الناصر عبد اللاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3569 - 2011 / 12 / 7 - 09:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن العولمة بما تحمله من تقدم تقني اثر الزخم الهائل للشركات العملاقة وما يعرف بعصر العولمة والتواصل ,هدا التحول قدأثّر في التوجه الهابرماسي الفكري والسياسي وخصوصا في مسألة الهوية التي اقتضت ضرورةانخراط الرأي العام في النقاش من جهة"وضع أنظمة لجمع الاخبار وتخزينها في بنوك المعلومات ,ميلاد صناعة خاصة بالوسائط المعلوماتية وتفوقها من الناحية المردودية على الصناعة الكلاسيكية,عولمة الفضاءات الثقافية". فالمجتمع الذي يفكرمن خلاله هابرماس ليس مجموعة اقتصادية من المنتجين والمستهلكين ،وإنما هو بالأساس "شبكة من الأفعال التواصلية "
و هذا ماجعل هابرماس يعرف العمل على نحو مغاير للتصورات المادية , إذ يعتبره "نشاط عقلاني موجه لهدف وغاية ,والذي ينقسم بدوره إلى جزأين فعل أداتي*يخضع لقواعد تقانية واختيار عقلاني ينتظم وفقا لإستراتجيات قائمة على معرفة تحليلية. ولهذا تحددت ملامح الهوية التي شكلت المواطن البرجوازي الذي تصبح فيه الرأسمالية"وهوعبارة على فضاء لخلق مجالات جديدة للهوية باعتبارها مجال القرارات الفردية وغير الممركزة.والتي تعطي رؤية جديدة للأنساق المتفتحة باعتبارها الخيار القادر على أن يقدم البديل للواقع لإنساني ما بعد الحداثة باعتبار أن علماء الاقتصاد السياسي المعاصر الذين أدركوا أن العالم يتزايد بسرعة في إطار العولمة
فهذا التسارع الفكري والمعرفي والتقني الذي ساد عصرنا اليوم بكل ما تحمله دلالة العولمة من تطور اقتصادي ومعلوماتي قد شعلت من الهوية اكثر المسائل تعقيدا وتناؤلا في نفس الوقت نظرا لما تحمله من صلابة فكرية وايتيقية وثقا فية وذلك أن العولمة قد ساهمت في تقليص الفوارق الحدودية والقومية والدينية في الآن نفسه ." لقد ادى ضغط سياسة اقتصاد السوق في عديد البلدان الأوروبية على ايجاد حلقة مفرغة ،فقر متنامي ،نسق حماية اجتماعية ضعيفة ومساهمات جبائية في تراجع"
والاخذ بالاختلاف كتصور جديد يرقى بمستوى الخطاب الفكري إلى التنوع والتعدد الذي يقصي من جهته الخطاب الاحادي والكلياني والشمولي وذلك في الاخذ بالاعتبار تصاعد أهمية الدور الفعّال للمواطنين من حيث الانفتاح الاقتصادي والابداع الفكري الذي يقترن بحضوري الفاعل وذلك وفق قول هابرماس"لاتستطيع الدولة ذات السيادة الاستفادة من اقتصادياتها التي كان عليها في السابق ولزمن طويل التأثير السياسي بعد نزع الطابع الوطني الاقتصادي أي بصفة خاصة بعد عولمة شبكة الاسواق المالية والانتاج الصناعي نفسه ،فقد فقدت الدولة القومية الدور المتمثل في مراقبة شروط الانتاج العامة
وهذا ما يجعل من الهوية ظاهرة معقدة يتاولها الفلاسفة والمفكرون بمنظورات مختلفة، فهابرماس شغفه بالهوية نابعا أساسا الحقوق الثقافية التي يمكن أن تفهم مثل الحقوق الشخصية الضامنة لكل المواطنين المتساوين ضمن الفضاء الثقافي أو ما يمكن أن نطلق عليه العلاقات بين الأفراد والتي تجمعهم تقاليد مشتركة والتي من شأنها أن تطور الهوية الشخصية,الحقوق الثقافية لاتعني ببساطة "الكثير من التباين"و"كثير من التمركز الذاتي"
وهذا التمشي الإشكالي في تخريج مسألة الهوية يتفق مع مقاربة هابرماس في مستوى بلورة المشروعية من خلال إعادة البناء وبالتحديد الفصل الأول المعنون ب"المادية التاريخية "إذ يقول" ليس التمييز الذاتي نفسه هو الذي يمثل أساس إثبات الهوية الخاصة بقدر ماهو التعرف الذاتي المعترف به بينذاتيانفسه يتطلب الاعتراف المتبادل بين أفراد المجموعة التشكيلية العلائقية أنا-أنت-نحن.ليس ذلك عديم النتائج بالنسبة لتشكل الهوية الجماعية ،فيما يتعلق بالتعبير عن الهوية الجماعية . الفضاء العمومي الذي يقرفيه بالتذاوتية كأفق يتسع للهويات الجماعية إذ يؤكد على أهمية دور الاشخاص"في بناءهويتهم وفق نظام تذاوتي ,يتشكل من خلاله الواقع الاجتماعي بالتفاهم" فهذا التناول الطريف لمسالة الهوية يكشف عن البعد التداولي ذات الطابع الانفتاحي والذي يقر من خلاله أن الهوية لم يعد لها وضع نهائي .
