|
النضال التأسيسي حتى لا تموت الطاقات النضالية؟
صلاح الداودي
الحوار المتمدن-العدد: 3576 - 2011 / 12 / 14 - 07:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من اجل التفكير في تكوين هيئات العمل الثوري القاعدي كي لا تندثر الاقليات الثورية في تونس.
"المناضل" نص: مايكال هارت و انطونيو ناغري مقتطع من: "الإمبراطورية"
إلى كل شباب العالم المناهض للعولمة: قلعة الوحوش العالمية
"كلّ العواصم تقطر جهنم ثقب دم وماء جهنّم تحت أقدام الفقراء..."(صلاح الداودي)
إن من يعبّر بأفضل شكل عن حياة الجمهور في ما بعد الحداثة و مع نهاية رهط الشعب (الخاص بالدولة الأمة صنيعة الكولونيالية)، هو، بلا مراء، المناضل. انه المنتج البيُوبُوليطيقي ومقاوم الإمبراطورية. لا نفكّر، عندما نتحدّث عن المناضل، في ناشط الأممية الثالثة المؤسف الهُزيّل الذي اخترقه منطق الدولة السّوفييتيّة كإرادة البابا وقد نقشت في أرواح أنصار المسيح. ولا يخطر ببالنا كذلك من يتصرّف على قاعدة الواجب و الانضباط، ذلك الذي يدّعي أن ممارساته تطابق خطة مثالية. نحن نستند، على عكس ذلك، على شيء مثل المقاتلين الشيوعيين الفوضويين ثوّار القرن العشرين: المفكرين المضطهدين والمنفيين طوال الصّراعات المضادّة للفاشستيّة، جمهوريي الحرب الأهلية الاسبانية وحركات المقاومة الأوروبية، مقاتلي الحرية في كل الحروب المضادّة للكُولُونياليّة والمعادية للامبريالية. إن احد النماذج الأصلية لهذا الطراز الثوري لهُو الحركي المحرّض لعمال العالم الصناعيين. أسّس الفوضوي( هكذا ترجمنا عبارة Wobbly التي ظلت على ما هي عليه في الفرنسية، ونحن اخترنا نظرا لأسباب نظرية وتاريخية وسياسية ولاكسيكوغرافية ولغوية بعامة تتعلق بتاريخ المادية و طبيعة النقابات الحرة المستقلة و خاصة تاريخ الاستعارات المكونة للفكر الثوري علاوة على مضامين كتابات المفكرَين ذاتهما في كل تفاصيلها ) جمعيات صلب اليد العاملة عبر التحريض الدائم و انطلاقا من القواعد. وولّد الأحلام الايطوبيّة والخبرة الثوريّة وهو ينظّمهم. كان المناضل صانع "المسيرة الطويلة" لانعتاق العمل من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين ومبدع التفرّد المميز لهذه الحركة الجماعية الهائلة التي كانت صراع الطبقة العاملة.
تمثّل نشاط المناضل طوال هذه الحقبة في المقاومات قبل أي شيء، فقاوم الاستغلال الرأسمالي في المصنع وفي المجتمع. وتمثل كذلك عبر المقاومة و في ما ابعد منها في البناء الجماعي وفي ممارسة سلطة مضادّة قادرة علي تفكيك نفوذ الرأسمالية و فرض برنامج حكم بديل عنها. وجّه المناضل الصراع ضدّ صلفيّة cynisme أو كلبية البرجوازية والاغتراب النقدي واستلاب الحياة واستغلال العمل والاستيلاء على الأهواء وإلى آخر ذلك...و كان العصيان رمز كبريائه العزيز. لطالما استُشهد هذا المناضل في التاريخ التراجيدي للصراعات الطبقية. ولكم كانت قليلة الأحيان التي كانت فيها البُني المعهودة لدولة القانون كافية لأداء المهام التي يتطلبها تدمير السلطة المضادة. ولكن حينما لم تكن لتكفي، كان الفاشستيون والحرس الأبيض لإرهاب الدولة أو كذلك المافيات السوداء أو السمراء في خدمة الرأسماليات "الديمقراطية" مُطالَبة بمدّ اليد من اجل تقوية أجهزة القمع القانونية.
نتساءل اليوم إبّان وبعد عديد الانتصارات الرأسمالية وبعدما تبخرت الآمال الاشتراكية و تصلّب العنف الرأسمالي ضدّ العمل تحت اسم التطرّف اللّبرالي، كيف يكون من الممكن حقا أن تظل النضالية موجودة؟ لماذا احتدمت المقاومات؟ ولماذا يعاود الصراع الظهور دائما بعنفوان جديد؟ علينا أن نقول بمرّة واحدة أن هذه النضالية الجديدة لا تكتفي بإعادة نفس صيغ تنظم الطبقة العمالية الثورية العجوز. لا يستطيع المناضل اليوم أن يدّعي انه يمثل حتى الحاجيات الأساسية للمستغَلين. وللنضال السياسي الثوري، على النقيض من ذلك، أن يعيد اكتشاف ما كان دوما شكله الخاص: لا نشاطا تمثيليّا وإنما نشاطا تأسيسيا. فالنضال المعاصر هو نشاط مُوجب و بنّاء ومجدّد. هذا هو الشكل الذي نتعرف بواسطته اليوم على أنفسنا بوصفنا مناضلين إلى جانب كل الذين يثورون ضدّ هيمنة رأس المال. يقاوم المناضلون السلطة الامبريالية بطريقة خلاّقة: بمعنى أن المقاومة هي مرتبطة بصفة مباشرة باستثمار بنّاء في مجال البيُوبُوليطيقا و بتشكّل الأجهزة التعاونية للإنتاج وللجماعة. وتكمن الجدّة الكبيرة للنضال الحالي في هذا: انه يستعيد فضائل الحركة الثورية لقرنين من التجربة التدميرية و لكنه يتشبّث في نفس الوقت بعالم جديد، عالم لا خارج له. انه لا يعرف إلاّ داخلا، مشاركة حيوية ومحتّمة في مجمل البُنى الاجتماعية بلا إمكانية الاستعلاء عليها. هذا "الداخل" هو التعاون المنتج لعاقليّة الجماهير(Mass intellectuality, intellectualité de masse.) و للشبكات العاطفية، إنتاجية البيُوبُوليطيقا الحديثة. تجعل هذه النضالية من المقاومة سلطة مضادّة ومن التمرّد مشروع حب.
