أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - المسرح المصري بعد ثورة 1952 وصولا إلي التسعينيات















المزيد.....


المسرح المصري بعد ثورة 1952 وصولا إلي التسعينيات


أحمد صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3583 - 2011 / 12 / 21 - 14:29
المحور: الادب والفن
    


المسرح المصرى بعد ثورة 1952
وصــــولا إلــى مــرحــلـة التســـعـيـنــات
أ.د أحمد صقر – جامعة الإسكندرية

إن ما اصطُلِحَ على تسميته بمسرح الستينات نشأ وتبلور فى الخمسينات، ولكنه تطور فى الستينات، حيث اتضحت معالِمُه وما ابتدع فيه من مؤلفات وما أفرزه من عروض مسرحية.
من ناحية أخرى، فإن جيل الكُتًاب الذى ظهر فى أعقاب ثورة 1952 كانت خطواته الأولى قد ظهرت قبل قيام الثورة فى مرحلة الأربعينات، حيث ساعده المُناخ المسرحى الذى جاءت به الثورة على الظهور والإنتشار، ذلك المُناخ الذى تقف فيه أمة كبيرة عند مفترق الطرق تفكر: أى طريق تسلك. هذه اللحظة المتسائلة التى تشمل الماضى بالتحليل وتنظر إلى الحاضر بجدية وثورية وتتطلع إلى مستقبل كثير الوعود، هى التى تخلق ما نسميه اللحظة المسرحية المناسبة.

إرتبطت القضية الإجتماعية بالثورة منذ بدايتها، خاصة وأن الثورة لم تلبث أن احتضنت الفكر الإشتراكى، وما يتصل به من قضايا العدالة الإجتماعية، حتى أصبحت هى المحور الذى تدور حوله كافة قضايانا ومشاكلنا- وكان من المستحيل أن يتغافل المسرح أو يتأتى، بحُكم طبيعته كمنبر تعبير جماهيرى حى، عن التصدى لمعالجة هذه القضايا أو المشاكل، لمعالجتها وعرضها.

ومن هنا أرسى مسرح الستينات قواعده على أساس مَبْدَئِى قوامه: التعبير الخالص عن الآمال والآلام والتطلعات الإجتماعية التى تجيش فى نفوس الناس. وتلازم هذا مع ظهور الواقعية كمدرسة أدبية وفنية خضعت لها جميع ألوان التعبير الأدبى والفنى.

وهكذا شهد المسرح المصرى قُبَيل الستينات وأثنائها عددا من كُتًاب المسرح الذين قادوا مدارس مسرحية متنوعة داخل الإطار الواقعى، وفى طفرة غير مسبوقة ظهرت أعمال ومؤلفات مسرحية كُتِبَت مباشرة لخشبة المسرح ولها قيمتها الأدبية والفنية التى تتسم بها مسرحيات الكتاب المطبوعة، فقد عاش مسرحنا مدى تاريخه الطويل، من منتصف القرن التاسع عشر، وهو يعتمد على الإعداد والإقتباس والتعريب، إلا فى النادر اليسير، الذى كانت تلمع فيه بعض الومضات من ومضات التأليف المسرحية، غير أنها كانت مسرحيات مقوماتها الدرامية محدودة؛ ولم يتحقق التكامل إلا فى مرحلة الستينات، حيث ظهر عددا من كتاب المسرح يتمتعون بالنُضج الثقافى فى المعرفة بجوانب الثقافة العالمية، كل هذا مكًن معظم كتاب هذه المرحلة من تقديم أعمال مسرحية لاتزال تحتل مكانة كبيرة بين الأعمال المسرحية الخالدة.

ظهر فى هذه الفترة كتاب أمثال "رشاد رشدى" و"ألفريد فرج"- و"سعد الدين وهبه"- و"يوسف إدريس"- و"نعمان عاشور" و"ميخائيل رومان"- و"صلاح عبد الصبور"- و"عبد الرحمن الشرقاوى" و"نجيب سرور"-، حيث تنوعت أساليب الدراما واتجاهاتها بين هؤلاء الكُتًاب، مابين دراما واقعية إجتماعية، ودراما واقعية سياسية، وذلك إلى جانب الدراما الذهنية التى أرسى قواعدها "توفيق الحكيم" من قبل، والميلودراما الشعبية والإجتماعية التى عرفت مبكرا عند "إسماعيل عاصم" و"فرح أنطون"- و"إبراهيم رمزى"- و"عباس علام" وغيرهم.

