أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - كلمة سحرية تتحدى الزمن














المزيد.....

كلمة سحرية تتحدى الزمن


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1059 - 2004 / 12 / 26 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


الزمن يتحرك وبعض الكتب الجيدة تبقى . تحرك الزمن طويلا نحو ألفي عام وجرف معه قصورا ، وعواصم ، وأسماء ملوك ، وسير حروب ، ولم يستطع أن يجرف معه اسم " لوكيوس أبوليوس " صاحب " تحولات الجحش الذهبي " . وانقضى نحو مائتي وخمسين عاما ومازالت أعمال " جوناثان سويفت " مقروءة . للكتب خاصية عجيبة كأنها العمل السحري الوحيد الذي يبطل سير الزمن ولا ينتهي أثره ، يتحرك الزمن أعمى ، ويجرف كل شئ أمامه ، ثم تفاجئه من خلفه بعض الكتب سليمة لم تمحى سطورها . العام الذي نودعه كان حافلا بكتب كثيرة جيدة . وحين أعود بالذاكرة إلي تلك الكتب ، بشكل انتقائي لا أكثر ، أتذكر رواية " في انتظار البرابرة " للكاتب جي كوتزي الحائز على نوبل عام 2003 ، التي يقول فيها إن : " كل المخلوقات تأتي إلي العالم حاملة معها ذكرى العدالة " ، ويواصل كوتزي بحثه عن تلك العدالة التي يولد الناس بذكراها في هذه الرواية ، وفي رواية أخرى صدرت عن دار الهلال هي " حياة وزمن ما يكل " . وقد اختتم العام أيامه الأخيرة برواية جابريل جارثيا ماركيز القصيرة " " ذكريات عن نسائي الحزينات " التي ترجمها طلعت شاهين . وفي تلك الرواية الممتعة يؤكد ماركيز أن الحب أحد أسرار الأدب العظيم التي تجعله باقيا . في روايته يتساءل ماركيز ذلك الشيء الرئيسي الذي تصبح رحلة الزمن من دونه حالة خواء ، وفراغ مؤلم ، ومجرد تواجد في الزمن ، بلا معنى ، حتى لو كان ذلك التواجد محاطا بالشهرة والشبع والطمأنينة ؟.
يتخير ماركيز – في بحثه عن إجابة - بطله الراوي عجوزا بلغ التسعين ، صحفيا معروفا ، يحيا وحيدا ، لأن علاقاته الغرامية العابرة لم تدع له وقتا للحب . يحس هذا العجوز فجأة أن عليه أن يعب من نهر الحب ، وأن يمنح نفسه ربما للمرة الأخيرة ليلة عشق مجنونة مع مراهقة صغيرة . تساعده على تحقيق غرضه صاحبة بيت لهذه الأعمال يعرفها منذ زمن بعيد ، وتعد له ما أراده : صبية في الرابعة عشر من العاملات الفقيرات في مصنع لحياكة أزرار القمصان . أرادها العجوز عذراء ، لأنه لم يكن يفتش عن ليلة حمراء ، بل عن حب طاهر ونقي ، حتى أنه رقد إلي جوارها مرة واثنتين دون أن يلمسها . يقع العجوز في غرام الصبية ، ويقول لنفسه : " كنت أعرف دائما أن الموت حبا أمر مسموح به فقط في الشعر ، إلي أن اكتشفت أنني أنا نفسي العجوز ، الوحيد ، كنت أموت حبا " . هذه الصبية الصغيرة تحيل حياته إلي شئ آخر تماما ويغير حبه لها من " التوجهات الروحية لمقالاته الأسبوعية "، ويصبح كل ما يكتبه لها هي ، أيا كان الموضوع الذي يكتبه ، ومن أجلها هي صار يبذل في كل كلمة حياته كاملة ، ويقرأ على سمعها مخطوطاته ، ويحكي لها حياته . الحب الذي ينشده ماركيز : " ليس الجنس ، لأن الجنس مجرد إرضاء للنفس عندما لا يحصل الواحد منا على الحب" . الحب عنده اكتمال الكائن بنصفه الآخر بالمشاركة والفهم . يقول ماركيز : " لا تموت دون أن تجرب جمال حمل عبء الحب " ، ويقول : " ليس أتعس من الموت وحيدا " ، ولهذا تقول إحدى نساء الرواية : " إنني أنظر الآن إلي الأيام الخوالي ، وأرى طابورا من آلاف الرجال الذين مروا بسريري ، وأجد أنني على استعداد لأن أدفع روحي ثمنا للبقاء مع أسوأ من فيهم " . يحاول ماركيز أن يجعلنا نكتشف معه الحقيقة التي يعرفها منذ زمن ، وهي أن الموت ، والوحدة ، هما قدر الإنسان ، وليس للإنسان سوى الحب يواجه به ذلك القدر، وبفضله يصبح لكل شئ معنى ، حتى وإن كان ذلك الحب " عبئا " . إن الحب ، أو قصة اكتمال الكائن ، هي أحد الأسرار التي يتحدى بها كل عمل عظيم حركة الزمن . ويدعو ماركيز الناس لكي يدركوا أن عليهم أن يبحثوا عن ذلك الشعور الملهم قبل أن يفوتهم قطار الزمن ، وإلا أصبحت الحياة مجرد زمن " للتقلب على النار ومواصلة شواء النفس " . والأعمال والكتب التي تبقى هي تلك الأعمال التي تدفعك لفتح نوافذك والتطلع إلي السماء بحثا عن نجم يومض بعيدا ، ويلمع وهو يصهر نفسين متباعدتين في بوتقة واحدة ، بحيث يغمرك الندم على كل ساعة مرت في حياتك من دون هذا الشعور الملهم ، ومن دون جمال ، وقلق . من كتب العام الماضي تجنبت الإشارة إلي الأعمال الجميلة التي صدرت عندنا ، لأن التوقف عندها دون غيرها أمر انتقائي بحت . فلنأمل أن يأتي العام القادم بكتب أكثر ، وأجمل .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -- قصة قصيرة - بط أبيض صغير
- من تثقيف العسكر .. إلي عسكرة المثقف
- كعك أمريكي لسكان الفالوجة
- ياسر عرفات .. تغريبة أخيرة
- ليلة القبض على العريش
- عبد الحليم قنديل .. اختطاف الحقيقة
- محطة الضبعة ومستقبل مصر
- العالم يحتفل بمئوية تشيخوف
- صفحة الحوادث والأدب الروائي
- القمة والقمامة في مصر
- ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
- نموذج بولاق .. لسيادة العراق
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
- وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - كلمة سحرية تتحدى الزمن