توجد سيرة قديمة يمكن أن تنير الحياة المستقبليّة للنضال الشيوعي: سيرة القدّيس فرانسوا داسّيز. فلنتبصّر أثره. انه من تبنّى الوضع الجماعي من اجل إدانة فقر الجمهور ومن اكتشف الطاقة الانطُولُوجية لمجتمع جديد. كذا يفعل المناضل الشيوعي بأن يُحقّق في الوضع الجماعي للجمهور ثراءه الهائل. كان المُفقّر المسكين Poverello(العبارة لا توجد في الطبعة الأمريكية الأصلية بينما توجد في الترجمة الفرنسية و قد يكون ناغري أشار بها أثناء الترجمة وهي أساسية في فكره) يرفض كل نظام أداتي معارضا بذلك الرأسمالية الناشئة وكان يدافع عن حياة مُفرحة مضادّة لإماتة لحم الجسد (في الفقر و في النظام القائم)، حياة تضمّ كل الكائنات و الطبيعة كاملة، الحيوانات، "شقيقنا القمر"، "شقيقتنا الشمس"، عصافير الحقول، الفقراء والمستغَلُّون- جميعا على إرادة الاستبداد والفساد. نجد أنفسنا من جديد في ما بعد الحداثة في وضعية القدّيس فرانسوا، مع بهجة الحياة ضدّ بؤس السلطة. إنها ثورة لن تستطيع أية سلطة أن تراقبها لان البيُوسياسة و الشيوعية، التعاون والثورة، بكل بساطة، "صامدون هنا" جنبا لجنب بكل حب و بكل براءة. ذلكُم الوضوح الذي لا لبس فيه وغبطة أن تكون شيوعيّا.
تعريب: صلاح الداودي، عن النسختين الانغليزية و الفرنسية
#صلاح_الداودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمهورية التونسية المؤقتة: شعير حرية كرامة بهيمية
-
المثقف الثوريّ شيء ومثقف الخدمات شيء آخر
-
كان يجب ان تموت
-
دستور الأغلبية = الشهداء ⁺ (المقاطعين ₊ غير المش
...
-
نداء إلى المعطلين عن العمل في تونس: لا افلاس ولا كساد يا عصا
...
-
هيئات العمل الثوري باردو 2: لا لبرالية ملوّنة ولا دكتاتورية
...
-
نداء هيئات العمل الثوري في اعتصام باردو 1: الوطن الآن
-
بيت الشهيد
-
ثورات شهيدة أم ديمقراطيات وليدة: الدول العربية المنتقلة إلى
...
-
حول النقاب في الجامعة التونسية: حريتك أوسع عندما تقبل بحقوق
...
-
حرّيتك تبدأ عندما تحصل على حقوقك وعلى حقوق الآخرين.
-
لا حبّ إلاّ حبّك
-
لا مستقبل للأمل الثوري دون ولادة يسار ثوري
-
الحق في الشغل هو الحق في الحياة
-
بالامس بطالة وغدا كساد
-
ضد الليبرالية الملونة: لنتحالف مع الشهداء من أجل توسيع جبهة
...
-
من أجل دستور ثوري يجسّد ديمقراطية الجماهير الجذرية
-
هل تتجدد أحلام الشهداء؟
-
التسعيرة الفورية لأسعار اللحوم الشهيدة في الجنوب الغربي التو
...
-
دفاعا عن الشعب التونسي الحر مرّة أخرى: برقية عاجلة إلى مؤسسة
...
المزيد.....
-
ردًا على ترامب.. المكسيك في طريقها لفرض رسوم جمركية انتقامية
...
-
رئيسة المكسيك تحذر من عواقب وخيمة للرسوم الجمركية التي فرضته
...
-
شولتس يستبعد أي تعاون مع اليمينيين المتطرفين
-
تديره شركة إماراتية.. حقل غاز شمالي العراق يتعرض لهجوم دون إ
...
-
كندا والمكسيك.. ردة فعل انتقامية
-
عودة 300 -مرتزق روماني- من الكونغو بعد مشاركتهم في دعم الجيش
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تفجير مبان ومقتل عشرات المسلحين في الض
...
-
الخارجية الأمريكية: روبيو أبلغ الرئيس البنمي بأن ترامب لا ين
...
-
سيدة تلتقي بأطفالها لأول مرة منذ 6 أشهر بعد تحرير قريتها في
...
-
مينسك لا ترى أي مؤشرات لنشوب عدوان عليها
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|