هذا عن حال المسرح الدرامى فى مصر منذ ثورة 52 وصولا إلى هزيمة 1967، وعندما نصل إلى هذه الفترة نجد إنهيار كل القيم والمبادئ والأفكار، بل والأحلام، التى تبناها الكُتًاب وإعتنقها جمهور المسرح، أثًر كل هذا دون شك على مصداقية ما يُقـَدَم إلى الجمهور، هذا إذا وضعنا فى الإعتبار إنصراف الدولة، كشريك أساسى فى العملية المسرحية، وتخليها عن رعاية المسرح.

كل هذا دفع دون شك بالمسرح التجارى إلى الظهور مرة أخرى ليضطلع بالمسؤلية كاملة، واعتمد فى ذلك على فنانى ومخرجى المسرح الكوميدى التابع للدولة فى الستينات، إلا أنهم توجهوا بمضامين مسرحياتهم وجهة جديدة تختلف كلية عن وجهته فى الستينات، إذا إتجهت وبشكل سريع متلاحق الخُطَى إلى تقديم مضامين بعيدة كل البعد عن النواحى الفكرية والثقافية، وإعتمدت بشكل واضح على التسلية والترفيه، مما جعل مفهوم المسرح عند كثير من الناس لايكاد يختلف عن النادى الليلى أو الكباريه.

هذا هو حال المسرح المصرى على المستويين العام والخاص، حيث تكونت لدينا فكرة مبدئية عن طبيعة المسرح المصرى فى هذه المرحلة نستطيع أن نُكملها عندما نتعرف على أبرز كتاب هذه المرحلة- أقصد مرحلة الستينات.


نعمـــــان عاشــــــور
والدرامـــــــــا الإجتمــاعيـــــــــة

لابد أولا أن نعلم أن الدراما الواقعية ظهرت عند عددا من كتاب المسرح المصرى هم "نعمان عاشور"- و"سعد الدين وهبة" و"لطفى الخولى"، حيث وجدنا المسرحية عندهم تعتمد على إثارة القضية الإجتماعية ومناقشتها من خلال تأزم الأحداث ثم التبشير بضرورة التغيير مع نهاية المسرحية؛ حيث يقدم المؤلف قضية تُحرِكها الشخصيات، التى تكون أقرب ما يكون فى تكوينها من الشخصيات النمطية التى تُمَثٍل نماذج معينة داخل المجتمع، تسعى إلى التعبير عن تناقضات الواقع الإجتماعى.

إن "نعمان عاشور" حين يكتب للمسرح لا يَدًعِى أنه يسعى لخلق مفهوم أو شكل جديد للدراما، بل يتحدد دوره فى المراقبة الموضوعية وتسجيل التغييرات التى تحدث فى المجتمع المصرى المعاصر، وعليه يتضح لنا أن الدراما عنده لها دور مزدوج، هو تسجيل واقع الحياة والتسبب فى تغييره.

إن حصيلتنا من إنتاج "نعمان عاشور" نحصرها من خلال أعماله التالية:
"المغناطيس"، "الناس إللى تحت"، "الناس إللى فوق"، سيما أونطه"، "صنف الحريم"، "عائلة الدوغرى"، "عطوة أفندى قطاع عام"، "وابور الطحين"، "سر الكون"، "برج المدابغ"، لعبة الزمن"، "مولد وصاحبه غايب".
وتعد هذه المسرحيات تعبير عن بصيرة درامية على جانب كبير من الأصالة والعُمق، حيث تتميز بالجَدِ والصرامة.

من ناحية أخرى فإن أعمال "نعمان عاشور" جميعها تعكس لنا قدرة بالغة على إنبعاث الثورة فى أعماله، حيث تغلب عليها روح الثورة، وهذه الروح الثورية الواقعية لم تأت على حساب الثورية الفنية، ذلك أن صراع الأجيال الذى تعكسه مسرحياته، كما فى "عائلة الدورغى"، يتخذ هذا الصراع صورا متعددة تبدأ فى أضيق نطاقه فى المنزل الواحد بين الأب والإبن والإبنة وتنتشر لتصور صراع جيل بأكمله يتميز بنظرة جامدة إلى الأمور، نظرة مادية جشعة فى أساسها، وآخر فى سن الشباب يتمسك بالمُثل ويحرص على القيم، ويتشوق إلى أرض جديدة وعالم جديد، قانونها الحب للبشرية، ورائدها السلام. إن "نعمان عاشور" من خلال هذه المسرحية كنموذج يعكس لنا نجاحه كمؤلف مسرحى ينجح فى جعلنا نتعاطف مع القضية المطروحة ونقتنع بنجاحه فى عرضها فنيا ولا نكتفى فقط بأن نصفق لما يطرحه وحسب.

