أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - نجيب محفوظ في ذكراه .. مبدع لا يعرف الرذيلة















المزيد.....

نجيب محفوظ في ذكراه .. مبدع لا يعرف الرذيلة


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 3582 - 2011 / 12 / 20 - 19:10
المحور: الادب والفن
    


يبدو أننا أمة تأكل أبناءها، تدرك قيمتنا كل الأمم التي وصلت من العلم قمته أما نحن فكما يقول المثل ( مزمار الحي لا يُطرب) أو كما قال الشيخ تاج الدين الحسني أحد علماء دمشق المشهورين: أزهد الناس بالعلماء أهلهم وجيرانهم.
هذا ما يحدث لنا الآن في مصر تجاه غالب رموزنا التي ملأت العقل الإنساني عامة والعربي خاصة بنور المعرفة، لدرجة أصبحت فيها الفوضى لا تفرق بين ما هو أبيض وبين ما هو أسود، لا تفرق بين الطيب والخبيث، من يضئ النفس بالجمال وبين ما يجرحها بالقبح، هذا ما يحدث اليوم مع نجيب محفوظ الذي اتهمه بعض الرموز الهامة في مصر بأن أدبه يحث على الرذيلة! .. لماذا يحث على الرذيلة؟ فكان الجواب لأنه لا يهتم إلا بالعاهرات!.
نجيب محفوظ الذي خالط الصعاليك والحرافيش وغالب المطحونين والمستضعفين، وكتب عن الفقراء وسكان العشش والحواري، ودافع عن كرامة المصري ضد كل ظلم وقع عليه سواء كان واقعا من محتل انجليزي أو من حاكم مستبد!، نجيب محفوظ الذي وقف ضد قتل أحلام البسطاء وقهر الشباب وتجبر الدولة الأمنية في كل رواياته 33 رواية و19 مجموعة قصصية ابتداء من رواية كفاح طيبة (1944)، والقاهرة 30 (1945)، مروراً بالثلاثية العبقرية بين القصرين (1956)، قصر الشوق (1957)، السكرية (1957)، واللص والكلاب (1961)، وثرثرة فوق النيل (1966)، وميرامار (1967)، و الكرنك (1974)، وانتهاءً بأحلام فترة النقاهة (2004).
روايات أقرب للوثيقة التاريخية التي توثق ظرف المكان وظرف الزمان للمجتمع المصري، روايات لن تسع عقول النقاد تفنيد وطنيتها ومصريتها وانتمائها للأرض والنيل، وأذكر قديما وكنت طالباً بالمرحلة الإعدادية ولا أمتلك سوى بساطة الإدراك وطفولة العقل أن شاهدت فيلم الكرنك مع والدي في سينما "ريفولي" بالقاهرة عام 1975، وقد كان والدي – رحمه الله وهو من علماء الأزهر ودكتور في الشريعة - يحترم نجيب محفوظ ويحافظ بقدر الإمكان على متابعة كل أعماله وحتى مقالاته في جريدة الأهرام، يومها وداخل صالة العرض لاحظت تأثر أبي الشديد، كان الفيلم صدمة شديدة لجرأته السياسية والاجتماعية، ففي ظل تكميم الأفواه يخرج علينا نجيب محفوظ ليسرد لنا صارخاً وقائع الظلم والتعذيب وقهر الحاكم لشعب لا يستحق إلا كل احترام وتوقير، يسرد لنا صارخا وقائع ما كنا نحياه من غيبوبة تحت وهم الحرية والكرامة وأرفع رأسك يا أخي، كان يحكي لنا نجيب محفوظ ظلم الحاكم والدولة على المحكومين من أهل الوطن في فترة لم يجرؤ فيها غيره على التفوه بها، كان جريئا وعنيداً، وهنا يقول لي والدي رحمه الله: لولا نجيب محفوظ ومن هم مثله من كتابنا العظام لعاش الناس في وطننا عيشة البهائم، لا يملكون من أمر دنياهم إلا ما يأكلونه ويشربونه ولا إدراك لهم عن معنى الحرية والكرامة والعدل، فقلت لوالدي محاولاً قنص تعاطفه تجاهي وأنا ألمح مدى التأثر البادي عليه ولا أفهمه: أنا أيضا أحب نجيب محفوظ، وبينما نحن سائران لميدان العتبة لنستقل الأوتوبيس عائدين للمنزل بعد خروجنا من السينما التي كنا نراعي الذهاب إليها أول كل جمعة في أول كل شهر، وجدت أبي يصدق على كلامي متمتماً: محفوظ راجل عظيم.
