|
العقل السني وازدواجية المعايير (1)
عبد العلي العوامي
الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22 - 08:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
مقدمة ليس الموضوع معني بالسني المنتسب للتسنن كهوية مجردة من شروطها تجردا يتجاوز الحدود الشكلية. المعني هو كل من يعتقد بالمنظومة العقائدية الدينية السنية، المتمخض من رحم ثقافتها وكنتيجة لصيرورتها التاريخية. موضوع هذه المقالة ليس مبنيا على نصوص دينية، هي معطيات، تحاكم المؤمن بعقائده، فيكون بذلك متهما قبل تجلي دواعي الاتهام. أليس من العدالة محاكمة الإنسان ومساءلته على أقواله وخياراته وسلوكياته لا غير بصرف النظر عن رؤى دينه التي لم يساهم في بنائها؟!.
إننا نصبوا إلى التفكيك والحفر في هذه المواقف بغرض الكشف عن "البنية التحتية لعقل" صاحبها التي تشكل له الأسس والقوانين التي تفرض نفسها عليه في تفكيره وتدفعه لتحديد خيارات وإطلاق أحكام محددة. وسوف نبدأ برصد بعض المواقف والآراء والأحكام في المشهد السياسي والذي يشكل البيئة المناسبة لموضوعنا نظرا لوضوح الصراع فيه ومدى حدته. ففي السياسة غالبا إما "مع أو ضد" وقد لا تتضح هذه المواقف والآراء بهذه الصرامة والدقة في موضوع آخر غير السياسة، ففي السياسة غالبا ما تغيب التورية والمجاملات ويبرز فيها الصراع، إنها جزء من ميدان الدفاع عن المصالح المباشرة، وكما هو واضح أن الدفاع عن المصالح غالبا ما تغيب عنه الأخلاق. سوف أستخدم التصنيفات الطائفية بغرض التفريق بين المواقف من جهة، والردع من جهة أخرى.
- حين اشتعلت ما تسمى بالثورة التونسية "السنية" وتلتها المصرية "السنية"، الغالبية العظمى من السنة والشيعة قد أيدها دون أدنى تفكير علمي في مقدمات هذه الثورة ونتائجها، التأييد وكفى، ولهذه النتيجة أسبابها التي ليس هذا الموضوع مقامها. ولا ننس أيضا أن القيادة الإعلامية كانت في قناة الجزيرة التي يملكها أحد شيوخ النفط السنة الحليف للصهاينة، ولا ننس أيضا تغطياتهم الإعلامية التي تجاوزت المهنية لحد التحريض وكانت ماكنتهم تعمل بشكل متواصل على مدى 24 ساعة على التحريض وصناعة الأخبار التي تغيب عن بعضها المصداقية. وبعدها بلحظات خرج الشارع الليبي "السني" ضد قيادته واليمني "السني" أيضا ضد رئيسه وقد أيدهما السنة والشيعة، (وللتذكير: حين ثار الحوثيون على النظام قبل الربيع العربي كان موقف السنة ضدهم!!!!!)، فالشيعة أيدوا وبكل عفوية هذه الإنتفاضات "السنية" ضد الطغاة الذين تربعوا على سدة الحكم لسنين طويلة، والسنة أيضا قد أيدوا هذه الإنتفاضات للسبب ذاته.
- حدث حدث ٌسياسي مختلف! والأشخاص أيضا من ثقافة مختلفة، ولعله في أذهان البعض أن أصحاب هذا الحدث هم مخلوقات مختلفة! فــ"الشيعة" في البحرين قد ثورت حماسهم هذه الثورات، فخرجوا على طاغيتهم لذات الأسباب التي دعت أخوانهم في الدين للخروج على طغاتهم، عطشا للحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية والعيش الكريم، وبالشعارات هي نفسها التي رفعها أخوانهم في الدين والمطالب ذاتها، إنه استلهام التلميذ من قريحة وتجارب معلمه. ما الذي حدث؟ تجاهل محض من قبل قناة الجزيرة لهذه الانتفاضة، علما بأن البحرين على مرمى حجر منها وهي تقوم بتغطية ما يبعد عنها بآلاف الكيالو مترات!!! خرج عراب الثورات القرضاوي "السني" واستثنى ثورة البحرين ونفى أن تكون امتدادا للثورات السابقة، مؤكدا أن وقود حراكهم هو الطائفية والخيانة الوطنية! وأن أجندة خارجية إيرانية شيعية دفعتهم لتخريب وطنهم!، صدّق الشارع السني هذه الكذبة ليس لثقتهم بهذا الشخص أوبصلاحه ودقة معلوماته، بل لأن "السني" مبرمج ذهنيا على قبول هذه الإتهامات حتى لو جاءت من أي كان ضد أي شيعي. بإمكانك أيها القارئ أن تقترح علينا أي شخصية وسيكون السياق سليما ووفيا بالغرض، حتى لو افترضت أن القائل صهيوني لا زالت تتلطخ يداه بدماء أطفال فلسطين ودموع أمهاتهم، أو أمريكي متصهين، شخص ذكي أو غبي، صغير أو كبير، أسود أو أبيض، مسلم أو غيره، و أزعم أنه سيصدق حتى لو قال هذه الكذبة شيعي لم يثق به هذا السني يوما على الإطلاق، وسيبتكر لنفسه ألف مبرر و مبرر مهما كان تافها ليقنع نفسه بصدق هذه الأكاذيب (وياترى لماذا أيد الأمريكي جميع الإنتفاضات عدا إنتفاضات الشيعة هل هو أيضا يفكر بعقل سني؟!). وحين دخل درع الجزيرة ليقتل الإنتفاضة ويقمع أصحابها تداول الكثير من "السنة" وبالأخص سنة الخليج هذا الخبر بكل حماس وسرور وأمنياتهم في القضاء على الثورة ليس لها حد. بل وبلغت في بعض السعوديين الوقاحة والدناءة منهم خمسينيون وأصغر عمرا (معلومة دقيقة ومؤكدة) أن ذهبوا للبحرين ليتظاهروا في المسيرة المؤيدة للنظام "السني" المجرم ضد الضحايا الشيعة!