إن مسرحيات "نعمان عاشور" تقدم دراما إجتماعية تعالج مشكلة نابعة من التناقض الذى يقوم بين البيئة الواقعية، بما تمثله من قيم إجتماعية زائفة، وبين سعى الفرد لتحقيق الإنتصار على هذه القيم طموحا إلى السعادة.

من ناحية أخرى فإن الدراما الواقعية الإجتماعية عند "نعمان عاشور" تدين بالولاء للكوميديا الإنتقادية التى عرفت عند "موليير" و"برناردشو"؛ فهى من نوع الكوميديا الهادفة الجادة التى تهتم بالقضية المسرحية فترفعها من خلال مشاهد من التهريج لتخفيف الملل الذى تبعثه المناقشة ليصل إلى الأزمة ثم إلى الحل.

إن الدراما الواقعية الإجتماعية عند "نعمان عاشور" فهى تعتمد على وحدتى الزمان والمكان، حيث تقسم المسرحية إلى ثلاثة فصول، وفقا لمتطلبات الوحدين، ثم توزع الأدوار بالتساوى، فتوجه الشخصية الرئيسية المناقشة، بينما يوفر المهرج المؤثرات الكوميدية، وتتعاون سائر الشخصيات المتنافرة فى استكمال المعركة الجدلية.

كما تجمع أعمال "عاشور" بين النظرة الواقعية للأفراد والتفصيلات وبين النماذج العامة المثبتة؛ أى أن الشخصيات كلها مًُسْتـَمَدًة من البيئة الإجتماعية، حيث تعيش فى علاقة جدلية مع هذا الواقع من خلال وضعها الطبقى وعلاقتها بالمشاكل الإجتماعية لهذا الواقع، دون أن يقضى هذا التكوين على واقعها النفسى، أى فرديتها الإنسانية.

من ناحية أخرى فإن العقدة التقليدية تنتفى فى مسرح "نعمان عاشور"، إذ يسيطر عليه كونه مسرح حاله عامة، تتحرك فيه شخصايته من خلال حالة التناقض التى تعيشها مع بعضها ومع الوضع الذى تعيش فيه، مكتفية بالصراع الناتج عن هذا التناقض.


رشــــاد رشــــــدى
(الدراما الواقعية بين مسرح التحريض السياسى والدعوة)

كتب "رشاد رشدى" و"ألفريد فرج" و"ميخائيل رومان" و"على سالم" عددا من المسرحيات السياسية التى لم يكتفوا فيها بتسجيل الحقائق وإلقاء الأضواء على الوقائع السياسية التى يعيشون فى ظلها، وإنما إتجهوا إلى تضمين أعمالهم إشارات من الحكم على هذه الحقائق، فى محاولة لاستكشاف السياسة المعاصرة، من خلال التركيز على الأزمات والورطات السياسية وفشل المجتمع فى تخليص نفسه منها، وهكذا حرص كُتـًاب المسرح السياسى على أن يَحُثُوا الناس على العمل فى مسرح تزداد فيه الفاعلية بين الإنسان وواقعه.

كتب "رشاد رشدى" عددا من المسرحيات هى: "بلدى يا بلدى"، "رحلة خارج السور"، "خيال الظل"، "إتفرج يا سلام"، "نور الظلام"، "لعبة الحب"، ويرى النقاد فى أعماله خليطا من المسرحية السياسية- كما سبق الذكر-، وتأثير "سترندبرج" والإتجاه الطبيعى فى بعضها الآخر، هذا إلى جانب وضوح البعد الرمزى.