ينتابني إيمان بأن من قرأ أولاد حارتنا قرأها وهو يحمل ضغينة مسبقاً لنجيب محفوظ ولم يفهم إشارته الأدبية والإنسانية بها وكأنه لم يكتب سواها ففهمها بحجم وعيه لا بحجم وعيها ومن ثم حكم عليها وعليه بالكفر، رغم أن هذه الرواية وكما يقول الدكتور جابر عصفور, وزير الثقافة الأسبق: "إن دار الشروق أعلنت في مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية بمقدمة للكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد. ونشرت بالفعل مقدمة أحمد كمال أبو المجد التي أطلق عليها "شهادة" في بعض الصحف لكن الرواية لم نفسها لم تصدر إلى الآن"، وربما تذكرني حادثة التكفير تلك بحادثة أخرى مثيرة للاهتمام حدثت في أواخر السبعينيات وكنا طلبة بالمرحلة الثانوية أو ربما في أوائل المراحل الجامعية حينما اصدر مجلس الشعب المصري قرارا بحظر بيع ونشر وتداول كتب العلاّمة " محيي الدين بن عربي" لأن مؤلفاته تدفع بقارئها إلى الكفر و صاحبها كافر، كنت وقتها لم أقرأ لمحيي الدين بن عربي، ولكني كنت أعرف أنه من عباقرة عصره بل ومن أكابر المفكرين الإسلاميين، ورجعت إلى والدي أسأله لكونه حجة في ذلك: هل محيي الدين بن عربي كافر؟، فأجاب إجابة عجيبة قال فيها: مشكلتنا أننا نظن أنه مادمنا نستطيع القراءة فأنه باستطاعتنا الفهم، ومن قرأ لأبن عربي واتهمه بالكفر هو رجل محدود الوعي، ولا يؤمن أن وعيه وفهمه محدود، بل يرى أنه مبعوث العناية الإلهية للحكمة والمعرفة، ومن ثم يظن بوعيه المحدود هذا أنه القاضي العدل في الحكم على العلماء الكبار، هذا مؤمن وهذا كافر، ثم أردف قائلا: مصيبتنا يا بني أننا مجتمع جاهل، يلتهم علمائه كما تلتهم النار في لحظات فدادين القمح، فيحترق كل شئ ومن بقى بعد الحريق على قيد الحياة لن ينجو من الموت جوعاً بعد أن احترقت سنابل الخير.
لقد كان محفوظ ثائرا، كان أفضل من دافع عن ثورة 1919، وكان يعجب كثيرا بشخصية زعيم الأمة سعد زغلول. أما بالنسبة لثورة 1952، فرغم ترحيبه بها في البداية، إلا أنه انتقدها بشدة حين انحرفت التجربة الثورية عن الشعارات التي أعلنتها وظهرت فجوة عميقة بين النظرية الثورية التي آمن بها الثوار وبين تطبيقهم لهذه النظرية على أرض الواقع والتي انتهت بمراكز القوى والسحل وانتهاك الأعراض والقتل والسجون، وهنا كتب محفوظ رواية "أولاد حارتنا" وهي الرواية التي عاد بها إلى الكتابة في 1959، وكأنه كان يحذر فيها رجالات ثورة يوليو وأعوانهم بل ويحذر فيها الشعب نفسه، ولكن هذه الرواية "أولاد حارتنا" شكلت محطة ومنعطفا مثيراً في أعمال محفوظ لكثر ما أثير حولها من لغط، وبعد بدء نشر الرواية مسلسلة في صحيفة الأهرام الحكومية ابتداء من 21 سبتمبر/أيلول حتى 25 ديسمبر/كانون الأول 1959 حث بعض رموز التيار الديني المحافظ على وقف النشر استنادا إلى تأويل الرواية تأويلا دينيا يتماس مع قصص بعض الأنبياء. . ومنذ ذلك الحين وقصة التكفير والاتهام بالإلحاد لا تتوقف".
