|
جريمة الدم في ليبيا لا تبررها اي شريعة.*
فاضل عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3577 - 2011 / 12 / 15 - 09:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ما جرى في مدن الشرق الليبي وبعض مدن الغرب يومي الاربعاء والخميس الماضيين من سفك للدماء وعنف مفرط ضد متظاهرين عزل على يد رجال الأمن وجماعات اللجان الثورية المسلحة خلف عشرات القتلى والجرحى جلهم من الشباب، لا يمكن تصنيفه إلا بأنه جريمة لا يبررها اي مبرر ولا اي شريعة، مهما كانت تصرفات المتظاهرين، طالما أنها لم تشكل خطرا على حياة اي أحد. وما يؤكد هذه الجريمة هو الغياب الكامل للمعالجات الأمنية المخففة والمنخفضة الضرر في التعامل مع المتظاهرين، حيث لم نرصد في المشاهد اليتيمة لبعض هذه المظاهرات التي سربها مصورون هواة الى شبكة المعلومات الدولية، لم نرصد اي وجود لشرطة مكافحة الشغب لمواكبة المتظاهرين ومنعهم من القيام باي اعمال تخريبب او تعدي على المرافق العامة، كما أننا لم نلاحظ استعمالا للمياه الساخنة او القنابل المسيلة للدموع ضد المتظاهرين وهي وسائل متعارف عليها عالميا كآليات للتعامل مع المظاهرات غير المسلحة، ولا اعتقد ان مخازن الشرطة وأجهزة الأمن تفتقر اليها.
إن الاعتماد على العنف والقوة والاسلحة النارية من قبل السلطات كوسيلة أولى ووحيدة في التعامل مع هؤلاء المتظاهرين، مهما كانت طلباتهم، يكشف عن وجود قرار مسبق بارتكاب جريمة القتل وسفك الدماء، وتجاوز لكل آليات المعالجة خفيفة الضرر ضد كل من يتظاهر. كما أن غياب التغطية الاعلامية الرسمية لهذه الأحداث وفرض تعتيم إعلامي عليها ومحاولات ضرب المواقع الشبكية والقنوات الفضائية التي تتناول وتتابع هذه الاحداث، يشير الى وجود خطأ ما يرقى الى مستوى الجريمة تحرص الدولة الليبية على طمس معالمها او كتم تداعياتها، وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا لم نشاهد مواكبة فورية للاحداث التي تجري في نطاق يفترض ان تكون وسائل الاعلام الليبية اول من يغطيه ويكشف كل تفاصيله للناس الذين اصبحوا ضحية لمؤسسات الإشاعة بنوعيها المضخمة للاحداث والنافية لوجودها أصلا.
كما هو معروف ومعلن يوجد شحن سياسي واجتماعي لهذا الحدث منذ اسابيع، وصفحات رواد الفيس بوك والتويتر وغيرها من وسائل الاتصال تشهد تعبئة وصراعا بين الطرفين، الدولة من جهة واقطاب المعارضة في الداخل والخارج من جهة أخرى، اي أن ما جرى لم يكن حدثا مفاجئا يمكن ان يربك السلطة ويجعلها تتصرف بعنف ودموية مفرطة ضد المتظاهرين وفي ظل صمت إعلامي ورسمي مريب لا يمكن تفسيره إلا بأنه صمت على جريمة لا تتوفر المبررات المقنعة لوقوعها. فدولة كليبيا لها من الموارد والامكانات ما يمكن أن يجنبها الولوغ في دم أبنائها الغاضبين، إذ كان من المفترض ان تكون السلطات قد اتخذت كل التدابير الضرورية من شرطة مكافحة الشغب الى سيارات المياه الساخنة والقنابل المسيلة للدموع في المدن المرشحة للتظاهر لمنع خروج المظاهرة عن حدودها وتحولها الى أعمال تخريب وحرق واعتداء على مؤسسات عامة، بدل الدفع بمسلحين بلباس مدني ومرتزقة أجانب للقتل العشوائي وخلق حالة من الرعب بين السكان جعلتهم يصطفون بشكل جماعي ضد الدولة التي استرخصت دماء أبنائهم وافقدتهم حتى بالشعور بالأمان في بيوتهم وفي شوارع مدنهم.
ولتعميم إرهابها ومفاقمة حالة الرعب في بقية ارجاء البلاد التي لم يخرج مواطنوها للتظاهر، دفعت السلطات بمواكب وجماعات من الشباب المأجورين ومن بلطجية الشوارع للتظاهر في الشوارع واستفزاز الناس بإطلاق منبهات السيارات في ساعات متأخرة من الليل وترديد هتافات مؤيدة للنظام وخلق ارباكات واختناقات مرورية على الطرق، وتهديد المارة والتلويح بعبارات عنيفة ضد كل من يفكر في التظاهر، مع مواكبة إعلامية متواصلة في قنوات التلفزيون الرسمي قصد توصيل رسالة حتى لمن لم يشهد هذه التهديدات وجعله رهينة لمخاوف على حياته .
ولكن وفي خضم هذه المعمعة التي إختلقها النظام بتعامله المفرط في العنف مع متظاهرين عزل كان يمكن تفريقهم بكم خزان من المياه الساخنة او كم خرطوشة غازات مسيلة للدموع، لم يفكر هذا النظام بما يمكن أن تخلفه هكذا جريمة في ولاء الناس وتغاضيهم عن الكثير من الأخطاء المرتكبة في حقهم. فجريمة الدم والقتل المسجلة خلال اليومين الماضيين في المدن الليبية قطعت آخر خطوط الاتصال بين النظام والشعب، وما تعرضه القنوات الرسمية للدولة من تظاهرات مفتعلة لتاييد النظام وحمايته، سوف لن تتحول الى واقع عندما يعم الطوفان، وتخرج بقية المدن الليبية عن صمتها، وسيتوحول هؤلاء المأجورين المنافقين الى جرذان تبحث عن اي شق في الارض لتحتمي به من غضب الجماهير المكلومة في ابنائها وبسنوات من الظلم والقهر باسم الثورة التي تحولت الى صنم يذبح على عتباته الابرياء.
* المقال نشر أواخر فبراير الماضي على الشبكة العنكبوتية وتم سحبه لاحقا
#فاضل_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ومن يعدم كبير السحرة؟
-
سيُنَوَّرْ المَلْحْ في بلادنا!!
-
ها قد أزهر ملحنا!! وغداً.. حتما سيزهر ملحكم
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|