|
إشكالية المجاميع الليبرالية الكويتية
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 10:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
تتميز التوجهات الليبرالية الكويتية، كمجاميع نشطة فكرياً مع محدودية التأثير السياسي الشعبي الفعلي وبصفة عامة، بخاصية مفقودة في كل التوجهات الليبرالية في العالم حسب علمي المتواضع. فهذه الخاصية، ويال العجب، لا نراها إلا ضمن الأنظمة الديكتاتورية أو اليمينية واليسارية المتطرفة أو التوجهات المذهبية والعقائدية. فالنزعة المبالغ فيها نحو (عبادة الإشخاص) وتحت مسميات أو مصطلحات (الرموز) أو التزكيات أو شعارات الانتماء الحركي من دون مضمون فكري واضح وصريح أو حتى النزعة الخجولة نحو القداسة الحركية الأيديولجوية (إن صح هذا التعبير)، هذه كلها تبدو واضحة جداً لكل مراقب من بعيد لممارسات هذه المجاميع الكويتية ومنتسبيها بكافة أطيافهم. فـ “الكلمات” أو "الخُطب" أو الطرح أو المشاريع سوف تكتسب (قدسية) من نوع ما عند هؤلاء بغض النظر تماماً عن المحتوى والمضمون لصاحبها لا لشيء إلا لأن هذا “الشخص” بالذات قد نطق بها أو تبناها حتى وإن كان المحتوى الفكري لهذه الكلمات أو ذلك الطرح يبدو هلامياً وغير متماسك حتى في أذهانهم وأفهامهم. فـ “الموضوع” هو موضوع أشخاص وأسماء وليس محتوى أو مضمون أو توجه أيديولوجي وفكري ناضج وواضح. فليس من الغريب مثلاً، تحت دعاوى الليبرالية، أن نرى هذه المجاميع تستقتل في الدفاع عن “شخص” بالحق وبالباطل حتى وإن كان هذا الشخص واضح التواضع في الفكر وفي الطرح وفي المشاريع، لا لشيء إلا لأن المظلة التي تحتويه (تحتويها) تتبنى شعار “الليبرالية”. عندها تتحول كل محاولات النقد إلى معارك طواحين الهواء، وتتبدل المعايير العقلانية للنصر والهزيمة حتى يغدو وصول شخص متواضع في كل شيء إلى قبة البرلمان “نصر” ومحاولة نقده (نقدها) هي ضمن (حرب) من “المعسكر الآخر“. وهذا يقود بالضرورة إلى ذوبان وتهميش اطروحات النقد الذي كان يوجهها التيار الليبرالي بالذات إلى التوجهات الدينية والقبلية والمذهبية متهمة إياهم بتواضع الأشخاص الممثلين لهم مع انعدام الرؤية وغياب مشاريع التنمية والطرح المنطقي العقلاني، ثم لتنتهي هذه المجاميع الليبرالية لتشارك هي فيها بفعالية من خلال “دعم” واضح وجلي لكل من يمثل هذه الصفات بعينها وبتمامها ولكن بملابس ليبرالية فضفاضة. هذه الممارسة بالذات هي صفة لازمة ومميزة لكل التيارات العقائدية والمذهبية والقبلية في الكويت على وجه الخصوص. فالمجاميع القبلية التي تفرز أشخاصاً من خلال الانتخابات الفرعية العنصرية هي في النهاية ممارسة ولاء لـ “أشخاص” بغض النظر تماماً عن المضمون الفكري. والمجاميع المذهبية التي تساق للتصويت بسبب دعوى عقائدية أو عمامة سوداء هي في النهاية ممارسة ولاء لـ “أشخاص” حتى وإن كانوا بادين التواضع الفكري والعملي. فالتيار الليبرالي الكويتي، والذي للأسف أصنف نفسي من ضمنه، أصبح منخرطاً في نفس الممارسات القبلية والمذهبية الانتخابية على الساحة السياسية، ولا فرق جوهري. بالطبع، قد يكون العذر بأن غياب المرجعية الفكرية السياسية التي تتعالى على الأفراد قد أدى إلى هذا الحال. ولكن، ومع الإقرار بجوهرية هذا السبب، فإن المجتمع الكويتي هو مجتمع