|
بولونيا قبل 30 سنة: انقلاب ياروزلسكي ضد العمال يوم 13 ديسمبر 1981
الين ريتيس
الحوار المتمدن-العدد: 3581 - 2011 / 12 / 19 - 09:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
قبل 30 سنة، كان الجنرال ياروزلسكي أعلن يوم 13 ديسمبر 1981 حالة الطوارئ في بولونيا. كان البلد آنذاك " ديمقراطية شعبية"، ضمن منطقة نفوذ الاتحاد السوفييتي التي كانت أنظمتها تدعي الاشتراكية أو الشيوعية، فيما كانت بوجه خاص أنظمة معادية للعمال.
انتشر الجيش ليلا في البلد كله، و قطع الطرق، والاتصالات الهاتفية، و بدأ اعتقال المناضلين العمال أعضاء النقابة الجديدة ، نقابة تضامن، و قادتها. وكان الجنرال ياروزلسكي أعلن أن غاية حالة الطوارئ " إنقاذ بولونيا" من " الإضرابات و أعمال الاحتجاج". هذا لأن الطبقة العاملة كانت تمثل خطرا جسيما، بالنسبة لهذا الجنرال، المنصب وزيرا أولا و أمينا للحزب الشيوعي الحاكم في الآن ذاته، و بالنسبة للطبقة السائدة البولونية و كذا البيروقراطية السوفييتية الرافضة أي احتجاج في دائرة نفوذها.
فمن 1956 حتى متم العام 1970، حيث تفجر الغضب العمالي في أحواض بناء السفن على طول البلطيق، ومن 1976 حيث انتفض آلاف العمال مجددا ضد قرار رفع أسعار المواد الغذائية، حتى الإضرابات الكبرى عام 1980، لم تكف الطبقة العاملة عن إظهار كفاحيتها و قوتها الاجتماعية.
اندفاعة عمالية قوية
في مطلع صيف 1980، قررت الحكومة رفع سعر اللحم، ما أوقد النار في البارود في بلد بات متضررا بشدة بالأزمة الاقتصادية. ومن شهر يوليو حتى منتصف شهر أغسطس، أضرب عمال زهاء 200 مقاولة من اجل رفع الاجور. لكن يوم 14 أغسطس 1980، كان إضراب 17 الف عامل بأحواض لينين لبناء السفن في غدانسك، ما منح الحركة أهمية أخرى.
انطلق هذا الإضراب بمبادرة من مناضلين كان منهم مطرودون من أحواض السفن قبل سنوات، مثل ليش فاليسا. وكان على صلة بلجنة الدفاع عن العمال KOR، وهي منظمة اسسها بعد إضرابات 1976 مثقفون معارضون للحزب الشيوعي الحاكم، أو كاثوليكيين و اشتراكيون ديمقراطيون. ومع تقديم مطالب العمال، كانت مطالبهم، على الصعيد السياسي، تتطابق مع مطالب طبقة سائدة بولونية تواقة إلى نظام متحرر من السيطرة السوفييتية و يتيح لها فتح الأبواب على مصراعيها للرأسماليين الغربيين.
منذ اندلاع الإضراب في أحواض السفن، يوم 14 أغسطس، انتخبت لجنة إضراب كان من أعضائها ليش فاليسا رغم انه مطرود. وخوفا من انتشار الإضراب، حاولت الحكومة إطفاء النار بالتفاوض، تفاوض لم يجر في سرية الصالونات بل تحت ضغط آلاف العمال المضربين الذين كانوا يتابعون عن كتب النقاشات المنقولة إلى خارج قاعة التفاوض بمكبر الصوت. وقبل العمال زيادة الأجر المقترحة لكنهم واصلوا الإضراب تضامنا مع باقي المصانع.
اتخذت الحركة حجما اكبر. ففي منطقة غدانسك، جرى انتخاب لجنة إضراب مشتركة بين المقاولات، مع قائمة مطالب ليست اقتصادية وحسب، بل سياسية أيضا: حق الإضراب، حق التعبير، و إمكان تأسيس نقابات حرة ، وإعادة دمج العمال المطرودين. عندها امتدت الحركة إلى البلد برمته، وتعلم عشرات ألاف العمال تنظيم أنفسهم، وخلق لجان إضراب على صعيد مدن بكاملها. وفي متم شهر أغسطس،اضطرت الحكومة إلى التنازل.