مفهوم التسامح في معناه البسيط ولد في النص الكامل في حرب الاديان لأروبا والتي تحددت في فلسفة هابرماس "بأعتبارها نموذج كتفكير يعنى بتنوع الثقافات الذي لا يختزل التجمعات اليهودية المعزولة "
نلاحظ أن هابرماس وإن حاول أن يرقى بالبحث في مسألة الهوية إلى مدارها العالمي يظل متحيزا للإبستيمية الأروبية وهذا واضحا في بلورته لمفهوم المشروعية ضمن الفضاء العمومي الذي يسعى فيه لوحة أوروبية ضمن سؤال مركزي الثقافات لها القدرة على تأمين كل المواطنين في الحلة التي يختارون فيها الأفراد بالاساس هويتهم الشخصية ويحددون بالقدر ذاتها المشاركة في المساواة بكل نزاهة والسؤال الأساسي يرتبط بفهم الفرد أو المجموعة المعنية ويشترط منا- كمواطنين في العالم -أن نكون متيقظين وواعين بذلك إذا تعلق الأمر بمعيار الموافقة. يمكن تصور وتحديد مجموعة ما ككلية بصورة حصرية بحيث تعيش بالفكرة القائلة بأنها تضم كل المساهمين المحتملين في التفاعل .
هذا التصور الهابرماسي كما تأوله جاكلين يتناسب مع العبارة الواردة في كتابه "بعد ماركس" والذي أكد" إننا في الحالات القصوى نقتصر على أن نطلب من الشخص المعني أن يعلن هو نفسه عن هويته طالما ينكر هذا الشخص الهوية التي تنسب إليه بصورة افتراضية ،لايمكن أن نعرف إطلاقا ما إذا كان يرفض فقط أن يعترف بهويته الخاصة ،وأما إذا كان بوسعه أن يحافظ على تلك الهوية "
وإنّما تظل رهينة التأويلات المختلفة لها في تقديرنا يظل رهين إثراء الهويات الذي ينبع أساسا من التفاعل الخلاّق المقترن بالفهم من جهة انبثاق المعقولية داخل ما توفره إمكانيات اللغة التداولية من عمق نظر في إثراء المنهج الفلسفي .بمستجدات المناهج الالسنية وابنائية بإخراج جديد يؤكد على ثراء الفكر الإنساني.
وهدا التمشي قد ساير عولمة الثقافة والهوية وضرورة التعايش بين الشعوب جنبا إلى جنب دون إقصاء أو تهميش.ولكن تناوله لمسألة الهوية لايقطع مع تصوّره السياسي وخصوصا إننا قد شاهدنا تطور مستمر في فكر هابرماس في مسائل الشرعنة وبالتحديد مفارقة السيادة والمواطنة من جهة بلورة الشرعية الجديدة واستحواذ مفهوم المواطنة على الحقل السياسي .
و السؤال الذي يطرح :مامبررات طرح مسالة المواطنة اليوم ؟
ولبلورة هذا الإحراج السياسي وجب علينا اختزال آليات عملنا ضمن جملة من المبررات.
المبرر الأول يتصل بتأزم أركان السيادة الوطنية في عالمنا المعاصر من خلال تناولها التقليدي إذ اهتزّ معها الشعور بالانتماء القومي والديني بمعنى قد فقد الجنس والعرق والدين اليوم بريقه داخل التصور الجديد للمواطنة.