مفتوح ثقافياً ومعرفياً ويتمتع بقدر من الحريات غير متاح في المحيط الجغرافي المجاور له. وهذا كان يجب أن يقود المجاميع الليبرالية إلى مرحلة “نضوج” سياسي وفكري على محاور متعددة، إلا أن هذا لم يحصل. فالمجتمع الكويتي، وإن تعددت فرصه المعرفية والثقافية، لا يبدو وكأنه يرغب أو يقبل في أن يخرج من عبائته (الشرق-أوسطية) في الولاء القبلي أو المذهبي أو العِرقي في المفاهيم والمعايير. وهذه خاصية عربية بجدارة قد لاحظها الباحثون منذ سنين طويلة. فقد كتب حافظ الجمالي منذ أكثر من ثلاثين سنة عن الحالة السورية الآتي: “من الغريب أن تسبقنا مصر إلى الاتصال بالحضارة الغربية أكثر من قرن، ثم ننظر فإذا بنا معاً نتحرك على مستوى واحد من العلم أو اللاعلم، من المعرفة أو اللامعرفة؟ أوليس خطيراً أن تكاثف الأيام والجهود والإيفادات والاطلاع لا يتقدم بنا خطوة واحدة إلى الأمام، ونظل دوماً كما لو تماسنا بالحضارة العالمية الطويل المدى نسبياً يظل كالتماس القصير المدى أو كعدم التماس معاً“. وهذا الاقتباس، كما هو واضح، هو وصف للحالة الكويتية بدقة متناهية. إذ لا يبدو أن تماسنا مع الحضارة الغربية التي تعالت عن الأشخاص لصالح الأفكار والمضامين قد أثر فينا بشكل كبير. ولا يبدو أن حوالي ستين سنة من الإيفادات إلى الدول الغربية قد نجحت في ترسيخ المفاهيم الليبرالية التي تنظر إلى المضمون بدلاً من الشعارات في أذهان المجاميع الليبرالية الكويتية. فكل شيء يتحرك ضمن الإطار المعياري لـ “القبيلة” حتى وإن كان هؤلاء الرجال حليقي الذقون طويلي الثياب أو النساء سافري الشعور والوجوه. وحتى لو استنكرت هذه المجاميع تلك الأطر المعيارية ظاهرياً، فإن الممارسة تنقض هذا الادعاء وتؤكد الانتماء المعياري القبلي لأنها، ببساطة ووضوح، منخرطة فيها قلباً وقالباً. فلا شيء في المضمون يوحي بتبدل القناعة حتى وإن بدت على السطح القشور الليبرالية. الإشكالية الحقيقية لـ الليبرالية الكويتية في جزئية منها هي غياب الأطر الفكرية المؤسسة للمنهج والاستعاضة عنها بـ “أشخاص”، ولكن الإشكالية الأعظم تتبدى في الاستعداد الفكري والنفسي للعودة إلى الوراء في الممارسات حتى وإن كان التعرض لـ “الحضارة” طويل الأمد.
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة المعنوية لقمة الهرم السياسي الكويتي كما هي عليها اليو
...
-
مقالة في الفرق بين التمدن والتحضر
-
المشكلة المذهبية في مجتمعات الخليج العربي
-
الذهنية السياسية الشعبية الكويتية المتناقضة … الموقف من معتق
...
-
في مشكلة الائتلاف والاختلاف ... الحالة الكويتية كنموذج
-
الآراء الاستشراقية في نقد النصوص المقدسة الإسلامية
-
مقالة في أن الحرية لا بدّ لها من قانون يقننها
-
أن الحرية ذات المنشأ الديني هي حرية أنانية بالضرورة
-
المنهج الليبرالي وضرورات الإيمان والإلحاد
-
الرأي العام في السياسية المذهبية والدينية
-
في أوهام الشعار الإسلامي (صالح لكل زمان ومكان)
-
المشكلة العرقية في المجتمع الكويتي
-
المشكلة السياسية في الكويت
-
الخطاب التمجيدي الإسلامي
-
ضرورة إعادة قراءة وصياغة الفقه الإسلامي
-
والشعب أيضاً كان يريد إسقاط النظام أيام عثمان بن عفان
-
الحرية التي نريد
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|