وربما أتعجب من هؤلاء الناس الذين يقذفون أدب نجيب محفوظ بأنه فقط أدب يدور حول العاهرات من النساء رغم أن المرأة لم تكن أبداً في كل رواياته جسدا للمتعة أو للغواية بل كانت جزءا من المجتمع وشريكا في الثورة كما حدث في ثورة 1919، وحيث تعددت رؤية نجيب محفوظ لها حسب المراحل السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد فهي في الثلاثية تختلف عنها في ميرامار أو ثرثرة فوق النيل أو الكرنك وزقاق المدق.
إنني أتفق مع ما قاله الكاتب المصري يوسف القعيد في أن ثورة 25 يناير ظلمت نجيب محفوظ، لأن وزارة الثقافة قررت البدء في الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ، وكانت هناك خطط ومشروعات وأحلام كثيرة للاحتفال بهذه المناسبة، ولكنها لم تنفذ، هناك مشروعات كثيرة قابلة للتنفيذ، أولها متحف نجيب محفوظ ويقام في وكالة محمد بك أبو الدهب، وهناك إجراءات تخصيص المكان قائمة، ومدير المتحف المخرج الكبير توفيق صالح يعمل، والمهم أن يتم افتتاحه، على أن يصبح متحفا لنجيب محفوظ ومختبرا للسرديات العربية تصدر عنه دورية تبدأ من الاهتمام بنجيب محفوظ وتصل إلى كل أشكال السرد المصري والعربي والعالمي. والثاني مشروع المزارات المحفوظية الذي تحمس له محافظ القاهرة السابق الدكتور عبد العظيم وزير، وخرائط ورسومات الأماكن التي عاش فيها محفوظ وكتب عنها موجودة لدى المحافظة منذ أن أعدها الصديق جمال الغيطاني للبدء في العمل الذي مازال حتى الآن حبرا على ورق"، ورحم الله نجيب محفوظ.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر تنتحر
- إلى هؤلاء المحسوبين زوراً على أقباط مصر الشرفاء
- قالوا له بمطار ألماظة: مصر بنت الجيش يا ريس
- الولايات المتحدة الأمريكية: أنا ربكم الأعلى !!
- أي -بن لادن- اليوم الذي يخدعنا الأمريكان بأنهم قتلوه في 2011 ...
- نجيب محفوظ في ذكراه رجل الثورة الصامتة
- الثورة المضادة في مصر والمماليك الجدد
- سيد درويش في ذكراه زعيم ثورة مصر يناير 2011
- ثورة مصر والانتهازيون الجدد
- الأحزاب الدينية في مصر هل هي بداية لولاية الفقيه؟
- نعم للفتنة الطائفية في مصر !
- ماذا يحدث في مصر؟
- المعارضة لا تصلح لرئاسة مصر ما بعد مبارك
- مُبَاركْ لا يصدق أنه مات
- على مُبَارك أن يرحل
- السيد عمرو سليمان .. انحاز إلى الشعب وكن بطلاً شعبياً
- إنهم يريدون إجهاض الثورة في مصر
- يا أقباط مصر .. هذه كنائسكم في أيام الغضب لم يمسها أحد بسوء
- عملوها التوانسة
- حوار مع المخرج العراقي ميثم السعدي ونجمة المسرح العراقي خولة ...


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - نجيب محفوظ في ذكراه .. مبدع لا يعرف الرذيلة