فإذا كانت المواطنة تتحدد في المجال الفيدرالي كشكل اتحاد اختياري بين مجموعة من الدول تكون اثرها السلطة موزّعة دستوريا بين حكومة مركزية وحكومات إقليمية والتي تقوم على دستور يعرف بالدستور الاتحادي .وهذا راجعا بالأساس إلى وعي الدول الأوروبية "لمحدودية تأثيرها منفردة في السوق العالمية والقرار السياسي العالمي "
المبرر الثاني: يتصل بمفهوم السيادة ذاتها التي حملت على أفق تأسيسي وتشريعي من خلال حضور فكرة الوطن الذي اقترن في التصور التعاقدي بالقومية والاستقلالية.فهذا التصور حسب هابرماس لم يعد يسمح بملاقاة الأفق الجديد للشرعية مما دفع على إعادة النظر في الجغرافيا السياسية الجديدة عن مواطنة جديدة تلائمها. و هذا مايبرر تجديد الخطاب المعاصر الذي يتفق مع مستجدات العصر والذي يسبعد علاقات العنف والقوة بعلاقات الحوار والجدل .
وهذان التبريران يتطلب منا أولا تحديد مبدأ الخطاب في شكله البرهاني والذي يعني بالأساس "حصر علاقات القوة بين الأطراف بطريقة تضمن المساواة بينهم بشأن إمكانيات المشاركة في المفاوضات والدفاع عن مصالحهم." ويضيف إلى ذلك مبيّنا أهمية الشروط التي تكون أكثر تلاؤما مع التفاوض التي تكون رهينة المصلحة وإذا تم تحقيق ذلك في ظل هذه الشروط ,يصبح التوافق أكثر إنصافا , بحيث يمكن أن بأن شرعية أي توافق تتطلب على الأقل شروطا منصفة يتم التفاوض فيها , مادام التوافق يفترض أيضا دوام التناقض بين المصالح موضوع الصراع ولايلغيها
وهذا ما جعل هابرماس يعترض على كانط في تصوره للمواطن الكوني"إذا اعتبرنا حدود الدولة على أنّها سيادة لاتقهر ,تصوّركانط أنّ اتحاد المواطنة العالمية بما هي فيدرالية دول وليس بماهي فيدرالية مواطنين عالميين"وهذا التحول يرتبط عند هابرماس بمفهوم المشروعية في الدول الحديثة والذي يحدد مدار اشتغالها في مايطلق عليه هابرماس (بنى الدول الرأسمالية) وكيفية انتقالها داخل المجتمعات الرأسمالية المتطورة
وهذا الطرح يفضي إلى أنّ الشرعية ضرورية صلاحية قابلة للنزاع يحدد الاعتراف بها.والنزاع شرط أساسي في الدول ذات الخصوصية الحقوقية .إذ أنّ الشرعية تشتمل في إطار الدول الدستورية الحديثة على المعارضة كطرف سياسي مقابل وهذا ما يرسخ"قابلية النزاع" .
وإذا عدنا إلى دلالة المواطن في تصور هابرماس نجده يكمن "أن مفتاح الحق لدى المواطن العالمي يكمن في كونه يعني منزلة الحق الفردي للذوات ,مؤسسين لهم انتماء مباشر إلى جماعة المواطنة العالمية الحرة والمتساوية .
إذ لايمكن أن نعزل مفهوم المواطن على مفهوم الكونية .فالمواطنة في التصور المعاصر لم تخرج عن دلالة الإنسان الحر وإنما أضافت إليه القيّم الحقوقية الكونية التي تتساوى بين النّاس جميعا إضافة إلى أنّهم يتمتعون بحق العيش الكريم وبحرية ويتساوون في الحقوق والواجبات
ويمكن أن نجد تصور يقترب في تناوله لمسألة الهوية من المسلكية التي انتهجها هابرماس وأعني بالتحديد ستيفان كاستلاس:"يلزمنا نموذج جديد للمواطنة العالمية يمكنه ان يحطم الرابطة بين الانتماء والإقليمية :على الأفراد أن يكونوا قادرين على ممارسة حقوقهم من جهة كونهم كائنات بشرية وليس من جهة كائنات قومية...متعدد الثقافات بالمعنى الذي يعترف فيه بالتنوّع العرقي والهويات المتعددة*.
#الناصر_عبد_اللاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