من المعروف أن المسرحية التى كتبها المؤلف، وهى بعنوان "لعبة الحب"، حيرت الكثير من النقاد، إذ نجد أثر "سترندبرج" عليه، وخاصة فى الصراع بين الرجل والمرأة وفى تخلى المرأة عن الرجل متى حصلت على ما تريد، كما أن مسرحيته الأخرى، وهى "الفراشة"، جاءت على غِرَار الدراما الكلاسيكية الفرنسية فى القرن السابع عشر، وبها أثر التكنيك الكلاسيكى الواضح الذى أخذ فى التراجع فى مسرحياته التالية.

سعى المؤلف فى إلحاح إلى التركيز على الشكل، ولو على حساب الموضوع، وصارت العبثية عنصرها الأساسى، حيث مضى فى مسرحيته "رحلة خارج السور" بالعبثية إلى أقصاها.

إن مسرح "رشاد رشدى" يتميز بأنه يجمع ما بين حرفيات أكثر من مسرح، فالرؤية فى الغالب تنتمى إلى الدراما الواقعية، بالتعامل مع صيغ تراثية، من خلال مفهوم محدود للمسرح الملحمى.

ففى مسرحياته أيضا يُزَاوِج بين الرمز والواقع بالربط بين التاريخ والأسطورة وبين ملامح عصرية واقعية، ففى مسرحيته "إتفرج يا سلام" قدم دراما واقعية سياسية من خلال توظيف حرفية مسرح خيال الظل والراوى والحكواتى، ومن السهل إدراك هذا المزج بين الواقعية فى التوصيف، الذى يقرب من حالة الإندماج فى الواقع المُقـَدَم، وبين حالة من حالات المسرح داخل المسرح من خلال الراوى وبابات خيال الظل منذ بداية المسرحية، فى وصف الكاتب للمشهد ثم دور الراوى والحوار بينه وبين الشخصيات.

وهكذا نجد أن "رشاد رشدى"، إلى جانب إحتفاظه بالبناء الدرامى وتوظيفه لبعض حرفيات المسرح الملحمى، يستخدم بعض أساليب المسرح الطليعى كما فى مسرحية "بلدى يا بلدى".


يوســــف إدريــــس
والدعــوة إلـى صيغــة مســرح عربــى جديـــد

حاول "يوسف إدريس" من خلال أعماله المسرحية، التى بدأها بمسرحية "الفرافير"، أن يحدث ثورة فى الدراما المصرية، وهو يعتمد فى ذلك على أن مصر تفتقر إلى مسرح أصيل خاص بها، وعليه حاول بـ"الفرافير" أن يقدم نموذجا لمسرحية مصرية خالصة فى مصريتها- لا تعتمد على أصول أوروبية، إلا أننا سنكتشف بعد ذلك عجزه فى تحقيق ذلك.

حقيقى أن "يوسف إدريس" شُغِلَ فى بداية حياته المسرحية بتقديم مسرحيات مثل- "جمهورية فرحات"- و"ملك القطن"- "اللحظة الحرجة"- وبعد ذلك تلتها- "الفرافير"- "المهزلة الأرضية"- "المخططين"- "الجنس الثالث".
غير أنه شُغِلَ فى أعماله الأولى بالقرية المصرية، يتعرف على مشاكلها وهمومها وأمانى أطفالها، يقدم لنا القرية وأهلها فى خيرهم وشرهم وهو يفضح واقع الحياة هناك ويظهر التباين الطبقى، وتقوم أعماله المسرحية على التَعْرِيَة، ومن خلال دراما واقعية إجتماعية تعتمد على الجانب الإنتقادى الذى جعل أعماله تقترب كثير من المسرح الدرامى الواقعى التسجيلى الإنتقادى.

على أن الهم الأكبر الذى شغل "يوسف إدريس" هو البحث عن صيغة مصرية جديدة، ذلك أن المسرح الذى وجده لا يُعَد مصريات، وقد طمح إلى أن يخلق مسرحا مصريا ومسرحيات مصرية، فكتب "الفرافير" التى تعتمد على شخصية "الفرفور"، تلك الشخصية الشعبية الكوميدية المصرية التى تستطيع أن تجمع الناس حولها، فيتكلم بأسماء كل من حوله ليظهر الخطأ ويسعى إلى تصحيحه ليقنع الجميع أنه يتحدث بصوتهم.

وهكذا حدد "يوسف إدريس" دور المسرح ووظيفته كما رآه، فالمسرح هو مسرح مشاركة، حيث يجتمع الناس فى المسرح فى إجتماع كبير ويدركوا أنه فى إمكانهم أن يمثلوا فى العرض المُقَام مثلما لهم القدرة فى المشاهدة.

