|
من أخطائنا العقلية فى سجالنا السياسى
سيد يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3576 - 2011 / 12 / 14 - 16:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن المتأمل أحوال أمتنا فى سجالها السياسى يمكنه أن يستنتج مجموعة من القواعد الخاطئة من التفكير كنا نرجو استنباطها ومن ثم دراستها دراسة أوسع لولا ضيق المقام وذلك بهدف تسليط الضوء على بنيتنا العقلية عند الأخذ والرد والتحليل والنقد... وفى يقينى أن الطريق طويلة ولكن الأمل معقود بنواصى المستقبل وبالأجيال القادمة عساها تستلهم روح العلم بقلب نقى وعقل يقظ، ونود أن نشير إلى أن هناك طرقا وأنماطا من التفكير ذات أثر هدام على بنيتنا العقلية نرجو دراستها لاحقا منها: التعميم- العجز عن تقدير خير الشرين- التركيز على العيوب فقط - التماوت حول الآلام والكوارث - التشاؤم وسوء الظن - العجز عن ترتيب الأولويات- الخلط بين استحالة الإدراك واستحالة الوجود - العجز عن التجريد - تقديس بعض ما هو لغير الله - التأثر بمكانة ذوى الإيحاء - التعصب- العجز عن المعرفة بالضد - التثبت مما هو واضح- تسمية الأمور بغير اسمها – وحصر أمثال تلك الطرق عسير بيد أننا نأخذ بعض النماذج التالية بشكل موجز.
(1) اجتزاء الرؤية وبتر بعض الكلام من سياقه وهو ما يعنى انتقاء جملة ما أو كلمة ما من حديث الآخر حتى يبنى عليها المجادل ما يريد أن يبثه من أفكار وكأنه يعزل خاصية معينة من سياقها العام ويؤكدها فى سياق آخر... ومثال ذلك: ما يراه الناس من تصيد للخطأ وبعض الهفوات سواء للتيار الدينى من العلمانى والعكس صحيح (قضية الديمقراطية كفر أو قضية زواج المسلمة من نصرانى على سبيل المثال وإن كان لكل ظروفه وملابساته وشروحاته ) وهكذا فى مناقشاتنا السياسية لا نقنع إلا بما فى نفوسنا من الآخرين لا بما فى الموقف نفسه من أحداث متجاهلين بقية مواقفه هو أو غيره الايجابية ثم يبنى على ذلك الموقف الكثير والكثير من الأغلاط.
(2) القفز على الاستنتاجات الخاطئة ونعنى به التفسير الخاطئ لموقف ما بسبب عدم توافر معلومات معينة أو بسبب وجود سياق مختلف ...ومثال ذلك: أن احدهم قد يظن بنفسه أنه ممل ومرفوض إذا لم يعلق أحد بترحاب على ما طرحه من أفكار... وينسحب هذا الأمر على رؤيتنا لكثير من الحركات السياسية والدينية المطروحة الآن على الساحة العربية...كخسارة حزب ما أو تيار ما أو رمز سياسى ما فى أى انتخابات نزيهة فيظن الخاسر أن سبب خسارته هو قلة الوعى أو اضطهاد الناس أو أكياس الزيت والسكر أو غير ذلك مما هو خاطئ وسلبى ويشى بعقلية غير سوية فما الذى أنجح فلانا العلمانى والليبرالى وأسقط غيره أو العكس..؟!!
(3) محاكمة النيات وتعنى الحكم على الأشخاص لا بناء على معطيات مادية ولكن بناء على ما سيفعله فى المستقبل وهذه الفكرة إهانة للعقل وحجر عليه من التفكير بمرونة وحرية...وما رأيت أحدا يحاكم النيات إلا وبدا لى سخيف العقل سيء النفس ....وكأنه يعمل منجما للغيب أو قارئ بخت... ومثال ذلك: أن يظن أحدهم ظنا يحسبه يقينا يبنى عليه حكما ويكون حكمه هذا وكأنه فوق المناقشة والدحض بل ويتعامل معه على أساس أنه حقيقة فلا داعي لإنكارها... وقديما ظن بعض الحمقى أن الإسلام غير صالح لكل زمان ومكان حتى إذا ما وضح للناس- معظم الناس - أن هذه فكرة خاطئة إذا ببعضهم يحاكم نيات معتنقيها ويرون أنهم يتاجرون بالدين... فتسأل أحدهم لماذا؟ فيجيب لأنهم كذا وكذا فتفند حجتهم بمنطق وبموضوعية فيقول هذا هو الظاهر أما الباطن فهو غير ذلك...هلا رددت بموضوعية على كلامه أم هو التصيد القميء للأخطاء ؟!
