إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1060 - 2004 / 12 / 27 - 06:55
المحور:
الادب والفن
يأتي رحيل مبدعنا السوري الكبير ـ ممدوح عدوان ـ كي يشّكل بحقّ خسارة وطنية كبرى ، فهو من الأسماء الإبداعية التي استطاعت وعبر دأبها المتواصل أن ترتقي إلى مصاف قلة أكثر فاعلية وتلقياً ومصداقية ، لاسيما وأنه كان يعيش كلمته ، دون أن تبقى أية حدود بينهما ، وهو المثقف الذي تأتى بحساسية جدّعالية إزاء كل ما يمسّ ـ الإنسان ـ من قضايا عامة ، وخاصة ...!
وممدوح عدوان هو من ذلك الأنموذج من المثقفين الكبار حقاً ، ذلك لأنه كان ذا ثقافة ثرّة ، متنوعة ، انعكست في ما تركه لنا وراءه من إبداع في مجالات عديدة : الشعر ـ المقال ـ المسرح ـ الترجمة ... بحيث إنه عندما يكتب الشعر – وبغض النظر عن تقويم نصّه- تكاد تحس ّأن الرجل وهو الذي طبع عشرين ديواناً ـ لم يكن له هاجس سوى هذا اللّون الإبداعي ، وهو في الوقت ذاته كاتب مقال بارع ،وهل لي أن أنسى ـ على سبيل المثال ـ دراسته المطوّلة عن تقويم واقع الصحافة المحلية الذي نشره في ـ الأسبوع الأدبي ـ في ثمانينيات القرن الماضي ، ولطالما عدت إليها مستشهداً بجرأتها العالية في تلك المرحلة ، وهكذا بالنسبة إلى نصوصه المسرحية التي كانت تعبق برائحة خاصة ، حتى وإن كانت مادتها قد خضعت لصياغة ثانية في مختبره الإبداعي ، كذلك فإنني إزاء ترجمته "إلى غريكو" طريقاً وتقريراً ، لنيكوس كازانتنراكي أحسست ـ وأنا أقرأ هذه الترجمة المتألقة في نهاية الثمانينيات بروح زوربا مسكونة فيه ، بيد أنه يعقلنها بتؤدة كازانتنزاكية مبهرة ، وهي تسجل تألقها البياني وتقدم مفارقاتها العالية واحدة تلو أخرى ،كي يجسّر ما بين لغة الإبداع والحياة على نحو مائز ورفيع ..!
طبعاً إن مبدعنا ليعدّ شخصياً مسؤولاً أمام كلّ كلمة له ، مادامت تشكل تراثاً إبداعياً في غاية السمو ، بيد أنها في إطارها العام ، كانت تنذر نفسها للشأن العام ، من حدود رؤيتها ، طافحة بمرارتها الواخزة ، وإبائها ،وتماهيها في بوتقة الإحساس بالآخرين منذورة للقضايا الكبرى وأسئلة الوطن ..!
ولعلّ أي تتبع لسيرة هذا المبدع لتكشف لنا أنه كان على الدوام رجل موقف ، فحسب ، فهو لم يهادن آلة الخطأ البتة ، بل ولم يستسلم أمام صلفها ، وجبروتها ، مهما رتبت عليه المواجهة من ضريبة ، وهي لعمري سمة المبدع الوطني الأصيل ، وهذا ما يفسّر قبل كل شيء سرّ احترام ممدوح عدوان على امتداد خريطة قرائه ..!
ولأن الرجل كان شخصاً استثنائياً مهمّاً ، فهو بحق كان يفرض سطوة من نوع مختلف على متلقيه ، أياً كان مشربه ، وأعتقد أننا من هذا المنطلق وغيره ، وجهنا إليه دعوة منذ سنوات كي يكون ضيفاً على ـ الملتقى الثقافي في الجزيرة ـ بيد إن موانع فنية أحالت آنئذٍ دون ذلك للأسف ..
وأخيراً ، لا بد أن يتساءل وهو يودع بقلب مرير، مد مى ، هذه القامة الإبداعية العالية : ترى أي سرّ هو أن يكون لإسم ما ـ سطوة خاصة ، متفردة ، رغم أنه واحد من جيل كامل ...
إنه لسؤال شائك حقّاً........!؟...
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