وبذلك أراد "يوسف إدريس" أن يحقق التغريب الملحمى بوسيلة مصرية، فرأى فى الإندماج والمشاركة ما يُعِين فى النهاية على إتخاذ الموقف الذى يجب أن يتخذه المتفرج فى المسرح الملحمى، من خلال المسافة الفاصلة بين العرض والمشاهد.

إن "يوسف إدريس" قد أراد تقديم مسرحا مصريا خالصا لا يعتمد على الأصول الأوروبية فلجأ إلى شخصية "الفرفور" وإلى الشكل الشعبى، إلا أنه رغم ذلك لم يستطيع الخروج من دائرة المسرح الغربى، فقد إستخدم "الفرفور" ومناقشته قضية فى صياغة هى مزيج من حرفيات المسرح الملحمى والمسرح داخل المسرح والمسرح الإرتجالى.

جانب آخر أود أن أطرحه فيما يتعلق بمسرح "يوسف إدريس"، ذلك أن النقاد أعدوا مسرحه مسرحا ثوريا طليعيا تجريبيا، ذلك أن المسرح المصرى قد شهد التجريب فى مرحلة الستينات، فمنذ كتب "لطفى الخولى" مسرحية "الأرانب" أعدت بداية للمسرحية التجريبية فى مسرحنا العربى، ذلك أن المؤلف إعتمد على تجريب جديد فى المسرح يسعى إلى الخروج من دائرة الدراما الواقعية، بالثورة على تقاليد هذه الدراما وتقديم مسرح ضد المسرح، وعليه أولا أن يقضى على الإيهام بالواقع، أساس الدراما الواقعية التقدليدية.

إن مسرحيتى "الفرافير" و"المهزلة الأرضية" تعدان أعمال مسرحية تجريبية اعتمد فيها المؤلف على إجراء التجريب على مستوى النص الدرامى فى محاولة لتقديم معالجة جديدة لأسلوب اللغة أو الشخصية أو طريقة عرض الأحداث فى إطار شكل جديد لا يقدم المشكلة الإجتماعية بقدر ما يقدم المشكلة الإنسانية فى مطلقها المجرد.


سعــــد الديــن وهبـــه
من الصيغة الإنتقادية إلى مسرح الإسقاط السياسى

قَدًم "نعمان عاشور" فى مسرحه دراما واقعية ذات بعد إجتماعى حدد بها إطار بداية الرؤية، وتابع نفس المسار تقريبا عدد من كتاب المسرح المصرى المعاصر، خاصة فى أعمالهم الأولى، وإن مالوا أكثر إلى الواقعية الإنتقادية، من هؤلاء "سعد الدين وهبه" فى مسرحياته: "كفر البطيخ"، "المحروسة"، و"السبنسة".

ركز "سعد الدين وهبة" فى مسرحياته هذه على الصيغة الإنتقادية، وهكذا نرى أنفسنا أمام مسرح القضية الذى يستخدم تكنيك المناقشة لقضية عامة يُقَلِبُها الكاتب على وجوهِهَا المختلفة من أجل خلق حالة عامة وجو خاص ينغمس فيه القارئ أو السامع أو المشاهد.

ففى مسرحياته الثلاثة الأولى إهتم المؤلف بتصوير الواقع فى واقعية إنتقادية سعت إلى تَعْرِيَة نماذج هذا الواقع، والتى مثلت غالبا الرأسمالى الوطنى والبيروقراطى والمثقف السلبى والبرجوازى الإنتهازى، إلى جانب العديد من الشخصيات الشعبية الطريفة وقصصها الصغيرة.

وتتسم الواقعية فى مرحلتها الإنتقادية عنده بأنها واقعية كوميدية، وهى سمة لاحظناها من قبل عند "نعمان عاشور"، ولكنها تأخذ هنا شكلا أكثر تركيزا وإلحاحا، حيث يستخدم المؤلف الشخصيات ذات الطابع الكوميدى فى اللوم الإجتماعى، وكأنه بهذا يقدم لوما موجها من الفرد إلى المجتمع، مما يتحقق معه الفائدة الإجتماعية المرجوة، وهذا واضح فى شخصيات مثل:- "عبده" المدرس الإلزامى فى "المحروسة"، والشاويش "صابر" فى "السبنسة".