و اضطر نائب الوزير الأول إلى الانتقال شخصيا إلى أحواض السفن للتفاوض وقبول مطالب المضربين. و جرى التوقيع على اتفاقات مشابهة في كل المراكز العمالية الكبرى بالبلد.
ياروزلسكي يلجم الطبقة العاملة
وكانت اندفاعة الطبقة العاملة تلك تبدو غير مقبلة على التراجع. وكان ذلك يثير مخاوف البيروقراطية السوفييتية التي لم تتسامح أبدا مع حركات احتجاج من هذا القبيل في بلدان منطقة نفوذها السياسي، و غالبا ما أرسلت دباباتها لقمعها.
لكنها كانت أيضا تخيف ممثلي النظام البولوني و طبقته السائدة. قرر ياروزلسكي حل المشكل بتنظيم انقلاب عسكري يوم 13 ديمسبر 1981. و تمكن الجنرال، بمنع النقابات و اعتقال قادة نقابة التضامن، ومنهم فاليسا، و أيضا عشرات آلاف المناضلين العماليين، قضى بعضهم سنوات في السجن، من بلوغ هدفه المتمثل في لجم الطبقة العاملة. و في الآن ذاته طمأن البيروقراطية السوفيتية، مبرهنا أن الدولة البولونية قادرة على إرجاع العمال إلى جادة الصواب دون اضطرار البيروقراطية السوفييتية إلى إرسال دباباتها، كما جرى في المجر سابقا.
مع ذلك كان بوسع الطبقة العاملة أن تدافع عن نفسها. لكن قادة نقابة تضامن، و فاليسا، لم يِأهلوا العمال بتاتا لمواجهة خطر الانقلاب العسكري، وعندما باغتهم هذا الانقلاب، سعوا إلى تفادي مواجهة مع السلطة. و لم يكن هذا الموقف "خطأ" بل سياسة واعية من جانبهم. لان هدفهم ، بمعارضة نظام كان رغم ادعائه الاشتراكية نظاما ديكتاتوريا تحت ضغط دائم من البيروقراطية السوفياتية، لم يكن السير نحو نظام اشتراكي فعلا، نظام يطبق فيه العمال وهم بالسلطة حلولهم لمشاكل مجموع الطبقات الشعبية في بولونيا.
فقد كان قادة نقابة التضامن ينطلقون من أرضية قومية، مستعملين سلطة الكنيسة الكاثوليكية للتحكم في كفاحية العمال البولنديين، بإيهامهم بتطابق مصالحهم مع مصالح الطبقة السائدة البولندية أو ممثلي الكنيسة. و إن مصير العديد من قادة نقابة التضامن معبر للغاية: فعندما تخلى ياروزلسكي عن السلطة في العام 1990، أصبح عدد منهم من أعيان النظام. أصبح فاليسا رئيسا للجمهورية. أما الطبقة العاملة فلم تنهض من خيبات أملها.
يبقى من تلك الأحداث، القديمة بثلاثين سنة، البرهنة التي قدمها عمال بولونيا في 1980 عن قوتهم ، لكن الأهم ضرورة التزود بقيادة تسير حتى النهاية، حتى إرساء سلطة عمالية حقيقية قادرة على تغيير المجتمع رأسا على عقب.
الين ريتيس
عن اسبوعية الكفاح العمالي - عدد 2263
16 ديسمبر 211
تعريب المناضل-ة
#الين_ريتيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
-
التصديق على أحكام عسكرية بحق 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ«
...
-
تنعي حركة «الاشتراكيين الثوريين» ببالغ الحزن الدكتور يحيى ال
...
-
الحزب الشيوعي يرحب بمؤتمر مجلس السلم والتضامن: نطلع لبناء عا
...
-
أردوغان: انتهت صلاحية حزب العمال الكردستاني وحان وقت تحييد ا
...
-
العدد 584 من جريدة النهج الديمقراطي
-
بوتين يعرب عن رأيه بقضية دفن جثمان لينين
-
عقار -الجنود السوفييت الخارقين-.. آخر ضحاياه نجم تشلسي
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|