس والشعر العربي الذي نصفه بالجاهلي كان هو الحالة الزراعية التي أغفلها إزفولد شبنغلر وبالتالي ما أهله كي يطلق على الحضارة العربية بأكملها بأنها حضارة كاذبة. لقد اعتمد على الزراعة كأساس لانطلاق أية حضارة: فأين الزراعة –زراعتنا في البادية؟ صحيح! كان الشعر العربي ( الجاهلي) العظيم هو المرحلة الزراعية التي استقدمت مدينة بغداد ودمشق. استقدمت خلفاء الحضارة العربية! وهذا الكلام يجب شرحه وتفصيله، حيث لا مجال له هنا- كيف الشعر القديم سيعادل مرحلة زراعية أرضية... إن الموقف العام للوجود الإنساني هو أخيرا، الحضارة، هي خبرة إسقاط العوامل الروحية والنفسية، ومن هنا يمكن تحميل الشرح وربط الزراعة بمحتمل وحيد وهو الشعر ذلك كي نبرهن أن الحضارة العربية لم تكن حضارة كاذبة وإلا فأن النظرية الحضارية عند ابن خلدون واسفولد شبنغلر يجب تعديلها! لم تكن الحضارة العربية حضارة دين الإسلام بل كانت حضارة منبثقة عن بادية وشعر جاهلي ورموز كهف غار حراء بالمعنى المبدع الفيزيقي. فالدين لا يولد حضارة بل الحضارة ما تولده. إنه فن آخر، الدين، وتفتق لوعي المخيلة البشرية بالمعنى التقني. فهو متأخر عن حالة الشعر العظيم، يأتي بعده، بصورة مرافقة. ذلك لأن الشعر- الإيمان الجديد وتحولات النفس هي ما تكتب صفحة دين جديد والدين لم يكن أبدا ابن بادية وعراء بل ابن مدينة. وهو، الدين ليختلف اختلافا كليا عن الإيمان الذي يدخل قلب الإنسان في البادية والغابة والمدينة. الإيمان ليس دينا. فتشوني شبرا شبرا ولم يظفروا بقرش لأنني طمرت البطاطا تحت التراب وأطلقت الأغنيات في الهواء وألصقت على سقف حلقي الحياة المدنية كسكرة تضع على رأسها خوذة الإخفاء. يظل الشاعر بين الجذور مطمورا وفي فاه مخفية المدنّية. إننا نشبه حالته التي كانها يوم قال هذه القصيدة، حالة الجندية المسورة بأسلاك شائكة لا مدنية فيها. لكن مالي ومال الحضارة في قراءة شعرائنا المعاصرين؟ فالحضارة الآن غائبة بتعريف ابن خلدون ولا وجود سوى لمدنية آخذة في الانحدار. أي أننا، العالم، نهبط على مدرج المنحنى نحو ظلمات الخافية unconscious فالتقنية وردّات التعصب الطائفي هما شارتا هذا الانحدار وبالتالي روح ضبابية تخيم فوق الجو لا يمكن لها أن تشرق بإرهاصات مبدعة وجديدة. نحن نكرر ونتعثر في طريق الإبداع. فلا جديد تحت الشمس تأخذ الآن مكانها بامتياز. والقول الجديد يكرر القول القديم. رغم ذلك فأن حاجتنا لقول الشعر تزداد- يزداد الشعراء والكتاب. كأنهم يريدون أن يعكسوا قانون الجاذبية، فقوس الحضارة المنحنى ... يخلقوا فيه عقدة كي يرفعوه نحو الأعلى. إنها وحدة عالمية لمصير بائس محتوم قد أحسه الضمير الإنساني والآن يحاول الوقوف في وجهه. فلا خراب بعد الآن..! أو أنهم لم يسمحوا للخراب بالتوسع وإن كان سيحصل الذي سيحصل وما باليد حيلة فهناك النصوص التي رفعت تعاليم الوجود- نصوصا كدين جديد، فالشعراء يخطون خطوات مبشرين. " لو كنت راعيا لما دعتك الحاجة يوما لمزمار فأنت لا تأمن لسماء صافية ولا تستريح بظل شجرة لو كنت راعيا لأصابت أغنامك أعراض الهزال وعافتك الكلاب" سألت احد الأصدقاء الشعراء، لماذا تكتب الشعر، فكان جوابه البدئي والصريح عميقا وله دلالة تذهب بعيدا لم أقرأ مثله من قبل. لماذا يا صديقي تكتب الشعر؟ كنت أتوقع أن يجيبني إجابة الصحف ومقابلاتها عن لماذا تكتب...لكن عيسى قنصل الشاعر الأردني أشار على أسفل صدره وبتوجع أجابني قائلا: تظهر دملة هنا إن لم أكتب، أشعر أن حريقا سيخرب جسدي. بالتأكيد كان يشير إلى غدة ...غدة تنبؤ.. الصماء هل هي الظفيرة الشمسية، الشاكرا؟! إنها الظاهرة لكتابة الشعر وكتابة الشعر هو تواصل مع الشياطين الذين يدخلون الدماء إن المكان الذي أشار إليه هو مكان الوصل مع العالم الآخر. هذا العالم الذي ينظر إلينا بعين غريبة تطبع انعكاساتها في قلب الشاعر فيقول مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل! ".. معطفي الخاكي كهف وقفازي الصوف موقد فحم أنا المكان الذي سوف يبحثون في جيوبه عن عود ثقاب واحد فلا يجدون والذي سوف يسألونه ألف مرة: من أحرق الليل؟ فيجيب: لا أعرف"
لماذا نقول الشعر؟ سؤال ليس على طريقة هايدغر. أي أنني أنظر إلى هذه القضية من زاوية أخرى. يقول منذر المصري " خرجت إلى البرية للبرية عاري الوسط كأخي النهر يهتز غصني وتتأرجح ثمرتاي وتشتعل أذناي في الرياح" يخرج الشاعر إلى البرية للاتحاد بأمه الأرض، بالنهر، عاري الوسط يلغي الزمان ويعود إلى ما قبل المعرفة. ليس إلغاء الزمان بل هو وصل الزمان الأرضي بالمطلق حتى إن تم الوصل ظهر الغياب والحضور كي يقرأ علينا على سبيل المثال عيناك غابتا نخيل ليلة السحر. إنه الغياب في عيني المحبوبة غابة النخيل لا تكفي ولقد أضاف عليها ليلة السحر كي يتم ضياعه وفقده. الشعر هو نفق يربط عالمين. تأكيد خالص وإحساس كلي على الحضور الميتافيزيقي بيننا. فنحن بني البشر لسنا من شجرة مقطوعة. هذا ما يريد أن يقوله الشعر. "عيناك غابتا نخيل ليلة السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر" تحضر المفارقة في هذا البيت الشعري. مفارقة يقوم بها النور فأول السحر سيحاول كشف غموض الغابة إلا أن نأي القمر سيزيد من غموض الشرفة. إنها حيرة الطبيعة كيف تصف محبوبة الشاعر فلا وصف لها في الواقع ذلك لأن الكلمات والصور تقف عاجزة ولا يسعفها سوى التناقض ولا وجود له كي يكمل الوجهين. هذا بالتأكيد غير موجود في عالمنا الواقعي المنطقي، عالم السوق والعيش بل نلمسه في الشعر الذي يحول مادة الجسم إلى أثير. أن الشعر هو سماء تطل على أرواحنا وتحميها. " رأسي مرّ ثقيل لكنني احتاجه كي يطرق بالأرض باحثا في مرايا الإسفلت عن وجهي ووجهه" ماذا يمكن أن يرى في مرايا الإسفلت سوى السواد، الظلام.
10 ديسمبر 2004 - يتبع-
#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|