جانب آخر ركًزَ عليه "سعد الدين وهبة" فى أعماله السابقة وهو أنه لم يَحْفَل بتقديم الحلول، وإنما إكتفى بالتعرية والإدانة، وترك هذا أثار على نهايات المسرحيات، فأضفى عليها جوا من الهدوء النسبى على الرغم من قتامة الواقع.


سعد الدين وهبة ومسرح الإسقاط السياسى

مع مسرحية "كوبرى الناموس" بدأت صيغة الدراما الواقعية تتحول عن الصيغة الإنتقادية إلى صيغة سياسية تسعى إلى توضيح الرؤيا الإجتماعية، حيث يتضح من خلال مسرحياته "سكة السلامة"، "بير السلم"، "سبع سواقى"، "كوبرى الناموس"- كما ذكرنا- بداية ظهور الفكر السياسى، حيث ظهرت الصيغة السياسية للدراما الواقعية عنده مسرحا سياسيا، بدأ بإسقاطات سياسية من خلال تجسيد رمزى يتخلل المشكلة المُعَالَجة، فكان مسرحه فى "كوبرى الناموس" و"بير السلم" و"المسامير" مسرحا تتخله السياسة ثم إنتهى إلى مسرح يهتم بالسياسة إهتماما مباشرا فى مسرحية "رأس العش" ومسرحية "سهرة مع الحكومة و"سيادة المحافظ على الهواء".

إن مسرح الإسقاط السياسى صورة من الصيغة السياسية للدراما الواقعية فى مصر، وهناك صورة أخرى يمكننا تسميتها بمسرح التحريض والدعوة على نحو ما نرى فى مسرح "الفريد فرج" و"على سالم" و"ميخائيل رومان".



ألفـريـــد فــــرج
بين المسرح السياسى والمسرح الملحمى

كتب "ألفريد فرج" عددا من الأعمال المسرحية مثل:- "سقوط فرعون"، "سليمان الحلبى"، "الفخ"، "وبالإجماع زائد واحد"؛ وصفها النقاد بأنها مسرحيات سياسية لم يكتفِ المؤلف بتسجيل الحقائق وإلقاء الأضواء على الواقع السياسى الذى يعيش فيه، وإنما إتجه إلى تضمين أعماله إشارات من الحُكم على هذه الحقائق، فى محاولة لاستكشاف السياسة المعاصرة، من خلال التركيز على الأزمات والورطات السياسة وفشل المجتمع فى تخليص نفسه منها.

من ناحية أخرى، فإن البداية الحقيقية للمسرح الملحمى فى مصر والعالم العربى قد عرفناها فى مرحلة الستينات، حيث بدأ هذا المسرح يأخذ شكله المتميز المستقل من خلال توظيف التراث ووضع المتفرج فى حالة وعى يَقِظْ بالحركة والعقل، بل ومطالبته أحيانا بالمشاركة فى إتخاذ موقف من القضية المطروحة منذ مسرح "ألفريد فرج"، الذى عمل على تأكيد أن المسرح لقاء جماهيرى شعبى يناقش قضايا الواقع الإجتماعى من خلال توجهات وتنظيرات خاصة.
أما المادة الأساسية فى هذا المسرح الملحمى فكانت التراث الشعبى على إعتبار أن هذا التراث هو وجدان الجماعة الذى ضم روح الشعب وتفكيره.

سعى "ألفريد فرج" إلى إقامة مسرح يجمع بين التراث الشعبى، بما يضمنه من وجدان وتفكير جماعى، وبين المسرح، باعتباره إحتفالا جماهيريا، حسب المفهوم الذى طرحه "يوسف إدريس" من قبل.
وقد أثر هذا المفهوم، للمسرح وللتراث، على بناء المسرحية عند "ألفريد فرج"، فكان مسرحا ملحميا فى أغلب أشكاله، وإن إتجه أحيانا إلى تسجيلية واضحة، كما فى مسرحيته الوثائقية "النار والزيتون".