(4) التفسير السلبى لما هو ايجابي والحق أن تلك خاصية الحمقى ولو أنها فى واقع الأمر أسوأ بكثير من عملية الانتقاء السلبى وعزل الكلام عن سياقه فإن احدهم هاهنا يتجاوز انتقاء بعض العبارات إلى تفسير ما هو ايجابي بما هو سلبى ...ومثال ذلك: تفسير نجاحات الإخوان والتيار الدينى فى برلمان 2012 على أنه بداية لحقبة مظلمة وعلى أنه عودة إلى الظلاميين وعلى أنه غباء من الشعب لأنه أعطى صوته لمن خدعه ولمن لا يستحق وذلك بدلا من تفسير الأمر على بعض جوانبه الايجابية مثل بداية تعبير عن صوت المواطن الحر وإن شابه بعض الخطأ من هنا وهناك أو على أنه خطوة نحو الحرية أو على انه تصويت ضد الفساد والرشوة والديكتاتورية أو غير ذلك.
(5) الهضم والابتلاع لا المشاركة ونقصد به أسلوب الكل أو لا شيء فبعض الأشخاص يميلون إلى إدراك الأحداث على أنها إما صواب أو خطأ دون أن يدركوا أن الأمر الواحد قد يجمع فى طياته بعض جوانب الصحة والخطأ مع تغليب جزء على آخر وقد يؤدى مستقبليا إلى نتائج إيجابية فعالة لو أتيحت له الفرصة . والدراسات النفسية تؤكد أن أصحاب هذا النوع من التفكير يتسمون بالتعصب والتوتر والقلق والجمود والتصلب وبلغة أخرى بالتشنج الثقافى ...ويغرى هذا النوع من التفكير صاحبه بالنزوع إلى الكمال المطلق ومن ثم يصاب صاحبه بالإحباط عند الفشل.
ومثال ذلك: ما حدث من انتخابات برلمانية فى مصر 2010 حيث لم يتحمل الحزب الحاكم نجاح المعارضة- رغم أنه يهيمن بصورة أخرى ملتوية بضم المستقلين له- فقام بترويع الناس واستخدام وسائل انتقدتها منظمات حقوق الإنسان العربية وغيرها...ونرى أن الذى حمله على ذلك طريقة التفكير الخاطئة التى يتبناها منظروه ألا وهى الهضم والابتلاع لا المشاركة.
ملاحظات عند الخاتمة اقرؤوا- إن شئتم- قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) وإنها لصفعة للذين يعطلون حواسهم عن التفكير، واقرؤوا- إن شئتم- قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)، واقرؤوا- إن شئتم- التفكير فريضة إسلامية لعباس محمود العقاد ...بل لا أتجاوز قواعد المنطق حين أقول إن التفكير ضرورة إنسانية...وبناء عليه كنا نرجو بتسليط الضوء على هذه المشاهد اللاعقلانية التى تصرخ بشدة الغباء أن نتخلص منها فى حياتنا الثقافية والاجتماعية وسجالنا السياسى.
سيد يوسف
#سيد_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تنجح التيارات الإسلامية فى الانتخابات؟ مصر نموذجا
-
تحليل البنية العقلية للمجلس العسكرى المصرى
-
العسكر لا يصلحون لإدارة البلاد مدنيا ولا انتقاليا
-
ساسة أقسموا بالله ألا يفهموا
-
تأملات فى إضرابات المعلمين
-
مصر لم تعد تحتمل الغباء السياسى
-
فى ضرورة نقد المجلس العسكرى
-
أحزابنا السياسية ضرورة أم عبء على الوطن؟
-
الأجور فى مصر بين الخيال وبين الممكن
-
الوعظ السياسى وآيات آل مبارك الممزق
-
جمعوا هذه المشاهد ثم استنتجوا
-
من وحى ثورة 25 يناير(2-2)
-
من وحى ثورة 25 يناير(1-2)
-
الغضب المصرى الأول
-
تأملات إنسانية فى المشهد التونسى 2011
-
فى انتظار المصير المحتوم
-
هل تذكرون عصا سليمان؟
-
المزورون: ليسوا نوابا وليسوا محترمين
-
إهدار أحكام القضاء طرد الحرس الجامعى نموذجا
-
مفردات الواقع المؤسف لا تنبئ بخير
المزيد.....
-
الملكة رانيا تهنئ الأمير هاشم بعيد ميلاده العشرين
-
انتشال 30 جثة حتى الآن لضحايا كارثة مطار ريغان في واشنطن
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فوائد -مكملات الحمل- في تقليل مضاعفات الولادة
-
ماذا نعرف عن وحدة الظل في كتائب القسام المسؤولة عن تأمين الر
...
-
-مخاوف من سيطرة دينية على الحكم في سوريا- - جيروزاليم بوست
-
سانا: الرئيس أحمد الشرع سيلقي خطابا موجها للشعب السوري مساء
...
-
شاهد: فرحة أسرة الأسيرة أغام بيرغر بعد أن أفرجت عنها حماس
-
انهيار صخري في أعماق كاليفورنيا يكشف أسرار تكوّن القارات
-
سر -طبيب الموت- ولغز -عاصمة التوائم-!
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|