- انتقلت الشرارة لسوريا، وكل مالصق كذبا بالبحرينيين كان ملوثا بالحراك السوري السني (مع التأكيد على وجود حراك وطني صادق مطالبه مشروعة)، فمؤيدوه ((وممولوه)) خليجيون لا عهد لهم بالديموقراطية بل لم يشموا رائحتها يوما، ومن مؤيديه ومستميتين في الدفاع عنه وبشكل مثير للغرابة: أمريكا واسرائيل والإتحاد الأوروبي ذوو التاريخ الإمبريالي الدموي. وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل تم تسليح عصابات تخريبية تقتل وتدمر وتختطف وتسرق وتغتصب ويتم تدريبيها في تركيا، كما أنه واضح للعيان مدى طائفية الحراك ولا أدل من لسان النائب السوري السابق مأمون الحمصي الذي حقّر جميع العلويين تحت ذريعة انتماء الأسد لهذه الطائفة !. فلماذا لم تثر حفيظة "السنة" حين تدخلت تركيا وبشكل سافر وسافل وتجاوزت كل حدود الأدب واللياقة لتصل إلى تنظيم المعارضة والمعارضة المسلحة واستضافتهما في أراضيها وأقامت لهم المؤتمرات وفتحت لهم ملفات في كثير من المنظمات للضغط على النظام السوري ذي القيادة الشيعية!، وبل وأمرت وبشكل فج ووقح القيادة السورية أن تتنحى وإلا وإلا وإلا!! أيد "السنة" هذا التدخل التركي "غير العربي" ذي الميول العثمانية وشكرته واعتبرته نصرا مؤزرا لها وحماية للأمة الإسلامية من براثن الطغيان ودفاعا عن الحرية! بل وفتحت الجامعة العربية "السنية" لهم الأبواب، ووفرت لهم المقاعد! وهي الجامعة التي لا تجمع سوى العرب كما يفترض!!. وحين اكتفى الإيرانيون بالإدانة والإستنكار ثارت حفيظة "السنة" وقامت قيامتهم واستنكروا وشجبوا هذا التدخل الأجنبي السافر في شؤون العرب الداخلية!!
- وعلى صعيد التدخل العسكري، لنرجع بذاكرتنا قليلا للوراء وبالتحديد سنة 2003 حين غزى الأمريكان دولة العراق، ما الذي حدث ؟! صار الشيعة خونة وحكومتهم جاءت على ظهر دبابة، وإنهم أبناء ابن العلقمي!- ونسوا في ذات الوقت أن غالبية الحكومة هم من السنة!-. تمت محاكمة صدام محاكمة عادلة جدا وتحت رعاية أمريكية. نفذ القضاء الحكم الذي يستحقه صدام "السني" فصار شهيد الأمة وأسد العروبة بعد أن كان بعثيا كافرا!. ولازالوا يطلقون هذه الأحكام حتى هذه اللحظة في وقت يؤيدوا ويرحبوا ويباركوا دخول حلف الناتو لليبيا ولم يعتبروا طلب الليبيين خيانة بل صار التدخل تحريرا وواجبا وطنيا، و اختلقوا لهم الأعذار في القنوات الإعلامية (محسن العواجي نموذجا) بذريعة استحالة الحل الوطني، فهم مدنيون عزل أمام المجنزرات والدبابات!! وحين اصطاد الليبيون القذافي مثلوا به حيا تمثيلا حيوانيا، وتحرشوا به تحرشا جنسيا وقتلوه شر قتلة. قال "السنة" أن القذافي مجرم ويستحق هذا المصير العفن والمحاكمة الظالمة أكثر مما يستحق!! وصل السنة في ليبيا لسدة الحكم عبر طائرات الناتو ولم ينبس السنّة ببنت شفة!. أما والآن هم " أي السنة" يتوسلون لحلف الناتو أن يدمر سوريا ليحررها من حزب البعث حتى لو اقتضى قتل ثلثي الشعب السوري كما قال أحد دهاقنتهم!. ولأن الجامعة العربية احترقت أوراقها، وفرّت خيوط اللعبة من يدها إلى غير رجعة، ولأن الناتو أيضا لم يكن ليغامر في سوريا بعد مفاجآت النظام السوري في افشال الخطط، صارت الجامعة العربية في عيون "السنة" قتلة السوريين، وأن الناتو وجلاوزته يتآمرون على الشعب السوري المسكين!! وللحديث بقية.
#عبد_العلي_العوامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ساعد نساء سعوديات على الفرار وارتد عن الإسلام-.. صورة ودواف
...
-
ماذا تكشف الساعات الأخيرة للسعودي المشتبه به قبل تنفيذ هجوم
...
-
الحوثيون يعلنون حجم خسائر الغارات الإسرائيلة على الحديدة
-
مخاطر الارتجاع الحمضي
-
Electrek: عطل يصيب سيارات تسلا الجديدة بسبب ماس كهربائي
-
تصعيد إسرائيلي متواصل بالضفة الغربية ومستوطنون يغلقون مدخل ق
...
-
الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين بغزة ويستهدف مستشفى كمال عدو
...
-
اسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر.. والجيش الأمريكي يعلق
...
-
مقربون من بشار الأسد فروا بشتى الطرق بعدما باغتهم هروبه
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|