وتبدو الصيغة الملحمية وما يرتبط بها من تغريب، إلى جانب صيغ المسرح المرتجل والمسرح داخل المسرح، واضحة فى مسرح "ألفريد فرج" على نحو ما جعل من مسرحه مجالا للمقارنة وتتبع التأثيرات المختلفة، خاصة ما يتصل منها بمسرح "بريخت" و"بيراندللو".
فقد أثارت مسرحية "على جناح التبريزى وتابعه قفة" فرحة للمقارنة بينها وبين مسرحية "بريخت": "السيد مانتلا وتابعه ماتى"، كما أثارت مسرحية "جواز على ورقة طلاق" فرصة للمقارنة بينها وبين الإرتجال فى مسرح "بيراندللو"، إذ تبتدئ المسرحية ببداية مفتوحة بين الفنانين والجمهور يتصور المؤلف بعض أحاسيس الفنانين تجاه الصراع القائم بينهم وبين المخرج، ثم ينتقل إلى نقد المسرح الميلودرامى السائد ليكشف عن لعبة التمثيل كما فى "ست شخصيات تبحث عن مؤلف".

أما عن آخر أعماله فتأتى مسرحية "عطوة أبو مطوة" كتتويج لمشواره الفنى ورحلته مع المسرح الملحمى وإن مال هذه المرة إلى تقديم مسرحية تغلب عليها الكوميديا الشعبية، كما أنها قد عولجت من قبل عند "نجيب سرور" فى مسرحيته "ملك الشحاتين"، وعند "بريخت" فى مسرحيته "أوبرا القروش الثلاثة" الذين أخذوا جميعا عن "جان جوى" فى رائعته "أوبرا الصعاليك".

لطــفـــى الخــــولــى
من الدراما الواقعية الإنتقادية إلى الصيغة الرمزية

كتب "لطفى الخولى" عددا من الأعمال المسرحية مثل:- "قهوة الملوك"، "القضية"، "الأرانب"؛ وبرغم ندرة وقلة إنتاجه المسرحى، إلا أن أعماله تعد ذات أهمية لإنها تعكس فى أولها مسرحا دراميا واقعيا إنتقاديا تسجيليا، حيث يجعل المؤلف من القضايا الإجتماعية مادة رؤيته، كما فعل الكتاب الآخرون، ولكنه يغفلها أكثر بالإطار الأيديولوجى مما يجعلها أكثر إلتصاقا بالدعوة الإشتراكية التى سيطرت على مسرح الستينات.

ينشغل المؤلف فى مسرحيته الأولى "قهوة الملوك" بقضية الطبقة التحتية أو البرجوازية الصغيرة فى كفاحها من أجل تحويل مقهى الملوك إلى مقهى للعمال.

إن المؤلف لا يستمر فى هذا الخط بل إستكمله بعد ذلك فى مسرحية "القضية"، إذ يبدأ "لطقى الخولى" ومن خلال مسرحيته "الأرانب" أولى المحاولات لرؤية مسرح تجريبى فى المسرح العربى المعاصر، حيث تقوم مسرحيته "الأرانب" على تقديم مضمون واقعى اجتماعى يسعى إلى تحقيق العدالة بين الرجل والمرأة من خلال شكل تجريبى يعتمد على الحدث الفانتازى، فَزَجًت المسرحية فى دراما واقعية تطرح قضية المرأة وحقها فى المساواة من خلال شكل تجريبى يجمع بين ملامح متعددة من حرفيات المسرح الطليعى.

حاول المؤلف من خلال هذه المسرحية أن يزيل الإيهام بواقعية الفعل حتى يُدرك المُشاهد حقيقة ما يدور على خشبة المسرح، فبدأ مسرحيته بمشهد الإفتتاح على حركة إعداد المسرح طالبا من الجمهور أن يشترك فى هذا الإعداد _______ المشاهدين إمتدادا للعرض، وليعيش الجميع مشتركين فى العملية المسرحية وبالتالى تكون أمامهم فرصة الجدل والمناقشة، وهو نفس التكنيك الذى تعرفنا عليه من قبل فى المسرح الملحمى.

عـلـــى ســـــالـــم
والكـوميـديـــــا الواقـعـيــــــة

من المعروف أن مسرح الستينات يُعَدْ مسرحا واقعيا، حيث تجسدت ملامح الدراما الواقعية فى أعمال معظم كُتًاب هذه المرحلة واتخذت صيغ عديدة، بعضها إنتقادية كما عند "نعمان عاشور"، و"سعد الدين وهبة"، و"يوسف إدريس"، و"لطفى الخولى"، والبعض الآخر منها جاءت صيغ سياسية كما فى مسرح "سعد الدين وهبة"، و"ألفريد فرج"، و"على سالم"، و"رشاد رشدى".

وعندما نصل إلى مسرح "على سالم" نجده يبتعد عن القالب الدرامى ويقترب من القالب الكوميدى ليعكس من خلال مسرحه قضايا مجتمعه.

إن "على سالم" كاتب كوميدى أصيل، إرتفع بمستوى الكوميديا- عن طريق استخدام الفانتازيا والكاريكاتير- إلى مستوى رفيع، وأشهر مسرحياته هى:-
"الرجل الذى ضحك على الملائكة"، "ولا العفاريت الزرق"، "إنت إللى قتلت الوحش"، "عفريت مصر الجديدة"، "مدرسة المشاغبين"، "الكلاب وصلت"، "المطار".
ويستخدم "على سالم" فى مسرحياته تقنيات مقتبسة من مسرح "بريخت"، مثل الراوى والخطاب المباشر إلى الجمهور، والإعتماد على المناقشة كتكتيك يميز مسرح "إبسن" و"شو" وآخرين.

إن كثير من أعمال "على سالم" التى كتبت فى مرحلة السبعينات تأتى أعمال كوميدية حادة بعيدة عن كوميديا الألفاظ والمواقف الهزلية، تحمل فكرا أو مضمونا، وتكشف طبقة الإنفتاحيين الذين نموا فى المجتمع نموا غير شرعى فشكلوا جمهورا عريضا له مَطَالِبُه، مما مهد السبيل إلى ظهور المسرح الخاص الذى يهدف إلى التسلية والترفيه.

هذه المرحلة، إلى جانب إتجاههم وبشكل مباشر إلى المسرح السياسى، فإنهم قد إستلهموا التراث تاريخيا أو شعبيا أو أسطوريا، وقليل منهم يواجه الواقع صراحة، مثل "محمد سلماوى".


وأخيرا؛ تميز مسرح هذه المرحلة- أى السبعينات وما تلاها- أنها أصبحت مرحلة استكمال لمشوار التجريب، الذى بدأ فى الستينات على يد "لطفى الخولى" و"يوسف إدريس" ليصل إلى قمته فى مرحلة الثمانينات والتسعينات كما يتضح عند "السيد حافظ"، و"عبد الغفار مكاوى"، و"محمد سلماوى"، و"عبد اللطيف درباله"، وغيرهم ممن يشاركون على مدى تِسْعْ دورات فى مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى، سواء على المستوى العربى أو الدولى.



#أحمد_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخصائص الفنية لمرحلة نشأة المسرح العربي واقراره 2/1
- الخصائص الفنية لمرحلة نشأة المسرح العربي 1/1
- سلسلة محاضرات المسرح العربي .. المسرح في سوريا
- رواد المسرح العربي في القرن التاسع عشر
- المسرح في لبنان
- السيرة الذاتية ومشروع جودة التعليم العالي في الجامعات المصري ...
- قراءة في مناهج النقد المعاصر ... المنهج السوسيولوجي
- الجامعات المصرية وتقلد المناصب
- الخيال العلمي في المسرح
- قراءة تحليلية في مسرح الخيال العلمي
- قراءة في مسرحية بعد السقوط ( بعد الهبوط من الفردوس) للكاتب ا ...
- قراءة سيميولوجية في مسرحية أحذية الدكتور طه حسين .. لسعد الد ...
- المدرسة الشكلية الروسية ... قراءة في النقد المعاصر
- قلبي يئن لكن مستقبل مصر أهم
- شهداء 25 يناير وعيد الأم .
- المسرح المصري في السبعينيات وقضايا الانفتاح الاقتصادي .
- الكوميديا في المسرح المصري (دراسة في نظرية الكوميديا العربية ...
- مشروع المسرح الفيدرالي وانعكاساته الايجابية علي استمرار الدر ...
- الشخصية النسائية في مسرح توفيق الحكيم .
- العلاقة بين المسرح بوصفه ظاهرة احتفالية اجتماعية وبين الحيز ...


المزيد.....




- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
- وفاة صاحبة إحدى أشهر الصور في تاريخ الحرب العالمية الثانية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - المسرح المصري بعد ثورة 1952 وصولا إلي التسعينيات